إفريقيا في مواجهة وباء كورونا.. حاجة ماسة إلى دعم أكبر
يبلغ المتوسط العالمي للأشخاص الذين حصلوا على الأقل على الجرعة الأولى من لقاحات كورونا قرابة 11 بالمائة، لكن هذه النسبة تصل إلى أقل من 2 بالمائة في إفريقيا. وفي الوقت الحالي فإن أقل من 0.6 من سكان القارة الإفريقية قد جرى تطعيمهم بشكل كامل في إفريقيا بعد الحصول على جرعتي اللقاح، وفقاً لبيانات منظمة (Our World in Data) المعنية بجمع البيانات.
معدلات متدنية
في بعض الدول الإفريقية مثل تنزانيا وتشاد لم يتم حتى الآن إطلاق حملات للتطعيم ضد الوباء، بينما بدأت حملات التطعيم لتوها في دول أخرى مثل بوركينا فاسو ومدغشقر. وتؤدي مثل هذه الأرقام إلى تزايد الشعور بالإحباط حيال تحسن الأمور في إفريقيا.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وفي تحذير شديد اللهجة، قالت منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي إن حملات التطعيم ضد كورونا في إفريقيا على شفا التوقف. وهو ما يؤكد عليه ريتشارد ميهيجو الذي يشغل منصب رئيس برنامج التحصين وتطوير اللقاحات التابع لمنظمة الصحة العالمية في إفريقيا، في مقابلة مع DW.
ويضيف ميهيجو أنه من بين 66 مليون جرعة كان من المفترض أن يتم إرسالها إلى إفريقيا بموجب "مبادرة كوفاكس" بنهاية مايو/ آيار الماضي، لم يتم تسليم سوى 19 مليون لقاح. وإجمالاً، فإنه قد تم إرسال 49 مليون جرعة من اللقاحات إلى 51 دولة إفريقية، فيما يأخذ لقاح استرازينيكا نصيب الأسد من اللقاحات يليه جونسون أند جونسون ثم فايزر-بيونتيك وسينوفاك الصيني.
وقد تم إرسال هذه اللقاحات إلى الدول الإفريقية أما عبر التبرعات أو عقود ثنائية. بيد أن العديد من الدول الإفريقية لا تمتلك الموارد المالية للتفاوض لشراء لقاحات كورونا من الشركات المصنعة لهذه اللقاحات. كذلك فإن عدم إرسال لقاحات كورونا إلى إفريقيا بموجب مبادرة كوفاكس أو تدني الأمر يحملان آثاراً خطيرة ومتضاعفة على الدول الإفريقية.
وفقاً لبحث قامت به DW، فإن أوغندا على سبيل المثال قد تسلمت 864 ألف جرعة من لقاحات كورونا بموجب مبادرة كوفاكس وهو لا يكفي لتطعيم 2 بالمائة من سكان أوغندا للمرة الأولى وقد تم بالفعل نفاذ هذه الجرعات. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن عشر دول إفريقية قد استخدمت كافة جرعات اللقاحات التي تم إرسالها عبر مبادرة كوفاكس مثل بتسوانا وساحل العاج وسوازيلاند وليبيا وليسوتو والمغرب وناميبيا ورواندا وتوغو وتونس.
أين تكمن المشكلة؟
وقد وصلت أولى شح نات لقاحات كورونا إلى الدول الإفريقية عبر آلية كوفاكس مع بداية هذا العام، لكن عمليات التسليم والإمدادات قد توقفت في مارس/ آذار الماضي. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن آلية كوفاكس ستعاني من عجز قد يصل إلى قرابة 190 مليون جرعة بنهاية يونيو/ حزيران الجاري.
ويعود هذا النقص الكبير في المقام الأول إلى قرار الهند بوقف عمليات تصدير اللقاحات عقب استفحال وباء كورونا فيها. وينتج معهد سيروم الهندي لقاح كورونا الخاص بشركة الأدوية البريطانية السويدية العملاقة أسترازينيكا، وكان المعهد الهندي المصدر الرئيسي الأهم للقاحات كورونا في إفريقيا.
لكن لا يبدو أن نقص اللقاحات السبب الرئيسي لتدني معدلات التطعيم في إفريقيا، وفقا لميهيجو الذي يؤكد أن حملات التطعيم كانت نموذجية في دول إفريقية مثل مصر وغانا ورواندا ونيجيريا. ويضيف رئيس برنامج التحصين وتطوير اللقاحات التابع لمنظمة الصحة العالمية في إفريقيا بالقول: "استخدمت 15 دولة أقل من نصف جرعات كورونا التي تم إرسالها، بينما دول أخرى مثل بنين والكاميرون وإفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وغينيا وجنوب السودان وجزر القمر فلم تستخدم سوى 10 بالمائة من جرعات لقاحات كورونا".
ويبدو أن بعض الدول تعمل على توفير اللقاحات لصالح الجرعات الثانية لمن تلقوا الجرعة الأولى من اللقاحات، رغم أن منظمة الصحة العالمية توصي بأن الأهمية تكمن في إعطاء الجرعة الأولى لأكبر عدد من الناس.
في هذا السياق يقول ماتشيديسو مويتي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في إفريقيا: "في الوقت الذي ندعو فيه إلى مساواة في توفير اللقاحات، فإن إفريقيا يجب أن تستغل كافة امكانياتنا لتحقيق اقصى استفادة من الأمر. يتعين علينا إيصال كافة الجرعات إلى الناس".
ومن بين العوامل الأخرى التي تسببت في تأخير حملات التطعيم، عدم وجود بنية تحتية مناسبة لهذه الحملات بما في ذلك نقص الطواقم الطبية المدربة وانتشار الشكوك حيال التطعيمات.
كذلك فإن الصراعات التي تعصف بدول إفريقية مثل إثيوبيا ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية تعيق جهود التطعيم. فعلى سبيل المثال، أُرغمت جمهورية الكونغو الديمقراطية في نهاية أبريل/ نيسان الماضي على نقل ما يقرب من 1.3 مليون جرعة صالحة الاستخدام من لقاح أسترازينيكا إلى دول أخرى بسبب عجز حكومة الكونغو عن إدارة حملات لتطعيم الناس قبل تاريخ انتهاء صلاحية هذه الجرعات.
وكان هذا نفس السيناريوا تقريبا الذي حدث في دولة ملاوي عندما تم التخلص من قرابة 17 ألف جرعة من لقاحات كورونا. وتعزو السلطات هذا الأمر بشكل رئيسي إلى انتشار الشكوك بين الناس حيال المخاطر الصحية المحتملة جراء تلقي لقاح أسترازينيكا.
كيف يمكن تدارك الأمر؟
ويمكن مساعدة الدول الإفريقية في مواجهة هذه الأزمة عبر تعزيز مبادرة كوفاكس بغض النظر عن مشاكل توزيع اللقاحات أو الشكوك حيالها. وفي هذا السياق، دعت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي المجتمع الدولي إلى مشاركة لقاحات مع الدول الإفريقية من أجل تلبية احتياجات القارة لمواجهة الوباء.
وقد تمت جمع 1.9 مليار يورو (2.3 مليار دولار) في شكل موارد مالية إضافية خلال مؤتمر كوفاكس الافتراضي الأربعاء الماضي. ويعد هذا الرقم أقل مما يأمل فيه القائمون على المبادرة لكنه كافيء لشراء 1.8 مليار جرعة لتمهيد الطريق أمام تطعيم قرابة 30 بالمائة من شعوب البلدان الفقيرة بحلول مطلع العام المقبل.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد تبرعت العديد من الدول الصناعية التي اشترت كميات كبيرة من اللقاحات قيد التصنيع من خلال عقود مع مصنعي اللقاحات، بشكل مشترك بأكثر من 54 مليون جرعة تم شراؤها بالفعل. وفي هذا الصدد، دعا وزير الصحة الألماني ينس شبان إلى التضامن في توزيع لقاحات كوورنا خلال اجتماع مع وزراء صحة مجموعة السبع في بريطانيا هذا الأسبوع. واضاف الوزير الألماني: "لن نكون في مأمن حتى يصبح كل شخص في العالم في مأمن".
وأشار شبان إلى أن بريطانيا يجب أن تفتخر "بما تطورته في أكسفورد،" في إشارة إلى العمل الذي قامت به جامعة اكسفورد بالتعاون شركة أسترازينيكا للأدوية لتطوير أحد لقاحات كورونا. بيد أن الوزير الألماني شدد على أن القضية المهمة تكمن في كيفية تطوير هذه اللقاحات تحت مظلة تعاون دولي لتكون هذه اللقاحات متاحة للعالم بأسره.
وفي هذا الصدد، لم تقدم بريطانيا التي تتولى رئاسة مجموعة السبع حالياً أو الولايات المتحدة على تصدير جرعات من لقاحات كوورنا. واعلنت الولايات المتحدة مؤخراً أنها تدعم الرفع المؤقت لبراءات اختراع اللقاحات المضادة لكورونا في خطوة مفاجئة وإيجابية بالنسبة للدول الإفريقية التي طالما دعت إلى هذا الأمر.
ويبرز أهمية الخطوة الأمريكية فيما سيترتب على رفع مصنعو اللقاحات براءات الاختراع إذ أن هذا يعني اتاحة المزيد من اللقاحات في سائر العالم وانتاج لقاحات محلية في الدول الإفريقية فحتى الآن كافة اللقاحات في إفريقيا تأتي عبر التصدير وليس التصنيع المحلي.
أما ألمانيا فترغب في تعزيز انتاج اللقاحات في الدول الإفريقية. وخلال زيارته لجنوب إفريقيا التي استفحل بها وباء كورونا، أكد وزير الصحة الألماني في مقابلة مع DW على أن السبيل الوحيد لمساعدة إفريقيا في مواجهة الوباء يكون عبر التعاون وليس براءات الاختراع.
إينيس إيزيل/ م.ع