أحمد مطر.. شاعر الهجاء والسخرية الذي مات معزولا
يعد الشاعر أحمد مطر من أشهر شعراء العراق الذين ظهورا في العقود الأخيرة، حيث نجح في التسلل لقلوب القراء بفضل أسلوبه الساخر وجرأته غير المعتادة، والتي جعلت منه أحد أشهر الشعراء السياسيين في الوطن العربي، فكيف كانت بداية مطر وما هي أبرز أعماله؟
نشأة أحمد مطر
في عام 1954، ولد أحمد مطر بقرية التنومة الواقعة في مدينة البصرة العراقية، حيث نشأ وتربي في منزل يمتلئ بالأشقاء والذين بلغ عددهم 10 ما بين الصبية والفتيات.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
تأثر مطر كثيرا بمحل إقامته قرية التنومة، حيث وصفها مرارا وتكرارا بأنها إحدى أطيب وأرق بقاع الأرض، فعلى الرغم من مدى بساطة تلك القرية العراقية إلا أنها ساهمت في تشكيل وجدان الشاعر منذ كان طفلا، نظرا لأنه نشأ بين مظاهر الطبيعة فيها ما بين النخيل والقصب والبيوت البسيطة التي صنعت من الطين.
الشعر في حياة أحمد مطر
بدأ مطر كتابة الشعر في عمر المراهقة، حيث اتجه في البداية إلى الشعر الرومانسي الذي كشف عن مشاعره المتأججة في هذا الوقت، قبل أن يخترق الشعر السياسي ويبلي فيه بلاء حسنا ساهم في رواج كتاباته، إلا أنه اضطره إلى مغادرة بلاده دون إرادته، ليعيش بالكويت فترة قبل أن يواجه المصير ذاته من جديد ويتنقل إلى العاصمة الإنجليزية لندن، والسبب في كل مرة يبقى هجومه الحاد على السلطة وعدم رضاه عن الأوضاع في الدول العربية.
استغل مطر إمكانياته المذهلة في الشعر الساخر من أجل التعبير عن غضبه من الأوضاع في الشرق الأوسط، ليكشف عن ذلك في الكثير من الأشعار، ومن خلال عمله كمحرر ثقافي في جريدة القبس الكويتية، علما بأن خلال تلك الفترة تعرف مطر على رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير ناجي العلي، حيث توطدت علاقتهما سريعا وبقيا سويا خلال فترة النفي في لندن، وحتى رحل العلي عن عالمنا في عام 1987.
دواوين أحمد مطر
يملك مطر مجموعة كبيرة من الدواوين الرائجة، التي كانت سببا في شهرته وكذلك في تنقله بين البلاد، ومن بينها أحاديث الأبواب وولاة الأرض وأعوام الخصام وورثة إبليس، علاوة على الجثة ودمعة على جثمان الحرية وما قبل البداية.
تعد دواوين مطر التي حملت اسم لافتات من أشهر أعمال هذا الشاعر العراقي، حيث بدأ في إصدارها منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وحتى نهايات التسعينيات تقريبا من نفس القرن.
مختارات من شعر أحمد مطر
تتعدد الأشعار الملهمة التي قام مطر بكتابتها، لتلقى أفضل الاستقبال من محبيه، حيث نذكر له:
مَـرّةً، فَكّـرتُ في نشْرِ مَقالْ
عَن مآسِيْ الاحتِلالْ
عنْ دِفاعِ الحَجَرِ الأعزَلِ
عَن مدفَـعِ أربابٍ النّضالْ! وَعَنِ الطّفْـلِ الّذي يُحـرَقُ في الثّـورةِ
كي يَغْـرقَ في الثّروةِ أشباهُ الرِّجالْ!
قَلّبَ المَسؤولُ أوراقي،
وَقالْ: اجتنب أيَّ عِباراتٍ تُثيرُ الانفِعـالْ
كذلك قال أحمد مطر في أحد أشعاره:
قِفوا ضِدّي
دَعُوني أقتفي وَحْدي، خُطى وَحْدي!
أنا مُنذُ اندلاع براعِمِ الكلماتِ في مَهدي
قَطَعتُ العُمرَ مُنفردًا
أصُـدُّ مناجِلَ الحَصْدِ
وَما مِن مَوْردٍ عِندي لأسلحتي
سِوى وَرْدي
فَلا ليَ ظَهْرُ أمريكا
لِيُسندَ ظَهريَ العاري
وَلا ليَ سُلطةٌ تُوري
بِقَدْح زنادها ناري،
وَلا ليَ بَعدَها حِزبُ يُسَدِّدُ زَنْدُهُ زَندي
كذلك يقول أحمد مطر في أحد أشعاره ساخرا من عدم نشر كتاباته:
فكرت بأن أكتب شعرًا
لا يهدر وقت الرقباءِ
لا يتعبُ قلبَ الخلفاءِ
لا تخشى من أن تنشَرَهُ
كل وكالاتِ الأنباءِ
ويكونُ بلا أدنى خوفٍ
في حوزة كل القراء
هيأت لذلك أقلامي
ووضعت الأوراق أمامي
وحشدت جميع الآراء
ثمَّ بكلِّ رباطةِ جأشٍ
أودعتُ الصَّفحة إمضائي
وتركتُ الصَّفحة بيضاء!
راجعت النصَّ بإمعانٍ
فبدت لي عدة أخطاء
قمت بحك بياض الصفحة
واستغنيت عن الإمضاء!
كما يقول:
يَخفِـقُ الرقّاصُ صُبحًا وَمسـاءْ
ويَظنُّ البُسَطاءْ
أَنّـهُ يَرقصُ!
لا يا هـؤلاءْ
هـوَ مشنوقٌ
ولا يـدري بما يفعلُهُ فيهِ الهـواءْ!
وفاة أحمد مطر
بينما انتقل مطر إلى العاصمة الإنجليزية منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإن كم الشائعات التي تناولت احتمالية وفاته هناك لا تعد ولا تحصى، إذ تظهر تلك الأحاديث المتكررة من وقت لآخر، ليخرج بعض المقربين منه لنفي تلك الشائعات مؤكدين أنه بصحة جيدة.
في الختام، وسواء كنت تتفق مع آراء أحمد مطر ونقده اللاذع أحيانا والساخر أحيانا أخرى أم لا، فإن المؤكد أن الشاعر العراقي الشهير يملك موهبة قد لا تضاهى، ما جعله يخلد في قلوب الكثيرين من محبيه، حتى مع اختياره لحياة العزلة منذ سنوات.