شعر عن الطبيعة.. أجمل ما قيل من أشعار في وصف الطبيعة
This browser does not support the video element.
فهرس الصفحة
شعر عن الطبيعة في العصر الجاهلي
نضج شعر الطبيعة في العصر العباسي
معنى الطبيعة لدى الشعراء المعاصرين
لا يمكن سلخ الشاعر من المكان الذي يعيش، وإن كان ذلك فإن فطرته ستعيده إلى رحاب بيئته التي ولد بها، فعبر جميع مراحل الشعر العربي ظهر تأثير المكان على قصائد الشعراء، ونتج عن ذلك شعر عن الطبيعة وجمالها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وبالتالي تأثير طبيعة ذلك المكان، من حيث كيفية قراءة تلك الطبيعة من قبل الشعراء، فقد كان الشعراء في العصر الجاهلي أكثر الشعراء تمسكاً بملامح طبيعتهم الصحراوية.
وهو ما لا يمكن فصله من أي قصيدة لأولئك الشعراء لا سيما في المعلقات التي تبرز طبيعة البادية فيها بشكلٍ واضح سواء من حيث المفردات والأسلوب، أو من حيث التغني بتفاصيلها.
تطور هذا التأثر عند الشعراء مع تطور حياتهم، وظهر ذلك لدى شعراء العصر العباسي، الذين وصفوا الطبيعة الحية والطبيعة الصامتة.
أما لدى الشعراء المعاصرين فإن الطبيعة أخذت معنى فلسفياً وصار الشاعر يلجأ إلى مشاهدها وتفاصيلها، ليطلق روحه في أرجائها ويعبر عن لواعجها، مبتعداً عن التصوير المباشر لعناصر ومشاهد الطبيعة
شعر عن الطبيعة في العصر الجاهلي
فكما أشرنا في المقدمة أن الشاعر ابن بيئته ولا يمكن سلخه عنها، وأن القصيدة تنطبع بملامح الطبيعة، وتتعدد أشكال التأثر.
فإما أن تكون في صورة مباشرة من خلال التغني بمشاهد ومظاهر الطبيعة التي يعيش فيها الشاعر (كما هو الحال عند الشعراء في العصر الجاهلي).
أو أن يلازم تلك الطبيعة ويرى فيها الملاذ والمهرب من شرور الناس، كما هو الحال مع الشنفرى (أحد الشعراء الصعاليك) والذي رأى في الطبيعة ووحوشها ملاذاً أكثر خيراً من البشر الذين يحيا معهم، ويصف ذلك في قصيدته "اللامية" قائلاً:
و في الأرض مَنْأىً للكريم عـن الأذى.....وفيهـا لمـن خـاف القِلـى مُتعـزَّلُ
لي دونكم أهلون سيّدٌ عملّسٌ.....أرقطُ زهلولٍ وعرفاءُ جيألُ
قصد الشاعر إن كل من أراد مهرباً له من الحقد (القلى) يجده في البادية الواسعة، ثم يذكر أسماء الوحوش التي يفضلها على البشر، وهي، الذئب (سيد عملس)، الفهد (أرقط زهلول)، وأنثى الضبع (عرفاء جيأل).
كما تأثر بعض الشعراء فلسفياً، فرأوا بالطبيعة الفطرة الأولى التي تحمل الحقيقة والنّقاء، متجلياً ذلك بمفرداتهم وصورهم، سواء من حيث رقتها أو جزالتها وطريقة التصوير، وإطلاق الصفات على الأشياء.
فكثيراً ما يستعمل الشعراء ما يرون من مشاهد الطبيعة في وصف وتجسيد مشاهد أخرى وطرح موضوعات أخرى ليس بالضرورة أن تمت بصلة للطبيعة ذاتها.
وإن ما يجريه الشاعر هو إسقاطات ومقاربات بين موضوعه وعناصر الطبيعة، بهدف إثراء صوره، أو تقريبها إلى قرّائه مع إضفاء طابعٍ من الجمالية عليها (وهو ما برز بشكل كبير لدى الشعراء المعاصرين، وبخاصة الرّمزيين منهم).
الشاعر علي بن الجهم أدل مثال على تأثير الطبيعة في الشعر
كان الشاعر علي بن الجهم (من شعراء العصر العباسي، وذو أصول قريشية)، يعيش في البادية، ويحيا حياة البدو التي أثرت في فصاحة لسانه وجزالة وقساوة مفرداته، وعندما أراد أن يمدح الخليفة العباسي المتوكل، قال فيه:
أنت كالكلب في حفظك للودِّ ... وكالتيس في قراع الخطوبِ
انت كالدلو، لا عدمناك دلواً ... من كبار الدلا، كبيرَ الذنوبِ
وهنا يظهر تأثير البيئة الصحراوية في مفردات وصور علي بن الجهم، بالإضافة إلى طريقة سوق صوره، مما يحيط به في بيئته البدوية.
وبعد أن مكث فترة طويلة في بغداد ولامس مظاهر الترف وطريقة عيش الحضر، رقّ لسانه وتغيرت صوره الشعرية ومفرداته.
وبعد تلك الفترة التي مكثها في بغداد، كتب قصيدته عيون المها، التي تعد من عيون الشعر العربي في الغزل، لما فيها من عذب ورقيق الكلام، وفيها يقول:
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ ... جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن ... سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما ... تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ
هنا يظهر الاختلاف في مفردات الشاعر، والانتقال من الألفاظ الخشنة إلى الألفاظ الرقيقة والعذبة، مرد ذلك إلى تأثير الطبيعة في كلا الحالتين.
أشعار عن جمال الطبيعة والربيع
وصف الشعراء مشاهد الربيع واخضرار الأرض وفرح الطيور، قارئين في ذلك انبعاث الحب من جديد و انبثاق الخير ليس فقط في عروق الأرض وحيواناتها، إنما أيضاً في نفوس الشعراء أنفسهم.
أبو التمام يصف ربيع العراق
يرسم الشاعر أبو التمام صورة ربيع العراق بعد أن هطل المطر، فباتت طيور القمري تتبادل الحب على أغصان الشجر، ثم أعشبت الأرض واخضرّت، فخرجت الطواويس تختال مزهوّةً بجمالها، كأنهن فتياتٌ عذراواتٌ يتباهين بجمالهنّ.
والمشهد يربط الشاعر بخوالجه الداخلية، إذ أن الطبيعة تطاوع مشاعره الجياشة، فتحزن لحزنه، وتفرح لفرحه، فقال:
غنّى فشاقكَ طائرٌ غريدُ ... لما ترنمَ والغصونُ تميدُ
ساقٌ على ساقٍ دعا قمرية ... فدعَتْ تُقاسِمُهُ الهَوَى وتَصيدُ
إلفانِ في ظلِّ الغصونِ تألفا ... والتَفَّ بَينَهُما هَوى مَعْقُودُ
يتطعمانِ بريقِ هذا هذهِ ... مجعاً وذاكَ بريقِ تلكَ معيدُ
يا طائرانِ تمتعا هنيتما ... وعِمَا الصَّباحَ فإنني مَجْهودُ
أَبْكي وقَدْ تلَتِ البُروقَ مُضيئَة ... مِنْ كل أقْطار السَّماءِ رُعودُ
واهتزَّ رَيْعانُ الشَّبَابِ فأشرقَت ... لِتهلُّلِ الشَّجرِ القُرَى والبيدُ
وَمضَتْ طَواوِيسُ العِراقِ فأَشْرَقَتْ ... أَذْنابُ مُشرقَة وهُنّ حُفودُ
يرفلنَ أمثالَ العذارى طوفاً ... حولَ الدوارِ وقدْ تجانى العيدُ
ابن هانئ الأندلسي واصفاً الندى في الربيع
يصف الشاعر ابن هانئ الأندلسي انسياب قطرات الندى على أوراق النبات كأنه حبُّ اللؤلؤ، ولشدة إعجابه بالمشهد، يتمنى لو أنه يلتقط تلك القطرات التي أهداها الربيع للخليقة، فقال:
ألؤلؤٌ دمعٌ هذا النُّقط...ما كان أحسنه لو كان يلتقط
أهدى الرّبيع إلينا روضةً أنفاً.....كما تنفّس عن كافوره السّفطُ
الشتاء بين لغة الجمال و الخير
كما هي الحالة الطبيعة للشتاء المتمثلة بعودة الحياة إلى الأرض اليباب، واخضرار الروض ونمو الزرع، كان وصف الشعراء لهطول المطر والبرد والثلوج، مستبشرين خيراً (وهي ليست حالة مطلقة لدى كل الشعراء، فهناك من ربط الشتاء بحالة حزنه ويأسه.
يمكن مراجعة مقال "أجملُ ما قيل في فصل الشِتاء من أشعار وكلام" في موقع بابونج)، ومن ذلك ما يتضح من استبشار الشاعر بدر شاكر السياب للخير في المطر، إذ يرمز له بالثورة على المستغلين، ويرى فيه ولادة الأمل، إذ قال:
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجَرادْ
مطرْ .. مطرْ ... مطرْ ...
سيُعشبُ العراق بالمطرْ.
ابن حمديس يصف البَرَدْ
يصف الشاعر الأندلسي ابن حمديس مشهد تساقط البرد على الأرض، فهو أشبه بحبات لؤلؤ تزدان بها الأرض، فقال:
نثرَ الجوُّ على الأرض بردْ....أيُّ درٍّ لنحورٍ لو جمدْ
لؤلؤٌ أصدافه السحاب التي...أنجز البارق منها ما وعدْ
أراق الأجفان رعدٌ صوتُهُ....كهدير القوم في الشول حفدْ
الحمدوي يصور علاقة السحب بالأرض متفائلاً
يصور الشاعر العباسي اسماعيل بن ابراهيم الحمدوي العلاقة بين السحاب والأرض (يريد بالسحاب الغيم، لأن الغيم هو الذي يحمل المطر أما السحاب لا يكون محمَّلاً بالمطر) مشخصاً تلك العلاقة، ويرى أن ما تركه المطر من خير في الأرض، جعل الناس فرحين ومتفائلين، فقال:
خلق السحاب على الثرى وشيا ترى...منه الثرى ذا ثروةٍ محسودا
روضٌ أفادته السحاب صنائعاً....أضحى بها كلُّ البلاد سعيدا
نشأت سحابته عليه فأنشأت...نوراً تراه ناشئاً ووليدا
شعر عن الطبيعة الخلابة ووصف عناصر الطبيعة
وصف الشعراء عناصراً بعينها من الطبيعة، إذ رسمت تلك العناصر مشاهد مكتملة من الجمال في عيون الشعراء، فشخصوها، وجعلوا تفاصيلها تنطق، ومن العناصر التي أثارت حفيظة الشعراء، الشمس، القمر والهلال...الخ.
ابن المعتز يصف الهلال
يصف الشاعر العباسي ابن المعتز صورة الهلال الذي يتوسط صدر السماء، فيشق عباب الظلام بنوره، وشبه ضياءه بالفضة، فقال في ذلك:
انظر إلى حسن هلالٍ بدا....يهتك من أنواره الحندسا (الظلام الشديد)
كمنجلٍ قد صيغ من فضةٍ....يحصد من زهر الدجى نرجسا
عبد الباسط يدعو القمر للنزول
يرسم الشاعر السوري عبد الباسط الصوفي لوحةً ريفيةً، زينها القمر بضيائه، فصوّر القمر كأن له أقداماً يلامس بها قمم الشجر، والقمر هو جذوة السهر وباعثه الجميل وهو رفيق أبناء الريف في سمرهم.
لذلك يدعوه الشاعر أن يدخل من أيِّ طاقةً أو فسحةً، ليزيّن سهراتهم الريفية عن قرب بخيوطه فضية اللون، فيقول في قصيدة مأدبة القمر:
توهَّجَتْ أكوابُنا فاقفزْ إلينا يا قمرْ
فجَّرْتَ هذا الّليلَ ينبوعيْ ضياءٍ وصورْ
وانزلقَتْ أقدامُكَ البيضُ على رأسِ الشَّجرْ
من الكُوى، من فرجةِ البابِ تلمّسْ منحدرْ
واسقطْ حبالَ فضَّةٍ مغزولةً من الشَّررْ
ابن الرومي واصفاً مشهد غروب الشمس
تتعاضد تفاصيل المشهد الطبيعي عند الشاعر ابن الرومي، فالشمس إذ غادرت الأفق حزنت عليها الزهور (النّوار)، وهنا يستخدم ابن الرومي التشخيص.
فالشمس ترحل كأن غروبها أجلها، والورود تصبح ذابلة، كأن سقماً حلّ بها حزناً على فراق الشمس، وهي طائرٌ ينفض جناحيه في السماء، فيتبدل لون السماء كأنه رُشق بعشبة الورس الصفراء.
وبقيت الأزهار تراقب الشمس وهي تغيب، مراقبة المشوق المستهام، والمودع الحزين، حتى تغير الشمس ألوان السهول فيختلط خضارها بصفار الشمس فيزداد إشراقاً، فنظم
أجمل ما قيل في وصف الطبيعة وقال:
إذا رنَّقتْ شمسُ الأصيل ونفَّضتْ ... على الأفق الغربي ورساً مُزعزعا
وودَّعت الدنيا لتقضي نحْبها ... وشوَّل باقي عمرها فتشعشعا
ولاحظتِ النُّوارَ وهي مريضة ... وقد وضعتْ خدّاً إلى الأرض أضرعا
كما لاحظتْ عُوَّاده عينُ مُدنفٍ ... توجَّع من أوصابه ما توجَّعا
وظلّتْ عيونُ النَّور تَخْضلُّ بالندى ... كما اغرورقتْ عينُ الشَّجيِّ لتَدْمَعا
يُراعينها صُوراً إليها روانياً ... ويلْحظنَ ألحاظاً من الشّجو خشَّعا
وبيَّن إغضاءُ الفِراقِ عليهما ... كأنَّهما خِلاَّ صفاء تودَعا
وقد ضربتْ في خُضرة الروض صُفرة ... من الشمس فاخضرَّ اخضراراً مشعشعا
وأذكى نسيمَ الروضِ ريعانُ ظلِّه ... وغنَّى مغنِّي الطير فيه فسجَّعا
نضج شعر الطبيعة المصنوعة في العصر العباسي
لم تخرج الطبيعة المصنوعة من قصائد الشعراء (كقصور، زخارف، ولوحات وأي مظهر من مظاهر العمران الأخرى)، فكان الشاعر يقف معجباً بعظمة الشيء الذي أبدعته يد الإنسان.
فيصور ويرسم تفاصيل العمران بمفرداته وصوره، وبرز هذا الجانب من الوصف ونضج بشكل كبير في الشعر العباسي.
حيث كان للازدهار العمراني دوره الرئيسي في ذلك، هذا الازدهار الذي أتى كنتيجة للترف وتوافر الأموال، وانزياح الحياة نحو اللهو والتمتع بملذات الدنيا.
لا سيما عندما بلغ ذلك التطور العمراني أوجه في عصر هارون الرشيد وابنه المأمون، اللذين بالغا في اهتمامهما ببناء القصور وزخرفتها.
ومن أكثر الشعراء الذين برعوا في وصف مشاهد الطبيعة المصنوعة الشاعر أبو عبادة الوليد بن عبيدة بن يحيى الطائي والملقب بالبحتري.
البحتري واصفاً إحدى لوحات إيوان كسرى
يقف البحتري أمام إيوان كسرى، راثياً ما آل إليه من دمار وقارئاً فيه ملامح تبدل الأزمان والأحوال على كل شيء، ثم يقف عند إحدى اللوحات الموجودة فيه والتي تجسد أحداث إحدى المعارك بين الفرس والروم.
فيصف البحتري كل التفاصيل كأنها حية وتبدوا كأنها ستنطق، وهو قد قرأ جلبة الفرسان وتحركهم وحياتهم في تلك اللوحة، لقدرة راسمها على التصوير الدقيق.
ويبلغ الأمر بالشاعر أن يشك بأن ما يرى مجرد رسوم لا حياة فيها، ولا يروي شكه سوى تلمّس اللوحة بكلتا يديه، فقال:
وإذا ما رَأيْتَ صُورَةَ أنْطَا ... كيَةَ ارْتَعْتَ بَينَ رُومٍ وَفُرْسِ
والمَنَايَا مَوَاثِلٌ، وأنُوشَرْ ... وأنَ يُزْجي الصّفوفَ تحتَ الدِّرَفْسِ
في اخضِرَارٍ منَ اللّباسِ على أصْـ ... ـفَرَ يَختالُ في صَبيغَةِ وَرْسِ
وَعِرَاكُ الرّجَالِ بَينَ يَدَيْهِ ... في خُفوتٍ منهمْ وإغماضِ جَرْسِ
منْ مُشيحٍ يُهوي بعاملِ رُمْحٍ ... وَمُليحٍ من السّنانِ بتُرْسِ
تَصِفُ العَينُ أنّهُمْ جِدُّ أحيَا ... ءَ لَهُمْ بَينَهُمْ إشارَةُ خُرْسِ
يَغتَلي فيهمُ ارْتِيابيَ حَتّى ... تَتقَرّاهُمُ يَدايَ بلَمْسِ
البحتري يصف بركة المتوكل
يصف البحتري البركة التي أشادها الخليفة العباسي المتوكل عند قصره، فيصور عظمتها بأنها تضاهي البحر، وتترك نهر دجلة يغار من عظمتها وامتدادها، ونقائها يعكس صورة النجوم المتلألئة في السماء، فتظهر كأنها سماءٌ أخرى، فيقول:
يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها --- والآنسات إذا لاحت مغانيها
يحسبها أنها في فضل رتبتها --- تعد واحدة والبحر ثانيها
ما بال دجلة كالغيرى تنافسها --- في الحسن طوراً وأطواراً تباهيها
تنصب فيها وفود الماء معجلة --- كالخيل خارجة من حبل مجريها
كأنما الفضة البيضاء سائلة --- من السبائك تجري في مجاريها
إذا علتها الصبا أبدت لها حبكا --- مثل الجواشن مصقولا حواشيها
فحاجب الشمس أحيانا يضاحكها --- وريق الغيث أحيانا يباكيها
إذا النجوم تراءت في جوانبها --- ليلاً حسبت سماء ركبت فيها
الطبيعة لدى الشعراء المعاصرين معنىً فلسفي وصورٌ رمزية
مع تطور المجتمعات وتغير معطيات حياة الأفراد، تغيرت بواعث القصيدة، ومضمونها، ومن ذلك صورة الطبيعة في قصائد الشعراء، وإن حافظت على تأثيرها القديم بالشعراء.
إلا أن طريقة تناولها وطرحها هو الذي اختلف، فمن الشعراء من استخدم عناصر الطبيعة كرموز ليعبر عن كوامن نفسه كالبحر، والريح، والمطر، والغيم، والسماء..الخ.
ومن الشعراء من جعلها منبع فلسفته، فالطبيعة هي الفطرة الحقيقية وهي البساطة الصافية، والملاذ الأوسع الذي يبعد الإنسان عن شوائب الحضارة المادية ودوائرها الضيقة،.
ومن أبرز من تناول الطبيعة كما ذكرنا الشاعر محمود درويش والكاتب والشاعر جبران خليل جبران.
درويش يستحضر عناصر الطبيعة رموزاً
استخدم درويش عناصر الطبيعة كرموز لما يدور في أعماق نفسه، فكانت أبرز الرموز التي استمدها من الطبيعة، البحر، الريح، القمر، الفراشات.
وتختلف معاني تلك العناصر باختلاف كل قصيدة واختلاف لواعج نفسه، فتارةً البحر هو الشعب الفلسطيني، فيقول في قصيدة تأملات سريعة في مدينة قديمة وجميلة على ساحل البحر المتوسط:
يا بحر البدايات أين تعود
أيها المحاصر بين إسبانيا وصور
ها هي الأرض تدور
فلماذا لا تعود من حيث أتيت؟
وتارةً هو رمز للاستمرارية والعودة من جديد، يقول في ذلك:
ليس لي وجهٌ على هذا الزجاج
الشظايا جسدي
وخريفي نائم في البحر
والبحر زواج
وهنا رمز بالخريف إلى الهرم والسقوط والموت وانتهاء دورة الحياة، ثم يرمز بالبحر بالاستمرارية والبقاء.
درويش يرمز بالفراشة للانعتاق
يستخدم محمود درويش رمزية الفراشة في قصيدة "من سماء إلى أختها يعبر الحالمون"، فالفراشة تكون في بدايتها مطوقة بشرنقتها ثم ما تلبث أن تكبر وتتحرر وتطير بعدها، وهو ما يصبو إليه الشاعر فهو يريد الانعتاق والتحرر مثل الفَرَاش، فقال:
يا فراشة يا أخت نفسك، كوني
كما شئت قبل حنيني وبعد حنيني
لكن خذيني أخا لجناحيك يبقَ جنوني
معي ساخناً يا فراشة يا أم نفسك لا تتركيني
لما صمم الحرفيون لي من صناديقٍ لا تتركيني
جبران ينادي ببساطة الطبيعة
كان الكاتب والأديب جبران خليل جبران يرى في الطبيعة منابع البساطة الصافية، وخير ما يمكن للإنسان أن يلوذ به ويتحلى بسماته، ويرسم في قصيدة "المواكب" صورةً للجمال والحرية والبساطة التي تملأ تفاصيل الطبيعة، ويفضل ذلك على بذخ القصور و ترف الحياة المادية، فيقول:
أعطني الناي وغنِّ ....وانس ما قلتُ وقلتا
إنّما النطقُ هباءٌ..... فأفدني ما فعلنا
هل اتخذتَ الغاب مثلي..... منزلاً دون القصورْ
فتتبعتَ السواقي..... وتسلقتَ الصخورْ
هل تحممتَ بعطرٍ..... وتنشقت بنورْ
وشربت الفجر خمراً..... في كؤُوس من أثير
هل جلست العصر مثلي.... بين جفنات العنبْ
والعناقيد تدلتْ ....كثُريّات الذهبْ
شعر عن الطبيعة للمتنبي
وقد نظم المتنبي أبيات شعر جميلة وصف فيها جمال الطبيعة بكل عناصرها، فنظم شعر عن الطبيعة قال فيه:
مَغاني الشَعبِ طيباً في المَغاني
بِمَنزِلَةِ الرَبيعِ مِنَ الزَمانِ
وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها
غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ
مَلاعِبُ جِنَّةٍ لَو سارَ فيها
سُلَيمانٌ لَسارَ بِتَرجُمانِ
طَبَت فُرسانَنا وَالخَيلَ حَتّى
خَشيتُ وَإِن كَرُمنَ مِنَ الحِرانِ
غَدَونا تَنفُضُ الأَغصانُ فيها
عَلى أَعرافِها مِثلَ الجُمانِ
فَسِرتُ وَقَد حَجَبنَ الشَمسَ عَنّي
وَجَبنَ مِنَ الضِياءِ بِما كَفاني
وَأَلقى الشَرقُ مِنها في ثِيابي
دَنانيراً تَفِرُّ مِنَ البَنانِ
شعر عن الطبيعية إيليا أبو ماضي
أحب الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي الطبيعة وتغنى بها في الكثير من قصائده، فقد اقتبس كلمات أشعاره من الطبيعة، كما مزج بين الطبيعة الواقعية من جمال الطبيعة من حوله وبين الطبيعة الخيالية التي ينسجها من خياله.
ونجده يقول شعر عن الطبيعة:
- فالزهرة في الحقل أشلاء مبعثرة ... والطير لا طائر إلا جناحاك
- يا روضة في سماء الأرض طائرة ... وطائرا كالأقاحي ذا شذى ذاك
- مضى عهد مع الصيف كنت لاهية ... وللأزهار من الاحتلام ضحاك
- تُمسين عند مجاري الماء نائمة ... وللأزهار والأعشاب مغداك
ويقول أيضًا:
كم تشتكي وتقولُ إنك مُعدم ... والأرض ملكك والسماء و الأنجم.
ولك الحقول وزهرها وأريجها ... ونسيمها والبلبل المرنم.
والماء حولك فضة رقراقة ... والشمس فوقك عسجد يتضرم
وفي قصيدته الطبيعة يقول:
- روض إذا زرته كئيبا … نفّس عن قلبك الكروبا
- يعيد قلب الخليّ مغرا … ينسى العاشق الحبيبا
- إذا بكاه الغمام شقّت … من الأسى زهرة الجيوبا
- تلقى لديه الصّفا ضروبا … ولست تلقى له ضريبا
- وشاه قطر الندى فأضحى … رداؤه معلما قشيبا
- فمن غصون تميس تيها … ومن زهور تضوع طيبا
- ومن طيور إذا تغنّت … عاد المعنّى بها طروبا
- ونرجس كالرقيب يرنو … وليس ما يقتضي رقيبا
- و أقحوان يريك درّا … وجلّنار حكى اللّهيبا
شعر عن الطبيعة لأبي القاسم الشابي
يقول الشاعر أبو قاسم الشابي في وصف الطبيعة أبيات جميلة عند قرائتها تتحول حروفها وأبياتها إلى لوحة فنية تتمثل أمامك، فيقول:
أقبـــــل الصبح يغني للحيـــــاة الناعسة
والربى تحلم في ظل الغصــون المائسة
والصّبا ترقص أوراق الزهــور اليابســـــــة
وتهادى النـور في تلك الفجاج الدامسـة
أقبل الصبح جميلًا يمــــلأ الأفق بهـــــاه
فتمطى الزهر والطير، وأمــــــواج الميـاه
قد أفـاق العـالم الحي، وغنى للحيــــاه
فأفيقـي يا خـــرافي، وهلــمي يا شيـاه
واتبعيني يا شياهي, بين أسـراب الطيور
امـلئي الوادي ثغـــــاءًا، ومراحًا وحبـــــور
واسمعي همس السواقي، وانشقي عطر الزهور
وانظري الوادي، يغشـيه الضباب المستنير
واقطفي من كلأ الأرض ومرعاهــــــا الجديد
واســمعي شّــبابتي، بمعســـول النشـــيد
نغــم يصــعد من قلبي، كأنفـــــــــاس الورود
ثم يســمو طائرًا، كالبلبل الشادي السـعيد
وإذا جئنا إلى الغـاب، وغطــــانا الشـــــــجر
فاقطفي ما شئت من عشب، وزهــر وثمـر
أرضعته الشــمس بالضوء، وغــــــذاه القمـر
وارتوى من قطرات الطل، في وقت السـحر
وامرحــي ما شئت في الوديــان، أو فـوق التـلال
واربضي في ظلهـــا الوارف، إن خــفت الكــــــلال
وامضغي الأعشاب، والأفكار في صمت الظـــــلال
أخيراً.. اختلف الشعراء في طريقة تصويرهم لمشاهد الطبيعة، واختيار مفرداتهم، وأيضاً في طريقة التعبير عن حبهم للطبيعة، لكن ومع اختلاف ذلك لم تختلف قيمة الطبيعة لدى الشعراء.
إذ شكلت عبر مراحل الشعر العربي ملاذاً للشاعر، وملهماً يستمد منه جمالية صوره ومفرداته، وحديثاً أصبح الشاعر يعبر بالطبيعة عن عمقه الفلسفي، ونزوعه إلى الابتعاد عن ضجيج وشوائب العالم المادي.