إن كنت تدير شركة ناشئة لا تتصرّف وكأنها شركة كبرى
يبدو أنّ لا أحد لا يملك شركةً ناشئة هذه الأيام. أنا بنفسي الشريك المؤسس لموقع www.Melltoo.com وهو شبكة تواصل اجتماعي تصل المشترين بالباعة في سوق الأغراض المستعملة وأعترف أن الموقع شركة ناشئة. قبل تأسيس "ميل تو" Melltoo، شاركت أيضاً في تأسيس عملين تجاريين آخرين ونجحت في بيعهما، أحدهما مقهى شعبي في وسط مدينة لوس أنجلس والآخر شركة استيراد وتصدير لتجارة السكاكر بين جنوب شرق آسيا وأوروبا. ومع أنني بنيت مع شريكي هذين العملين التجاريين من الصفر وبعتهما بسرعة وبشكل مربح، لم يكونا شركتين ناشئتين.
خلافاً للرأي العام، لا تعني التكنولوجيا بالضرورة شركة ناشئة. إذا كنت شريكاً مؤسساً لشركة ناشئة، من المهم أن تفهم ما الذي يميّز الشركات الناشئة عن الأعمال التجارية الأخرى. فغالباً ما يؤدي سوء فهم هذه النقطة إلى استراتيجية عمل معيبة ومكلفة على المدى الطويل.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ميل تجاه النمو والتوسّع
إنّ الفرق الأكبر بين الشركات الناشئة والأعمال التجارية التقليدية هو الميل إلى النمو. فمعظم الشركات الناشئة تميل نحو التكنولوجيا لأن هذه الأخيرة تتيح إمكانية أكبر للتوسّع ما يتيح بدوره إمكانية النمو. أما العمل التجاري القابل للتوسع، فهو قادر على زيادة عائداته من دون الحاجة إلى زيادة الاستثمار. فموقع تجارة إلكترونية مثلاً لا يحتاج إلى المزيد من الموظفين للانتقال من تسلّم عشر طلبيات إلى ألف طلبية في اليوم، خلافاً للمطعم الذي يتطلب توظيف خادم وطاهٍ إضافيين لكل مئة طلبية إضافية. إنّ الميل تجاه التوسع والنمو هو ما يشكل ركيزة الشركات الناشئة كافة، وكل ما تبقى يستند إلى ذلك.
الأهداف التجارية: الربحية أو النمو
إنّ الهدف الأساسي من العمل التجاري التقليدي هو تحقيق الربحية في أسرع وقت ممكن. في البداية، تهدف الأعمال التجارية إلى النمو، ولكن، فيما يزداد نموّها، تبدأ بخفض نفقاتها وزيادة إنتاجيتها لزيادة الدخل الصافي. أما في الشركات الناشئة، فالهدف الأساسي هو النمو، وذلك غالباً على حساب الربحية. وتشكل "أبر" Uber و "أمازون" Amazon خير مثال على ذلك، حيث لم تمانعا في خسارة المال من أجل زيادة حصتهما من السوق وسحق منافسيهما.
المقاييس التجارية: تكلفة البضاعة المباعة (COGS) أو تكلفة اقتناء عميل (CAC)
في كلا مطعمي وشركة الاستيراد والتصدير، كنت أركز بشكل وثيق على تكلفة البضاعة المباعة (COGS) والنفقات التي شكلت المقاييس الأساسية للربحية وبالتالي استخدمتهما لتوجيه عملية صنع القرار. هل يزيد مورد القهوة الأسعار عليك؟ تعامل مع مورّد آخر. هل الضرائب على السكّر مرتفعة جداً في منطقة معينة؟ ابحث عن طريقة للتعامل مع الوضع. أما اليوم في "ميل تو"، فأركز على تكلفة اقتناء العميل (CAC) ومعدل الاستنفاد (أي كمية المال التي يتم إنفاقها لتبقى الشركة الناشئة شغالة). أضع الآن تركيزي على النمو، لذا أنا بحاجة إلى لمضاعفة مواردي وخفض معدل الاستنفاد عبر إيجاد قناة اقتناء العملاء ذات التكلفة الأقل وأعلى عائد على الاستثمار (ROI). وفي حين أن المنطق التجاري يقول إنّه لا يجدر بي أن أنفق على تكلفة اقتناء العميل أكثر مما أنفق على القيمة العمرية للعميل الواحد (LTV)، إلاّ أنه لا بأس بذلك على المدى القصير إذا كان سيعود علي بمزيد من النمو.
التمويل الرأسمالي: المصارف أو رأس المال المغامر
أسمع شكاوى لا تعد ولا تحصى من شركات ناشئة حول التمويل في المنطقة. تشتكي كلها عن صعوبة تأمين الاستثمار والنقص العام في المال المتوفر للشركات الناشئة هنا. لا شك في أنني أتعاطف معها بما أنني أجمع حالياً في "ميل تو" الجولة الأولى من التمويل الخارجي. ولكن، بالعودة إلى جهودي التجارية السابقة، سعيت وقتئذٍ للحصول على قروض من المصارف بدلاً من البحث على التمويل من المستثمرين منذ فترة ليست بطويلة. تتطلب القروض ضمانات وسداد على الوقت ومعاملات لا تنتهي يجب إنجازها. في المقابل، من الممتع أكثر بكثير التعامل مع مستثمرين دائمي الانشغال من التعامل مع مصرفيين سيئي المزاج. وفي حين أنّ الأسهم تكلف أكثر على المدى الطويل من الفائدة، إلاّ أنّ امتلاك 100% من لا شيء يبقى لا شيء، في حين أن سداد فائدة 10% على أي شيء أمر سيء من دون شك.
ا
الكل يعرف دوره في العمل التجاري التقليدي.
الأشخاص المعنيون: فريق أو موظفون
في الأعمال التجارية التقليدية، تكون مناصب العمل كناية عن أدوار محددة مسبقاً يملؤها الناس. في الشركات الناشئة، الناس هم من يخلقون الأدوار التي يحتلونها. في الأعمال التجارية التقليدية، تصمم الأدوار بشكل يخولها من احتمال تغير الموظفين. فمتى استقال أحدٌ، يتم توظيف شخص آخر. في الشركات الناشئة، عندما يغادر أحدٌ، يُدمر هذا الدور لكي يعيد خلقه شخصٌ آخر. زبتعبير آخر، الشركات الناشئة منظمات مرنة تتغير وفقاً للناس المعنيين فيها. وذلك ينطبق بشكل خاص على الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة ويستمر حتى تنمو الشركة إلى حجم يصبح فيه إنشاء هيكلية للشركة أمراً لا مفر منه. ومن أبرز الفوارق الأخرى بين الاثنين أنه في الأعمال التجارية التقليدية، يطلب الموظفون أعلى راتب ممكن. أما في الشركات الناشئة، فيكون أفراد الفريق على استعداد أن يضحوا بقبول راتب أدنى نسبياً على حساب أسهم الشركة، لأنهم يهتمون لأمر الشركة الناشئة بقدر ما يهتم لها المؤسسون.
المنتج: تحرك بسرعة وكسّر كل ما في طريقتك (المرونة Agile أو الاندفاع Waterfall)
أما من حيث المنتج، فيمكن توضيح الفرق بين الأعمال التجارية التقليدية والشركات الناشئة بالشكل الأفضل عبر المقارنة بين نموذجي الاندفاع والمرونة في تطوير البرمجيات. في نموذج الاندفاع (في الأعمال التجارية التقليدية)، يتم إتمام كل مرحلة من التطوير واختبارها وإتقانها قبل الانتقال إلى المرحلة التالية. وعادة ما يكون المنتج النهائي أفضل ما يمكن أن يصبح عليه. أما في النهج المرن، يمكن التقدم إلى مراحل والرجوع عنها في عملية التطوير. وتكون فيه مراحل التخطيط سريعة، ولكن، غالباً ما تتم العودة إليها في وسط عملية التطوير عندما لا ينجح أمرٌ ما. ويتم تطوير مزايا من مراحل مختلفة في الوقت عينه ومن ثم التخلي عنها على الرغم من الخطط الموضوعة. ما من شيء يُدعى منتجاً نهائياً في نهج المرونة، بل الإصدار "الأخير" لا غير. ويكون عادةً الإصدار الأول أقل إتقاناً، ثم تتبعه بسرعة إصدارات لاحقة يتم فيها إصلاح الأخطاء وإضافة مزايا جديدة.
لقد أوضح زوكربورغ، مؤسس "فيسبوك"، ذلك بالشكل الأفضل بقوله: "تحرك بسرعة وكسّر كل ما في طريقك". فلأن الشركات الناشئة تركّز على النمو، من الضروري أن تتحرك بسرعة، وبقيامها بذلك، تكسر كل ما في طريقها وتغير اتجاهها أكثر من مرة. تتبع المنتجات فيها نموذج "أطلقها بسرعة، وأطلقها كل ما سنحت الفرصة" لتبقى مرنة وتتجاوب فعلاً مع احتياجات السوق المتغيرة وآراء المستخدمين.
إنّ السرعة التي تتغير بها الأعمال اليوم هي السبب الذي جعل من الشركات الناشئة تصبح النموذج الطاغي على ريادة الأعمال. غير أنّه ليس كل من أسس عملاً تجارياً بات لديه شركة ناشئة. لم تولد كل الأعمال التجارية لتنمو بسرعة وتتوسع. لذا، إذا كنت تدير شركةً ناشئة، احرص على ألا تديرها كعمل تجاري تقليدي وإلاّ ستصبح شركتك في نهاية المطاف مجرد عمل تجاري تقليدي.