شعر عن اليأس.. أصدق الأبيات الشعرية عن الحزن وفقد الأمل
This browser does not support the video element.
لطالما شكَّل اليأس عقبة من أشرس عقبات الحياة، فما أن يعرف قلب العاشق اليأس حتَّى يفقد العِشقُ ألقه، ولو عرفت البنادق اليأس لضاعت الأوطان!
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
فماتزال كلمات الزعيم المصري مصطفى كامل ترنُّ في الأذهان: "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس".
شُاعر يائس من الحبِّ وآخر يحارب اليأس دفاعاً عن عشقه
مشاعر الحب تولد لدينا الكثير من التناقضات، فحيناً يرى العاشق الوجود كله يرقص في عينيه وحيناً تغلق الأبواب وتضيق السبل، وقد يكون اليأس في الحبِّ هو النهاية التي يتهرب منها العاشقون!
وصل قيس بن الملوَّح إلى طريقٍ مسدود في حبِّه حتَّى تمنَّى أن يكره ليلى إن لم يكن له منها وصالٌ يشفي يأسه أو فليكن موته هو الدَّواء؛ يقول مجنون ليلى شعر عن اليأس من الحبيب:
يَقولُ أناسٌ: علَّ مَجنونَ عَامِرٍ يَرومُ سُلوّاً، قُلتُ: أنَّى لِما بِيا
بِيَ اليأسُ أو داءُ الهُيامِ أصابَني؛ فإِيَّاكَ عَنِّي لا يَكُنْ بِكَ ما بِيا
إِذا مَا استَطالَ الدَّهرُ يَا أُمَّ مَالِكٍ فشَأنُ المنَايا القَاضِياتِ وشانِيا
إِذا اكتَحَلَت عَيني بِعَينِكِ لَم تَزَل بِخيرٍ وَجَلَتْ غَمرَةً عَنْ فُؤادِيا
فَيا رَبُّ إِذ صَيَّرتَ لَيلى هِيَ المُنى فَزِنِّي بِعَينَيها كَما زِنتَها لِيا
وإِلّا فَبَغِّضْها إِلَيَّ وأَهلَها فَإِني بِليلَى قَد لَقيتُ الدَّواهِيا
علَى مِثلِ لَيلَى يَقتُلُ المَرءُ نَفسَهُ وإِنْ كنتُ مِنْ لَيلَى على اليأسِ طَاوِيا
خَليلَيَّ إِن ضَنّْوا بِلَيلَى فَقَرِّبا لِيَ النَّعشَ والأكفانَ واستغْفِرا لِيا
وإنْ متُّ مِن دَاءِ الصَّبابةِ فأبلِغا شبيهةَ ضَوء الشَّمسِ مِني سَلامِيا
أمَّا ابن زيدون فقد أغراه اليأس لمَّا أطاعت الحبيبة فيه الحُسَّاد والواشين:
لَم نعتَقدْ بَعدكَمْ إلَّا الوَفاءَ لكُمْ رَأياً، ولَمْ نَتقلَّدْ غَيرَهُ دِينَا
مَا حقُّنا أنْ تُقِرِّوا عينَ ذِي حَسَدٍ بِنا، ولا أنْ تَسُرُّوا كَاشِحاً فِينَا
كُنَّا نَرَى اليَأسَ تُسْلِينَا عَوَارِضُه وقَدْ يَئِسْنا فمَا لِليأسِ يُغرِينَا
بِنْتُم وبِنّا، فمَا ابتَلَّتْ جَوَانِحُنَا شَوقاً إلَيكُم ولا جَفَّتْ مآقِينَا
نَكادُ حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضمائرُنا يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسِّينَا
حالَتْ لِفقدِكُم أيَّامُنا فغدَتْ سُوداً وكَانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا
وقد اختلط اليأس بالرجاء لدى ابن عبد ربه، فيقول:
ما أقربَ اليَأسَ مِنْ رَجائي وأبعَدَ الصَّبرَ مِنْ بُكائي
يا مُذكيَ النَّار في فُؤادِي أنتَ دَوائي وأنتَ دَائي
مَنْ لي بمُخلِفةٍ في وَعدِها تَخْلُطُ لِي اليَأسَ بالرَّجاءِ
سَألتُها حَاجَةً فَلمْ تَفُهْ فيها بِنَعْمٍ ولا بِلاءِ
قلتُ: استجيبي؛ فلمَّا لمْ تُجبْ فَاضتْ دُموعي عَلى رِدائي
كآبَةُ الذُّلِّ في كِتابِي ونَخوةُ العزِّ في الجواءِ
الشَّاعر محمد سليمان الأحمد "بدوي الجبل"، وهل يستوي حبُّ آملٍ ويائسِ!
أحبُّكِ حُبّاً لا تَطوفُ بِه المُنَى عَرائسٌ في حُليّ المِلاحِ العَرائسِ
أحبُّكِ عَن يأسٍ ومَا حُبُّ آملٍ بأقربَ في نَجواهُ مِنْ حبِّ يائسِ
ومن منا لا يعرف قصيدة الشَّاعر العراقي حسن المرواني التي لحَّنها وغنَّاها المغني كاظم السَّاهر، والتي مثَّلت مرحلة متقدمة من مراحل اليأس في الحبِّ:
ذَوتْ أزهارُ روحِي وهي يَابِسةٌ مَاتَت أغانِي الهَوى، مَاتَتْ حِكاياتي
ماتَتْ بمحرابِ عَينيكِ ابتهالاتي واسْتسلَمتْ لرياحِ اليَأسِ رَاياتي
جَفْتْ عَلى بَابِكِ الموصودِ أزمنتي؛ لَيلَى، وما أثمرتْ شَيئاً نِداءاتِي
أنَا الَّذي ضَاعَ لِي عَامانِ مِن عُمري وبارَكتُ وَهمي وصدَّقتُ افتراضاتي
ولا بد أن نتأمَّل أبيات إيليا أبو ماضي التالية، فاليأس والقنوط أعماه عمَّا هو أمامه:
ذَهبَ الرَّبيعُ فلَم تَكُنْ في الجَدولِ الشَّادي، ولا الرَّوضِ الأغنِّ المُمِرعِ
وأتى الشِّتاءً فلَم تَكُنْ في غَيمهِ البَاكِي، ولا في رَعدِه المُتفجِّعِ
ولمَحتُ وامضةَ البُروقِ فخِلتُها فيها، فلَمْ تَكُ في البُروقِ اللُّمَّعِ
صفرتْ يَديِ مِنها وبِي طَيشُ الفَتى وأضلَّني عَنها ذَكاءُ الألمَعي
حتَّى إذا نَشرَ القُنوطُ ضَبابَه فَوقي فغيَّبَني وغيَّبَ مَوضِعي
وتقطَّعتْ أمراسُ آمَالي بِها وهيَ الَّتي مِن قَبلُ لَم تَتَقطَّعِ
عَصرَ الأسَى رُوحي فسالَتْ أدمُعا؛ فلَمحتُها ولمستُها في أدمُعِي
وعَلمْتُ حينَ العِلمُ لا يُجدي الفَتى أنَّ الَّتي ضَيَّعتُها كانتْ مَعي!
أمَّا الشَّاعر نزار قباني فلديه ترياق لليأس، تكفيه نظرةٌ خاطفة إلى من يحب ليرمي عنه كلَّ انكساراته:
وفي لَحظاتِ القُنوطِ، الهُبوطِ، السُّقوطِ، الفَراغِ، الخواءْ.
وفي لَحظاتِ انتحارِ الأمَاني، ومَوتِ الرَّجاءْ
وفي لَحظاتِ التَّناقُضِ، حينَ تَصيرُ الحَبيباتُ والحُبُّ ضِدّي
وتُصبِحُ فِيها القَصائدُ ضِدِّي...
وتُصبحُ حتَّى النُّهودُ التي بايَعتْني عَلى العَرشِ ضِدّي
وفي اللَّحظاتِ الَّتي أتسكَّعُ فيها عَلى طُرُق الحُزن وَحدِي
أُفكِّرُ فِيكِ لبضعِ ثوانٍ... فتَغدو حَياتِي حَديقةَ وَردِ.
أبيات حكمة عن اليأس
فيما يلي مجموعة من أبيات الحكمة عن اليأس، حيث اختبر الشعراء اليأس وعرفوه عن قرب، أغلبهم وجدوا في اليأس شعوراً لا بد من طرده حتَّى تستمر الحياة ويستمر الأمل.
ورأوا أن اليأس لا بد أن ينتهي عند الفرج، لكن هناك من يرى في اليأس نشوة!.
يحارب محمد بن بشير الخارجي اليأس بالعزيمة والإصرار؛ يقول:
لا تَيأسَنَّ وإنْ طَالَتْ مُطالبَةٌ إذا اسْتَعنَتَ بصبرٍ أنْ تَرى فَرَجا
إنَّ الأمورَ إذا انسَدَّتْ مَسالِكُها فالصَّبرُ يَفتحُ مِنها كُلَّ مَا ارتَتَجا (ارتتج: رتج الباب أي أغلقه)
أخلِقْ بِذي الصَّبرِ أنْ يَحظَى بحَاجتِه ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبوابِ أنْ يَلِجَا
فاطلُبْ لرِّجلِكَ قَبلَ الخَطوِ مَوْضِعَها فَمَنْ عَلا زَلَقاً عَن غرَّة زَلجَا
ولا يغرَّنَّكَ صَفوٌ أنتَ شَارِبهُ فربَّما كانَ بالتكديرِ مُمتَزجَا
لا يُنْتجُ النَّاسُ إلا مِن لِقاحِهِمُ يبدو لِقاحُ الفتَى يوماً إذا نَتِجَا
لا يمنعنَّكَ يأسٌ مِنْ مُطالبةٍ فضيقُ السُّبل يَوماً ربما انتهَجَا
أما أبو العتاهية فيرى أنَّ الآمال وساوس وأنَّ الأمل الحقيقي في الله سبحانه:
إنْ استَتمَّ مِنَ الدُّنيَا لَكَ اليَأسُ فلَنْ يَغُمَّكَ لا مَوتٌ ولا نَاسُ
اللهُ أصْدقُ والآمالُ كاذِبةٌ وكلُّ هَذِي المُنَى في القَلبِ وَسوَاسُ
والخيرُ أجمَعُ إنْ صَحَّ المُرَادُ لَهُ ما يَصنَعُ الله لا مَا يَصنَعُ النَّاسُ
اليأس قبر للحياة عند أبو القاسم الشابي:
ضُعفُ العَزيمةِ لَحدٌ في سَكينَتِهِ تقْضِي الحَياةُ؛ بَنَاهُ اليَأسُ والوَجَلُ
وفِي العَزِيمةِ قوَّاتٌ مُسَخَّرةٌ يخِرُّ دُونَ مَداها الشامخُ الجبلُ
والنَّاسُ شَخْصانِ: ذا يسْعى بِهِ قَدَمٌ مِن القُنوطِ، وذَا يسعَى بِه الأملُ
هذا إلى الموتِ والأجدَاثُ سَاخرةٌ، وذَا إلى المَجدِ والدُّنيَا لَهُ خَوَلُ (الخَوَلُ: عطية الله من النعم.)
وهذه الأبيات نسبت للإمام علي بن أبي طالب أو للإمام الشَّافعي:
إذا اشتَمَلتْ عَلى اليَأسِ القُلوبُ وضَاقَ بِما بِهِ الصَّدرُ الرَّحِيبُ
وأوطنتْ المكَارِهُ واستقرَّتْ، وأرسَتْ في أَمَاكنِها الخُطُوبُ
ولم ترَ لانكشافِ الضَرِّ وَجهاً ولا أغنَى بحيلته الأريبُ
أتاكَ عَلى قنوطٍ مِنكَ غَوثٌ يمنُّ بِه اللَّطيفُ المُستَجِيبُ
وكُلُّ الحَادِثاتِ إذا تَناهتْ فمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَريَبُ
وهذه الأبيات التي تعد اليأس كفراً تنسب أيضاً للإمام علي بن أبي طالب وللإمام الشَّافعي:
ألاَ فَاصبِرْ عَلى الحَدَثِ الجَلِيلِ ودَاوِ جِواكَ بالصَّبْرِ الجَميلِ
ولاَ تَجزَعْ وإِنْ أَعسَرْتَ يوماً فقدْ أيسَرَتْ في الزَّمنِ الطَّويلِ
ولا تَيأَسْ فإِنَّ اليأسَ كُفرٌ لَعَلَّ الله يُغنِي مِنْ قَليلِ
ولا تَظنُنَّ بِرَبِّكَ غَيرَ خَيرٍ فَإِنَّ الله أُوْلَى بالجَميلِ
وإنَّ العُسرَ يتبعهُ يَسارٌ وقولُ اللهِ أصدقُ كلَّ قيلِ
فَلَو أنَّ العُقُولَ تجرُّ رزقاً لكان الرِّزقُ عِنْدَ ذَوي العُقولِ
وكَم مِنْ مُؤمِنٍ قَدْ جَاعَ يَوْماً سيُروى مِن رَحيقٍ سَلسَبيلِ
أمَّا الشّاعر بدوي الجبل فيرى في اليأس نشوة لم نرها عند غيره!.. يقول:
غيَّضَّ الدَّهرُ أدمُعي، وا حنيني إلى البكاءْ!
شقَّ قَلبي ولمْ تَسِلْ مِن جراحاتِه الدِّماءْ
أيُّها المبغض الشَّقاء.... أنا أعشَقُ الشَّقاءْ
شَاعِر الحُزنِ أينَ مِنْ سِحرهِ شَاعرُ الهَناءْ
إنَّ لليأسِ نَشوةٌ ضَلَّ عَن مِثلِها الرَّجاءْ
أنا لمْ أدرِ قيمَةَ الدَّمعِ حَتَّى فَقَدتُهُ
هو كنزٌ عَرفتُ ما فيهِ لمَّا أضعتُهُ
و إلهٌ مِن بَعد كُفري بِهِ قدْ عَبدتُهُ
أرجعي يا خُطوبُ مِن أدمعي ما سَكَبتُهُ
وخُذي الابتسامَ منِّي فإنِّي ملَلتُهُ
شعر عن الحزن واليأس والمنى عند صفي الدِّين الحلّي:
حَبلُ المُنى بحِبالِ اليَأسِ مَعقودُ، والأمْنُ مِن حَادِثِ الأيَّامِ مَفقودُ
والمَرءُ مَا بَينَ أشرَاكِ الرَّدَى غَرضٌ صميمُهُ بسِهَامِ الحَتْفِ مَقصُودُ
اليأس الٍمشرف على الأمل عند ابن زيدون:
مَا عَلى ظَنِّي بَاسُ يَجْرَحُ الدَّهرُ ويَأسُو
(يأسو: يصلح الجرح ويداويه)
رُبَّما أشْرفَ بِالمَرء عَلَى الآمَالِ يَاسُ
ولقَدْ يُنجِيكَ إغْفالٌ ويُرديكَ احْترَاسُ
والمَحاذيرُ سِهامٌ، والمَقادِيرُ قِياسُ
ولَكَمْ أجدَى قُعودٌ، ولَكَمْ أكدى التماسُ
وكذَا الدَّهرُ، إذَا مَا عُزَّ ناسٌ، ذُلَّ ناسُ
أمَّا مع الشَّاعر علي أحمد إسبر المشهور بأدونيس فالأمر كالآتي:
اليأسُ عادة, والأملُ ابتكار.
للفرَحِ أجنحة وليسَ لَهُ جَسد
للحزنِ جَسدْ وليسَ لهُ أجنحة
الحُلم هو البَريء الوَحيد الذي لا يَقدرُ أنْ يَحيَا إلّا هَارباً
لا يوجد معذب في الأرض كاليائس من موطنه
على الرغم من أنَّ أغلب شعراء هذه الفقرة قد كتبوا الكثير من قصائد شحذ الهمم والفخر والاعتزاز بالوطن، لكنهم أيضاً مرّوا بلحظات يأسٍ لا تحتمل فباحوا بهذه الأبيات.
يقول نزار قباني في واحدة من أهم قصائده السياسية "إلى أين يذهب موتى الوطن" وهي من أهم نماذج شعر عن الانكسار:
بلادٌ تُحاولُ أشجارُها من اليأسِ، أن تتوسَّلَ تأشيرةً للسفَرْ ..
بلادٌ تخافُ على نَفْسِها من قصيدة شعرٍ...
ومن قَمَر الليل، حين يمشّطُ شعرَ المَسَاءْ .
وتخشى على أَمْنِها من بريد الهوى و عُيُونِ النِّساءْ
ويتأرجح الشَّاعر سامي العامري بين اليأس والأمل، فيقول:
هو ذلك الدَّمُ فاضَ إلاّ أنه يكفي فحَسبُهمُ دَمي أو حَسْبي!
إنْ أمعنوا بالشَّرِّ دونَ عُقوبةٍ فَغَداً ستُرثينا جَنائزُ شعبِ!
حتَّى الوُرودُ ستَستحيلُ بلا شذاً ولقاؤها مثلَ امتحانٍ صعبِ
يأسٌ مِن الأيَّام في رُوحي سَرى ومِن الزَّمانِ ومن جميع العُرْبِ
يأسٌ كما نَحتَ النَّسيمُ , فموطِني كفراشةٍ ما شأنُهُ بالحربِ؟
لكنْ لأجلِ عُيونهِ أنا آملٌ ولِعينكم ولأعيُنِ المُتنبّي!
الشَّاعر العراقي محمد مهدي الجواهري واليأس:
قد كنتُ أقربَ للرَّجاءِ فصِرتُ أقربَ للقُنوطِ
كلُّ البلاد صعودٍ والعراقُ إلى هُبوطِ
في كلِّ يَومٍ مبدأٌ، أواهُ مِن هَذا السُّقوطِ
وَطنٌ أقامتْ ركنَهُ شبَّانُنا بدمٍ عَبيطِ
يا للرِّجالِ تلاقَفتهُ يدُ الأعاجِمِ والنَّبيطِ
ولقد بَكَيْتُ عَلى حُبوطِكِ يا بِلادِي لا حُبوطِي
ويقول الجواهري أيضاً شعر عن ضياع الأحلام:
رُدُّوا إلى اليَأسِ ما لمْ يَتَّسِع طَمَعا، شَرٌّ مِن الشَّرِّ خَوفٌ منهُ أنْ يَقَعا
شَرٌّ مِن الأمَلِ المَكذوبِ بَارقُه، أن تحمِلَ الهَمَّ والتَّأميلَ والهَلعَا
قالوا غَدٌ؛ فَوجَدتُ اليومَ يفضُلُه، والصَّبر قالوا : وكان الشَّهمُ من جَزعاً
ولم أجدْ كمَجالِ الصَّبرِ مِن وطَنٍ يَرتادُه الجُبنُ مُصطافاً ومُرتْبَعَا
وأنَّ مِن حَسَناتِ اليَأسِ أنَّ له حَدّاً، إذا كَلَّ حَدُّ غيرهُ قطَعَا
وأنَّه مُصحِرُ الأرجاءِ لا كَنَفاً لمن يَلَصُّ ولا ظِلّاً لمنْ رَتعا
وَجَدْتُ أقتَلَ ما عانَت مصايُرنا وما التَوَى الشَيبُ منهُ والشَّبابُ مَعا
أنَّا رَكِبِنَا إلى غَاياتِنا أمَلاً رَخواً إذا مَا شَدَدنا حَبلَهُ انقطَعَا
نَسومُه الخَسْف إن يَطوي مَراحلَنا وإنْ تشَكَّى الحَفَا، والأينَ، والضَلعَا
هذا هُو الأمَلُ المَزعومُ فاقتَرِعُوا واليَأسُ أجدَرُ لو انصَفتَ مُقتَرعا
اليَأسُ أطعَمَ بالأشْلاءِ مِقصَلةً عَدْلاً وطوَّحَ "بالبستيل" فاقتَلَعا
وطارقٌ منه اعطَى النَّصرَ كَوكَبُه نَزراً وعَدَّى إلى الاسبانِ فانَدفَعَا
يا نادِبينَ "فِلَسطينا" وعِندهُمُ عِلمٌ بأنَّ القَضاءَ الحَتمَ قدْ وَقعا
كم ذا تُلحُّونَ إن تَستَوقِدوا قَبَساً من الرَّمادِ ومِمَّن مَاتَ مُرتَجَعا
كَفَى بما فاتَ ممَّا سميّتْ "أملاً" مِن "الحُلول" الَّتي كِيلتْ لكُم خُدعا
جيلٌ تَصرَّمَ مذ أبْدَى نَواجذَه وعدٌّ لبلفورَ في تهويدِها قَطعا
اليأس والشَّاعر المصري فاروق جويدة:
بَاعُوكَ بَخساً؛ فَهَل أَدرَكتَ يا وَطنِي فِي مَأتمِ الحُلمِ قَلبي فِيكَ كَمْ عَانَى
سَفِينةٌ أبحَرَتْ في اللَّيلِ تَائِهةً والمَوجُ يَرسُمُ في الأعمَاقِ شُطآنَا
شِرَاعُهَا اليَأسُ تَجْرِى كُلَّما غَرقتْ حَتَّى تَلاشتْ ولاحَ المَوتُ رُبَّانا
يا ضَيعَةَ العُمْرِ، سَاد العُمرَ في سَفَهٍ، بَطشُ الطُّغاةِ وصَارَ الحَقُّ شَيطَانا
كَمْ كُنْتُ أهْرَبُ والجَلادُ يَصرخُ بِي: يَكفِيكَ مَا قَدْ مَضَى سُخطاً وعِصْيَانا
يأس الشَّاعر السُّوري ريان الشققي:
يا أمَّتي خَابَ الأمَلْ مِن بَعد مَا هَجَمَ الفَشلْ
لا تَفرَحِي فيمَا مَضَى لا تَحزَنِي وَقت الأجلْ
من تَحتِ أنقاضِ الدُّجى، هَذا خنوعٌ أمْ وَجَلْ؟
مِن فوقِ أكوامِ الرَّدى، هَذا هراءٌ أمْ جَدلْ؟
مِن صرخةِ الآلامِ خُدِّرَت المَشاعِرُ والمُقَلْ
يا أمَّتي نَزَح الأمْل يا أمَّتِي حَلَّ الزَّللْ
لا الدَّمعُ يجديني ولا أسَف عَلى قَلبي انجَدَلْ
يأس الشَّاعر العراقي يحيى السماوي:
أنا أرضَى بالَّذي قَلَّ ودَلْ: خَيمةٌ في وَطني دُونَ وَجَلْ
خَيمةٌ أغسِلُ باللَّثمِ بها يَدَ أمِّي كلَّما الصُّبحُ أطَلْ
ورَغيفٌ دَافئٌ تَخبزُهُ أمُ شَيماءَ وكُوزٌ مِن وَشَلْ
مُنذُ جِيلينِ ومَا زلتُ عَلى سَفَرٍ بينَ قُنوطٍ وأمَلْ
لا الضُّحى ضاحَكَ أحدَاقِي ولا طَمْأنَ اللَّيلُ فؤاداً ومُقَلْ
أمسَكَ الصُّبحُ عَن القَلبِ فما زَارَني إلَّا وفي العَينِ طَفَلْ
كَذبَ التَّاريخُ؛ مَا زَالَ عَلى وَطَني للشِرْكِ (لاةٌ) و(هُبَلْ)
تَعِبَتْ مِن تَعَبي أشرِعَةٌ كلَّما أنشُرها السَّاحلُ زَلْ
وَنَأتْ عن سُفني الرِّيحُ سِوى زَفَراتٍ بَرْدُها لَفْحُ شُعَلْ
يا هِلالَ العِيدِ هَلْ مِن خَبَرٍ عَن فراتينِ وسَهلٍ وجَبَلْ؟
مرَّ (عيدانِ وعُشرونَ) ومَا عَادَني جَارٌ ولا الهَمُّ ارْتحَلْ
وأحَلَّتْ كِبريائي غُربَةٌ نَبَشتْ رُوحِي بأشواكِ المَلَلْ
أخيراً إليكم بعض الأبيات والقصائد المتنوعة عن اليأس
يأس الشَّاعر محمد بن علي السنوسي:
يا رَبيعَ الحَياة أينَ رَبيعِي أينَ أحَلامُ يَقَظَتي وهُجوعِي
أينَ يَا مَرتعَ الشَّبيبَة آمَالُ شَبابِي وأمنِياتُ يُفوعي
أينَ يَا شاعرَ الطَّبيعَة لَحنٌ صَاغَهُ القَلبُ مِن هَواهُ الرَّفيعِ
رددتهُ مَشاعِري وأمانيَّ ورفَّتْ به حَنايا ضُلوعي
يأس الشَّاعر إبراهيم عبد القادر المازني:
لَبستُ رِداءَ الدَّهرِ عِشرينَ حُجةً وثنتينِ، يَا شَوقِي إذا خُلَعَ ذا البُردِ
عُزوفاً عَن الدُّنيا ومَن لمْ يَجد بها مُراداً لآمالٍ تعلَّلَ بالزهدِ
أبيتُ كأنَّ القَلبَ كَهفٌ مُهدَّمٌ برأسٍ مُنيفٍ فيهِ للرِّيح مَلعبُ
أو أني في بحرِ الحَوادثِ صَخرةٌ تَناطها الأمواجُ وهيَ تَقلبُ
ولإبراهيم عبد القادر المازني قوله:
لَا اليَأسُ مُجدٍ ولا الآمالُ نافعةٌ، أخبِثْ بعيشٍ عَلى الحَالينِ مَذمومُ
يا درَّةً غصَّتْ في لجِّ الحَياةِ لَها أأنفضُ اليومَ مِنها كَفَّ مَحرومِ
مالي عَلى الحبِّ مَسؤوماً ألَّا رَحِموا، دونَ الضُّلوع وجيباً غيرَ مَسؤومِ
مالي كأني أعمَى لا دَليلَ لهُ إلَّا عَصاهُ وسَمعٌ غيرُ مَعصومِ
نَفسي تأبَى لَكم إلَّا طواعيةً وأنتَ تأبى سِوى ظلمٍ وتَجذيمِ
يأس بدر شاكر السَّيَّاب:
نَفسي مِن الآمالِ خَاويةٌ جَرداءُ لا ماءٌ ولا عُشبُ
ما أرتَجيهِ هو المُحالُ ومِا لا أرتَجيهِ هوَ الَّذي يَجبُ
قدَرٌ رَمى فأصابَ صَادية في الجَوِ خَرَّتْ وهيَ تَنتَحِبُ
مَن ذا يُعيدُ إلى قَوادِمها أفقَ الصَّباحِ تُضيئه السُّحبُ
قنوط الشَّاعر محمد موفق وهبة:
جاءَ الشِّتاءْ...
تسَلَّلتْ عَناكِبُ القُنوطِ تبنِي عُشَّها الكَبيرْ
باباً يَلوحُ قاتِماً يَسُدُّ مِحْرابَ الرَّجاءْ
وَقَلبِيَ المَقرورْ
يَرعَشُ خَلفَ أضلُعِي لا يَعرِفُ الدِّفءَ ولا الحَنانْ
وخاطِري الفَقيرْ
مُشرَّدٌ مُضَيَّعُ الزمانِ وَالمَكانْ
يَلوبُ فِي الضَّبابْ
يَبحَثُ عَن مَاضيهِ فِي بَعضِ الذِّكرْ
وليسَ إلا الرِّيحُ يا حَبيبَتِي تُشاجِرُ الأبوَابْ
يأس الشَّاعر سالم بن زريق بن عوض:
اليَأسُ فتَّتَ مُهجَتي وفُؤادِي وطَغَى عَلى الأملِ القَريبِ سَوادِي
ولَمْ يَلقَ في دَربِي سِوايَ ولْم تَزَلْ خَلفَ المجرَّةِ هِمَتي ومُرادِي
أرنو إلى الأفُقِ البَعيدِ وفي دَمِي بَحرٌ مِن الألمِ الأليمِ يُنادي
أكلَ القُنوطُ حُشاشَتِي وعبَاءَتي واقتصَّ مِن عَظمِ الرَّميمِ وزَادِي
ودهَتْ دَواهِي العَصر كلَّ لَذائذِي وتفرعَنَتْ في خَافِقي وشِدادي
واهتاجَتْ الأغلالُ في دَربِ المُنَى تَطغَى وتَلوي عُدَتِي وعِتَادِي
يأس الشَّاعر محمد مهدي الجواهري:
يَأسٌ تَجاوزَ حَدَّه حتَّى لقدْ أمسيتُ أخَشَى الشَّرَّ قَبلَ حُلولهِ
وبَلُدتُ حتَّى لا ألذُّ بمُفْرحٍ حَّذرَ انتكاستهِ وخَوفَ عُدولهِ
إيهٍ أحبَّايَ الَّذينَ تَرعرَعوا مَا بينَ أوضَاحِ الصِّبا وحُجولهِ
إني وإنْ غَلبَ السَّلُّو صَبابَتي واعتَضتُ عَن نَجمِ الهَوى بأُفولِهِ
لتَشوِّقُني ذِكراكُمُ ويهُزُّنِي طَربٌ إلى قَالِ الشَّبابِ وقِيِلهِ
أحَبابَنا بَين الفُراتِ تَمتَّعوا بالعيشِ بَينَ مياهِهِ ونَخيلِهِ
وتَذكَّروا كَلفَ امرئٍ مُتشوِّقٍ مُنزوفِ صَبرٍ بالفراقِ، قَتيلِهِ
ختاماً... هكذا إذاً؛ يأسٌ يغرقنا ويأسٌ يرفعنا، ويأسٌ يجبرنا على النُّهوضِ للبحث عن بصيص أمل وآخر يغرينا بالغرق إلى القاع المظلم حتَّى أقصاه، ولكلٍّ منَّا ما يجعله يخرج من يأسه إلى باحة الآمال شريطة أن يتكبد عناء البحث.