غرابة ميكانيك الكم، ظواهر ونظريات غريبة تثبت عشوائية الكون
في مقالنا السابق (مفاهيم بسيطة من ميكانيك الكم) تحدثنا قليلاً عن أفكار عامّة في ميكانيك الكم والتي قد تبدو معقدة إلى حد ما، لكن في هذا المقال سنتطرق لأكثر أفكار هذا العالم غرابةً، لتبدو في نهاية المقال أفلام الخيال العلمي أقرب للتصديق من هذا الواقع.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
معادلة شرودينغر (التابع الموجي)
اعتاد الفيزيائيون دائماً على وجود صيغة رياضية تصف الكلام الذي يقولونه، وذلك للقيام بالحسابات ومقارنتها مع التجربة للتأكد من مدى صحة الفرضية، فبعد الفكرة التي طرحها "دي بروي" عن أن كل جسيم ترافقه موجة وأن كل موجة يرافقها جسيم، كان لابد من إيجاد معادلة تصف هذه الحالة؛ فكما توجد معادلة انتشار الموجة والتي تصف لنا حركة الأمواج بأدق تفاصيلها، أوجد الفيزيائي إيروين شرودينغر معادلة التابع الموجي والتي تحمل اسمه أيضاً.
نستطيع من خلال هذه المعادلة حساب كافة المعلومات حول الجسيم التي نحتاجها؛ كطاقته أو مكانه أو سرعته. من خلال التابع الموجي استطاع الفيزيائيون دراسة الإلكترونات التي تدور حول الذرات، وتفسير وجود مدارات محددة للذرات، وأيضاً تفسير وجود طيف مميز لكل عنصر (هو نمط الألوان الذي نراه عند تسخين أنواع مختلفة من الغازات مثلاً)، إضافة لتفسير عدد من الظواهر الأخرى التي عجزت الفيزياء عن تفسيرها قبل ميكانيك الكم، وهذا أدى الى تسجيل نجاح كبير لميكانيك الكم في عالم الفيزياء.
قطة شرودينغر.. القطة في حالة "حية-ميتة"!
لفهم التابع الموجي سنقوم بتجربة فكرية تسمى بقطة شرودينغر و (سأقوم بالقليل من التعديل عليها لتصبح أبسط). تقتضي التجربة وضع قطة في صندوق مغلق غير شفاف ولا نستطيع بأي شكل من الأشكال معرفة ما يحدث داخله، ونضع مع القطة غاز سام لكن بكمية تكفي ليصبح احتمال موت القطة 50% فقط، فبالتالي يصبح لدينا احتمال بقاء القطة على قيد الحياة أيضاً 50%. في هذه الحالة -لسنا متأكدين من حالة القطة- هل القطة حيّة أم ميتة؟
في مكيانيك الكم، نستطيع القول بأن القطة في حالة "حية-ميتة" أي أنها في الحالتين سوياً. لكن كيف يمكن لهذا أن يكون صحيحاً؟ حسناً، التابع الموجي يصف لنا جميع الحالات الفيزيائية الممكنة -في مثالنا 50% القطة حيّة + 50% ميتة- وتكون هذه الحالات جميعها صحيحة حتى نقوم بعملية القياس -فتح الصندوق في هذه الحالة- عندها نجبر الطبيعة على اختيار إحدى الحالات الفيزيائية عشوائياً من التابع الموجي، وبذلك نرى القطة إما حيّة أو ميتة.
هذا التفسير الاحتمالي الذي يقول: للطبيعة عشوائيتها، يعد أحد أكثر أسرار ميكانيك الكم غموضاً، ولكن بعض الفيزيائيين الكبار، مثل أينشتاين، ودي بروي وشرودينغر نفسه (المساهم الأشهر في الكم)، لم يتقبلوا هذا التفسير الاحتمالي اطلاقاً.
مبدأ الشك (عدم التعيين)
رغم غرابة التابع الموجي، إلا أنه قد لا يكون أغرب ما يقوله الكم، فالمعادلات الرياضية المستخدمة في ميكانيك الكم كان لها نتيجة غريبة على عملية القياس، فلم يعد بالإمكان حساب بعض المتغيرات الفيزيائية، كسرعة الجسيم ومكانه في نفس اللحظة بدقة متناهية، فإما نستطيع حساب سرعته أو معرفة مكانه بشكل دقيق، ولكن لا يمكن الاثنان معاً. فإن قمنا بحساب أحدهما فإن قيمة الآخر ستكون مساوية للانهاية، وهو أمر مرفوض فيزيائياً.
وأيضاً بشكل مشابه جداً عند حركة جسيم -مثل الإلكترون- فإن أردنا حساب طاقته فلا يمكن لنا حساب طاقته، والعكس صحيح، فلا يمكن حساب الطاقة إذا استطعنا تحديد الزمن بدقة. هذا أيضاً، كما كل ميكانيك الكم، يخالف كل ما عرفناه من الفيزياء سابقاً.
المادة المضادة (Anti-matter)
استطاع بول ديراك بدمج مبدأ النسبية الخاصة مع ميكانيك الكم أن يستنتج المعادلة الموجية النسبية للإلكترون، ومن خلالها استنتج وجود جسيم مضاد للإلكترون دعي بالبوزيترون (إلكترون موجب)، حيث أن الجسيمات المضادة تملك جميع الخواص الفيزيائية للجسيم المقابل له، وإنما يعاكسه بالشحنة، فكما الإلكترون، كذلك جميع الجسيمات لها جسم مضاد.
عندما يلتقي الجسيم بالجسيم المضاد له؛ فإنهما يُفنيا بعضهما، محررين طاقة هائلة تفوق طاقة الانفجار النووي (مع الأخذ بالاعتبار تساوي الكمية) على شكل موجات كهرومغناطيسية وحرارة كبيرة للغاية.
ثم تصنيع المادة المضادة في مراكز الأبحاث الكبيرة، إلا أنها خطرة للغاية فمن الصعب جداً التعامل معها واحتوائها، كما أنها لم تصنع بكمية أكثر من بضع جسيمات لخطورتها وتكلفتها العالية.
ختاماً.. رغم غرابة ميكانيك الكم، وصعوبة تصديق أن الطبيعة تتصرف بهذه العشوائية الاحتماليّة، إلا أنه لا توجد تجربة واحدة تخالف ما جاء به الكم، حيث دمر الكم مفهوم العالم الحتمي الذي عمل به الفيزيائيون لسنوات طويلة، ليستبدل بالاحتمالات والعشوائية المطلقة.