محمد دري باشا الممرض الطموح الذي أصبح سيد جراحين زمانه
من هو محمد دري باشا؟
نشأة محمد دري باشا
تعليم محمد الدري باشا
غلق مدرسة الطب
إعادة فتح مدرسة الطب
تعليم محمد دري باشا في فرنسا
عودة محمد الدري باشا إلى مصر
وفاته
مؤلفات محمد دري باشا وأعماله
رغب محمد دري باشا في دراسة الطب رغبة شديدة، ولكنه لم يفلح في أن ينال هذا الطلب إلا في وقت متأخر، أصبح يُلقب بسيد الجراحين في زمان، بدء عمله في العسكرية الحربية، وبعدها عمل ممرضًا، ومن ثم أنعم عليه بدراسة الطب مرة أخرى مع رفاقه.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
من هو محمد دري باشا؟
الدكتور محمد دري باشا هو جراح مصري، وأستاذ علم التشريح والجراحة بالقصر العيني، كما له العديد من المؤلفات الطبية في علم التشريح والجراحة.
نشأة محمد دري باشا
ولد محمد دري باشا في القاهرة سنة 1257 هـ\ 1841 م، والده هو السيد عبد الرحمن أحمد من مواليد محلة أبي علي بالقنطرة بمحافظة الغربية.
انتقل أبوه إلى مصر بعد التحاقه بالعسكرية في زمن محمد علي باشا الكبير، وبقي فيها سنوات، وبسبب امتيازه لمعرفة القراءة والكتاب كان ملازمًا للدكتور كلوت بك.
وبعدها بفترة عوفي من تلك الخدمة، ولكنه فضّل البقاء في مصر، وعمل بتجارة الحبوب، ورُزق بأولاد، ومنهم دري باشا.
حرص السيد "عبد الرحمن" على تعليم أبنائه وتربيتهم تربية حسنة، وتثقيفهم في المدارس، فاختاروا جميعهم الطب علمًا وعملًا، وكان لهم دورًا نافعًا لبلادهم وأبناء جنسهم.
تعليم محمد الدري باشا
لما بلغ الدري باشا سن 7 سنوات وكان ذلك في عام 1264 هـ درس في مدرسة "المبتديان" والتي عرفت بعد ذلك بمدرسة "الناصرية" وبقي فيها عدة أشهر حتى أغلقها "عباس باشا الأول".
وعرفت تلك السنة باسم "اليرار واليراماز" أي سنة ما ينفع وما لا ينفع، وبعدها انتقل مع زملائه إلى المدرسة التجهيزية وكانت وقتها في منطقة الأزبكية.
وبعد بضعة أشهر انتقل التلامذة مرة أخرى إلى مدرسة أبي زعبل، فأقام فيها الدري باشا مع زملائه حتى كاد يُكمل دروسه.
ومن ثم انتخب ليصبح تلميذًا في المهندسخانة، وكانت وقتها في منطقة بولاق بمصر، وناظرها علي باشا مبارك، ولكن الدري باشا كان يميل أكثر إلى الطب، وترقب كثيرًا لنيل مقصده.
ولكنه لم يوفق في نيل طلبه إلا في سنة 1269 هـ بعد صبر طويل، فالتحق بتلامذة الفرقة الخامسة للسنة الأولى، وفي الامتحان العمومي نُقل إلى الفرقة الرابعة، حتى أصبح في الفرقة الثالثة.
غلق مدرسة الطب
لما التحق الدري باشا إلى الفرقة الثالثة أمرهم علي بك علوي بالذهاب إلى الديوان الخديوي بقلعة "سعيد باشا" فاصطفوا أمام الديوان، وخرج عليهم "سعيد باشا" ومعه الدكتور "محمد بك شافعي الحكيم" ناظر مدرس الطب.
وحينها فرز التلامذة إلى ثلاثة أقسام حسب العمر، فطُرد حديثو السن من المدرسة، ومتوسطو السن ألحقوا بالشوشخانة السعيدية "العسكرية"، أما المتقدمون ألحقوا بالمدرسة العسكرية في بلدة طره.
وكان وقتها دري باشا من ضمن المتوسطين فألحق بالعسكرية، وأقفلت مدرسة الطب وخلت مدارس مصر من علوم الطب والأطباء.
وكان دري باشا يجيء في خاطره العودة إلى مدرسة الطب مرة أخرى فأخذ يتذكر العلوم التي تعلمها طمعًا في افتتاح المدرسة الطبية، حتى صدرت أوامر من الحاكم بالعفو عنهم، وأصبحوا تمرجية –ممرضين- في الجيش.
وظل دري باشا تمرجيًا يتنقل من أورطة إلى أخرى حتى نال رتبة "الجاويش" حتى جاءت الكوليرا إلى مصر، وذلك في عام 1272 هـ، فهمّ على مساعدة المرضى العناية بهم.
وهذا ما ساعده على تشكيل رؤيته في المرض وتدوين ملاحظاته – التي نشرها فيما بعد في المطبعة الأميرية على نفقته- حيث سجل رسالته باسم "الإسعافات الصحية في الأمراض الوبائية الطارئة على مصر في سنة 1300 هـ".
إعادة فتح مدرسة الطب
في سنة 1273 هـ عاد مؤسس مدرسة الطب الدكتور الشهير "كلوت بك" وطلب من سعيد باشا إعادة افتتاح مدرسة الطب مرة أخرى فاستجاب لطلبه، وصدر أمر بإعادة التلامذة إلى المدرسة مرة أخرى.
فعادوا إليها وامتحنوا وبدأ الدري باشا يدرس في الفرقة الثالثة حتى أتم دراسته وتخرج منها طبيب ماهر عالمًا بفنون الطب، حتى عُين مساعد ومعيد لعلم الجراحة، بمرتب 3 جنيهات شهريًا.
تعليم محمد دري باشا في فرنسا
في عام 1287 هـ سافر "عباس الأول" إلى أوروبا ومعه الدكتور "محمد الشافعي" فشاهد التقدم الأوروبي في فنون الجراحة، وحرك ذلك غيرته وأمر بإرسال بعثة علمية إلى باريس لتعلم هذا الفن ويعودوا إلى مصر في زمن قريب وذلك بسبب قلة النفقات.
وبالفعل ابتعث مجموعة من أنبغ الطلاب وكان منهم الدري باشا – كان حينها أصغرهم سنًا وأقلهم رتبة- حتى توفي سعيد باشا وتولى بعده الحكم "إسماعيل باشا".
وحينها عرض عليه ناظر مدرس الطب حينها "شافعي بك" أن يسترجع البعثة لأن مصر بحاجة إلى الأطباء، فوافق وأمر بإرجاعهم فعادوا جميعًا عدا دري باشا لصغر سنه.
وهناك أتم معارفه العلمية والعملية على أيدي أشهر الجراحين وقتها الدكتور "نيلاتون" والدكتور "نيليو" وعمل في عيادة الأول الجراحية لسنتين، وأعجب به أستاذه كثيرًا.
وظل هناك حتى نال الدكتوراه، حتى أمره الرئيس بالعودة إلى مصر وألح عليه، ولكن طلب الدكتور "نيلاتون" تأجيل ذلك فكتب فيه:
"يجب الالتفات لدري المصري والعناية بشأنه؛ لأنه قلًّ أن يوجد له نظير في الإقبال على العمل والاستفادة مما يشاهده منه، وإني في غاية الامتنان، وأثني عليه أحسن الثناء."
ولما قرأ رئيس الإرسالية هذا اقتنع ووافق على بقاء الدري في باريس فترة، حتى سافر الخديوي إسماعيل إلى فرنسا وقابل الدكتور نيلاتون وأطنب على الدري وأثنى على عمله واجتهاده.
وهذا ما شجع الخديو إسماعيل على منح الدري باشا كتب طبية وآلات جراحية وأموالاً، فأخذ الأموال واشترى بها أدوات تشريح وأحضرها معه إلى مصر.
شاهد أيضًا: إبراهيم النبراوي قصة بائع البطيخ الذي أصبح أشهر طبيب مصري
عودة محمد الدري باشا إلى مصر
في أواخر عام 1286 عاد الدري باشا إلى مصر ونال رتبة "صاغقول أغاسي" وعين حكيماباش في قسم العطارين بالإسكندرية، وبعدها عُين حكيمًا ثانيًا لقسم الجراحة في الإسكندرية حتى عام 1288.
ثم نقل إلى مصر وعين معلمًا ثانيًا للتشريح، وجراح باشي إسبتالية النساء، ونال رتبة "البكباشي"، وفي عام 1294 هـ نال رتبة "أميرالاي".
وفي عام 1299 هـ نال رتبة المتمايز وفي عام 1315 هـ نال رتبة "أمير ميران" رفيع الشأن وحصل على عدة نيشانات علمية، ومنها نيشان الحرب بين مصر وروسيا حيث أرسل مع الجيش المصري في إسبتالية صوفيا.
وفاته
أحيل الدري باشا على المعاش حينها جعلوا لغة التعليم اللغة الإنجليزية وتفرغ لأعماله الخصوصية، حتى توالت عليه العلل وتوفي في 30 يوليو سنة 1900 م\ 1318 هـ.
مؤلفات محمد دري باشا وأعماله
كان لدري باشا العديد من الخدمات الجليلة للطب، ناهيك عن مجموعة مؤلفات كان لها عظيم الأثر على الطب في مصر، ومنها:
- رسم صور الأمراض التي لها أجسام وأشكال، وأحضر مطبعة كاملة الأدوات وسمَّاها المطبة الدرية طبع فيها مؤلفاته ومؤلفات غيره.
- جمع في منزله مجموعة تشريحية جاء بها من أوروبا وكان محبًا للعلم فلم يبخل بعلمه على أحد.
- اشتهر بدقة التشخيص وشدة الاهتمام بالمريض، فإذا عمل عملية مهمة لا يهدأ باله على مريضه حتى يتفقده مرارًا، ولا فرق لديه بين غني وفقير.
أما مؤلفاته فهي:
- رسالة في الهيضة الوبائية، وفيها وصف الهيضة –الكوليرا- وطرق علاجها.
- كتاب بلوغ المرام في جراحة الأقسام وهو كتاب طويل في الجراحة مزين بالرسوم وله ثلاثة مجلدات ضخمة.
- كتاب التحفة الدرية في مآثر العائلة المحمدية العلوية.
- كتاب تذكار الطبيب، وصف فيها مشاهير الأطباء في مدرسة القصر العيني.
- ترجمة حياة المغفور له علي باشا مبارك.
بالإضافة إلى كتب أخرى لم يطبعها.
طموح محمد دري باشا في دراسة الطب لازمه منذ صغره، فعلى الرغم من دراسته في المهندسخانة واضطراره للعمل في العسكرية إلا أن حلم الطب لم يفارقه حتى نال مراده، وأصبح أستاذ الجراحين، وظل شغوفًا بالعلم محبًا راغبًا فيه حتى وفاته.