25 عاما من ذكرى المحرقة في البوندستاغ.. أبرز المحطات!
"جرائم إبادة". هل هذا المصطلح القانوني كاف لوصف المحو الممنهج لستة ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939 و1945؟ الإجابة هي لا. في إسرائيل يطلق على هذه الإبادة اسم "شُوآ"، والتي تعني بالعبرية "كارثة". خارج نطاق إسرائيل، تعرف هذه الجريمة باسم "هولوكوست"، والمشتقة من الكلمة الإغريقية التي تعني "المحترق كاملاً".
محاولة إضفاء كلمة على هذه الجريمة المدمرة للحضارة ستبقى تحدياً دائماً، وهو ما انعكس في الاسم الذي أطلقه الرئيس الألماني الأسبق رومان هيرتسوغ عام 1996 على يوم السابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني كل عام، وهو "يوم تذكر ضحايا النازية".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
يوافق هذا التاريخ يوم تحرير الجنود السوفييت لمعسكر أوشفيتز النازي للإبادة، وعندما اختاره الرئيس هيرتسوغ، قال وقتها إن عبارة "ضحايا الهولوكوست" كان "مصطلحاً ضيقاً للغاية، لأن الجمهورية النازية العنصرية استهدفت فئات أخرى إضافة إلى اليهود".
بعد عامين من خطاب الرئيس الألماني الأسبق، ألقى المؤرخ الإسرائيلي المولود عام 1926 في براغ، يهودا باور، خطاباً في البرلمان الألماني "بوندستاغ"، تذكر فيه جرائم الإبادة العرقية في رواندا عام 1994، وكمبوديا بين عامي 1975 و1979، وأرمينيا بين عامي 1915 و1916.
كل جرائم الإبادة هذه تشترك في أنها وقعت على مساحة جغرافية محددة، وإن كانت متسعة أحياناً، إلا أن "الجريمة التي وقعت بحق اليهود كانت تستهدفهم في كل مكان حول العالم". وأضاف الباحث المتخصص في تاريخ الهولوكوست أن تلك الجريمة قد تتكرر مرة أخرى، ولكن ليس بنفس الشكل، وإنما بنمط قريب للغاية، مضيفاً: "ولا يمكنني أن أقول لكم من سيلعب دور اليهود ومن سيلعب دور الألمان في المرة القادمة".
عام 2000 شهد خطاباً لأول مرة ألقاه ناجِ من معسكر أوشفيتز خلال يوم الذكرى، في مبنى البوندستاغ وأمام نوابه، ألا وهو إيلي فيزل، الكاتب الأمريكي المولود في رومانيا. قال فيزل إنه يأمل بأن يصدق الحاضرون "أنني لا أتحدث وفي داخلي كره أو مرارة.. هل ستوجعكم كلماتي؟"، مضيفاً أن هذه ليست نيته: "كيف يمكن أن يدرك أي أحد ثقافة تقديس الكره والموت هذه التي سادت في بلادكم؟"، ومشيراً إلى أنه لا يؤمن بالذنب الجماعي، ولكنه حذر من نسيان ما حدث: "من يشكك في ضرورة تذكر هؤلاء الضحايا، فإنه يقتلهم مرة ثانية".
في عام 2001، ألقى خلف رومان هيرتسوغ، الرئيس يوهانس راو، الخطاب في يوم الذكرى، والذي جاء وسط تعاظم لتيار اليميني المتطرف في ألمانيا، وأيضاً في خضم جدل مجتمعي حول الذنب والمسؤولية الألمانيين. فبعد مرور نصف قرن على انتهاء الحرب العالمية الثانية، وصلت ألمانيا بعد مخاض عسير إلى قرار تعويض عمال السخرة في معسكرات الإبادة النازية بمبلغ خمسة مليارات يورو. ورافق ذلك نقاش كبير حول بناء نصب للهولوكوست في برلين.
منذ إعادة توحيد شطري ألمانيا عام 1990، تغير المناخ الاجتماعي في ألمانيا بشكل كبير. فقد ازدادت الهجمات على من هم من أصول مهاجرة وعلى مراكز إيواء اللاجئين، وراح ضحية تلك الهجمات ضحايا. وحذر الرئيس الاشتراكي الديمقراطي يوهانس راو من ضرورة محاربة اليمين المتطرف العنيف سياسياً وقانونياً، إذ قال: "كرامة الإنسان ليست في خطر فقط، عندما تُضرم النيران في المنازل ويلاحق الناس في الشوارع".
أما في عام 2002، ألقى برونيسلاف غيريميك، وزير الخارجية البولندي الأسبق والناجي من الهولوكوست، الكلمة في يوم ذكرى ضحايا النازية. في ذلك العام كان العالم ما زال في صدمة هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الإرهابية في الولايات المتحدة.
يومها قال غيريميك إن التاريخ المعاصر لم "يغلق فصل الكراهية" بعد، وطالب بـ"فعل دولي ومجتمعي"، ووازى ما بين جرائم النازية وجرائم الإبادة التي وقعت بعد عام 1945، حتى الزمن الراهن، مشيراً إلى أنه ما كان على العالم أن يظل صامتاً عندما حُرقت الكتب في ألمانيا أو دُمرت المعالم الثقافية في أفغانستان "فالضحية القادمة بعد ذلك هي دائماً البشر".
حتى عام 2007، كانت الكلمة في يوم الذكرى هذا للناجين من معسكرات الإبادة. الكاتب الإسباني خورخي سيمبرون (2003) وأول رئيسة للبرلمان الأوروبي، سيمون فايل (2004) نظرا بأمل إلى توسيع رقعة الاتحاد الأوروبي نحو الشرق، إذ لأول مرة في تاريخ حروبها وتوسعاتها العسكرية، تمكنت القارة الأوروبية من الاتحاد دون حروب، حسب ما قالت فايل: "هل يمكن للمرء تصور هذا النصر الأخلاقي بانضمام الأعضاء الجدد من دول الكتلة الشرقية السابقة اليوم بشكل حر وسلمي وديمقراطي؟"
في عام 2010 كان شيمون بيريز أول رئيس إسرائيلي يلقي خطابا يوم تذكر ضحايا النازية في مبنى البرلمان الألماني، وقد تبعه عام 2020 الرئيس الحالي رؤوفين ريفلين. في خطابه، حذر بيريز من التهديد الذي تتعرض له بلاد بسبب أسلحة الدمار الشامل "الموجودة في أيدِ غير عقلانية"، ولدى أشخاص "لا يمكن التكهن بنواياهم". المقصود هنا كانت إيران، العدو اللدود لإسرائيل.
وأضاف بيريز أنه من أجل "منع شوآ" ثانية، فإن "على عاتقنا أن نعلم أطفالنا احترام حياة البشر وصون السلام مع بقية الدول". في عام 1994 حصل بيريز على جائزة نوبل للسلام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.
بعد عام من خطاب بيريز، ألقى عام 2011 زوني فايس خطابَ يومِ الذكرى في البرلمان الألماني. وُلد فايس، الذي ينتمي لشعب السنتو الغجري، عام 1937 في لاهاي، وفقد كل أفراد عائلته تقريباً في معسكرات الإبادة النازية. قال زوني فايس في خطابه إن الإبادة العرقية التي تعرض لها شعب السنتي والروما هي بمثابة "هولوكوست منسي"، إذ أبيد فيها نصف مليون رجل وامرأة وطفل، ولم يتعلم منها المجتمع أي شيء "وإلا لكانوا قد تعاملوا معنا اليوم بقدر أكبر من المسؤولية".
وإلى جانب إيطاليا وفرنسا، ألقى فايس باللوم على دول أوروبا الشرقية، مثل رومانيا وبلغاريا، في معاملة أقليتي السنتي والروما هناك "بشكل مهين للكرامة". وفي المجر، هاجم المتطرفون اليمينيون اليهود والسنتي والروما، مضيفاً: "نحن أوروبيون أيضاً ويجب أن تكون لنا نفس الحقوق التي لدى الآخرين، وأن نتساوى في الفرص الممنوحة لأي أوروبي".
في العام الذي تلا خطابه، عاد فايس وكرر اتهاماته على هامش احتفالية افتتاح نصب التذكير بضحايا النازية من السنتي والروما في أوروبا، والذي أقيم بجانب مبنى البوندستاغ في برلين.
ومنذ أن فرّ مئات الآلاف من اللاجئين من حروب أفريقيا وآسيا إلى أوروبا، فإن هذا الملف انعكس في خطابات يوم ذكرى ضحايا النازية. فقد أشادت روت كلوغر، أستاذة الأدب المنحدرة من النمسا والناجية من الهولوكوست، عام 2016 بقيام ألمانيا بفتح حدودها أمام نحو مليون لاجئ، مضيفة أن الدولة "المسؤولة عن أسوأ جريمة في القرن الماضي" قد استحقت "تصفيق العالم بأسره"، وأشارت إلى أنها من بين العديد من المراقبين الذين "انضموا من معسكر المستغربين إلى معسكر المعجبين بألمانيا".
عازفة التشيلو الألمانية البريطانية، أنيتا لاسكر فالفيش، عكست نفس المشاعر في خطابها عام 2018. فإبان الحقبة النازية، أغلقت معظم الحدود في وجه اليهود، ولم تفتح أمامهم مثلما فعلت ألمانيا عام 2015. وقالت لاسكر فالفيش: "بفضل هذه اللفتة الكريمة والشجاعة والإنسانية للغاية التي حصلت هنا" لم تكن هذه الموسيقية، التي كانت جزءاً مما يسمى "أوركسترا الفتيات" في أوشفيتز، تتصور على مدى عقود أنها ستكيل المديح في بلد سفاحي النازية، لأنها أقسمت لنفسها "ألا تطأ أقدامها أرض ألمانيا". لكنها ليست نادمة على تغيير رأيها، لأنها تعتبر الكراهية سماً "وفي النهاية يسمم المرء نفسه به".
يوم السابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني ستحل ذكرى ضحايا النازية مجدداً، وستلقي الخطاب هذا العام سيدتان، هما شارلوته كنوبلوخ ومارينا فايسباند. كنوبلوخ تبلغ من العمر 88 عاماً، بينما تبلغ فايسباند من العمر 33 عاماً. كنوبلوخ شغلت حتى عام 2010 منصب رئيسة المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، وأنقذت من الترحيل إلى معسكر تيريزينشتات للإبادة. أما فايسباند فهي ناشرة وسياسية يهودية تنتمي إلى حزب الخضر. يربط السيدتين دينهما اليهودي ونشاطهما في مجال مكافحة معاداة السامية.
مارسيل فورستناو/ ي.أ