أجمل قصائد الاشتياق للحبيب في الشِّعر العربي
الشِعر ديوان العرب، فما من موضوعٍ، إلا وتناوله الشِعر العربي، القديم منه، أو الحديث، حيث وجد العرب لهم في الشِعر نافذةً على أحوالهم، فنظموه مديحاً، ورثاءً، كذلك هجاءً، وتأريخاً.
لكن هذه الفئات، وغيرها، تُعتبر من فئات الشأن العام، حيث للشعراء شؤونهم الخاصة، فتغنوا غزلاً، وذابوا شوقاً، في هذه المادة، سنعرض أشهر، وأجمل قصائد الاشتياق في الشعر العربي.
أشعار الشوق للحبيب قبل الإسلام
يُعتبر شِعر الغزل، من أبرز ما كتب العرب في الشِعر، وعنه تفرع الشوق، واللوعة، بل إن الغزل كان مَطلعاً لا بد منه، حتى وإن لم تكن القصيدة مكتوبةً بقصد الغزل، كحال بردةِ كعبٍ بن زهير.
تلك التي قصد منها الاعتذار من نبي الله (ص)، لكنه استهلها بالغزل (بانتْ سُعادُ فَقلْبي اليَومَ مَتْبولُ مُتيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ).
كما أن الوقوف على الأطلال، كان أيضاً استهلالاً لكثيرٍ من قصائد العرب، حيث أن هذه الوقفة على طللِ الأحبة، تعبر عن شوق الشاعر لهم، وحنينه لأيامهم الخوالي.
وستجد هذه الأبيات كثيرةً في الشعر العربي القديم، نذكر منها، بعضَ ما ورد في المعلقات السبع، المكتوبة قبل الإسلام.
أمرؤ القيس (توفي سنة 565 ميلادية/ 80 قبل الهجرة)
يبدأ أمرؤ القيس معلقته الشهيرة، بالوقوف على أطلالِ الأحبة؛ فيقول:
قِفا نبكِ مِن ذِكرى حبيبٍ ومَنزِلِ بسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخُولِ فحَوْملِ
فتُوضِحَ فالمِقْراةِ لـــمْ يَعْـفُ رَسمُهـــا لمــــا نَسَجَــتهــا مِنْ جَـــــنــــوبِ وشــــــــمـــــــألِ
مخاطباً اثنين من أصحابه، أو واحداً بصيغة المثنى، (وهو جائز في اللغة العربية).
ثم يتوقف أمروأ القيس في دارٍ ألِفها، وأحب من أهلها، أما الدَّخُولُ، وحَومل، وتُوضِحَ، والمِقْراة، كلُّها أماكن، توسطها سقط اللّوى، حيث دار الحبيب، التي حسب قوله، ما زالت آثار رماد مواقدها قائمةً، إذا أخذتها رياح الجنوب، ردَّتها رياح الشمال (لـــمْ يَعْـفُ رَسمُهـــا لمــــا نَسَجَــتهــا مِنْ جَــــنــــوبِ وشــــمـــألِ).
وتعتبر هذه الأبيات، من أبلغ الشِعرِ، وصفاً، ولغةَ، كما تعبر عن لوعة العاشق، وحسرته، ثم يسترسل أمرؤ القيس في تذكر أيامه الخوالي، في عدة أبيات لاحقة.
عنترة بن شداد (توفي سنة 600 ميلادية/22 قبل الهجرة)
بنفس الأسلوب، يستهل عنترةُ بن شداد معلقته بالاشتياق والذكرى:
هَلْ غادَرَ الشُّعراءُ مِنْ مُتردِّمِ أمْ هَلْ عَرفتَ الدَّارَ بعدَ تَوَّهُمِ
يا دارَ عبْلةَ بالجِواءِ تَكلَّمي عِمي صَـبــــاحَـــاً دَارَ عَبلَةَ واسْلَــــمِـــــــي
والمتردِّمِ هو الموقع الذي يحتاج للإصلاح، بعدما أصابه من وهن، حيث يقف عنترة ويسأل إن كان الشعراء قد تركوا ما يمكن قوله.
فهل ترك أحدهم ما يحتاج للرقع إلا ورقعه؟ وهو سؤال استنكاري، ثم يخاطب نفسه؛ فيقول هل عرفتَ دار محبوبتك بعد شكك فيها؟.
كما يجوز أن تكون أمْ، بمعنى بل، كما ذكر الزوزني في شرحه، أما في البيت الثاني، يخاطب عنترة دار حبيبته، لتخبره عمَّا آلت إليه أحوال عبلة.
والجواء هو الوادي، ثم يرمي على الدار السلام، بلهجةٍ فيها من اللوعة، والاشتياق، شيءٌ كثير، وعنترة معروف عند العرب، بحبه لليلى، ابنة عمه.
وكأن عنترة شوقه سابق على الفراق، فيقول:
إنْ كُنتِ أَزمَعْتِ الْفراقَ فإنَّمـــا زُمَّتْ رِكابُكــــمُ بلــــيلٍ مُـــــظْـــــلِـــــــــمِ
ما رَاعَنِي إلا حُمولَةُ أهْلِها وَسْطَ الدِّيارِ تّسِّفُ حَبَّ الخُمْخَمِ
وقصده من القولِ، إنْ كنتِ قد عزمتِ على الرحيل؛ فقد حزمتم أمتعتكم في ظلام الليل، وإما أنَّه يقصد المعنى الحرفي لليل المظلم، أو يقصد تصوير بؤس الرحيل، ووقعه على قلبه.
ثم يقول أنَّه استدل على رغبتهم بالرحيل، عندما شاهد الإبل مجهزة للرحيل، وتأكل الطعام (الخمخم نبات تأكل منه الإبل)، فعلِم أن انقضاء مدة أكل الإبل، هو بداية الفراق.
وهذه إضاءة سريعة في أبيات الشوق، والاشتياق، من الشعر الجاهلية، لكن ماذا عن الشعر اللاحق؟
عُرف بجميل بثينة لشدة عشقه لها ووله بها
هو جميلٌ بن مُعمر، ولد في وادي القُرى في الحجاز، وشب على حب ابنة عمه بثينة، حتى لُقب باسمها، كما يُصنف شاعر غزلٍ من الطراز الرفيع.
كما أورده حنا الفاخوري في تاريخ الأدب، حيث كان جميل منصرفاً لرواية الشعر عن الشاعر المخضرم (الحطيئة).
لكنه انصرف إلى قصائد الغزل، والاشتياق، كقوله (تذكّرَ أُنْساً من بثينةَ ذا القلبُ وبثنةُ ذكراها لذي شجنٍ نَصَّبُ) ، فأصبح عشق جميل، وشِعره، مضرباً للمثل عند العرب، توفى جميل بثينة في مصر، سنة 82هـ/701م، دون أن يُعرف تاريخ ميلاده.
ومن قوله في فراق حبيبته، واصفاً عذرية حبه، حيث لا يخلو وصف العذرية، من الشوق إلى الوصال:
وكان التفرّقُ عندَ الصّباحِ عن مِثْلِ رائِـــــحَــةِ الــــعَنــــْبَرِ
خَلِيلانِ لم يَقـــــرُبـــــــا ريــــــبَــــةً ولــــم يَسْتخِفـــــا إلى مُـــــنــــكــــــرِ
كما يصف آلام الحب، والجفاء، حيث لا يرى الشفاء إلى في الوصال:
ارحَمِيني فقد بلِيتُ فحَسبي بعضُ ذا الداءِ يا بثينةُ حسبي
لامني فيكِ يا بُثينةُ صَحبي لا تلوموا قد أقرحَ الــــحــبُّ قلـبي
زعـمَ الـــــــــنـــــــاسُ أنّ دائـــيَ طِبّي، أنــــتِ والله يـــــــا بُثـــــيــــــنــــــةُ طِبّي
كذلك قوله:
أيا ريحَ الشَّمالِ، أمــــا تَريني أهِــــــــيـــــــــمُ وأنني بـــــادي النُّــــــحُــــــــولِ؟
هَبيَ لي نــــسمَـــــةً من ريـــــــحِ بثنٍ ومنيّ بالـــــــهبوبِ عــــلى جـــمـــيـــــــــلِ
وقُولِي: يا بُثينَةُ حَسبُ نَفسِي قَليلُكِ، أو أقَلُّ مِنَ القَلِــيـــلِ
هو أيضاً لُقِّبً بمجنونِ ليلى لهيامه بها
هو قيسٌ بن الملوح، من نجد، ولد في منتصف العقد الثالث الهجري، ومات سنة 68 هجرية، عُرف بقوة تعبيره، وحُسن بيانه، كما كانت معظم أبياته في الغزل، والأشواق، ووصف آلام الحب، حتى سُمي بمجنون ليلى، نسبةً إلى حبيبته.
يقول مجنون ليلى، مُستعذِباً آلام الحب، والاشتياق:
أَحِنُّ إلى لَيْلَى وإنْ شَــطَّــــتِ النَّوَى بلَيلَى كَمَا حَنَّ اليَرَاعُ المُثَقَّبُ
يَقـــولُون لَـــــيــــلَى عَــــــذبتكَ بِحبِّهــــا ألا حَبَذا ذاكَ الحَبيبُ المُعــــذِّبُ
وكأن في عذاب الحب متعة، وفي آلام الشوق سلوى، فيقول بن الملوح:
وقَالوا لو َتشَاءُ سَلَوتَ عَنْها فقُلتُ لَهمْ فانِّي لا أشَاءُ
كَــــيــــــفَ وحُبُّها عَلِقٌ بقـــــلْبي كَــــــمـــا عَلِقَتْ بِأرْشِيَةٍ دِلاءُ
لَها حُبٌّ تنشَّأ في فُـــؤادِي فَلــيسَ لَهُ وإنْ زُجِـــرَ انتِهـــــاءُ
(والأرشية جمع رشاء، وتعني الحبل)
حتى أنَّ بن الملوح، لم يتمكن من نسيان محبوبته، حتى في الحج، حيث يقول:
ذَكَرتُكِ والحَجيجُ لَهُم ضَجيجُ بمَكَّةَ والقُلوبُ لَها وَجيبُ
فَـــقُلْــتُ وَنَــحْـــنُ فِي بَلدٍ حَرامٍ بِهِ والله أُخْلِـــصَــــتِ القـلُــوبُ
أتُوبُ إليكَ يَا رَحمنُ مِمَا عَمِلتُ فقَدْ تَظاهَرِتْ الذُنـوبُ
فَأمْا مِـــنْ هَـــــــــوى لَــــيـــــــــلَى وتَـــــــــــركِي زِيـــــارَتَها فَــــإنِّي لا أَتــــــــوبُ
وكَــــــيــــفَ وعِنـــدَها قَــــلبِي رّهــيـنٌ أَتوبُ إليكَ مِنها أو أُنيبُ
كثير الخزاعي؛ شاعرٌ متيمٌ عرف باسم حبيبته
كثير بن عبد الرحمن الخزاعي، شاعرٌ متيمٌ من المدينة المنورة، ولد سنة 38هـ/660م، ومات سنة 101هـ/723م، عرفه العرب في المديح، والهجاء.
لكن اسمه اقترن باسم عزَّة الضميرية، فصار لقبه كثيرُ عزَّة، وله تائية طويلة في حبها، واشتياقها، منها:
خليليَّ هذا ربْعُ عُزَّةَ فاعقلا قُلوصيكُما ثمّ ابكــيـــا حـــيـــثُ حــــــلَّــــــتِ
ومُسّا تُراباً كَانَ قَدْ مَسَّ جِلدها وبِيتاً وَظِلاَّ حَيْثُ بــاتـــتْ وظـــلــــّـتِ
ولا تيأسا أنْ يَمْحُوَ الله عنكُما ذُنوباً إذا صَلَّيْتما حَـــيْــــثُ صَـــــلّـــــتِ
ما كُنتُ أدرِي قَبلَ عَزَّةَ ما البُكا ولا مُوجِعَاتِ القَلبِ حتَّى تَوَلَّــتِ
هنا؛ نجدُ كثيراً الخزاعي قد وقف على الأطلال، حاله حال أمرؤ القيس، وعنترة، وغيرهم، فقال لرفاقه أن يقفوا معه عند ديار محبوبته.
والقُلوصُ هي الإبل التي تُركب قبل أنْ تبلغ التاسعة، كما أنَّ كثيراً، يرى في منزل حبيبته مزاراً، ولترابٍ مسَّته قدسيةً، ثم يبكي حبيبته، وما كان عارفاً للبكاء قبل الفراق.
وقيل أنَّ جريراً أغزل العربِ شِعراً
هو جرير بن عطية اليربوعي، ولد سنة 28هـ/648م، مات سنة 110هـ/728م، عُرف أنَّه قضى حياته يبارز الشعراء في عصره، ولم يثبت بينهم غير الفرزدقِ، والأخطل، فكانت بينهم جولات طويلة من الهجاء، هي الأشهر في تاريخ الشِعر العربي.
لكنه أيضاً كان أغزلَ العربِ شعراً، ومن أروع ما قيل في الاشتياق، قول جرير (حَيِّ المَنَازِلَ إذْ لا نَبْتَغي بَدَلاً بِالدارِ داراً وَلا الجِيرَانِ جِيرَانَا) وهي قصيدة طويلة، من أجمل، وأشهر ما قال العرب، في الغزل، والفراق، ومنها أيضاً:
لا بَارَكَ اللهُ في الدُّنيا إذا انقَطَعَتْ أسبابُ دُنياكِ مِنْ أسبابِ دُنــيانـــا
أبُـــــدَّلَ اللّـــيــــلُ؟ لا تَسرِي كَــوَاكبُــــهُ أمْ طالَ حتى حسِبتُ الـــنجـمَ حَيرانـا؟
إنّ الــــــعُـــــــيُــــــونَ التي في طَــــــــرْفِهـــــــا حَــــــوَرٌ قــَـتَـــلــنَــنــــا ثُـــــمَّ لـمْ يحيينَ قتلانــــــا
يَصــــــرَعــــنَ ذا اللُّبِّ حتى لا حَراكَ بِهِ وهُنَّ أضـــعَــــفُ خَـــلـــق اللهِ أركــانـــا
يــــا حَــــبَّـــــذا جــبـــلُ الـــرَيـــانِ مِـــنْ جَبلٍ وَحَبَّذا ســـاكِنُ الــــرّيّــانِ مَـــنْ كَــــانَــــــــا
وَحَــــبَّـــــذا نَفَــــحَــــــاتٌ مِــــــنْ يَـــــمَـــــانِـــيــةٍ تــــأتيــــكَ مِـــن قِبــــلَ الـــريــــانِ أحــــــــيـــانـــــــا
هَــــــبـــــتْ شَمالاً فذكرى مــــــا ذكــــــرتكمْ عندَ الصفاةِ التي شرقيَّ حَورانـــــا
هـــــــلَ يـــرجعنَّ ولـــيسَ الــدهرُ مرتجعـــاً عيشٌ بِها طَالمَا احلوَّ لي ومــا لانا
من أشهر شعراء الأندلس واشتهر بعشقه لولَّادة
هو أبو الوليد، أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي الأندلسي، ولد سنة 394هـ/1003م، وتوفي سنة 463هـ/1070م.
وهو من أشهر شعراءِ الأندلس، حيث أن قصائده أغلبها في حب ولَّادة، وأشواقه لها، منها قوله (أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا)، وله في ذلك قصائد عديدة، منها:
مـــــا ضرَّ لـــوْ أنّــــكَ لي راحــــمُ وعِلّــــتي أنــــتَ بِهــــا عَالِــــمُ
يَهْنِيكَ يــا سُــؤلي و يَا بُغيَتي أنَّكَ مِمّا أشْتَكي سَالِـــــمُ
تَضحَكُ في الحُبِّ، وأبْكي أنا، اللهُ فيمَا بينـنَا حاكمُ
أقُـــــولُ لَمّــــا طــارَ عَنّي الكَرَى قَـــولَ مُعَنّى قَلْبُهُ هَـــائِـــمُ
يـــــا نَــائِماً أيْقَـــظَـــني حُبُّهُ هَــــبْ لي رُقــــاداً أيُّهـــا النّائِــــــمُ
قصائد الشوق في العصر الحديث
من أشواق الشاعر العراقي بدر شاكر السياب
(ليلٌ ونافذةٌ تضاءْ ... تقولُ أنكِ تَسهرينْ
إنِّي أُحسِّكِ تهمسينْ ... في ذلك الصمت المميت
ألنْ تخفَّ إلى لقاءْ ... ليلٌ ونافذةٌ تضاءْ
تُغشي رؤاي وأنتِ فيها ثم ينحلُّ الشعاعْ ... في ظلمةِ اللَّيل العميقْ
ويلوحُ ظلكِ مِن بعيدٍ ... وهو يُومئ بالوداعْ
وأظلُّ وحدي في الطريقْ.)
أو قوله:
قد انتصفَ اللَّيل فاطوِ الكِتابَ عن الريحِ والشمعةِ الـــخابيـــة
فَـــــعـــيــــــنـــــاكَ لا تَقرَآن السُّــــــطــــــورَ ولــــــكــــنَّهـــــــــا الــــعِــــلْــــــةُ الــــــواهــــيـــــــــــة
فــــــأنـــــتَ تَرى مُقلــــتيهــــــا هــــــنــــــاك وذِكـــــــرى مــــــن اللــــيــــلـــــةِ الماضيـــــة
فــــــتــــَــطــــوي على رُكـــبــَـتـــيــــكَ الكِتابَ وتَــــــرنو إلى الأنــــجــــمِ النائــيــــة
من أشواق الشاعر المصري أمل دنقل
(شيءٌ في قلبي يحترق ... إذ يمضي الوقتُ ... فنفترق
و نمدّ الأيدي ... يجمعنا حبّ ... وتفرّقها .. طرق)
أو قوله:
(على جناح طائر ... مسافرٍ...مسافر
تأتيكِ خمسُ أغنياتِ حبٍّ ... تأتيكِ كالمشاعرِ الضريرة
من غربة المصبْ ... إليكِ يا حبيبتي الأميرة الأغنية الأولى
ما زلتِ أنتِ...أنتِ ... تأتلقين يا وسام الليل في ابتهال صمتْ
لكن أنا... أنا هنـــــــا بلا أنا...)
من أشواق الشاعر السوري نزار قباني
(اشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني ألا أشتاق.
علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق
علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق
علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق)
من أشواق الشاعر السوداني الهادي آدم
لم يأخذ الشاعر السوداني الهادي آدم (1927-2006) حقَّه بين معاصريه، لكنه ترك أثراً، من أجمل ما قيل في الاشتياق، هي القصيدة التي ترنمت بها أم كلثوم، أغداً ألقاكَ، ونُوردها كما وردت في ديوان الشاعر، حيث عدل عليها لضرورات التلحين، والغناء:
أغـــداً ألقاكَ يا لــــهفَ فؤادي مِن غـــــدِ ... وأحييكَ لـــــــكـــــن بـــفــؤادي أمْ بـــــــــيـــــدي؟
أم بطرفٍ خاشِع اللمحِ كَلِيلٍ مُــــجهَـــدِ؟ ... لستُ أدري كيفَ ألقاكَ ولكني صدي
ظــــــــــامئ أرهـــــــقــــــه البين وطــــول الأمـــــــــــــــدِ
أنا أخشى غدِ هذا وارجوه اقــــــترابـــا ... كنت استدنيه لكن هبته لما أهـابــــــا
ونولت دهشة القرب فؤادي فأنابا ... هكذا احتمل العمر نعيما وعــذابـــــا
مهجة سكرى وقلب مستهام يتغابى)
ومن قوله أيضاً:
(مِن كوخ أشواق أُطل على معالمِ ذكرياتي ... وأظلُ أدفنُ في جوانبــهِ الكئبيةِ أمسيــــــاتـــــــي
تتململُ الآهاتُ في صدري فيُعييها التـفــاتـــــي ... أهفـو إلى الفجرِ الحبيسِ وراءَ لمـعِ التُرهــات)
ختاماً... ما تزال دواوين العرب، ناضحة بشعر الحب والهيام، والاشتياق، حيث أوردنا الأبرز من الشعراء، والقصائد، التي اتخذت من الشوق موضوعاً، ومن آلامه أساساً لبنائها.