طارق بن زياد معبّد الطريق إلى الأندلس
أصول القائد الإسلامي طارق بن زياد
طارق بن زياد وفتح الأندلس
نهاية مجهولة لطارق بن زياد
خطبة طارق بن زياد بين الواقع والأسطورة
طارق بن زياد وحرق السفن
يزخر التاريخ الإسلامي بمجموعة من الشخصيات القيادية التي تميزت بالذكاء والدهاء، وتبرز من بينهم أسماء قادة عسكريين لعبوا أدوارا هامة في الحروب والغزوات. سنتقرب في هذا المقال من واحد من أبرز الشخصيات العسكرية في تاريخ الإسلام وهو طارق بن زياد.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أصول القائد الإسلامي طارق بن زياد
هو قائد عسكري مسلم اختاره موسى بن نصير الذي كان يتولى أفريقية في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، ليقود جيش المسلمين من أجل فتح الأندلس. وُلد سنة 50 هـ - 640 م، وتولَّى طنجة سنة 89 هـ - 707م، ثم فتح الأندلس سنة 92هـ - 711 م، أمَّا وفاته فكانت على الأرجح سنة 102ه/ 720م.
أصول طارق بن زياد
هناك اختلاف بين المؤرخين حول الأصول الحقيقية لطارق بن زياد، فهناك من نسبه للعرب كموسوعة كامبردج الإسلامية التي تقول إنه من قبائل الصدف في حضرموت، وسماه ابن خلدون "طارق بن زياد الليثي" دون أن يذكر التفاصيل، بينما اتجه آخرون إلى القول أنه فارسي همذاني كالمقري صاحب "نفح الطيب"، فيما ذهب ابن عذاري المراكشي إلى تأكيد نسبته إلى الأمازيغ وتحديداً من قبيلة نفزة الأمازيغية، كما جاء في كتابه "البيان المغرب في أخبار ملوك الأندلس والمغرب" أن نسب طارق بن زياد هو طارق بن زياد بن عبد الله بن لغو بن ورقجوم بن نير بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو...".
يظل الرأي الأكثر استعمالاً هو أنه أمازيغي الأصل، ويقال أنه كان على صلةٍ بالعروبة والإسلام منذ زمن ليس بالقصير، ويفسر أنصار هذا الطرح كون والده وجدّه يحملان أسماء عربية بالقول أنهما قد أسلما قبله، ويرجحون إمكانية أن يكون جده قد انتقل إلى المشرق، لينشأ هناك طارق ويترعرع في بيئة عربية إسلامية. إذاً النسب الأمازيغي هو المرجح والموثوق لدى بعض المؤرخين والكتاب، وصار جزءاً من الحقيقة التاريخية المعتمدة في هذا الصدد.
توجه طارق بن زياد لفتح الأندلس مع 12 ألف جندي
بعد أن أذعن المغرب لسلطان المسلمين، جراء مقاومة شرسة من الأمازيغ دامت أكثر من سبعين عاماً، فكر المسلمون في الاتجاه إلى أرض القوط (Goths)، فبعد أن استشار موسى بن نصير الخليفة في دمشق (الوليد بن عبد الملك)، أرسل حملة استطلاعية سنة 710م بقيادة طريف بن مالك (قائد أمازيغي) التي عادت بأخبار مطمئنة، قرر موسى بن نصير إرسال طارق بن زياد (والي طنجة آنذاك) قائداً لحملة فتح الأندلس في الخامس من شهر رجب 92هـ/ 711م.
توجه طارق بن زياد لفتح الأندلس برفقة 12 ألف جندي، 300 فقط منهم كانوا عرباً، أغلبهم قادة ومؤطرين للفرق العسكرية، وعبر المسلمون البحر ونزلوا بجبل يحمل اسم طارق بن زياد إلى اليوم (جبل طارق)، فكانت الجزيرة الخضراء هي أول فتوحاتهم، حيث دخلها طارق وجيشه بعد معركة حامية الوطيس مع جيش لذريق (Rodrigo)، استمرت ثمانية أيام وانتهت بهزيمة القوط. استمرت بذلك الفتوحات الإسلامية شرقاً وغرباً ووصل طارق بن زياد إلى طليطلة سنة 93هـ، ثم فتح قرطبة ومالقة وغرناطة ومرسية.
كان طارق على اتصال دائم بموسى بن نصير، وقد طلب منه بعض الإمدادات قبل معركة وادي لكه، كما التحق به موسى بجيش قوامه ثمانية عشر ألفا تمكن من اجتياز المضيق إلى إسبانيا سنة 93هـ/ 712م، فدخل شذونة ثم فتح إشبيلية ثم ولبة وباجة، إضافة إلى لفنت وثرمونة وماردة. والتقى طارق بن زياد بموسى بن نصير عند مدينة طلبيرة غرب طليطلة سنة 94هـ.
نهاية مجهولة للقائد طارق بن زياد
خاض موسى بن نصير وطارق بن زياد حروبا طاحنة استمرت لسنوات، وبعد أن فتحوا أغلب مناطق شبه الجزيرة الأيبيرية، جاء قرار استدعائهما لدمشق من قبل الخليفة، ولا يكاد يعرف ما حدث لطارق بن زياد فور وصوله لمدينة دمشق، سوى أنه قد توفى في عام ” 720م ” و تضاربت الروايات حول وفاته، حيث لا يعرف إذا كان قد بقي في الشام أو عاد إلى المغرب، فقد قال البعض أنه ابتعد عن الحياة العسكرية وأمضى أيامه المتبقية في العبادة، فيما يقول آخرون أنه مات فقيراً جداً و لا يجد قوت يومه.
خطبة طارق بن زياد بين الواقع والأسطورة
ذكرت مجموعة من المصادر التاريخية خطبة طارق بن زياد التي تتسم بروعة الأسلوب ونصاعة البيان، وقدرتها على التأثير ومخاطبة النفوس وإقناع المقاتلين بضرورة التضحية دفاعا عن أنفسهم وبغية تحقيق النصر الموعود.
ومن المصادر التي وردت فيها الخطبة منسوبة إلى طارق تاريخ ابن حبيب المتوفى سنة 239هـ، وكتاب "الإمامة والسياسة" لابن قتيبة المتوفى سنة 276هـ، وفي "سراج الملوك" للطرطوشي المتوفى سنة 520هـ، وفي "ريحان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب" لأبي محمد عبد الله بن إبراهيم المواعيني الأشبيلي وكان معاصراً للموحدين، وفي "وفيات الأعيان" لابن خلكان المتوفى سنة 681هــ، وفي "تحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس" لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل من كتاب القرن الثامن الهجري. [20]
وإليكم نص الخطبة التي تنسب لطارق بن زياد كما أوردها الأستاذ والباحث المغربي عبد الله كنون ونقحها في كتابه القيم؛ "النبوغ المغربي في الأدب العربي":
"أيُّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوُّ أمامكم، وليس لكم - والله - إلا الصدق والصبر، واعلموا أنَّكم في هذه الجزيرة أضيَعُ منَ الأيتام، في مأدُبَة اللئام، وقد استقبلكم عدوُّكم بِجَيشِه وأسلحتِه، وأقواتُهُ موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سُيوفكم، ولا أقوات إلاَّ ما تستخْلِصونه من أيدي عدوِّكم، وإن امتَدَّت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينَتُه الحصينة، وإن انتهاز الفُرْصَة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإنّي لم أحذِّركم أمراً أنا عنه بنَجْوة، ولا حملتكم على خُطة أرخصُ متاع فيها النفوسُ (من غير أن) أبدأ بنفسي، واعلموا أنَّكم إن صَبرتم على الأشق قليلاً، استمعتم بالأرْفَهِ الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حَظّكم فيه بأوفى من حظي، [وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ منَ الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمَرْجان، والحُلَل المنسوجة بالعِقْيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان]، وقد انتخبكم الوليد بن عبدالملك أميرُ المؤمنين منَ الأبطال عُزْبانا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختانا، ثقةً منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفُرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مَغْنَمُها خالصًا لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرًا في الدَّارين، واعلموا أني أوّل مجيبٍ إلى ما دعوتكم إليه، وأنّي عند مُلْتَقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم "لذريق" فقاتِلهُ - إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطلٌ عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكتُ قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنَّهم بعده يُخْذَلون".
الآراء المشككة في صحة الخطبة
لقد شك بعض المؤرخين في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق بن زياد، ومن هؤلاء: الدكتور أحمد هيكل في كتابه الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، والأستاذ محمد عبدالله عنان في كتابه دولة الإسلام في الأندلس من الفتح إلى بداية عهد الناصر.
ومن جملة الأدلة التي يسوقها المشككون في هذا السياق:
- المصادر العربية الأولى لم تورد هذه الخطبة إطلاقاً، وإنما وردت في المصادر الأندلسية المتأخرة.
- أن طارق بن زياد كان أمازيغي اللسان، ولم تكن فترة الفتح الوجيزة كافية ليتحدث الأمازيغ بتلك الطلاقة باللغة العربية.
- استحالة فهم الأمازيغ الذين يشكلون غالبية جنوده لهذه الخطبة البليغة باللسان العربي، إلا أن البعض يقول أنه ألقاها بلسان أمازيغي تم ترجمتها للعربية بهذه البلاغة.
- عبارة "وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أميرُ المؤمنين منَ الأبطال عُزْبانا" علماً أن جيشه كان في مجمله مكون من الأمازيغ وقلة منهم كانوا عرباً.
- عبارة "وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان، من بنات اليونان" والمعلوم أن بنات إسبانيا لسن يونانيات، ولا يمكن أن يجهل طارق بن زياد هذا المعطى.
الآراء المؤيدة لصحة الخطبة
من أشهر المؤيدين لصحة خطبة طارق بن زياد نجد العلامة المغربي عبدالله كنون الذي أكد صحتها، وربط فصاحة لسان طارق بن زياد في النطق بلغة الضاد بسرعة انتشار العربية والإسلام في المغرب.
مسألة حرق السفن بين الشك واليقين
انتشرت رواية حرق طارق بن زياد للسفن والمراكب التي جاء الجنود على متنها، تحفيزاً لهم على القتال ومحاربة العدو، وقطعا لأمل المقاتلين في الهروب والفرار عند احتدام المعارك، لكن هذه الرواية لم تلق تأييد كل المؤرخين، بل هناك من شكك في صحتها، فما مدى صحة الرواية؟ وما هي حجج الرافضين لها؟
يؤيد الدكتور والباحث المعاصر د.سعد بو فلاقة، الأكاديمي الجزائري هذه القصة، ويؤكدها في مقاله الرائق؛ "خطبة طارق بن زياد بين الشَّك واليقين"، ويؤيده في ذلك المؤرخ والجغرافي السبتي الإدريسي والحميري.
وفي الناحية الأخرى نجد مجموعة من المشككين في رواية حرق السفن والقائلين ببطلانها، ويتحجج أنصار هذا الطرح بمجموعة من الأدلة والبراهين، ومن أبرز أدلتهم نجد:
- عدم وجود سند صحيح لهذه الرواية في التاريخ الإسلامي، وإنما وردت فقط في الروايات الأوروبية.
- عدم أحقية طارق بن زياد بحرق السفن التي تعود ملكيتها لحاكم سبتة يوليان، فطارق كان يعطي هذا الأخير أجرة عن هذه السفن، وكان سيردّها إليه عندما يرجع إلى ميناء "سبتة".
- أنَّ الإمدادات التي أرسلها موسى بن نصير لطارق بن زياد، المكونة من خمسة آلاف جندي، ما كانت لتجد وسيلة نقل لو أن طارق كان قد أحرق السفن.
- إمكانية أمر طارق بن زياد بعودة السفن إلى المغرب ويحقق بذلك مبتغاه دون أن يضطر لحرقها.
- ضرورة وجود رد فعل من قبل موسى بن نصير أو الوليد بن عبدالملك سؤالاً عن هذه الواقعة، فطارق لا يمكنه أن يتصرف في أموال الدولة على هواه، دون إذن من الخليفة.
- هذه جملة من الآراء التي ترفض قصة حرق طارق بن زياد للسفن، وتؤكد أنها استعملت لاحقا لنقل المقاتلين الجدد إلى أرض الأندلس، لكن الرواية الحقيقية تظل مجهولة.
ختاماً.. يعتبر طارق بن زياد من أهم الشخصيات التاريخية في الإسلام، ويعود له الفضل الكبير في وصول حكم المسلمين إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، كما تميزت شخصيته بالشجاعة والإقدام والتحدي والصمود، كلها خصال جعلت اسمه ذكرى مميزة لدى المسلمين، لطالما ارتبط بالفتوحات الإسلامية وبمرحلة التواجد الإسلامي بالأندلس.