أجملُ ما قيل في فصل الصيف من شعر

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الإثنين، 21 مارس 2022

This browser does not support the video element.

مقالات ذات صلة
متى ينتهي فصل الصيف 2023
فصل الصيف 2023 يبدأ اليوم فلكياً
بداية فصل الصيف 2024 فلكياً

سنجد في الشِعر من أحبَّ الصيف وانتظره ومن كرهه فاستعجل رحيله، كما سنجد رموزاً متنوعة وكثيرة حملها الصيف إلينا، فهو فصل الفاكهة والنضج والحصاد، إضافة إلى الحرِّ والشمس الحارقة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

لنتذكر معاً كيف رأى الشعراء والأدباء الصيف ورموزه، ولنتعرف على الحبِّ والأشواقِ الصيفية، ونستكشف صيف الوطن.

كلمات في وصف الصيف

وفي الأدب والشِعر أنَّ عمر الإنسان يمرُّ في فصولٍ كفصول السنة، فهو طفلٌ ومراهقٌ في الشتاء يثور رعداً ومطراً، لكنَّه بالماء يشق طريقَ الزهر، فيكون الشباب ربيعاً مزهراً فيه تتفتح تلك البراعم وتهدأ ثورتها وتكتسي بالحيوية.

أمَّا الصيف فهو الرشد حيث يحين الحصاد والقطاف وتتباطأ فيه الحركة، ليأتي الخريف مسقطاً أوراق الحياة اليانعة ومجففاً عظام الشجر.

لكن السنة تعيد نفسها والفصول تكرر ذاتها، أما الحياة فلا تكون إلا مرَّة واحدة إذا انقضى فصلٌ من فصوله فلا عودة له.

1- الصيف في شعر إيليا أبو ماضي

وفي الصيف يقول الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي كأنَّه يصف فصلاً من الحياة لا يعود ثانية إذا انقضى:

أيُّها المعرِض عن أزهارها لكَ لو تعلم يا هذا شذاها

أيُّها النائم عن أنجمها خلق الله لعينيكَ سناها

أيُّها الكابح عن لذّاتها نفسه هيهات لن تُعطى سواها

لا تؤجِّل لغدٍ، ليس غد غير يوم كالّذي ضاع وتاها

و إذا لم تبصر النفس المنى في الضحى كيف تراها في مساها؟

هذه الجنّة فاسرح في رباها واشهد السّحر زهوراً ومياها

واستمع للشِّعر من بلبلها فهو الشِعر الذي ليس يضاهى

ما أحيلى الصيف ما أكرمه ملأ الدنيا رخاء ورفاها

عندما ردّ إلى الأرض الصّبا ردّ أحلامي التي الدهر طواها

كنت أشكو مثلما تشكو الضّنى  فشفى آلام نفسي وشفاها

2- الصيف وطه حسين

لكن عميد الأدب الراحل طه حسين يرى في الصيف غير ما يراه غيره، فالصيف عند طه حسين فصل رخاء واسترخاءٍ ولهو، أما الشتاء فصل جدٍّ وعمل.

كما أنَّ للشعوب والحضارات فصولها، فيقول طه حسين في سلسلة مقالات تم جمعها في كتاب لغو الصيف وجدُّ الشتاء:

"كنا نلغو أثناء الصيف، فلنجِدَّ أثناء الشتاء، وما الذي كان يمنعنا من اللغو أثناء الصيف، وفي الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها، فتوشك أن تنام وتسير على مهل يشبه الوقوف، وفي أناة تضيق بها النفوس".

3- ليلة صيفية للشاعر عبد السلام العجيلي

يترك الشاعر السوري عبد السلام العجيلي رموز الصيف في الحياة والحضارات، ويصف ليلةً صيفية وسماءً صافيةً، فيقول في قصيدته (ليلة صيف):

يا بدر في هدأةِ الليلِ العريضِ هتكتَ سرَّ الحندسِ (الظلمة)

وطردتَ قطعانَ النجومِ عن الطريق الأقدس

لم تُبقِ منها في السماءِ سوى عيونٍ نعَّس

قد رصَّعتْ كبدَ السماءِ كأعينٍ من نرجسِ

أو طاقةِ الزهرِ النضيرِ على بساطِ السندسِ

يا بدرُ ، يا كوناً تقلَّبَ في الجمالِ الأنفسِ

نامَ الرعاةُ عنِ القطيعِ ومقلتي لم تنعسِ

وغفتْ مياهُ النهرِ في حضنِ الرمالِ الأملسِ

واستسلمَ السهلُ الفسيحُ إلى السكونِ المعرسِ

وأنا على ظهرِ الفراش كزهرةٍ في المغرسِ

الفكرُ يسري كالشذا  والروحُ رهنُ المحبسِ

نامَ الندامى ليلهمْ وانفضَّ رهطُ المجلسِ

والديكُ قد ملَّ الصياحَ وبُحَّ صوتُ الهجرسِ

والقريةُ البيضاءُ ترْقد في الضياءِ الأخرسِ

فقمِ اسكبِ النورَ النديَّ أغبُّهُ أو أحتسي

الحبُّ والفصول حراسٌ دائمون على أبواب القصيدة الغزلية

تمثل الفصول وأحوالها رمزاً غنياً من رموز قصيدة الغزل والحبَّ، فهذا شاعرٌ يرتدي الحبَّ معطفاً في الشتاء وهذا آخرٌ يجعل عيون الحبيبة مروحةً في الصيف.

وشاعرٌ يتمنى لو امتلك شهور الصيف ليزيد من خضرة عيون الحبيبة، دواليك... حتى لا تكاد قصيدة الغزل -الحديثة خاصةً- تخلو من الفصول وأحوالها.

1- نزار قباني له صيفان أو أكثر

يأخذنا نزار قباني في قصائد الحبِّ والغزل في رحلة عبر الفصول، فلكلِّ فصلٍ لديه دلالة ورمز، لكن للخريف عند قباني ميزة لا يأخذها غيره من الفصول، لذلك نراه يستعجل الصيف بالرحيل، فالصيف جفاء وفتور؛ يقول:

المطر يعني عودةَ الضباب، والقراميد المبلّلة، والمواعيد المبلّلة..

يعني عودتَكِ وعودةَ الشعر.

أيلول يعني عودة يديْنا إلى الالتصاقْ

فطوال أشهر الصيف كانت يدُكِ مسافرة!

أيلول يعني عودةَ فمكِ، وشَعْركِ ومعاطفكِ وقفّازاتكِ

وعطركِ الهنديّ الذي يخترقني كالسيفْ.

قباني يناجي البحر صيفاً

بيني وبينك اثنتان وعشرون سنةً من العُمْرْ..

وبين فمي وفمك حين يلتصقان تنسحق السَنَوات، وينكسر زجاجُ العمرْ..

في أيّام الصيف أَتمدّد على رمال الشاطئ وأمارس هوايةَ التفكير بكِ..

لو أنّني أقول للبحر ما أشعر به نحوكِ لترك شواطئَه، أصدافَه، وأسماكَه، وتبعني

لا تتكرري مثل الصيف

يبدو أنَّ لكلِّ فصلٍ من الفصول خصوصيته عند نزار قباني إلا فصل الصيف، فهو يراه ذاته كل عام لا يغير من نفسه شيء، فيعلن كرهه للصيف في واحدة من أكثر قصائده شهرة (القصيدة المتوحشة/أحبيني بلا عقد):

وكوني البحر والميناء، كوني الأرض والمنفى

وكوني الصحو والإعصار، كوني اللين والعنفا

أحبيني بألف وألف أسلوب ولا تتكرري كالصيف..

إني أكره الصيفا..

أحبيني وقوليها لأرفض أن تحبيني بلا صوتِ

وأرفض أن أواري الحبَّ في قبر من الصمتِ

أحبيني .. بعيداً عن بلاد القهر والكبتِ

بعيداً عن مدينتنا التي شبعت من الموت

أسبح كالأسماك في بحيرة عينيكِ

في قصيدته هذه يعقد نزار قباني صلحاً مع فصل الصيف ليؤكد أنَّه حبيبٌ في كل الفصول، يقول:

لن تهربي مني؛ فإني رجلٌ مقدرٌ عليكِ

لن تخلُصي مني؛ فإنَّ الله قد أرسلني إليك

فمرةً أطلعُ من أرنبتي أذنيك.. ومرة أطلعُ من أساورِ الفيروزِ في يديكِ

وحينَ يأتي الصيف يا حبيبتي

أسبحُ كالأسماكِ في بحيرةِ عينيكِ..

صيف للأب غير صيف الحبِّ

في قصيدته المشهورة (أبي)، والتي يرثي فيها نزار قباني والده سنلاحظ اختلافاً لدلالة الصيف عنده عما كانت عليه في الغزل والحبِّ، فالصيف هذه المرَّة هو موعد مع الفقيد وذكراه:

وعَيْنَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ؛ فهل يذكرُ الشَرْقُ عَيْنَيْ أبي؟

بذاكرة الصيف من والدي كرومٌ، وذاكرةِ الكوكبِ

أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ وراءكَ يمشي، فلا تَعْتَبِ

على اسْمِكَ نمضي، فمن طّيِّبٍ شهيِّ المجاني، إلى أطيبِ

حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ حتى تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..

أشيلُكَ حتى بنَبْرة صوتي فكيف ذَهَبْتَ ولا زلتَ بي؟

إذا فُلَّةُ الدار أعطَتْ لدينا ففي البيت ألفُ فمٍ مُذْهَبِ

فَتَحْنَا لتمُّوزَ أبوابَنا ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي..

2- صيف الشاعر نزيه أبو عفش

خجل الصّحوُ فللطلّ انهمارْ آنَ خبّأتِ بعينيكِ البحارْ

طاب للصيف وقد أخجلتِهِ هربٌ منكِ، وأغواهُ الفرار

ليت لي تمّوزُ، كي أسفحَهُ فوق عينيكِ تضاعيفَ اخضرار

جُزُراً خلف شبابيك المدى تكنز الدفءَ، فلِلدفءِ مزار

بحثتْ أغنيةٌ عن أصلها عند عينيكِ فأعماها الدُّوار

لهفةٌ للمنتهى تحملني والمشاويرُ بعينيكِ انتحار

موعدي اليومَ مع الصيف فلا تسألي عني إذا هُدبكِ غار

3- الصيف والذكرى عند الشاعر فهد العسكر

اذكريني كلَّما النَّايُ تَرَنَّمْ وَهَفَا قَلْبٌ على قَرْع الكُؤوسْ

وإذا ما شاعِرُ الحيِّ تَأَلَّمْ فَبَكى في الشَّجْنِ واسْتَبْكى النُّفوسْ

اذكريني

اذكريني كلَّما الصَّيْفُ أَتى يَحْمِلُ البُشْرى لأَرْبابِ الغَرامْ

فَالْتَقَتْ كُلُّ فَتاةٍ وفَتى فإذا الدُّنْيا سَلامٌ وابتِسامْ

اذكريني

4- صيف غادة السمان الساحر

حين التقينا كنتُ عجرية بلا مرفأ، وقلبك شاعر جوّال.

في الصيف أحببتك، حين كانت النجوم تهبط إلى البحر لتستحمّ

وحين كانت النزهة على سطح القمر أمراً مألوفاً

وخطوة واحدة تفصل بين الروشة البيروتية والأفلاك

ما أسهل أن نخطوها حين تكون يدي في يدك.

5- مروحة الصيف عند الشاعر أمل دنقل

العينان الخضراوان، مروّحتان

في أروقة الصيف الحرّان

أغنيتان مسافرتان، أبحرتا من نايات الرعيان

بعبير حنان، بعزاء من آلهة النور إلى مدن الأحزان

سنتان، وأنا أبني زورق حبّ يمتد عليه من الشوق شراعان

كي أبحر في العينين الصافيتين إلى جزر المرجان

ما أحلى أن يضطرب الموج فينسدل الجفنان

و أنا أبحث عن مجداف عن إيمان!

6- صيف الشاعر غازي القصيبي

يرتحل الصيف فقومي بـنا نسكب في وداعه دمعتيـنْ

كان كريماً طيباً، طيـبـاً أحبـنا محبة الـوالديــن

هيأ في الشمس لنا مقعداً وفي ظلال الورد أرجوحتين

وصير البحر لنا منـزلاً فنحن ضيفان على موجتين

وحولّ الرمـل إلى لؤلـؤٍ نبني به قـصراً أو قلعتيـن

وردني بعد مشيبي فتىً تعجب من نضرته كل عين

توَّجَنا أنا أمير الهوى وأنتِ أحلى الغيد في الخافقين

يرتحل الصيف وأبقى أنا أمشي على الثلج بخفي حُنين

والثلج في بيتي وفي أضلعي وفي قوافيَّ وفي اللمّتين

أبصرني الصيف هنا مرة، أشك أن يبصرني مرتين

7- سحابة صيف فاروق جويدة

وتبكين حباً .. مضى عنكِ يوماً وسافر عنكِ لدنيا المحال

لقد كان حلماً وهل في الحياةِ سوى الوهم يا طفلتي والخيال؟

وما العمر يا أطهر الناسِ إلا سحابةُ صيفٍ كثيف الظلال

وتبكين حباً .. طواه الخريف وكل الذي بيننا للزوال

فمن قال في العمر شيء يدومُ تذوب الأماني ويبقى السؤال

لماذا أتيت إذا كان حلمي غداً سوف يصبح.. بعض الرمال؟

8- صيف الشاعر حسن عباس صبحي

قمر مشبوب الأضلاع يتراقص في بحر البلور

والأنجم، يا للأنجم حول القمر عرائس نور

وشراع يرشف في شوق أنفاس الريح النشوانة

والمجداف يرتاد الموج بإيقاعه والمركب يسري بأمانةْ

ملاح المركب مغتبط منشرح النفس برحلته

في نظراته أسرار الليل المطوية في سحر ضفاف الأبدية

ويدور الصوت المحبوب ويدور رفيقاً ويدور

هيلا...هيلا...هوبي هيلا...هيلا...هوبي

ويثير بأعماقي لهفة لليالي الصيف على الشط، أيام بنينا عش الحب

لكني أجلس يا ملاح في هذا اليوم كسير القلب

قد ضاع الحب أيا ملاح قد ضاع الحب

قد عاد فؤادي للأفق ليفتش في نهر الشوق

ليعود إلى الشط الأسمر بحبيب يودعه حبه

هيلا...هيلا...هبي

9- أشواق ابن عنين والصيف

وما حائماتٌ تمَّ في الصيف ظمؤها فجاءتْ وللرمضاءِ غليُ المراجلِ

فلما رأينَ الماءَ عذباً وأقبلتْ عليهِ رأينَ الموتَ دونَ المناهلِ

فعادتْ ولم تنقعْ غليلاً وقد طوتْ حَشاها على سم الأفاعي القواتلِ

بأكثرَ من شوقي إليكَ ولوعتي عليكَ وإِنْ لم أحظَ منك بطائلِ

10- أحاديث الصيف للشاعرة باكزه أمين خاكي

ناديت طيفكم والقلب مضطرب إذ خلت طيفكم صحبـاً وخلانـا

فض الصحاب ولم يبقَ سوى حلم من أمسنا الحلو نـهواه ويهوانـا

فالصيـف يجمعنا في حر نسمةٍ والبـرد يبعدنـا يا ليت ما كان

حضر فصل الصيف برموز متعددة في القصائد الوطنية

كما رأينا بالكاد يتفق شاعران على رمزية الصيف، وهذا ما سنراه معاً في صيف الأوطان، فلكل شاعر همومه الوطنية وهواجسه.

1- صيف العراق في شعر بدر شاكر السياب

يستعجل السيَّاب الصيف في الرحيل، فقد جثم الحَرُّ فوق الشاطئ وبدا كأنَّه يمتص الماء، فينشدنا السيَّاب:

هو الصيف يلثم شط العراق، بغيماته ذاب فيها القمر

وتوشك تسبح بيض النجوم لولا برودة ماء النهر

وهف شراع لأضلاعه في الهواء اصطفاق

 وغنى مغن وراء النخل

يغمغم يا ليل طال السهر وطال الفراق

كأن جميع قلوب العراق تنادي تريد انهمار المطر

2- صيف فلسطين في الشعر

ولفلسطين من كلِّ فصل أكثر مما لغيرها من الأوطان، فصيفٌ يمرَّ فيها، وصيفٌ لحاضرها وصيفٌ لماضيها، وصيفٌ للشهداء النائمين تحت ترابها وللمنفيين منها وللصامدين فيها.

وليس الحَرُّ يقلقها وليس الحَرُّ يضنيها، وقد ترنم شعراء الأرض المحتلة بصيف بلادهم كلٌّ على طريقته؛ فيقول عز الدين المناصر في قصيدته (عنب الخليل):

سمعتك عَبْر ليل الصيف أغنيةً خليليّة :

خليلي أنتَ: يا عنب الخليل الحرّ لا تثمر

وإنْ أثمرتَ، كُن سُمًّا على الأعداء، لا تثمر!!! (...)

سمعتكِ عَبْرَ جمر الصيف أغنية خليليّة

تظلُّ ترنُّ خلف التلّ منسية

إذا ما استنسمتْ ريحاً بوادي الجوزِ، غربيَّةْ

تظل تنوح ما ناح الحمام على سواقي الحب،

فوق ضفائر الزعرورْ

ﻭفي المذياع أصواتٌ، علاماتٌ أثيريّة:

خليلي أنتَ يا عنب الخليل الحرّ لا تثمرْ

وإنْ أثمرتَ، كن سُمًّا على الأعداءِ،

لا تثمر!!

موعدٌ صيفيٌ مع الوطن

ويعيد الشاعر عز الدين المناصرة صيفاً آخر لفلسطين، فيقول:

وكان الصيفُ مَوْعِدَنا وكانت في عيونكِ بسمةٌ تجلو

همومَ الغربة السوداء حليبُ الشوق ﻓﻲ الأثداء

ﺇﻟﻰ عينيكِ يدفعنا

ألا يا حلوة العينينِ، لو تدرينَ، أن الكُلَّ يجحدنا

وأن الغربة السوداء، قد أدْمَتْ سواعدنا

ومرَّ الصيفُ، مرَّ الصيفُ، كان الصيف موعدنا !!!

وأنتِ.. وأنتِ تبتئسين لو مرَّتْ نسائمُ صيفكِ الصاحي

وأُسمعتِ الغناء الحلو من عصفور تفّاحي

يغنّي جرح من رحلوا

أنا منهم ... ﻭفي الساحات أفعى تلسع الأجسادْ

أنا منهم ... كأنّكِ مُهْرةٌ ترعى بقاع الواد.

كأنَّكِ شِبْهُ نائمةٍ، بلا وَتَرٍ، ولا أعوادْ

كأنَّكِ قد نسيتِ زنابقَ الذكرى، كأنَّكِ شمعةُ الأعيادِ

لو تعلمين بأنّي، هجرتُ شعري وفَنّي

وتهتُ بين الشعابِ، على سفوح الروابي

أَحُثُّ خطوي سريعاً لخطوكِ المطمئنِّ

لو تعلمين بأني، هجرتُ شعري وفنّي.

جيوشُ الشوق ما مرَّتْ، وأحبابكْ

مضت سنتان ما دقّوا على بابكْ

ومن يدري... أيرجع عطفك الغامر، وتستمعين للشاعر

أقص عليك ما لاقيته من قسوة الزمنِ

وعن شوقي إلى وطني

ومرَّ الصيفُ، مرّ الصيفُ، كان الصيف موعدنا !!!

3- صيف فلسطين والشاعر محمود درويش

(قتلوك في الوادي):

ماذا تقول الشمس في وطني، ماذا تقول الشمسْ؟

هل أنتِ ميتة بلا كفن وأنا بدون القدسْ؟

طلعت من الوادي يقل تضاءل الوادي وغاب

وجمالها السرّي لفّ سنابل القمح الصغيرة

حلَّ أسئلة التراب.

هل تذكرون الصيف يا أبناء جيلي

يا كلَّ أزهار الجليلِ، وكلَّ أيتام الجليلِ

هل تذكرون الصيف يصعد من أناملها ويفتح كل باب.

قالت بنفسجة لجارتها: عطشت، وكان عبد الله يسقيني

فمن أخذ الشباب من الشباب؟

طلعت من الوادي وفي الوادي تموت.. ونحن نكبر في السلاسل

طلعت من الوادي مفاجأة وفي الوادي تموت على مراحل.

ونمرّ عنها الآن جيلاً بعد جيل، ونبيع زيتون الجليل بلا مقابل

ونبيع أحجار الجليل ونبيع تاريخ الجليل

ونبيعها.

يوميات جرح فلسطيني في قلب محمود درويش

في دمي من وجهه صيف، ونبض مستعار

عدت خجلان إلى البيت فقد خر على جرحي شهيدا

كان مأوى ليلة الميلاد، كان الانتظار، وأنا أقطف من ذكراه عيدا

الندى والنار عيناه، إذا ازددت اقتراباً منه غنَّى

و تبخرت على ساعده لحظة صمت وصلاةْ

آه... سميه كما شئت شهيدا

غادر الكوخ فتى ثم أتى لما أتى وجه إله.

هذه الأرض التي تمتص جلد الشهداء، تعد الصيف بقمح وكواكب

فاعبديها!

نحن في أحشائها ملح وماء، وعلى أحضانها جرح يحارب

دمعتي في الحلق يا أخت وفي عيّني نار

وتحررت من الشكوى على باب الخليفة

كل من ماتوا ومن سوف يموتون على باب النهار

عانقوني، صنعوا مني قذيفة!.

4- يا شام عاد الصيف للشاعر سعيد عقل

يا شَـامُ عَادَ الصّـيفُ متّئِدَاً وَعَادَ بِيَ الجَنَاحُ

صَـرَخَ الحَنينُ إليكِ بِي: أقلِعْ، وَنَادَتْني الرّياحُ

أصـواتُ أصحابي وعَينَاها ووعـدُ غـدٍ يُتَاحُ

كلُّ الذينَ أحبِّهُـمْ نَهَبُـوا رُقَادِيَ وَ اسـتَرَاحوا

فأنا هُنَا جُرحُ الهَوَى، وَهُنَاكَ في وَطَني جراحُ

وعليكِ عَينِي يا دِمَشـقُ، فمِنكِ ينهَمِرُ الصّبَاحُ

يا حُـبُّ تَمْنَعُني وتَسـألُني متى الزمَنُ المُباحُ

وأنا إليكَ الدربُ والطيـرُ المُشَـرَّدُ والأقَـاحُ

في الشَّامِ أنتَ هَوَىً وفي بَيْرُوتَ أغنيةٌ و رَاحُ

أهـلي وأهلُكَ وَالحَضَارَةُ وَحَّـدَتْنا وَالسَّـمَاحُ

وَصُمُودُنَا وَقَوَافِلُ الأبطَالِ، مَنْ ضَحّوا وَرَاحوا

يا شَـامُ، يا بَوّابَةَ التّارِيخِ، تَحرُسُـكِ الرِّمَاحُ

5- صيف دمشق المفقود عند الشاعر محمد نجيب المراد

وإنَّ الصيفَ في وطني كما شاهدتُ بستانٌ يُصلّي الصبحَ في الساحاتِ

أنسامٌ تقيمُ الليلَ تتلو سورةَ الكوثرْ .

وأصواتٌ من "النعناعِ" رائحةٌ من "النهاوندِ"

لوحاتٌ تُرى بيديكَ أو عينيكَ روعَتها، فسبحانَ الذي صَوَّرْ .

قميصُ الحُسْنِ شَفَّافٌ على وطني وإنْ غطَّى وإنْ سَتَّرْ .

فَكُمٌّ ههنا أرخى بأزرارٍ من الفيروزِ لامعةٍ، وَكُمٌّ ... ههنا شَمَّرْ .

مساءَ الخيرِ يا وطني

وتسألُني شحاريري تصاحبُني على المَهجَرْ .

لماذا أنتَ في (تمّوزَ) حيثُ الصيفُ والأفراحُ تبدو بائسَ المَظهَرْ .

لماذا الناسُ في (تمّوزَ) تحملُها حقائبُها  لأوطانٍ بها تَفخَرْ .

وأنتَ الهائمُ المفتونُ في وطنٍ.. تًصوِّرُهُ وتفتنُنا به أكثرْ .

تَظلُّ هنا حقيبةُ دمعكِ امتلأتْ وجرحُكِ شاخَ بلْ عَمَّرْ .

ومُتَّكِئٌ على عكّازِ غربتِهِ وأحنى ظَهرَهُ كِبَرٌ ...

ومن عَجَبٍ بَرغمِ الشيبِ تصهلُ خيلُ أحرفِهِ إذا أَشْعَرْ .

عجيبٌ جرحُكَ المفتوحُ في نُبْلٍ يَشِيخُ وقلبُهُ أخضرْ .

وتسألُني شحاريري مُكرِّرةً ولا حَرَجٌ على الشُّحرورِ لو كَرَّرْ .

لماذا أنتَ في (تموزَ) تبكي ثم تُبكينا

على الوطنِ الذي ما مثَلَه الإبداعُ قد قَدَّرْ .

شحاريري، رفاقَ الجرحِ، لا سِرٌّ بأعماقي ولا مُضمَرْ .

فإني في مراهقتي...كَتبتُ قصيدةً لَمْ تُعجبِ "القيصرْ ."

ختاماً... كما رأينا فالصيف أدمى قلوباً وعالج أخرى، وكان مدخلاً للحياة أو مخرجاً منها، لكن في النهاية هذه هي حياة الشعراء ورموزهم، وهذه هي الفصول وتعاقبها في الطبيعة والحياة والأوطان.