أجمل ما قيل عن القمر من شعر ووصف لجمال القمر
This browser does not support the video element.
سنجد القمر حاضراً حتى في محاولات الأطفال الصغار أن يكتبوا بطاقات المعايدة، إنَّه ذلك الضوء الذي يخطف الأبصار في عتمة الليل فيغير من طبيعة الظلام الموحشة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
لذلك سنجد أن شعراء العربية قد أبدعوا باستخدام رمزية القمر خاصة في الحب والغزل، فأخذ القمر لديهم حصة كبيرة من أبيات الشعر.
في هذا المقال؛ سنتعرف معاً على أجمل ما قاله الشعراء عن القمر، كما سنتعرف على الرموز التي مثلها القمر في القصيدة العربية.
حكم وأقوال عن القمر
لأنَّ الشعر حالة من التأمل سنجد أن للقمر أهمية مميزة في القصيدة العربية، فالقمر إذا أضاء وجد فيه الشاعر جمالية تستحق أن تسكن القصيدة، وإن خبا ضوؤه وجد الشاعر في ذلك أيضاً مناسبة تستحق الذكر بما تحمله من الرمزية.
لكننا سنلاحظ أن استخدام رمزية القمر في شعر الغزل والقصائد الرومانسية يفوق استخداماته في الموضوعات الأخرى.
كما سنلاحظ استخدام رمزية القمر للإيحاء بالأهمية من حيث السيادة والتميز، فبين من يشبه الحبيبة بالقمر وبين من يناجي القمر كتب الشعراء عشرات الأبيات.
شعر أبو النواس عن القمر
يا قَمَـرَ اللّيْـلِ إذا أظلَمَـا هـل يَـنْـقُصُ التَّـسليـمُ من سلَّمَـا
قد كنتَ ذا وَصْلٍ فمن ذا الَّذي عَـلَّمـكَ الهِـجْرَانَ لا علَّمَـا
إنْ كنتَ لي بينَ الوَرَى ظالِماً رَضيتُ أنْ تَبقى وأنْ تَظلِمَا
شعر إبراهيم ناجي مناجياً القمر
خُذني إليكَ ونجِّني مما أُعاني في الثَرى
مَهما تَسامَى مَوضعُكْ... وعلا مكانُكَ في الوجودْ
فأنا خيالُكَ أتبعُكْ... ظمآن أرشفُ ما تجودْ
قمرَ الأماني يا قمرْ، إنيّ بهمٍّ مُسْقِمِ
أنتَ الشفاءُ المدَّخرْ؛ فاسكب ضياءكَ في دَمي
شعر بدوي الجبل عن القمر
هات حدِّثني فقد طابَ السَمر وأنِرْ ظلمةَ نفسي يا قمرْ
سور الحُسن فلا تبخل بها إنَّ للشاعر ألحانُ السورْ
آهٍ للأزهارِ مِن شاعرة تجهلُ الأوزانَ والشِّعر شعورْ
آهٍ للأزهارِ في أوراقها كتبَ الدَّهرُ رواياتِ العصورْ
هذه الأغصانُ هزَّتها الصَّبا نضرات كنَّ بالأمسِ خصورْ
و ثغورُ الوردِ في أكمامهِ كنِّ للغيدِ المعاطيرِ ثغورْ
هذهِ أسرارُ جنَّاتِ الرُّبى فاسمع السرَّ وصنهُ يا قمرْ.
كلمات جميلة عن القمر والحب
لا يعد التشبيه بالقمر أمراً حديثاً، فالقمر رمز من رموز الجمال عند العرب حيث يكون الضوء الوحيد في السماء المظلمة كما كانت تعتبر الليالي القمراء هي أنسب الليالي للسفر أو السهر أو الحب.
فإذا أراد أحدهم أن يشيد بليلة قضاها قال (ليلة قمراء)، لذلك سنجد الشعراء قد استخدموا القمر للتعبير عن جمال الحبيب والرغبة بالتأمل في وجهه الحسن.
قمرُ قيسٍ بن الملوح مجنون ليلى
بَيْضَاءُ باكَرَهَا النَّعِيمُ كَأنَّهَا قَمَرٌ تَوَسَّطَ جُنْحُ لَيْلٍ أسْوَدِ
مَوسومةٌ بالحٌسنِ ذات حواسد إنَّ الحِسانَ مظنة للحَسدِ
وتَرى مَدامِعهَا ترقرقُ مُقلةً سَوداءَ تَرغبُ عن سَوادِ الإثمِدِ
قمرُ أبو تمام
قَمَرٌ تَبسَّمَ عَنْ جُمَانٍ نابتِ فَظَلِلْتُ أَرمُقُه بِعَينِ البَاهِتِ
ما زال يقصر كلُّ حُسنٍ دونه حتَّى تفاوَتَ عَن صِفاتِ النَّاعِتِ
سَجَدَ الجَمالُ لِوَجْهِهِ لمّا رَأَى دَهَشَ العُقُولِ لحُسنِهِ المُتفَاوتِ
إِنيّ لأَرجُو أَنْ أنالَ وِصَالَهُ بالعَطْفِ منهُ وَرَغْمَ أنْفِ الشَّامِتِ
قمر أبو الطيب المتنبي
سَفَرَتْ وبَرْقَعَها الفِراقُ بصُفْرَةٍ سَتَرَتْ مَحاجرَها ولم تَكُ بُرْقُعَا
فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا
نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا
واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا
رُدّي الوِصالَ سقَى طُلولَكِ عارِضٌ لوْ كانَ وَصْلُكِ مِثْلَهُ ما أقْشَعَا
قمر ابن زيدون
ما جالَ بعدكِ لحظي في سنَا القمرِ إلاَّ ذَكَرْتُكِ ذِكْرَ العَيْنِ بِالأَثَرِ
ولا استطلْتُ ذماء اللّيلِ من أسفٍ إِلاَّ عَلى لَيْلَةٍ سَرَّتْ مَعَ القِصَرِ
ناهيكَ مِنْ سَهَرٍ بَرْحٍ تَأَلَّفَهُ شوقٌ إلى ما انقضَى من ذلك السَّمرِ
فليْتَ ذاكَ السّوادَ الجونَ متَّصلٌ لو استعارَ سوادَ القلبِ والبصرِ
قمر أسامة بن منقذ
يا لائمِي انظرْ إلى قَمرٍ في الأَرضِ في وجناتِهِ شَفَقُ
وبخَدِّهِ وردٌ إذا نظرتْ عَيني إليهِ تَناثَر الوَرَقُ
سُبحانَ مَن أذكى بوجنَتِه نارَ الحَياءِ وليسَ يَحترِقُ
أبو المظفر أسامة بن المنقذ مناجيًا القمر
قمرٌ إذا عاتبتُه كانتْ قَطيعَتُهُ جَوابِي
مُتجِّرم أبداً يُجرِّعني مراراتِ العِتابِ
كمْ سهَّلتْ عيناهُ لي مِن وَصلِه وعرَ الطِّلابِ
حتَّى وَقعتُ، ولمْ يَكُنْ هَذا التلوُّنُ في حِسابِي
الشاعر بهاء الدين زهير عن القمر
حبيبي على الدُّنيا إذا غبتَ وحشةٌ فيا قَمري قلْ لي مَتى أنتَ طالعُ
لقد فنيتْ روحي عَليكَ صَبابةً فَما أنتَ يا روحي العزيزَة صانِعُ
سُروريَ أنْ تَبقَى بخَيرٍ ونِعْمَةٍ وإنيّ مِن الدُّنيا بِذلكَ قَانعُ
فما الحبُّ إنْ ضاعفتهُ لكَ باطلٌ ولا الدمعُ إنْ أفنَيْتُهُ فيكَ ضائِعُ
وغَيركَ إنْ وَافَى فَما أنا ناظِرٌ إليهِ وَإنْ نادَى فما أنا سامِعُ
كأني موسى حينَ ألقتهُ أمهُ وَقد حرمتْ قدْماً علَيْهِ المَراضِعُ
- أجمل قصائد وأشعار الشاعر المتنبي
- أجمل أبيات الشعر الحزين
- الجمال في الشعر العربي، أجمل القصائد والأبيات
- أشعار وقصائد قيلت عن الدنيا وأحوالها
- شعر وقصائد عن الحظ
شعر عن القمر من العصر الحديث
شعر نزار قباني عن القمر
كتبتُ (أُحبّكِ) فوقَ جدار القَمَرْ
(أُحبّكِ جداً) كما لا أحبّكِ يوماً بشَرْ
ألمْ تقرأيها بخطِّ يدي فوق سُور القَمَرْ؟
وفوق كراسي الحديقةِ، فوقَ جذوع الشَجَرْ
وفوق السنابلِ، فوق الجداولِ، فوقَ الثَمَرْ..
وفوق الكواكب تمسح عنها غُبارَ السَفَرْ..
دوَّرنا القمر
قلتُ لها : اللهَ ما أكْرَمَها تلك الذِكَرْ
أيَّامَ كنَّا .. كالعصافير غناءً وسَمَرْ
نسابقُ الفراشةَ البيضاءَ ثمَّ ننتصِرْ
وندفَعُ القواربَ الزرقاءَ في عَرْضِ النَهَرْ
وأخطُفُ القُبْلَةَ من ثغرٍ بريءٍ مُخْتَصَرْ
ونكسِرُ النُجُومَ ذَرَّاتٍ، ونُحصي ما انكسَرْ ..
فيستحيلُ حولَنا الغروبُ شَلالَ صُوَرْ
حكايةٌ نحنُ .. فعندَ كلِّ وردةٍ خَبَرْ !..
إنْ مرةً سُئِلتِ قُولي : نحنُ دَوَّرنَا القَمَرْ ..
أيّتها الوردةُ .. والياقُوتَةُ .. والرَيْحَانةُ ..
والسلطانةُ ..والشَعْبِيَّةُ .. والشَرْعيَّةُ بين جميع الملِكَاتِ
يا سَمَكَاً يَسْبَحُ في ماءِ حياتي
يا قَمَراً يطلع كلَّ مساءٍ من نافذة الكلِمَاتِ
يا أعظمَ فَتْحٍ بين جميع فُتُوحاتي
يا آخرَ وطنٍ أُولَدُ فيهِ، وأُدْفَنُ فيه
وأنْشُرُ فيه كِتَابَاتي
طالب همَّاش عن القمر
قمرٌ يسهرُ في البستانِ، فالديجورُ يجري شمعداناتٍ، وأنهارَ شموعٍ وكلامْ!
قمرٌ يغرقُ في بحرٍ من الحنّاءِ في ديّارةِ الشهرِ الحرامْ!
فتعلّمْ أيُّها العاشقُ إيقادَ الشموعْ!
وتعلّم أن تسمّي في غروبِ الشمس أحزانَ اليسوعْ!
واسكبِ الخمرَ ولا تسألْ نديماً: ما الذي يجعلُ أرواحَ السكارى في هيامْ!؟
خواطر عن الغياب والفقدان والقمر
عندما نتتبع طريقة استخدام رمزية غياب القمر في الشعر يمكن أن نتعرف على رمز وجوده فالأشياء بأضدادها تعرفُ كما يقال، وسنجد في الأبيات التالية مقارنة رمزية بديعة بين الفقدان المؤلم وغياب القمر من السماء.
ومنها مثلاً قصيدة الشاعرة وردة اليازجي (1838-1924) وهي التي عاشت حياة مليئة بالمصائب من فقد الأخ إبراهيم اليازجي والأب ناصيف اليازجي كما فقدت ابنتها وزوجها، فقالت في رثاء ابنتها:
أسفاً على القمرِ الذي سكنَ الثَّرَى وعلى غصونِ البانِ أَن تتكسَّرا
أسفاً على الوجهِ الجميلِ فإنهُ عِوَضَ الحرائرِ بالتراب تستَّرا
أسفاً على البدنِ الرطيبِ فإنهُ أمسى طعامَ الدودِ يا نِعمَ القرى
وعلى العيونِ الجارحاتِ فإنها غمضت وأَعطَت مقلتي إن تسهرا
يا أَيها الوجهُ الذي لعبَ البلَى فيهِ وغيَّرَ منهُ ذاكَ المنظرا
أسفاً على أسفٍ وليسَ بنافعي أسفٌ بهِ قلبي عليكَ تحسَّرا
يا أَيها الوجهُ المكلَّلُ بالبها من ذا يسلي الأمَّ بعدَكَ يا ترى
من ذا يبرّدُ نارَ احشاءِي ومَن يعطي فؤَادي قوَّةً وتصبُّرا
يا أَيها لوجهُ البديعُ جَمالُهُ من بعدِ فقدِكَ لا تَسَل عمَّا جرى
إن غبتَ عن عيني فإنكَ حاضرٌ في طيّ قلبي لا تزالُ مصوَّرا
قد ذبتُ من شوقي اليكَ ولوعتي فمتى تعودُ لنا لكي نستنظرا
هيهاتِ إنكَ لا تعودُ وإنما تمشي أمامُ وكلُّنا نمشي ورا
شعر أمل دنقل عن القمر
وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس في كل مدينة
قُتِل القمـــر!
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري :كان قديساً، لماذا يقتلونه؟
وتقول جارتنا الصبية :كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه ؟
هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟!؟
ولم تغب الأقمار أيضاً عن القصائد الوطنية، فالقمر رمزٌ يستحق التأمل ويمكن أن يحمل الكثير من المعاني المختلفة والمتباينة، ونجد عند الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (1941-2008) استخداماً كثيفاً لرمزية القمر في القصيدة الوطنية.
لكن قبل ذلك سنتعرف على قمر الشاعر السوري رياض الصالح الحسين (1954-1982) الذي كان على صورة فوتوغرافية مع العالم والحرية.
قمر رياض الصالح الحسين
لقد تعبتُ من الكلام والديون والعمل
لكنِّي لم أتعب من الحريَّة
وها أنا ذا أحلمُ بشيءٍ واحدٍ أو أكثر قليلاً:
أنْ تصيرَ الكلمةُ خبزاً وعنباً
طائراً و سريراً
وأن ألفَّ ذراعي اليسرى حول كتفكِ
واليمنى حول كتفِ العالم
وأقول للقمر: صَوِّرْنا!
السجين والقمر للشاعر محمود درويش
والموت والميلاد في وطني المؤله توأمان!
ستموتُ يوماً حين تغنينا الرسوم عن الشجر
وتباع في الأسواق أجنحة البلابل
وأنا سأغرق في الزحام غداً، وأحلم بالمطر
وأحدث السمراء عن طعم السلاسل
وأقول موعدنا القمر!
قمر الشتاء
سألمُّ جثتكَ الشهيدة وأذيبها بالملح والكبريت ..
ثم أعبّها كالشاي... كالخمر الرديئة..
كالقصيدة في سوق شعر خائب
وأقول للشعراء:
يا شعراء أمتنا المجيدة!
أنا قاتل القمر الذي كنتم عبيدة!!
سيقال: كالمتسول المنفي.. كان
ردّوه عن كل النوافذ
وهو يبحث عن حنان.
لا عاشقان يتذكّران
قلبي على قمر تحجّر في مكان
ويقال.. كان!
وأنا على الإسفلت تحت الريح والأمطار
مطعون الجنان
لا تفتح الأبواب في وجهي ولا تمتد نحو يدي يدان
عيني على قمر الشتاء.. وقد ترمّد في دمي..
قلبي على قرص الدخان!
لا تظلموني أيّها الجبناء
لم أقتل سوى نذل جبان
بالأمس عاهدني وحين أتيته في الصبح خان..
قصيدة لا تنامي يا حبيبتي
عندما يسقط القمر كالمرايا المحطمة
يكبر الظلُّ بيننا والأساطير تحتضر
لا تنامي.. حبيبتي جرحنا صار أوسمة
صار ورداً على قمر!
خلف شباكنا نهارْ وذراع من الرضا عندما لفني وطارْ
خلتُ أني فراشةٌ في قناديل جلّنارْ
وشفاهٌ من الندى حاورتني بلا حوارْ!
لا تنامي.. حبيبتي خلف شباكنا نهار!
سقط الورد من يدي لا عبير، ولا خَدَرْ
لا تنامي.. حبيبتي العصافير تنتحرْ
ورموشي سنابلٌ تشرب الليلَ والقدرْ
صوتك الحُلوُ قبلةٌ وجناحٌ على وترْ
غُصنُ زيتونةٍ بكى في المنافي على حجرْ
باحثاً عن أُصولهِ وعن الشمس والمطرْ
لا تنامي .. حبيبتي العصافير تنتحر
عندما يسقط القمر كالمرايا المحطمة
يشرب الظلُّ عارنا ونداري فرارنا
يصبح الحبُّ ملحمةً
لا تنامي .. حبيبتي جرحنا صار أوسمة
ويدانا على الدجى عندليبٌ على وترْ
الخوف من القمر
خبّئيني... أتى القمر ليت مرآتنا حجر!
ألف سرّ سري وصدرك عارٍ
وعيون على الشجر
لا تغطّي كواكباً ترشح الملح و الخدر
خبّئيني.. من القمر!
وجه أمسي مسافر ويدانا على سفر
منزلي كان خندقا لا أراجيح للقمر..
خبّئيني.. بوحدتي
وخذي المجد.. والسهر
ودعي لي مخدتي
أنت عندي
أمُّ القمر؟!
ختاماً... كما رأينا فالقمر حاضرٌ في القصيدة بقوة، سواء في الغزل أم في الرثاء أو حتَّى في القصيدة الوطنية، فهذا الرمز يعتبر من أقدم الرموز التي استخدمها الإنسان في التشبيه لقربه من نظره وشدَّة تميزه.
وفي الختام نترككم مع قصيدةٍ طويلة وبديعة للشاعرة العراقية نازك الملائكة (1923-2007) بعنوان شجرة القمر، والتي يمكن اعتبارها من أجمل ما كتب في القمر كما أنَّها تتميز بحبكة درامية جميلة وخيالٍ خصب:
شجرة القمر لنازك الملائكة
على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ... وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَرْ
وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ ... وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ
هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ... إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ
ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ ... ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ
وكان غلاماً غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ ... وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ
وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ! ... ويودعَهُ قفصًا من ندىً وشذىً وزَهَرْ
وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ ... يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ
ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ ... وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُوضٍ عَطِرْ
وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ ... على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ
وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا ... أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى
وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ ... خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين، مَشُوقَ الدماءْ
وسار وئيداً وئيداً إلى قمَّةٍ شاهقةْ ... وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقةْ
وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقُّ ... وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ
وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمةْ ... ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمةْ
وكان قريباً ولم يَرَ صيّادَنا الباسما ... على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما
وطوَّقَهُ العاشقُ الجبليُّ ومسَّ جبينَهْ ... وقبَّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونةْ
وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ، بكأس النعومةْ ... بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كلَّ رؤيا قديمةْ
وأخفاه في كُوخه لا يَمَلُّ إليه النَّظَرْ ... أذلكَ حُلْمٌ؟ وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ؟
وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ ... وكلَّلَهُ بالأغاني، بعيْنيهِ، بالزّنْبقِ
وفي القريةِ الجبليّةِ، في حَلَقات السّمَرْ ... وفي كلِّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: أين القمر؟
وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا ... وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا؟
ونادتْ صبايا الجبالِ جميعاً "نُريدُ القَمَرْ!" ... فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"
"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا ... وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا
مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ ... وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ
يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ ... ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ
ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر؟ ... ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا؟ مَن يغذّي السّمَرْ؟"
ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيةْ ... فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديةْ
وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ ... ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ
وجُنّوا جُنُوناً ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ ... ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"
وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ ... إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ
وأشرَبَ من نارِهِ كلَّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ ... وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ
وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ ... ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ
وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ؟" ... فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ؟"
وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ ... ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك"
وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ ... فيسقُطُ من روحه في هُوىً من أًسىً وجنونْ
وراح يغنّي لملهِمه في جَوىً وانْفعالْ ... ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ
ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنوناً وثورةْ ... وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرةْ
ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ ... ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور
وأين سيهرُبُ؟ أين يخبّئ هذا الجبينْ؟ ... ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين؟
وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ ... وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ؟
ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ ... تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ
وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ ... ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ؟
وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ.... بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَةْ
وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ ... وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ
تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمةْ ... فماذا رأوا؟ أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَةْ!
فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ ... وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقاً في حُلُمْ
جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ ... وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ
ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءةْ ... وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءْةْ
وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ؟ ... ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى؟ ثمّ... أينَ القَمَرْ؟
وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ ... عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ؟
أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ ... وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ؟
أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّةْ؟ ... وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ؟
أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها ... سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها
لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ ... وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي
وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ ... يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ
يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ ... يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ
ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ ... ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ
وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُّفُوحْ ... يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ
وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ ... فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!
هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ ... تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ
هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ ... جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللونِ ثَرَّهْ
رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ ... وأرضَعَها ضوؤه المختفي في الترابِ العَطِرْ
وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ ... وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ
وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ ... لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ
وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَةْ .. فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ
فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ؟ أيّ تُرْبهْ ... سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَةْ
وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ ... جميعًا؟ فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ
ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون ... حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون
وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ ... وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ
وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ ... وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ
يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودةْ ... وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدةْ
وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ .... يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ