ابن الرومي.. شاعر الهجاء الذي رحل مسموما بشعره
This browser does not support the video element.
يعد ابن الرومي أحد أشهر الشعراء العرب، ليس فقط في العصر العباسي بل في التاريخ، إذ تمتع بموهبة شعرية واضحة ومتفردة، ربما كان سر بزوغها كم المآسي التي تعرض لها الشاعر العباسي في حياته، والتي شكلت وجدان هذا الشاعر الشهير.
نشأة وحياة ابن الرومي
ولد أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، في عام 836م في العراق وتحديدا في بغداد، إبان فترة الحكم العباسي، لأب ذي أصول رومية وأم صاحبة أصول فارسية.
انجذب ابن الرومي منذ كان صغيرا إلى جلسات العلم والأدباء، حيث ساعده شقيقه الأكبر على ذلك، فيما اتجه الطفل إلى تعلم الفلسفة في البداية قبل أن يغوص في أعماق الشعر والرواية، ويصبح أحد أشهر الشعراء في تاريخ العرب.
يرى البعض أن البراعة الشعرية التي تميز بها ابن الرومي قد أثقلتها الأزمات والكوارث التي تعرض لها الشاعر على مدار حياته، إذ فقد والده ثم والدته في سن صغير قبل أن يفقد زوجته وأبناءه بعد سنوات، كما احترقت ممتلكاته وأفسد الجراد زرعه، علما بأنه كان مسرفا لذا تسبب وحده في إضاعة أغلب أملاك والده.
خصائص شعر ابن الرومي
تسبب كم المآسي التي عايشها الشاعر العربي العباسي في إظهار الشجن والحزن الذي عاناه، إلا أن أشعاره تنوعت ما بين المدح والهجاء والرثاء والتفاخر رغم ذلك، علما بأنه اهتم كثيرا بفخامة اللغة ودقة الوصف والمعاني، حيث اشتهر بوصف النماذج البشرية التي تحيط به، واصفا المغني والخباز والصياد وكذلك الأحدب، بل ووصف الأكلات المحببة للبشر مثل الفواكه على سبيل المثال.
بدت أشعاره في بعض الأحيان قاسية على من يتعرض للهجاء، ما زاد من شهرة الشاعر الساخر الذي لجأ إلى أساليب طريفة في بعض الأحيان ليصل بالمعنى النقدي للقارئ، علما بأنه برع في أشعار الثناء والمدح على الحكام، حيث كانت حينها وسيلة معروفة لكسب الأموال.
مؤلفات ابن الرومي
تتعدد القصائد والمؤلفات الخاصة بابن الرومي، حيث قال في الهجاء:
يقتر عيسى على نفسه
وليس بباق ولا خالد
ولو يستطيع لتقتيره
تنفس من منخر واحد
كما قال أيضا:
قصرت أخادعه وطال قذاله
فكأنه متربص أن يصفعا
وكأنما صُفعت قـفـاه مرة
فـأحس ثانية بها فتجمعا
كذلك برع ابن الرومي في هجاء المجتمع ككل، حيث وجه النقد إلى الأشخاص الذين لا يتصفون بالعدل والذين ينصرون المنافق على صاحب العقل:
طـار قـوم بخفة الوزن حتى
لـحقوا خـِفـةً بـقـاب العقاب
ورسا الراجحون من جِلّة الناس
رُسوَّ الجـبال ذات الهضـاب
جـِيـَف أنتنت فأضحت على اللجـة
والدرُّ تحتها في حـجـاب
كما قال في مرة:
ضحك الربيعُ إلى بكى الديم
متهللٌ زجلٌ تحنّ رواعد
يا حبّذا النرجسُ ريحانة
وهاجرة بيضاءَ يُعدي بياضُها
وليلٍ غشا ليلٌ من الدجن فوقَه
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى
ومن نكبة لاقيتُها بعد نكبة
دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ
ودائعَهُمْ إلا لكيلا تُضيَّعا
خير ما استعصمت به الكفّ عضبٌ
وصفراء بكرٍ
لاقذاها مغيَّبٌ
يا خَلِيلَيَّ تَيَّمَتْني وَحيدُ
ومسمعٍ لا عدمتُ فرقتَه
شاهدت في بعض ما شهدت مُسمع
نجَّاكَ يا ابن الحاجِبِ الحاجب
رثاء ابن الرومي لابنه
أما فيما يخص أشعار وقصائد الرثاء، فقد تميز فيها ابن الرومي كونها وصفت بدقة مشاعره الخاصة بعد فقدان أبنائه وزوجته، حيث قال عن وفاة ابنه الأوسط:
توخى حمام الموت أوسط صبيتي
فلله كيف اختار واسطة العقد
كذلك قال عن فقدان الأبناء:
أولادنا مثل الجوارح أيها
فقدناه كان الفاجع البين الفقد
لم يغفل ابن الرومي الحديث عن الصداقات والغدر، حيث قال:
عدوك من صديقك مستفاد
فلا تكثرن من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه
يحول من الطعام أو الشراب
إذا انقلب الصديق غدا عدوا مبينا
والأمور إلى انقلاب
وفاة ابن الرومي
بينما كان ابن الرومي من أشهر شعراء الهجاء في عصره، فإن بعض الحكام قد شعروا بالقلق من إمكانية توجيهه لكلمات النقد لهم، لذا قام الوزير أبو الحسين القاسم في خلافة الإمام المعتضد، بوضع السم بين طعامه، ليرحل عن عالمنا في عام 896م.
توفي ابن الرومي عن عمر يناهز الـ60 مسموما، بعد أن أثرى العالم العربي بأشعار وقصائد شديدة التنوع والتأثير، فما بين معاني الرثاء المؤثرة وكلمات الهجاء القاسية، صار الشاعر العباسي من أشهر شعراء العرب منذ أكثر من 1000 عام وحتى وقتنا هذا.