أصداء "المنطقة الآمنة"في إسطنبول: هنا الخوف... ونقيضه!
أيام قليلة في إسطنبول كفيلة بدمجكَ في بيئة لاجئة شبيهة بتنوعها بالموزاييك السوري. هنا، ستجد الكردي السوري، المسيحي، العلوي والسني، وستلتقي المؤيد سراً للنظام وذاك الداعم جِهاراً لمعارضيه، ستجد الراغبَ بالعودة إلى سوريا اليوم قبل الغد وذلك الرافض لها "حتى ولو تثبّت الإستقرار". "مهاجر نيوز" إستطلع آراء العديد من السوريين اللاجئين في تركيا، وكانت جولة في ساحة تقسيم ومحيطها وصولا إلى جسر البوسفور، حيث يُترجم الإندماج السوري نجاحاً على أرض جاذبة للسياح والأتراك على السواء.
..."SU مَيْ بارد... SU مَي بارد". تنادي السيدة الثلاثينية محاولةً بيع المياه للمارة في نقطة مُشرفة على مسجد قيد البناء قرب ساحة تقسيم. قبل سنوات خمس قدِمَت إلى تركيا آتية من حي الميدان (دمشق)، تنقلت بين إنطاليا وسكاريا وصولاً إلى إسطنبول حيث تعيش اليوم مع زوجها وأطفالها الثلاثة. تشكو السيدة من غلاء المعيشة: "تعمل أنتَ وزوجتك والأولاد ولا تستطيع أن تؤمّن عيشتك. كل شيء غالي".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
"لا نرضى أن نحمل ذنوب أطفال صغار يبعدون عنوة عن أرضهم"
"الأم الشامية" كما تُفضل تسميتها لا تتلمس تمييزاً "دائماً" تجاه اللاجئين، ولكن "يتأتينا بعض الأتراك أحياناً ليقول لنا نحن أهل البيت والأولوية لنا في العمل". نسألها عن المنطقة الآمنة، هل تُمثل حلاً تجاه ما تصفه بالتمييز وغلاء المعيشة مثلاً؟ فتجيب: "أنا مع العودة إلى وطني حتماً، لكنني تماماً أيضا ضد المنطقة الآمنة، أشك أصلاً أنها لأجل السوريين، بصراحة أنا لا أصدق ذلك. وثانيا، كيف تؤمن منطقة آمنة وتُبعد عنها قسراً أبناءها، وتقتل أطفالَها. خُذ مثالاً القامشلي، فنحن عندنا أطفال ونحن لا نقبل بأن يُقتل أطفالنا لأجل أحد... ولا نرضى أن نحمل ذنوب أطفال صغار يبعدون عنوة عن أرضهم وبيئتهم".
تُفضل السيدة عدم إلتقاط صورة لها، وعدم ذكر إسمها، لكنها تُرشدنا إلى لاجئين يعملون على مقربة منها في أحياء متفرعة من تقسيم. "أبو علاء"، "ليث"، "أبو حسن" و"أسامة" أسماء معروفة في المحيط. منهم من يعمل في مطعم متخصص ببيع الشاورما، ومن يعمل في متجر لبيع الأجهزة المحمولة أو عاملاً في مكتب لإيجار السيارات والشقق وغير ذلك.
يتفق الشبّان على رفضهم إقامة أي منطقة آمنة. "أبو علاء" يقول لـ "مهاجر نيوز"، سأعود أنا وأصدقائي إلى سوريا الموحدة، لا إلى منطقة آمنة في هذه السوريا. نهاية العام ستجدنا في وطننا. في النهاية نحن لاجئون... وسنبقى لاجئين، بينما في بلادنا سنكون مواطنين، وثمة فارق كبير". "أبو علاء" كما "أسامة" من دمشق حي الميدان، "ليث" من اللاذقية و"أبو حسن" من حماة... خيارهم حاسم لناحية العودة.
قصص نجاح تُترجم إندماجاً في المجتمع التركي...
في الجانب الآخر للصورة من لا يُريد العودة مطلقا، وإن عاد فسيعود إلى حيث تكون للمعارضة كلمة، حتى ولو كانت العودة إلى المنطقة الآمنة. "مصطفى" 32 عاماً، إلتقيناه عند جسر البوسفور، وهو غالباً ما كان يتردد إلى تركيا قبل الأزمة السورية، ومع الحرب إستقرّ سكنه في بورصة (شمال غربي تركيا) وهو يدرس الآن في كلية الزراعة في هذه المدينة التي تُعد من أهم المدن الصناعية التركية. برأيه المنطقة الآمنة "كلام لامعنى له والذي يقول غير ذلك كاذب". مصطفى لا يُفكر بالعودة مطلقاً إلى سوريا "فما أنا عليه في البوسفور لن أحصل عليه في سوريا ولم أحصل عليه سابقاً أصلاً. ولو إفترضنا أنه لا بدّ من العودة فبالتأكيد لن أكون حيث يكون للنظام حضورٌ كما كان قبل الـ 2011... بل سأختار بإرادتي المنطقة الآمنة مكاناً للعيش".
عند ضفتي الجسور الرابطة إسطنبول الآسيوية بتلك الأوروبية ستجد الكثير من السوريين اللاجئين. ستصادف قصص نجاح تُترجم إندماجاً في المجتمع التركي. "أحمد" يتحدث عن تأثير اللاجئين السوريين في الإقتصاد التركي. يقول بثقة إننا أصبحنا فاعلين جداً في الإقتصاد التركي، ووجودنا يؤثر بصورة إيجابية كبيرة على الناتج المحلي وتحريك العجلة الإقتصادية (...) ومَنْ مِنْ اللاجئين إندمج وأصبح فاعلاً لا تُقلقه أي منطقة آمنة، كونه فاعلاً ونظامياً وطموحاً... وبالنسبة لي فأنا غير قلق، مع أنني أستبعد كثيراً إجبارنا على العودة أو ترحيلنا (...)".
الشيء ونقيضه هنا
ثمة من هو خائف من الترحيل وثمة ما لا يقلقه بتاتاً، وإستناداً إلى إستطلاع العديد من الآراء تبين أن من هو مندمج لُغةً وعملاً يبدو غير قلق من أي مناطق آمنة "الأتراك مشرفون عليها" كما قال "عادل"، بينما يصف "هوشنغ" وهو "كردي عفريني" -كما قَدَّم نفسَه- المنطقةَ الآمنة "بالسجن الكبير". برأيه: "العيش تحت حكم الأتراك صعب جداً، ولولا الظروف لما كُنت هنا، إنما للظروف أحكام. إقامتي غير نظامية وأخاف الترحيل إلى المنطقة الآمنة لكن لا خيار لدي. لا أملك النقود للذهاب إلى أوروبا وليست واثقاً من أن دفع مبلغ يقارب الألفي يورو للمُهربين سيُعطي نتيجة ويوصلني إلى هدفي (...)".
...في شارع الإستقلال السياحي، تتحلق مجموعة من الأكراد في حلقات دبكة وغناء وسط آلاف العابرين من السياح والأتراك. على مقربة منهم يقف "خورشيد" ممسكاً بهاتفه الخلوي مصوراً ما يجري. نسأله رأيه بالفلكلور "الكردي" في شارعٍ رئيسٍ "تركي"، كيف يُوَصّف المشهد؟ فيجيب: "هكذا نحن نتجمع ونجد فسحة لنا لنأخذ نَفّس. وهذه الحلقة تُشبه تجمعات أخرى. المؤيدون لنبع السلام ستجدهم معاً، المعارضون ستجدهم معاً، الطيور على أشكالها تقع... ويوماً وراء يوم ستُلاحظ ذلك إن كنتَ ممن يعيشون هنا. الظروف تجمع الكل معاً. المعيشة صعبة. فيها الكثير من التحدي اليومي. القلق رفيقنا نعم... لكن ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. والأمل هو السلام والإستقرار والطمأنينة... فهل سنحظى جميعاً بذلك؟ لنتأمل خيراً ونضيء شمعة (...)"، يختم "خورشيد".
خلدون زين الدين / إسطنبول-مهاجر نيوز