كيف ترفض عرض عمل بعد أن قبلته للتوّ؟
تخيّل معي عزيزي القارئ، كنت تبحث منذ مدة عن وظيفة، وبعد فترة معيّنة، وجدت وظيفةً كنت تتخيّل أنها المناسبة لك، تقدمت للوظيفة، أجريت المقابلة، وكانت نتيجتها أنك مقبول! واو، هذا أمرٌ رائع، عُدت إلى منزلك مفعمًا بالحماس لمجيء اليوم التالي، ولكن قبل أن تتورّط وتبدأ العمل، حصل أمرٌ ما جعلك تُعيد التفكير في هذه الوظيفة، ربما حالة طوارئ عائلية، ربما أعدت النظر في الأمر وقررت تغيير أهدافك المهنيّة، وربما حصلت على فرصة عمل أفضل! المهم، فجأة، اكتشفت أنها ليست وظيفة الأحلام! ليست مناسبة! ماذا ستفعل بعد أن قُبلت؟
لا تقلق، أنتَ لستَ وحيدًا في هذا الموضوع، هناك الكثيرون مرّوا بذات الموقف، فبحسب استطلاع أجرته شركة روبرت هاف (Robert Half) العالمية وشمل نسبة من المرشّحين لعروض عمل، تبين أن نسبة 28% من هؤلاء قد أعربوا عن العمل بعد تلقي القبول في الوظيفة، وكانت الحجج كالآتي: 44% منهم قد تلقّوا عرضًا أفضل فتراجعوا، و27% تلقوا عرضًا مضادًا من صاحب العمل (العرض المضاد هو الرّد على العرض الأصلي، والذي يغيّر من شروط الصّفقة، وهنا قد يكون بمعنى تغيير صاحب العمل بعض شروط العمل)، و19% سمعوا أشياءً سيئة عن الشركة! [1]
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بغض النظر عن السبب، ماذا نفعل الآن؟ كيف ترفض عرض عمل بعد أن قبلته للتوّ؟ أمرٌ محرج.. ولكنه ممكن. سنناقش في هذه المقالة كيفية رفض عرض عمل بمهنيّة وأمان بعد أن قبلته توًّا.
كيف ترفض عرض عمل بعد أن قبلته للتوّ؟
من خلال اتباع الخطوات التالية:
بدايةً، فكر في الأمر مليًا، هل أنت واثق من قرارك؟
قبل رفض أي عرض عمل لأي سبب، فكّر مليًا، وتأكد من قرارك بنسبة 100%، سواء أصبحت لا تريد الوظيفة لظرفٍ ما، أو لأنك وجدت الأفضل فجأة، أو حتى وجدت أنك لستَ مؤهلًا للمطالب الوظيفيّة، لأن قضية رفض وظيفة قُبلت فيها حديثًا، أسهل بكثير من العودة إليها بعد رفضها! بمجرد أن رفضتها لن يكون هناك مجال للعودة.
برأيي، إذا كانت أسبابك للتخلّي قابلة للتفاوض، فلا تترك بسرعة، مثلًا، إذا كان السبب وضعاً عائلياً، فربما يمكن لرئيسك تفهّم الأمر ومساعدتك ولستَ مضطرًا للتراجع، أو حتى إذا كنت تجد أنك لستَ مؤهلًا لأعمال هذه الشركة، فربما تلقى مَن يقوم بتوجيهك وتعليمك، لذا فكّر برويّة. ضع على ورقة بيضاء إيجابيات وسلبيات رفضك لهذه الوظيفة، وقارن، ثم قرر.
تأكد أيضًا من عقد العمل قبل الشروع في الرفض
بعد أن قبلت الوظيفة، غالبًا ما سيكون بين يديك عقد عمل به شروط ومدة محددة وغيرها من الأشياء القانونية. إذا كنت قد وقعت العقد بالفعل، فاقرأه بعناية وتأكد من عدم وجود تداعيات قانونية لرفض الوظيفة، فذلك يغرّمك بعدة أشكال. في بعض العقود، قد تجد نصًا عبارة عن فترة زمنية يمكنك ضمنها رفض الوظيفة براحة وبدون أيّة مشاكل، أو يمكنك أن تعيّن عددًا محددًا من الأيام للتفكير وعدم التراجع.
طالما لم توقع عقدًا بعد، فأنت اجتزت نصف عملية الرفض، لأنه وبذلك يمكنك تغيير رأيك قانونيًا، وكما قلنا في الفقرة السابقة، بناءً على الاتفاقية، قد تستطيع التفكير مليًا قبل اتخاذ القرار. من الأفضل بالتأكيد رفض العرض بسرعة وأدب، بدلًا من الاستقالة بعد فترة وجيزة من تولي الوظيفة، أفضل قانونيًا، واجتماعيًا بالنسبة لصورتك كموظف، فيعتبر الرفض بعد مباشرة العمل شيئًا مكلفًا للشركة، لأنها ستبدأ البحث عن مرشح جديد، وربما تضطر وقتها لشرح أسباب تراجعك، وأنت بِغنى عن كل ذلك!
إذا اضطرك الأمر للاستعانة بمحامٍ والتأكد من شروط العقد وعدم وجود عواقب قانونية لرفض الوظيفة، استعن به.
والآن ماذا تنتظر؟ أعلِم مديرك بسرعة وبشكلٍ راقٍ
الخطوتين السابقتين لا يجب أن يستغرقا معك أكثر من يوم، وربما ساعاتٍ قليلة، يجب أن تحسم أمرك بنفسك، وتنتقل إلى مرحلة التخلّي بأسرع وقت كي لا يأمل مديرك بموظّفٍ جديد. سيقدّر مدير العمل تواصلك السّريع واعتذارك، لأنك أسرعت أيضًا في عملية إيجاد بديل للمنصب. أخبره بسرعة، وهنا يأتي دور المرحلة العمليّة الجدّية في طلب رفض عرض العمل.
حاول مداراة المدير الجديد الذي لم يكن لديك صِلة معه من قبل، حاول التواصل بطريقة سلسة، استخدم البريد الإلكتروني لإرسال رسالة تطلب منه فيها مقابلته بالطريقة التي تناسبه، سواء وجهًا لوجه أو عن بُعد عن طريق زوم مثلًا، أخبره بأهمية الموضوع، وإذا حاول التأجيل، لا بأس في إخباره بعنوان طلبك، رفض الوظيفة!
إخبار المدير بالرفض: كُن صادقًا ولَبِقًا
لا بأس في أن يعرف صاحب العمل سبب رفضك السريع لهذه الوظيفة، ولكن إذا كان السّبب يمسّ شركته، فأخبره دون إهانة، بطريقة لَبقة ولطيفة، إذا كنت ترى أنك لستَ مناسبًا للمهارات المطلوبة في العمل، فقل ذلك ببساطة، أو كنت تعتقد أن انسجامك مع الموظفين الآخرين صعب، فقُل "لا أعتقد أني سأستطيع الانسجام مع ثقافة الشركة".
إذا كان الموضوع أنه عُرض عليك وظيفة أفضل بالنسبة لمهاراتك وأفضل ماديًا، فأخبره أنه عُرضت عليك فُرصة توظيف تتماشى مع مهاراتك أكثر، وأنها ماديًا أفضل قليلًا لأن وضعك المادي حَرِج قليلًا. حاول ألّا تُحرجه بشيء سلبي أو سيئ عن الشركة.
الإيجاز: كُن موجزًا في شرح السبب
قد تضطر كما قُلنا إلى شرح سبب رفضك للوظيفة، فاشرح موجزًا كما أخبرتك في الفقرة السابقة، لا تتعمق وتفصّل كثيرًا، لا تصبح كثير غلبة، لا يريد المدير الخوض في جميع التفاصيل، سواء حالتك العائلية أو ملاءمة وظيفة أخرى لك، لا يهمه هذا الأمر، هو يريد أن يعرف السبب باقتضاب.
والآن، إظهار الامتنان
على الرغم من أنك لم تعمل بعد، ولا تعرف كيف كانت ستسير الأمور، إلا أن الامتنان واجب لمجرّد قبولك في الوظيفة التي سترفضها، أولًا لأنّك قُبلت، وثانيًا لأن الامتنان فعل لطيف في أيّ موقف. اشكر صاحب العمل على مجرّد فرصة الاجتماع معه ورؤيته والتعرف على شركته، وإذا لَفَتَكَ أيُّ شيٍء في الشركة، فمن الجيّد أن تذكره وتعبّر عن إعجابك.
اشرح أيضًا أن قرار ترك الوظيفة هذا كان قرارًا صعبًا عليك، لا تخرّب العلاقة بينك وبين صاحب العمل، على الرغم من أن عودتك إلى ذات العمل شبه مستحيلة، ولكنك لا تعلم ما إذا كنت ستحتاج إلى عملٍ ضروري في المستقبل، ربما تحتاج العمل معه، فلا تقطع الودّ بينكما.
احسم أمرك: هل أنت قابلٌ للتفاوض؟
حاول أن تحسم أمرك تجاه الرّفض، حاول أن تحسمه نهائيًا قبل أن تتصل مع المدير وتخبره، حيث أن بعض المدراء يلجؤون إلى ترغيب الموظف عندما يشعرون بخطر فقدانه، خاصةً إذا كانت سمعتك الوظيفية جيدة. اسأل نفسك قبل تشرع بالرفض: "هل ممكن أن أبقى من أجل راتبٍ أعلى؟ هل قد أبقى إذا كان هناك مكافآت؟" إذا كان في نيّتك التفاوض، فاحسم أمر ما قد يغريك.
ولكن للعلم، أنا شخصيًا لستُ مع التفاوض في هذه المرحلة، بعد أن قُلبت في العمل، وقررت رفضه، أن ترجع وتعيد النظر في الموضوع وتفاوض؟ أمرٌ ليس جيد لسمعتك الوظيفية. أنا مع التفاوض بالنسبة للموظف الذي استُهلك مدة في الوظيفة، ثم ارتأى أنها لا تناسبه بعدما قارن الجهد مع المقابل المادي مثلًا. من جهة أخرى، لن يسعد مديرك إذا قرر التفاوض معك وقبلت، ربما كان يختبرك، ولا يصبّ ذلك في مصلحتك الوظيفية إذا رغبت في التفاوض بعد أن قلت نعم لعرضه الأول.
في النهاية، أنصحك بتجنّب مثل هذه المواقف في المستقبل، لا تقبل وظيفة ثم ترفضها، ذلك يجعل البعض مشككًا في أخلاقك المهنيّة. ليس عليك أن تقل "نعم" لكل وظيفة، ببساطة، من حقّك طلبُ وقتٍ للتفكير مليًا بعد أن يتم قبولك، من حقّك التفاوض أيضًا سواء من أجل ساعات العمل أو الراتب. لا تدع حماسك "بأنك مقبول في الوظيفة" يغطّي على حقوقك، فكر في الإيجابيات والسلبيات بعد أن تتفق مع المدير، وخُذ وقتك في الرّد.