في شهر رمضان: ما هي أحكام الصيام الخمسة ومبطلاته السبعة؟

  • تاريخ النشر: الإثنين، 18 مارس 2024
مقالات ذات صلة
صيام المريض في شهر رمضان: شروط وأحكام
أول شعبان.. أحكام الصيام في هذا الشهر
الاعتكاف في شهر رمضان: شروط وأحكام

مع حلول شهر رمضان المبارك، يتجدد الحديث عن أركان الصيام وما يتعلق به من أحكام ومسائل فقهية. الصيام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو تمرين روحي يهدف إلى تزكية النفس وتقوية الإرادة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

ويطل علينا شهر رمضان المبارك بأجوائه الروحانية ونفحاته الإيمانية، مُعيدًا إلى الأذهان معاني الصبر والتقوى والعبادة. في هذا الشهر الفضيل، يتجلى الصيام كأحد أركان الإسلام الخمسة، حاملاً معه تعاليم وأحكامًا تُثري النفس وتُطهر القلب. ومن هنا، يبرز الحديث عن مبطلات الصيام السبعة التي يجب على المسلم الحذر منها ليحافظ على صيامه، وكذلك الأحكام الخمسة التي تُبين للمسلم كيفية الصيام الصحيح والمقبول.

في هذا التقرير، نقوم برحلة معرفية في أعماق الفقه الإسلامي، نستكشف فيها تلك المبطلات والأحكام، مُعتمدين على مصادر الشريعة الغراء وآراء العلماء الموثوقين. نهدف من خلال هذا العمل إلى تقديم دليل شامل يُساعد المسلم على فهم دينه بشكل أعمق، ويُعينه على أداء عبادته بيقين وصواب واكتشاف الجوانب الفقهية والروحية للصيام في شهر رمضان المبارك.

أحكام الصيام الخمسة

أحكام الصيام الخمسة في شهر رمضان هي مجموعة من القواعد والشروط التي تحدد صحة الصيام وتضمن اتباع المسلم للتعاليم الإسلامية بشكل صحيح خلال الشهر الفضيل. وفقًا للمصادر الفقهية، تشمل هذه الأحكام ما يلي:

النية:

يجب على المسلم أن ينوي الصيام من الليل، فالنية شرط أساسي لصحة الصيام.

وتعد النية من أحكام الصيام لأنها تُمثل القصد والعزم على الامتناع عن المفطرات خلال ساعات النهار في شهر رمضان. وفقًا للفقه الإسلامي، النية شرط أساسي لصحة الصيام، ولا يُعتبر الصيام صحيحًا بدونها.

النية تُعبر عن الإرادة الداخلية للشخص وتُبين التزامه بالعبادة، وهي تُفرق بين العادة والعبادة. فالصيام يتطلب من المسلم أن ينوي الصيام من الليل قبل طلوع الفجر. هذا يعني أن المسلم يجب أن يكون لديه النية الواضحة للصيام قبل بداية كل يوم من أيام رمضان، وهذا يُظهر الالتزام والتفاني في أداء العبادة بشكل صحيح وفقًا للشريعة الإسلامية.

الإمساك عن المفطرات:

يجب الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

الإمساك عن المفطرات يُعد من أحكام الصيام لأنه يُمثل جوهر الصوم وأساسه في الإسلام. الصوم ليس مجرد ترك للطعام والشراب فحسب، بل هو عبادة تقتضي الامتناع عن كل ما يُفطر، وذلك من طلوع الفجر حتى غروب الشمس.

الإمساك عن المفطرات يُعبر عن الطاعة والتسليم لأمر الله تعالى، ويُعزز من الوعي الذاتي والتحكم في النفس، ويُساعد على تطهير الروح والجسد. كما أنه يُذكّر المسلم بالصبر والتقوى، ويُعلمه الإحساس بالجوع والعطش الذي يشعر به الفقراء والمحتاجون، مما يُعزز من مشاعر التعاطف والإحسان.

الإمساك عن المفطرات يُعتبر أيضًا تمرينًا روحيًا وبدنيًا يُساهم في تحسين الصحة العامة والتخلص من العادات السيئة. إنه يُعلم المسلم كيفية السيطرة على رغباته وشهواته، ويُعدّه ليكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الأخرى في الحياة.

التحقق من دخول وقت الصيام:

يبدأ الصيام من طلوع الفجر الصادق وينتهي بغروب الشمس، ويجب التحقق من ذلك بالمراقبة أو الاعتماد على جداول الأوقات الشرعية.

التحقق من دخول وقت الصيام يُعد من أحكام الصيام لأنه يضمن أن الصائم يبدأ صيامه وينهيه في الأوقات المحددة شرعًا، وهو ما يُعبر عن الالتزام بالتعاليم الإسلامية والدقة في أداء العبادات.

فالصيام في الإسلام ليس مجرد ترك للطعام والشراب، بل هو عبادة تتطلب الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق حتى غروب الشمس. التحقق من الأوقات يُظهر احترام الصائم لحدود الله ويُعزز من قيمة الصيام كفعل عبادي يُقرب العبد من ربه ويُعلي من شأن النفس الإنسانية.

كما أن التحقق من دخول وقت الصيام يُساعد على تجنب الخطأ في تحديد بداية الصيام ونهايته، مما يُساهم في صحة الصيام وقبوله. وهذا الالتزام بالأوقات يُعلم الصائم الانضباط والتحكم في النفس، ويُعد تمرينًا على الصبر والتقوى.

الابتعاد عن الأفعال المنافية للصيام:

 مثل الكذب والغيبة والنميمة وغيرها من الأفعال التي تؤثر على الأجر والثواب.

الابتعاد عن الأفعال المنافية للصيام يُعد من أحكام الصيام لأن الصيام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو تمرين روحي يهدف إلى تزكية النفس وتقوية الإرادة. الأفعال المنافية للصيام مثل الكذب، الغيبة، النميمة، وغيرها من السلوكيات السلبية، تُضعف من قيمة الصيام وتُقلل من أجره وثوابه.

الصيام يُعلم الصائم الصبر والتحكم في النفس، ويُعزز من قدرته على مقاومة الشهوات والرغبات الدنيوية. كما أن الابتعاد عن هذه الأفعال يُساهم في تحسين السلوك العام ويُعزز من التعاون والتعاطف بين الناس، مما يُعد جزءًا من الأهداف الاجتماعية للصيام.

بالإضافة إلى ذلك، الصيام يُعتبر فرصة للمسلم ليُراجع نفسه ويُصلح من سلوكه، ويُقوي علاقته بالله تعالى من خلال العبادة الخالصة والتقرب إليه بالأعمال الصالحة. لذلك، الابتعاد عن الأفعال المنافية للصيام يُعد من الأحكام الهامة التي تُكمل معنى الصيام وتُعظم من قيمته الروحية والأخلاقية.

القضاء والكفارة:

في حالة الإفطار بدون عذر شرعي، يجب على المسلم قضاء اليوم الذي أفطر فيه وقد يترتب عليه كفارة إذا كان الإفطار بسبب جماع أو غيره من الأسباب الجسيمة.

القضاء والكفارة يُعدان من أحكام الصيام لأنهما يُعالجان الحالات التي يُفطر فيها الصائم عمدًا أو لعذر شرعي. القضاء هو إعادة صيام الأيام التي أُفطرت في رمضان، وهو واجب على من أفطر لعذر مثل المرض أو السفر. الكفارة، من جهة أخرى، هي تعويض يُطلب من الصائم الذي يُفسد صيامه بفعل محرم كالجماع في نهار رمضان، وتكون على شكل عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا.

القضاء يُظهر احترام الصائم للوقت المحدد للصيام ويُعوض عن الأيام التي لم يُتم فيها الصيام. أما الكفارة فتُعبر عن الجدية في تكفير الذنب وتُعيد التوازن الروحي للصائم وتُعزز من قيمة الصيام كعبادة تُقرب العبد من الله تعالى.

مبطلات الصيام السبعة

المبطلات السبعة للصيام في شهر رمضان هي الأفعال التي تُفسد الصيام وتجعله غير مقبول، وهي كالتالي:

الجماع:

يُعتبر الجماع في نهار رمضان من المبطلات الأساسية للصيام.

الجماع يُعد من مبطلات الصيام لأنه يُعتبر من أكبر المفطرات وأشدها تأثيرًا على الصيام. في الإسلام، الصيام ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو عبادة تشمل الامتناع عن الشهوات والرغبات الجسدية خلال ساعات النهار من شهر رمضان.

الجماع في نهار رمضان يُعتبر انتهاكًا لحدود الله ومخالفةً لأحكام الصيام، وهو يُظهر عدم التزام الصائم بالقواعد الشرعية للصيام. كما أنه يُعتبر إثمًا عظيمًا يتطلب من الصائم التوبة إلى الله وإعادة قضاء اليوم الذي أُفطر فيه وأداء كفارة كبيرة.

الكفارة في هذه الحالة تكون على شكل عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا، وهذا يُظهر جدية الإسلام في التعامل مع مثل هذه المخالفات ويُعزز من قدسية الصيام كركن من أركان الإسلام.

الاستقاءة:

الاستقاءة، أو التكلف في القيء بتعمد إخراج ما في الجوف، تُعد من مبطلات الصيام لأنها تُعارض مبدأ الإمساك عن المفطرات الذي يُعتبر جوهر الصيام في الإسلام.

وفقًا للفقه الإسلامي، الاستقاءة تُفسد الصيام لأن الشخص يُخرج عمدًا ما في جوفه، وهذا يُعتبر فعلاً يُناقض الحالة التي يجب أن يكون عليها الصائم من الامتناع عن كل ما يُفطر. الحديث النبوي الشريف “مَنْ ذَرَعَهُ القَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ استَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ” يُبين أن القيء الذي يحدث بدون تعمد لا يُبطل الصيام، بينما القيء العمد يُوجب القضاء.

الاستقاءة تُعتبر إخراجًا لما في الجوف بطريقة تُشبه الأكل والشرب، وبالتالي تُعامل معاملة المفطرات الأخرى التي تُبطل الصيام. وهذا يُظهر حرص الشريعة الإسلامية على الحفاظ على نقاء الصيام وصحته من أي فعل يُمكن أن يُفسده.

الأكل أو الشرب عمدًا:

تعمد الأكل أو الشرب خلال نهار رمضان يُعد من مبطلات الصيام لأنه يُخالف الهدف الأساسي من الصيام، وهو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس. الصيام يُعتبر عبادة تُركز على الامتناع عن الرغبات الجسدية والتحكم في النفس، والأكل أو الشرب عمدًا يُعتبر انتهاكًا لهذه القواعد.

عندما يأكل الصائم أو يشرب عمدًا، فإنه يُظهر عدم احترام لحرمة الشهر الفضيل وللقواعد التي وضعها الإسلام للصيام. وبالتالي، يُعتبر فعله هذا مُفسدًا للصيام ويتوجب عليه القضاء والتوبة إلى الله.

الأكل أو الشرب سهوًا، أي بدون قصد، لا يُبطل الصيام ولا يتطلب القضاء أو الكفارة، لأن الله تعالى يُعفي عن الخطأ والنسيان. ولكن الأكل أو الشرب بنية واعية يُعتبر خطأً جسيمًا يُفسد الصيام ويُوجب القضاء.

دخول شيء إلى الجوف من منفذ مفتوح:

يشمل هذا الأكل والشرب وأي شيء آخر يدخل الجوف.

دخول شيء إلى الجوف من منفذ مفتوح يُعد من مبطلات الصيام لأنه يُخالف مبدأ الإمساك الذي هو جوهر الصيام في الإسلام. الصيام يتطلب الامتناع عن كل ما يُمكن أن يصل إلى الجوف، سواء كان ذلك عن طريق الفم، الأنف، الأذن، أو غيرها من المنافذ المفتوحة.

الفقهاء وأهل العلم يُجمعون على أن دخول أي شيء إلى الجوف يُعتبر سببًا لفساد الصيام، لأن الصوم يُعرف شرعًا بأنه الإمساك، ومن يُدخل إلى جوفه شيئًا ليس بممسك، سواء كان هذا الشيء مما يتغذى به البدن أو لا. لذلك، يُعتبر دخول شيء إلى الجوف من منفذ مفتوح خرقًا لهذا الإمساك وبالتالي يُبطل الصيام.

الاستمناء:

الاستمناء يُعد من مبطلات الصيام لأنه يتنافى مع الحكمة التي من أجلها شُرع الصوم، وهي كبح جماح الشهوة وتربية النفس على المجاهدة. الصيام يُعتبر فرصة للمسلم ليُعلي من قدرته على التحكم في رغباته ويُقوي إرادته في مقاومة الشهوات، والاستمناء يُعتبر إفسادًا لهذا الهدف.

فعندما يقوم الصائم بالاستمناء ويخرج المني بشهوة، فإن ذلك يُعتبر خروجًا عن حالة الإمساك التي يجب أن يكون عليها، وبالتالي يُبطل الصيام. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الاستمناء مبطل للصوم، ويجب على من فعل ذلك القضاء مع التوبة، وليس عليه كفارة، لأن الكفارة لم يرد النص عليها إلا في حق من تعمد إفساد الصوم بالجماع.

الكفر والارتداد عن الإسلام:

الكفر والارتداد عن الإسلام يُعدان من مبطلات الصيام لأن الصيام هو عبادة تُقام لله تعالى، والكفر يُعتبر نقيض الإيمان وإنكارًا للعبودية لله، وبالتالي يُبطل أساس العبادة.

في الإسلام، الأعمال الصالحة بما فيها الصيام تُقبل فقط من المسلمين الذين يُقرون بالشهادتين ويُؤمنون بالله ورسوله. الكفر والارتداد يُعتبران إنكارًا لهذه الأساسيات، وبالتالي يُفقد العمل قيمته الروحية والثواب المتوقع منه.

الصيام يُعد تعبيرًا عن الطاعة والتسليم لأوامر الله، والكفر يُعتبر رفضًا لهذه الطاعة وتلك الأوامر. لذلك، الكفر والارتداد يُعتبران من أشد المبطلات للصيام لأنهما يُخرجان الشخص من دائرة الإسلام التي هي شرط لقبول العبادات.

الحيض والنفاس:

الحيض والنفاس يُعدان من مبطلات الصيام لأنهما يُعتبران حالات طبيعية تُعفي المرأة من الصيام في الإسلام. وفقًا للشريعة الإسلامية، الحيض والنفاس يُعتبران علامات على أن جسم المرأة يمر بتغيرات فسيولوجية تُعفيها من الصيام لأنها قد تؤثر على قدرتها على الصيام.

الحكمة من هذا الإعفاء هي الرحمة والتخفيف عن المرأة خلال هذه الفترات التي قد تكون مصحوبة بالتعب والإرهاق. وبما أن الصيام يُعتبر عبادة تتطلب القوة البدنية والنفسية، فإن الإسلام يُقدم التيسير للمرأة في هذه الحالات.

بعد انتهاء فترة الحيض أو النفاس، يُطلب من المرأة قضاء الأيام التي أفطرتها في رمضان. هذا القضاء يُعتبر تعبيرًا عن الالتزام بالعبادة واحترام للأوامر الإلهية، ويُظهر فهمًا للتوازن بين العبادةوالحالة البدنية للمرأة.