ابن البيطار.. صاحب الموسوعة النباتية ورئيس الصيادلة بمصر والشام
هناك في (ملقا) المدينة التي تقع على الشاطئ الجنوبي بالأندلس (إسبانيا)، كانت ولادة ابن البيطار عالم النباتات ورائد طب الأعشاب والصيدلة في ذلك الوقت، والذي قام بغرس النباتات النادرة في الحدائق، وساح في أرجاء الأندلس والمغرب، وآسيا الصغرى، واليونان والشام لمعرفة ودراسة عالم النبات، ووصف 1400 نبات وتحدث عن العلاج بها، ثم أصبح رئيسًا للصيادلة بمصر والشام بالدولة الأيوبية في عهد الملك الكامل.
من هو ابن البيطار؟
هو كما ذكر لنا الذهبي وابن أبي أصيبعة، صاحب كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء «هُوَ الْحَكِيم الْأَجَل الْعَالم أَبُو مُحَمَّد عبدالله بن أَحْمد المالقي النباتي أوحد زَمَانه وعلامة وقته فِي معرفَة النَّبَات وتحقيقه واختياره ومواضع نَبَاته ونعت أَسْمَائِهِ على اختلافها وتنوعها»، اشتهر بابن البيطار نسبة إلى حرفة أبيه فقد كان يعمل بالبيطرة (علاج الحيوانات)، وقد تعلم ابن البيطار حرفة البيطرة في صغره، لكنه لم يكن يحب العمل بها، فقد كان منذ نعومة أظافره يعشق النباتات ويتأملها ويلمس أوراقها، صحب ابن الرومية عالم النباتات بإشبيلية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ولد ببلدة “بن المدينة” التابعة لمدينة ملقا في عام 593 هـ 1197 م، تعلم العلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم في الصغر، وعندما أصبح في سن العاشرة عشق النباتات وملاحظتها، وزارهم وقتها ابن الرومية ليعالج فرسه، وعندما عرف ابن البيطار أنه عالم النباتات الشهير بإشبيلية بدأ ينهال عليه بالأسئلة عن النباتات، فتنبأ ابن الرومية أنه سيصبح عالما من علماء النباتات والأعشاب وقد صدقت نبوءته.
سكن إشبيلية، وتجوّل في نواحي المغرب، وآسيا الصغرى، والشام، ثم دخل في خدمة الملك الكامل الأيوبي في مصر.
رحلة طلب العلم عند ابن البيطار
يعد ابن البيطار أعظم علماء النباتات في عصره، بل وفى القرون الوسطى كلها، فقد ساهم بإسهامات عظيمة في مجالات الصيدلة والطب. وقد بدأت رحلة علمه وهو في سن العشرين عندما صحب أستاذه ابن الرومية في زيارة إلى غرناطة لدراسة النباتات، وأثناء الزيارة أغار الفرنجة على مدينة ملقا بقيادة ألفونسو، فأسرع ابن البيطار إلى أهله فوجدهم بخير فقرر أن يرحل من بلاد الأندلس هو وزوجته (خضراء) وأهله إلى مدينة سبته (تقع على مدينة جبل طارق) واستقر به المقام بها، وأستأجر لأبيه دكانًا ليمارس فيه البيطرة.
وهناك قابل ابن الحجاج عالم النباتات الشهير ببلاد المغرب العربي، فصحبه وتعلم منه وقد أبلى بلاء حسنا في طلب العلم فنصحه ابن الحجاج، بأن يسافر إلى بلاد اليونان والرومان ليرى الأعشاب ويسجل أوصافها، فوافق وطلب من ابن الحجاج أن يعلمه اللغة اللاتينية، وبعد أن تعلم اللغة وأصبح مستعدًا، طلب من والديه الإذن في الرحيل بعد أن رزق بالمولد الثاني، فذهب إلى إيطاليا أولًا وجاب بلاد اليونان وبلاد الرومان، ومكث بها 7 سنوات يسجل أوصاف وأشكال النباتات المتعددة.
بعدها قرر الرحيل إلى الشام طالبًا المزيد من المعرفة عن النباتات بالشام، وقد وقع في حب غوطة الشام ووصفها بأجمل الأوصاف، ثم قرر أن يستأنف رحلته الاستكشافية بزيارة مصر، وعندما علم الملك الكامل الأيوبي بقدومه أمر بإحضاره، ورحب به وطلب منه أن يلتحق بزمرة العشابين بالبيمارستان الناصري (المستشفى) وأسكنه بجزيرة الروضة بجوار النيل (حي المنيل أحد أحياء القاهرة العريقة)، وسرعان ما اكتسب ثقة الملك الكامل فاعتمد عليه في المسائل الطبية وجعله رئيسًا للعشابين في بر مصر.
وأستأذن ابن البيطار الملك الكامل في استقدام أهله، ثم توفي أبوه بعد أن علم بأمر سقوط الأندلس. وبعد وفاة الملك الكامل قرر الرحيل مع زوجته، إلى غوطة الشام حيث استقر به المقام إلى أن توفي في دمشق سنة 646 هـ 1248م.
مؤلفات ابن البيطار
تعد الموسوعة النباتية المسماة بالـ«الجامع لمفردات الأدوية والأغذية» من أهم ما ألّف، ومتن الكتاب عبارة عن معجم أبجدي للأغذية والأدوية، ذكر فيه الأدوية المفردة وأسماءها، باللغة العربية واللاتينية، وقواها، ومنافعها، وبين الصحيح منها وما وقع الاشتباه فيه.
ويعتبر هذا الكتاب كنزًا لا يوجد في عالم الأدوية كتاب أجلّ ولا أجود منه، فقد ألّفه بعد دراسات طويلة، اعتمد فيه على أكثر من 150 مؤلفًا ذكر فيها ما كتبه ديسقوريدس وجالينوس، كما ذكر ما ألفه ابن جلجل والغافقي وغيرهم من العلماء، وهو أكمل ما ألّف العرب في علم الصيدلة وطب الأعشاب والتداوي وأكثرها تفصيلاً، وهو يضم أكثر من 2330 مادة جمع فيها كل ما ذكره سابقوه من الإغريق والعرب عن الأدوية، وأضاف عليها 300 دواء لم يُشر إليها أحد قبله، وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية والفرنسية والألمانية.
له كتاب آخر وهو “المغني في الأدوية المفردة”، وهو عبارة عن بحث مختصر في الأدوية مرتب حسب مداواة الأعضاء المريضة يتناول الأعضاء وما يصلح لعلاجها، وذكر الأدوية التي تعالج الحمى والسموم.