محمد طه القدال: تعرف على الشاعر الذي حزنت السودان على وفاته

  • تاريخ النشر: الإثنين، 05 يوليو 2021

"وداعا أبو السرة"

مقالات ذات صلة
الشاعر محمد عبد الحي.. شاعر الهوية والجذور في السودان
غوغل يحتفل بذكرى شاعر السودان وإفريقيا محمد الفيتوري
الهادي آدم Alhady Adam شاعر السودان الأول

تعم الأوساط السودانية حالة من الحزن بعدما غيب الموت الشاعر السوداني محمد طه القدال، الذي رحل عن عالمنا اليوم 5 يوليو 2021، صاحب الإبداعات الشعرية والأغنيات التي لطالما صبغت وجدان الشعب السوداني وأشعل في أرواحهم الأمل وحب الوطن.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

ورحل الشاعر السوداني محمد طه القدال، عن عمر يناهز السبعين عاما، في إحدى المستشفيات بالعاصمة القطرية الدوحة، وذلك بعد صراع مع مرض السرطان الذي قد أصابه منذ فترة حتى تدهورت حالته الصحية مؤخرا ووافته المنية اليوم 5 يوليو 2021.

ومن المقرر أن يصل جثمان الشاعر السوداني محمد طه القدال مطار الخرطوم، الساعة 9 مساءًا اليوم الاثنين، ملفوفا بعلم الوطن على متن طائرة أميرية خاصة.

من هو محمد طه القدال؟

محمد طه القدال، الذي تصدر مؤشر الأكثر تداولا على محرك البحث جوجل اليوم عقب نبا وفاته، هو شاعر سوداني خاض رحلة طويلة مع العطاء الشعري الذي ألهم الكثير من السودانين طلية العقود الثلاثة الماضية، والتي اكتسب خلالها حضورا جماهيريا كبيرا.

وُلد الشاعر السوداني محمد طه القدال في 12 ديسمبر 1951 بقرية حليوة بولاية الجزيرة، والتي سبق أن قال عنها "أنا أفتكر الجزيرة لها أثر كبير في اكتسابي لهذه المفردة، ولاية الجزيرة بوتقة فيها كل الأعراق والألسن، السودان كله موجود في تلك المنطقة التي حضرت منها".

واستطاع محمد طه القدال خلال العقود الثلاثة الماضية أن يثري الحركة الأدبية والثقافة السودانية بإبداعاته الشعرية التي جعلته يصبح أحد أعمدة الشعر في السودان، وقد تغنى بشعره عملاق الفن السوداني الراحل مصطفى سيد أحمد إضافة إلى مجموعة "عقد الجلاد"، ونخبة من نجوم الأغنية السودانية.

وإلى جانب كونه أحد رموز الشعر السوداني، كان محمد طه القدال قد عمل كمدير لمنظمة رعاية المسنين البريطانية، وشارك في تأسيس العديد من المؤسسات الخيرية والإعلامية بالخرطوم.

مسيرة محمد طه القدال في عالم الشعر

كرس محمد طه القدال حياته من أجل الشعر، وفي سبيله هجر دراسة الطب، وقد بدأت مسيره الشعرية في نهاية الستينيات من القرن الماضي، ولكن سطع نجمه بقوة في بداية الثمانينات، إذ برز كونه شاعر ثوري وجد شعره صدأ كبير في الشارع السوداني آنذاك.

ونشر محمد طه القدال العديد من الأشعار والرباعيات التي ألهبت الحماس الثوري في نفوس الشعب السوداني إبان الاحتجاجات التي قادها الشعب ضد دولة الظلم والطغيان، وهو ما أكسبه قاعدة جماهيرية عريضة حتى أصبح من نجوم الشعر الثوري والتراثي.

وطيلة حياته قدم محمد طه القدال العديد في مجال الشعر، وله مجموعة من الأبيات الشعرية التي يستشعر بها الكثيرون من السودانيين، كما عكف على إثراء حركة الثقافة والتراث السوداني بالشعر الذي توغل في معانيه العميقة، وسخره في تمجيد الوطن والحرية.

مواقف محمد طه القدال السياسية

وللشاعر السوداني محمد طه القدال مواقف سياسية جعلته عرضة لاعتقالات متكررة في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، بسبب أشعاره المحرضة على الثورة والمنددة بالديكتاتوريات التي مرت على السودان خلال سنوات حياته.

وعُرف محمد طه القدال بأنه أحد المناهضين للأنظمة الدكتاتورية التي حكمت السودان، بدءًا من نظام الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري، مرورا بنظام جماعة الإخوان المسلمين.  

وكان محمد طه القدال أحد الملهمين لانتفاضة إبريل عام 1985 التي أطاحت بالرئيس السوداني الراحل جعفر النميري، كما أنه كان أحد الملهمين لثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام جماعة الإخوان في إبريل 2019.

ماذا قال الأبنودي عن محمد طه القدال؟

عاش محمد طه القدال مكرسا حياته في الشعر، حتى وصفه الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الأبنودي بأنه أفضل الشعراء العرب، وقال عنه في إحدى اللقاءات التلفزيونية :"أنا بعتبر محمد طه القدال وأزهري محمد على أولادى، صحيح أنا مشفتش أمهاتهم، ولكن منذ أن كان القدال شابا صغير السن، أنا بشرت به وقلت ده ابني، وقلت ده حيبقى شاعر كبير، وقدر فعللا النهارده يدهشني بقصائده، يعني شيء عجيب وجميل".

وقبل أن يقوم محمد طه القدال بطباعة ديوانه الشعري "غنوات لحليوة" حرص على أن يحضر إلى مصر ليقابل الأبنودي الذي يعتبره أبا ومعلما له، وقال له:"أنت ستضع لي بروفة الديوان، وبعد الغداء سنذهب إلى الاستديو لتسجيل الديوان بصوتك، وأنا سأكون أمامك في الاستديو، أنا جمهورك، وهذا هو نفس الاستديو الذي أجريت فيه كل دواويني الصوتية".

وبعد انتهاء الشاعر السوداني محمد طه القدال من تسجيل القصائد على مدى الساعتين في حضور الأبنودي، وإتمام عمليات المكساج، ذهب إلى مهندس الصوت للسؤال عن الفاتورة، ليجد الإجابة المفاجأة "فاتورة إيه يا أستاذ الخال خلص كل حاجة"، كان الأبنودي قد دفعها له.

وعند صدور الديوان قام الشاعر السوداني محمد طه القدال بكتابة الإهداء إلى الأبنودي وجاء فيه :"إلى صديقي الزمن الطيب، من جعلا هذا ممكنا: الشاعر المعلم الخال عبد الرحمن الأبنودي، والأديب الطيب عبد المنعم".

وحين علم محمد طه القدال بخبر وفاة الأبنودي في 21 أبريل 201، كتب محمد طه القدال "وبعدين معاك يا زمان، زي ما بتناديك العَمَّة "يامنة"، طب انت مش قلتلي يوم نَـشَـر الجرابيع إشاعة موتك، (يعني يا مْحمد.. يعني حاموت قبلِ ما اقولَّك)، طب أهو انت راخر رحت يا خال، وما قلتليش ولا عبرتنيش".

رحيل محمد طه القدال ينشر الحزن بالسودان

وأثار رحيل محمد طه القدال حالة من الحزن في الأوساط السوداني، فقد نعاه الكثير من أبناء الشعب السوداني والمثقفين والأدباء والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن السودان فقدت أحد كبار الشعراء في الوطن العربي.

وعن وفاة الشاعر الكبير محمد طه القدال قال مجلس الوزراء السوداني، في بيان له اليوم :"روعت بلادنا مساء هذا اليوم برحيل الشاعر الكبير محمد طه القدال، الذي لقي وجه ربه بمستشفى الأمل بالدوحة، بعد رحلة من المعاناة مع المرض سافر فيها مستشفياً للقاهرة ثم الدوحة".

وأضاف مجلس الوزراء السوداني في بيانه :" لم يكن الشاعر محمد طه القدال مجرد شاعر عبر من تاريخنا، لكنه صاحب مشروع شعري وإنساني ووطني عظيم، غني بالمعاني والقيم الجميلة، فقد ظل طوال حياته صادحاً بأغنيات الحب والخير والجمال، شاديا بأغنيات الحرية والطلاقة حتى في ظل أعتى الديكتاتوريات التي غطت سماء بلادنا".

وتابع البيان :"ننعى اليوم علماً من أعلام الأدب السوداني، حكيم الشعراء، أو شاعر الحُكماء، الشاعر الإنسان محمد طه القدال، الذي كانت حكمته المسجوعة زاداً للصبر على عسف الإستبداد وعهوده المتطاولة، ووقوداً لمقاومته، وإكسيراً يُطَبب جروح الأفئدة والأرواحِ".

واستطرد بيان مجلس الوزراء السوداني:" الفقيد محمد طه القدال كان شاعر الأمل والتفاؤل، ولم يستسلم لليأس والقبح والظلم، ولم يكفر بإمكانية انتصار الحق ولو بعد حين، كان دائماً يبصر النور القادم ويبشر به أبناء شعبه، ويغني لنضالهم وصمودهم".

واختتم بيان مجلس الوزراء السوداني :"محمد طه القدال كان ولا يزال، شاعر الثورة التي انتظرها أبناء بلادنا، وأشعلوها ذات فجر مضيء، وكان هو بانتظارها، وكان من كرم الله علينا وعلى القدال أن شهد بعينيه انتصار القيم التي ظل يشدو بها، وعاش أفراح شعبه بعد سنوات الألم والتيه".