من هن أشهر ملكات التاريخ القديم؟
يعتقد بعض الباحثين في التاريخ، أن المؤرخ الذكر ظلم النساء في تدوينه، فلم يذكر منهن إلا من طغت بفطنتها وقوتها على رجال عصرها، حيث لم يتمكن التاريخ من تجاهلها على الرغم من تحيزه لتخليد ذكرى العظماء من الرجال، سنحاول من خلال هذه المادة استحضار أربع شخصيات نسائية، استطعن تثبيت أقدامهن في التاريخ بجدارة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
كليوباترا ملكة مصر وفاتنة قياصرة الرومان
ولدت كليوباترا السابعة (Cleopatra VII) عام 69 قبل الميلاد، وهي ابنة ملك مصر بطليموس الثاني عشر، من سلالة البطالمة التي حكمت مصر بعد موت الإسكندر الكبير (Alexander the Great) عام 323 قبل الميلاد، اعتلت عرش مصر بالاشتراك مع أخيها الصغير بطليموس الثالث عشر، عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها، كما أنها تكبر أخيها بثمان سنوات، إلا أن كليوباترا كانت هي المتحكمة الحقيقة بعرش مصر، هذا ما لم يرق لمستشاري بطليموس الثالث عشر، فأمروا بإبعاد كليوباترا، التي لجأت إلى شرق مصر، فأعدت جيشاً من البدو، ثم قادتهم لتستعيد عرشها، لكنها استطاعت أن تتوصل إلى تسوية مع أخيها إثر وصول يوليوس قيصر (Gaius Julius Caesar) إلى عرش روما عام 49ق.م، حيث رغب الأخوة الأعداء بالتقرب إلى الإمبراطور الجديد طمعاً باستعادة أمجاد البطالمة (آخر أسرة حكمت مصر قبل خضوعها للرومان).
وقع يوليوس قيصر في حب كليوباترا، فنشأت بينهما علاقة قوية تكللت بالزواج، إلا أن بطليموس الثالث عشر تآمر مع مستشاريه على كليوبترا وحبيبها، فاندلعت حرب الإسكندرية، التي انتهت بانتصار يوليوس قيصر عام 47ق.م، فقام بقتل بطليموس الثالث عشر وأتباعه، لتعود كليوباترا إلى الحكم إلى جانب أخيها الأصغر بطليموس الرابع عشر، كما أنجبت من قيصر طفلها بطليموس قيصر (قيصرون) الذي حكم إلى جانبها حتى وفاتها.
أعلن يوليوس قيصر نفسه حاكماً مطلقاً لروما عام 44ق.م، فقام أعداؤه باغتياله في آذار/مارس من العام نفسه، ثم نشأ خلاف بين قادة جيشه، أوكتافيوس المعروف بأغسطوس (Augustus) الذي أراد ضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية من جهة، وماركوس أنطونيوس (Marcus Antonius) المعروف أيضاً بـ (مارك أنتوني)، الذي أراد الانفراد بحكم روما، فحاولت كليوباترا التقرب من أنطونيوس، الذي وقع في حبها بعد أن ذهبت إليه خلسة أثناء زيارته إلى مصر، وكانت الإمبراطورية قد انقسمت بين القائدين.
أخيراً وقعت معركة أكتيوم عام31ق.م بين أوكتافيوس، وبين أنطونيوس بالتحالف مع كليوباترا، التي انتهت بهزيمة أنطونيوس عام30ق.م، فأقدم على الانتحار، ثم تبعته كليوباترا بعد سماعها خبر هزيمته، حيث انتحرت بعد أن تركت أفعى الكوبرا المصرية السامة تلدغها في ذراعها، أو يقال في ثديها، لتختتم بموتها عصر أسرة البطالمة، ثم دخلت مصر تحت الحكم الروماني.
عرفت كليوباترا بجمالها ودهائها، لكن طموحها في استعادة أمجاد أسرتها تفوق على كل صفاتها، حيث أنها بذلت كل ما بوسعها للتمكن من الوصول إلى حكم عرش مصر، وتحقيق الازدهار الذي تطمح إليه، لكن نهايتها كانت نهاية طموح البطالمة إلى الأبد.
الملكة بوديكا وبناتها "المتمردات على الرومان"
ولدت بوديكا (Boudica) في وقت مجهول من سنة 27ميلادية، هي ملكة بريطانيا، وزوجة الملك برستاغوس (Prasutagu)، الذي حكم بريطانيا من عام 58 للميلاد، حتى وفاته عام 61 للميلاد، معاصراً القيصر الروماني نيرون (Nero)، الذي حكم روما بين عامي 54 و68 للميلاد، كما كان من التابعين له.
أوصى الملك برستاغوس بملكه لابنتيه بالاشتراك مع نيرون إمبراطور روما، رغبة منه في تجنب عداء الرومان، لكن نيرون تجاهل وصيته بعد وفاته عام 61 للميلاد، فأعلن ضم مملكة برستاغوس إلى روما، رغبة بالاستفادة من ثروات المنطقة، خاصة الثروات الزراعية والمعدنية، لكن الوصية على العرش الملكة بوديكا تمردت على قرار القيصر، ورفضت الموافقة على ضم المملكة إلى الإمبراطورية الرومانية؛ فكان ذلك إعلان صريح للحرب بين الملكة الجديدة ونيرون.
حقق جيش القبائل الذي شكلته الملكة بوديكا انتصارات كبيرة، كانت صادمة للرومان، حيث تمكن جيش بوديكا من إلحاق الهزيمة بجنود المحميات الرومانية في بريطانيا، كما تمكنوا من إلحاق خسائر بشرية كبيرة في صفوفهم، لكن نيرون أصدر أوامراً حازمةً بالقضاء على التمرد، فتوجهت قوات كبيرة إلى مواقع القتال، استطاعت القضاء على التمرد بشكل وحشي، حيث تحول لون نهر التايمز إلى لون الدم، كما تمكنوا من إلقاء القبض على بنات الملكة بوديكا، التي قتلت نفسها إثر الهزيمة قبل أن يتمكنوا من الوصول إليها، حيث انتحرت بالسم، أو بطعن نفسها.
من جهة أخرى قام الجنود الرومان بقتل بناتها بطريقة وحشية، حيث تعرضن للاغتصاب، ثم التعذيب والتنكيل، إضافة إلى عشرات المعتقلات من النساء اللواتي شاركن في القتال، فقاموا بجلدهن وتقطيع أثدائهن، وخياطة أفواههن، ثم قتلهن بواسطة مسلات خشبية كبيرة (الخازوق) في الشوارع.
عُرفت الملكة بوديكا بحضورها القوي، ووصفت أنها كانت قوية كالرجال، شعرها أحمر، أو ذهبي مجعد، يصل إلى أسفل ظهرها، وملامحها حادة، تدب الرهبة في النفس، كما عرف عنها أنها لم تكن راضية عن تحالف زوجها مع الرومان، حيث شعرت أن الرومان يريدون السيطرة على المملكة منذ البداية.
جوليا دمنا "الحمصية التي حكمت روما"
ولدت جوليا دمنا في مدينة حمص السورية حوال سنة 170 ميلادية، وهي ابنة باسيانوس كبير كهنة الشمس، تزوجت من قائد الفرقة الرابعة في الجيش الروماني/ولاية سورية، سيبتيموس سيفيروس عام187، وأنجبت منه كركلا، وغيتا، ثم أصبح زوجها قيصر روما في نيسان/ أبريل عام193، فحصلت جوليا دمنا على لقب العظيمة (Augusta)، حيث رافقت دمنا زوجها في معاركه، لتكون أول امرأة في الإمبراطورية الرومانية تخوض الحرب إلى جانب زوجها، كما كانت تشارك في الحكم بطريقة فعالة، وسيرت الأمور الإدارية في الدولة، إضافة إلى حبها للفلاسفة والأدباء، الذين وجدوا لهم في قصرها ملاذاً آمناً.
مات زوجها سيبتيموس عام 211، فخلفه ولداه كركلا وغيتا حسب وصيته، إلا أن الخلافات كانت شديدة بينهما، أدت في النهاية إلى مقتل غيتا على يد أخيه كركلا في العام نفسه، كما أصيبت دمنا أثناء محاولة دفاعها عن ابنها الأصغر، وعلى الرغم من الحزن على موت ابنها الأصغر، إلا أنها بقيت على قربها من كركلا، فتولت كافة الأعمال الإدارية، خاصة أن كركلا انشغل في الحروب، حتى قُتل كركلا في الرها شرق سورية عام217، نتيجة مؤامرة حاكها القائد في الجيش الروماني مكاريوس، الذي أصبح القيصر الجديد، فقررت الانتحار جوعاً، حتى نجحت بعد عدة محاولات، فماتت في أنطاكية، في نفس السنة التي مات فيها ابنها كركلا، ثم نقل جثمانها بمراسم قيصرية إلى روما.
زنوبيا ملكة تدمر "إن لم تأتيني حبيباً، جئتني مكبلاً بالأغلال"
تقع تدمر في وسط بادية بلاد الشام، حيث استمدت أهميتها من موقعها المتميز على طرق التجارة، كما بدأت العلاقات التدمرية الرومانية تأخذ منحى جديداً بعد اغتيال القيصر سبيتموس سفيروس زوج جوليا دمنا سنة 211ميلادية، والتي تلاها اغتيال أكثر من عشرة قياصرة بفترة قصيرة جداً، كما أدرك الرومان أن صراعهم مع الفرس على سيادة تدمر لا طائل منه، فلجأوا إلى التحالف مع حكام تدمر المحليين.
في هذه الفترة حكمت تدمر من أسرة جوليي اوريليي سبتيمي، التي انحدر منها الملك أذينة، حيث عرفت العلاقات بين روما وتدمر أوج ازدهارها في عهده، كما قدم أذينة العون للرومان في معاركهم مع الفرس شمال سوريا، فمنحه الرومان ألقاباً عدة، أبرزها كان (زعيم الشرق Dux Orientis)، إلى أن تم اغتياله مع ولي عهده حيران، قرب حمص سنة 268 ميلادية، فخلفه ابنه وهب اللات، لكن وهب اللات لم يكن قد بلغ سن الحكم، فاعتلت أمه زنوبيا العرش بالوصاية.
الزباء، المعروفة بزنوبيا، وصفت أنها أجمل ملكات الشرق، كما كانت تتمتع بشخصية قوية، وقدرة مميزة على إدارة الدولة، حيث تقربت من جنودها ومستشاريها، كما قادت بعض المعارك مع قادة جيشها، فضلاً عن كونها رامية سهام لا يشق لها غبار، وقد ورثت عن زوجها طموحه التوسعي، لكنها سبقته بالجرأة، فأعلنت استقلال تدمر الكامل، كما منحت ابنها حيران لقب ملك الملوك، أسوة بأبيه، ثم وجهت جيشها بقيادة (زبدا) إلى مصر سنة 270 ميلادية، حيث تمكنت من احتلال الإسكندرية، وانتزاعها من الرومان، مستغلةً انشغال الرومان في حروبهم على حدود الإمبراطورية الشمالية، لكن طموح زنوبيا لم يتوقف عند مصر، بل عاد القائدان التدمريان البارزان (زبدا) و (زبّاي) إلى متابعة الحملات في آسيا الصغرى، وتمكنوا من انتزاع أجزاء كبيرة من إمبراطورية الرومان، حتى امتدت إمبراطورية زنوبيا من النيل إلى القوقاز، تزامناً مع وصول الإمبراطور أورليان (Orléans) إلى عرش روما.
اتبعت زنوبيا سياسة اللا حرب واللا سلام مع الإمبراطورية الرومانية، حيث حافظت على مصالح الرومان في كل الولايات التي انتزعتها، فبقي القمح يتدفق من الإسكندرية إلى روما كما العادة، لكن الشعرة التي قسمت ظهر البعير كما يقولون، كانت عندما قررت زنوبيا أن تسك عملة نقدية عام270، بصورة ابنها وهب اللات بعد احتلال الإسكندرية، وصورة أورليان، فتقبلها الرومان على مضض، لكنها في العام التالي قامت بسك عملة ذهبية جديدة، على وجهها الأول صورة وهب اللات بالثياب الإمبراطورية، وعلى الوجه الثاني صورة زنوبيا، بلقب العظيمة (أوغسطا)، هذا ما لم يسمح به أورليان، فأعلن الحرب، وأرسل جنوده إلى معسكرات التدمريين على طول الإمبراطورية، حيث تمكن الرومان من استعادة أغلب المواقع التي احتلتها زنوبيا، دون معارك ضارية، فقد اقتضت الحكمة على التدمريين ألا يواجهوا قوة عسكرية بهذا الحجم، لكن هذا الحكمة لم تدم طويلاً.
استمرت معارك الرومان والتدمريين، حتى وصول الجيش الروماني إلى حمص، التي لم تبدي مقاومة كبيرة، فسقطت بأيدي الرومان سنة 272 للميلاد، ثم تابع أورليان زحفه باتجاه تدمر شرقاً، فتمكن من دخولها بعد هزيمة الجيش التدمري، لكن زنوبيا كانت قد هربت شمالاً باتجاه الفرات، إلا أن الجنود الرومان تمكنوا من أسرها.
هناك جدل تاريخي كبير حول مصير زنوبيا، منهم من يقول أن زنوبيا لم تصل إلى روما بعد أسرها، إنما تمكنت من إقناع أحد الحراس أن يقدم لها عشبة سامة، تناولتها، وماتت، أما الرواية الثانية، أن زنوبيا دخلت روما أسيرة مع ابنها، ومشت خلف موكب النصر مكبلة بالأغلال الذهبية، وهي الأرجح، ثم يختلف المؤرخون بمصيرها بعد وصولها إلى روما، إن كانت زنوبيا قد أضربت عن الطعام حتى الموت، أم أنها تزوجت من أحد أعيان روما، وعاشت حياة رغيدة فيها.
كما كان للرومان جولات أخرى مع تدمر بعد رحيل زنوبيا عن المدينة، إلى أن دمروها تماماً بعد ثورة التدمريين على حكم الرومان في نفس العام الذي غادرت فيه زنوبيا.
أخيراً... أربعة نساء، تمكنَّ من اعتلاء العروش، جميعهن ملكات بالوصايا، إلا أنهن جميعهن متمردات أيضاً، طموحات.. استطعن ترك بصمة في التاريخ، كما أثبتن قدرة المرأة على سياسة الشعوب وحكمها، فأصبح طموح كليوباترا، وإباء بوديكا، مثالاً يحتذى، كذلك أصبحت حكمة جوليا دمنا، وقوة زنوبيا، إضافة إلى الأسماء الأخرى التي تشع في كتب التاريخ، حيث سيكون لنا معها وقفة أخرى.