ابن باجة.. العالم الذي قتلته الغيرة والحقد
هو أبو بكر محمد بن يحيى الملقب بابن الصائغ الشهير بابن باجة، عرفه علماء الغرب في القرون الوسطى باسم افمباس، وهو يعد من أشهر علماء العرب في الأندلس المنشغلين بالفلسفة والمنطق، اشتهر بعلمه بالفلسفة والطب والرياضيات والفلك، ويقال إنه لُقّب بالصائغ لأنه كان يعمل صائغا في بداية حياته وهي مهنة عائلته، وعندما أصبح شابا رحل إلى إشبيلية، حيث أقام بها وعكف على تأليف العديد من المؤلفات في المنطق، والطب، وشرح الأدوية والتداوي، وعمل بالطب وقيل إن ذلك كان سبب موته مسموما.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
نشأته
ولد بمدينة سرقسطة وقد اختلف المؤرخون في سنة مولده وقد رُجح أنه ولد في سنة 503 هـ 1110 م، وتعلم العلوم الشرعية ودرس الطب والفلك والفلسفة، وكان قد اشتغل بها أمدا وبعد أن أغار ألفونس الأول على مدينة سرقسطة هاجرها، ثم سافر إلى غرناطة وأقام بها حينا ثم رحل إلى المغرب، اشتهر أمره في ذلك الوقت بمعرفة الفلسفة والشعر والموسيقى. وقد ورد في تاريخ الحكماء، (للمكاري) أنه كان وزير يحيى بن أبي بكر حفيد يوسف بن تاشفين، ولكن هذه الرواية مشكوك في صحتها، لأن يحيى كان أمير فاس في عهد جده يوسف ثم فرَّ من فاس عام 1107م بعد وفاة جده؛ نتيجة خلافات مع عمه علي بن يوسف صاحب الإمارة بعد جده يوسف.
آراء العلماء في ابن باجة
ذكر لنا ابن أبي أصيبعة، عن حياة ابن باجة في كتابه عيون الأنباء، أنه من أشهر علماء عرب الأندلس الذين اشتغلوا بالطب والفلسفة وذكر أن ابن الصائغ أول من انتفع بحكمة المشارقة من العرب فهو أول من أشاع العلوم الفلسفية في الأندلس بغير نزاع.
وقد اعترف بفضله ابن طفيل الذي لم يعاصره، إنما خلفه بعد بضع سنين، وقال عنه لم يخلق أثقب ذهنا ولا أصحّ نظرا ولا أصدق رؤية من أبي بكر الصائغ، وذكر ابن طفيل ما كان عليه ابن باجة من توقد الذكاء وسعة الفكر، وأنه فاق أهل عصره وأسف عليه لأنه توفي وهو في ريعان شبابه ولم يستطع فتح كل كنوز علمه، وقال عنه ابن خلدون: ابن باجة من أكبر فلاسفة الإسلام في الأندلس.
ورغم ثناء أفاضل أهل العلم في عصره إلا أن ابن الصائغ لم يسلم من ذم البعض ممن أعماهم الحسد والحقد، فقد اتهمه الوزير الفتح بن خاقان في كتابه قلائد العقيان، بالزندقة والإلحاد، وقد صدقه العامة، كما كان لعمل ابن باجة في الطب السبب في غيرة بعض الأطباء من مشاركته صنعتهم مثل أبي العلا بن زهر الطبيب.
مؤلفات ابن باجة
تعتبر رسالته في تدبير المتوحد من أشهر مؤلفاته على الإطلاق، وقد تحدث في هذه الرسالة عن العوامل التي تؤثر في الإنسان وتدفع العقل على التفكير، وشرح غاية الوجود الإنساني وغاية العلم وهما التقرب إلى الله.
وقد ألف العديد من الكتب ذكرها ابن أبي إصبعية: فمنها كتب في الطب والرياضيات والحكمة وشروح لبعض كتب أرسطو في الطبيعيات وحوادث الجو وكتب في البداية والنهاية، أما الكتب التي لم ينجزها وذكرها ابن طفيل فكثيرة منها ما هو في المنطق وكتاب في النفس ورسالة الاتصال، ورسالة الوداع.
شرح أيضا كتاب الأدوية المفردة لابن وافد وهذه الشروح قد استفاد منها كثيرا ابن البيطار، وكذلك شرح كتب تاريخ الحيوان وتاريخ النبات، كما ألف ابن باجة كتبا في الهندسة، وقد فقدت معظم هذه المؤلفات ولم يصلنا من هذه الكتب سوى كتابين هما:
مجموعة في الفلسفة والطب والطبيعيات توجد منها نسخة في برلين وأخرى في أكسفورد.
رسالة الوداع مفسرة بالعبراني.
فلسفة ابن باجة
تتلخص فلسفته في أن كل الأحياء يشاركون الجمادات في أمور، وكل إنسان يشارك الحيوان في أمور، لكن الإنسان يتميز عن الحيوان غير الناطق والجماد والنبات بالقوة الفكرية ولا يكون إنسانا إلا بها، وأن بين الإنسان والحيوان رابطة كالتي بين الحيوان والنبات والتي بين النبات والجامد، أما الأعمال البشرية المحضة والخاصة بالإنسان دون سواه فهي الناشئة عن الإرادة المطلقة.
المدينة الفاضلة في رسالته (تدبير المتوحد)
افترض في رسالته (تدبير المتوحد) وجود مدينة فاضلة أو الحكومة الكاملة هذه المدينة المثالية ليست بحاجة إلى أطباء أو قضاة، فأهل المدينة الكاملة ليسوا في حاجة إلى المداواة، لأنهم لا يتناولون من الغذاء إلا ما يوافقهم، ولذلك لا توجد أمراض. أما الأمراض الخارجة عن الإنسان، أي التي تصيبه بدون تفريط منه، فإنها تزول بذاتها وسبب الاستغناء عن القضاة لأن العلاقات بين أبناء المدينة أساسها المحبة والرقي في المعاملات فلا يقع الخلاف بينهم، والحكومة الكاملة كفيلة بأن يبلغ الفرد فيها مراتب الكمال، لأن الكل يفكرون بأعدل وسائل التفكير، وينظرون إلى الأمور أدق نظر، ويطيع كل فرد ما تأمر به القوانين.
وفاته
توفي ابن باجة وهو شاب ودفن في فاس عام 533 للهجرة، 1138 ميلادية. وروى بعض مؤرخي العرب أنه مات مسموما، قضت عليه غيرة وحقد أقرانه في الطب سنة 533ﻫ.