المدن ذات اعلى معدلات تلوث الهواء في العالم
يقاس تلوث الهواء عادة عن طريق نقاط مراقبة متوزعة، بحيث تقوم هذه النقاط بتحليل عينات مختلفة من الهواء بشكل دوري للتأكد من نسب الملوثات الموجودة به، بعد الحصول على النسب؛ يتم مقارنتها بالمعدلات الطبيعية وغير الضارة لوجود الملوثات في الهواء لتقرير مدى خطورة التلوث الحاصل والحلول الممكنة له.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أهم ملوثات الهواء التي ينتج معظمها عن أنشطة بشرية
هناك العديد من المواد المسببة للتلوث الهوائي، وتتنوع بالطبيعة والمصدر الخاص لكل منها بين ملوثات عضوية ولا عضوية وملوثات طبيعية وأخرى صناعية، كما تتنوع بخطورتها على الصحة وتأثيرها على المناخ والتغير المناخي العالمي. فيما يلي أهم الملوثات الناتجة عن الأنشطة البشرية:
- أكاسيد الكبريت (SOx): تعد أكاسيد الكبريت واحدة من الملوثات الخطيرة جداً وأهمها ثنائي أوكسيد الكبريت (SO2) الذي ينتج عن البراكين والنشاطات الصناعية كما أنه موجود في العديد من أنواع الوقود البترولي المستخدم اليوم، تكمن خطورته في أنه يتحول إلى حمض الكبريت (H2SO4) بوجود وسيط كيميائي محفز هو ثنائي أوكسيد النيتروجين (NO2) مما يتسبب بالأمطار الحمضية (أمطار مكونة من أحماض ممددة بالماء، تنتج من مستويات التلوث المرتفعة جداً وتتسبب بتخريب الأبنية وسواها كما من الممكن لها أن تتسبب ببعض الحروق الكيميائية أو أن تتسبب بالحساسية).
- أكاسيد النيتروجين (NOx): وبالأخص ثنائي أوكسيد النيتروجين منها، تعد مواداً شديدة السمية وضارة للصحة بشكل كبير جداً. تنتج عن النشاطات الصناعية كما تحفز العواصف الرعدية تشكلَها في الغلاف الجوي ومن الممكن رؤية ثنائي أوكسيد النيتروجين كغمامة ذات لون بني باهت فوق المدن الكبرى.
- أحادي أوكسيد الكربون (CO): يعد هذا الغاز ضاراً بالصحة إلى حد بعيد خصوصاً كونه عديم الرائحة واللون مما يجعل التسمم ممكناً به دون الإحساس بذلك. ينتج بشكل أساسي عن عملية الاحتراق غير الكامل للنفط والفحم بشكل خاص.
- الميثان (CH4): يعتبر الميثان من أخطر غازات الدفيئة (وهي الغازات التي تسبب بارتفاع درجة حرارة الأرض عند ارتفاع منسوبها في الغلاف الجزي حيث تحتفظ بالحرارة القادمة من الشمس بشكل فعال أكثر من غيرها مما يزيد معدلات الحرارة العالمية)، فهو شديد الفعالية في زيادة الاحتباس الحراري كما أنه يساهم في تركيب غاز الأوزون (O3). يتراكم عادة في طبقات الجو العليا وينتج عن العمليات الصناعية وبعض عمليات الاحتراق غير الكامل.
- الجزيئات المعلقة (Particulate Matter): وهي جزيئات صغيرة من المواد الصلبة أو السوائل المعلقة في الهواء. تنتج هذه الجزيئات عن الظواهر الطبيعية كالبراكين والعواصف الرملية وحرائق الغابات وغيرها أو من أسباب بشرية مثل احتراق الوقود الأحفوري ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والعمليات الصناعية المتعددة. تسبب هذه الجزيئات أمراضاً تنفسية عديدة ومن الممكن أن تتسبب بسرطان الرئة.
- المعادن السامة (الرصاص، الزئبق...): تسبب هذه المعادن أمراضاً عصبية شديدة الخطورة كما أنها تتسبب بما يسمى بالتسمم بالمعادن الثقيلة. تنتج عادة عن ثوران البراكين أو بشكل أساسي عن الصناعات الثقيلة خصوصاً عمليات التعدين والتنقيب وصناعة المعدات الثقيلة.
- الأوزون (على مستويات منخفضة في الغلاف الجوي): يعد الأوزون من أهم العناصر في الغلاف الجوي حيث يساهم بشكل فعال في حماية الأرض من طيف واسع من الإشعاعات الكونية، لكن وجوده على سطح الأرض يشكل خطراً كبيراً نظراً لسهولة تفككه مطلقاً ذرات أوكسجين منفردة تكون شديدة الفاعلية الكيميائية ومن الممكن لها أكسدة مختلف المواد أو تخريش جلد أو أعضاء الإنسان الداخلية.
- الملوثات الإشعاعية: وهي الملوثات النشطة إشعاعياً وتنتج عن الكوارث النووية (ككارثتي فوكوشيما في اليابان وتشيرنوبل في أوكرانيا) أو عن التجارب النووية وكذلك عن محطات توليد الكهرباء العاملة بالطاقة النووية بالإضافة لبعض الأسباب الطبيعية كتفكك غاز الرادون. تسبب هذه الملوثات الطفرات الجينية كما تتسبب بمختلف أنواع السرطانات بسبب إطلاقها لإشعاعات ألفا وبيتا وغاما.
كيفية ومصادر تلوث الهواء
نظراً لتنوع النشاطات البشرية من جهة وتنوع الملوثات من جهة أخرى، تتنوع مصادر التلوث الهوائي بشكل كبير. فيما يلي أهم هذه المصادر:
- المصادر الثابتة: والتي تتضمن الورش والمنشآت الصناعية بالإضافة لأجهزة التدفئة العاملة بالوقود ومحطات توليد الكهرباء المعتمدة على النفط أو الفحم. تعتبر هذه المصادر جزءاً كبيراً من مشكلة التلوث التي نواجهها حيث تُصدر نسبة كبيرة من الملوثات في الهواء تصل حتى 40% من الملوثات في بعض الأماكن.
- المصادر المتحركة: تتضمن السيارات والسفن والطائرات وغيرها من وسائل النقل المتعددة، وتعتبر الملوث الأكبر عالمياً خصوصاً في المدن ذات عدد السكان والكثافة السكانية الكبيرين.
- الحرق المتعمد: وهو القيام بحرق أجزاء من الغابات أو بقايا المحاصيل الزراعية للتخلص منها وتخصيب الأرض وتجهيزها لزراعات أخرى. وعلى الرغم من فائدته في بعض الحالات (بالنسبة للزراعة وتنمية الغابات) فهو ملوث للغاية ويطلق كميات كبيرة من الجزيئات المعلقة وغازات أكاسيد النيتروجين والكبريت والكربون.
- الأبخرة: تصدر الأبخرة من بخاخات الدهان والشعر ومزيلات التعرق وغيرها، بالإضافة إلى الورنيش والإيرسول. رغم عدم حدوث عمليات اشتعال فهذه الأبخرة تحوي كميات كبيرة من الميثان وغازات الدفيئة الأخرى وتعتبر من الأسباب الأساسية لحدوث ثقب الأوزون (فجوة موجودة في طبقة الأوزون وتقع فوق القطب الجنوبي، بدأت بالانكماش مؤخراً ويعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى انخفاض انبعاثات الأبخرة في العقدين الأخيرين نتيجة الجهود الدولية في هذا المجال).
- مكبات النفايات: عادة ما تحوي المكبات كميات كبيرة من المواد العضوية التي تتفكك لاحقاً وتطلق ثنائي أوكسيد الكربون بالإضافة للميتان شديد الاشتعال والذي قد يشكل مزيجاً متفجراً مع الهواء في بعض الظروف بالإضافة لكونه أهم غازات الدفيئة (المسببة للاحتباس الحراري).
- المصادر الحربية: تتضمن الأسلحة والتجارب النووية بالإضافة للأسلحة الكيميائية والبيولوجية وإطلاق الصواريخ وغيرها.
- المصادر الطبيعية: تتضمن الغبار والميثان الصادر عن هضم الحيوانات أو تفسخ النباتات والحيوانات الميتة بالإضافة لأدخنة الحرائق والنشاط البركاني. يعتبر تفكك الرادون (غاز نبيل مشع ينتج عن تفكك الراديوم طبيعياً) أحد أخطر الملوثات الطبيعية فهو السبب الثاني لسرطان الرئة (بعد التدخين).
المخاطر الصحية لتلوث الهواء على البشر
نظراً لخطورة المواد الملوثة للهواء، يعتبر التلوث واحداً من الأخطار البيئية الأهم التي تواجه البشرية. حيث تتمثل الأخطار الصحية بما يلي:
- الموت: وفقاً لدراسات منظمة الصحة العالمية حول تأثير تلوث الهواء على صحة البشر، وجد أن تلوث الهواء يتسبب بحوالي 7 ملايين حالة من الموت المبكر (الموت قبل عمر الشيخوخة) سنوياً في العالم مع كون الهند المتأثر الأكبر بهذه الأضرار نظراً للكثافة السكانية العالية ومعدلات التلوث المرتفعة جداً.
- أمراض القلب: وجدت مراجعات نسب التلوث عام 2004 ومقارنتها مع معدلات أمراض القلب أن هناك علاقة قوية بينهما حيث أن كل 10ميكروغراممتر مكعب إضافية من الملوثات ترفع خطر الإصابة بمشاكل العضلة القلبية بمقدار 12 حتى 14% عن الحد الطبيعي.
- أمراض الرئتين: وجدت أدلة قوية على زيادة التلوث لمعدلات الإصابة بالربو (والربو التحسسي) وداء الانسداد الرئوي المزمن كما تم ربطه بزيادة معدلات الوفيات الناتجة عن المرضين.
- السرطان: وجدت الدراسات على مرض السرطان أن تلوث الهواء يزيد نسب الإصابة بمرض السرطان بمقدار 6% لكل 10 ميكروغراممتر مكعب إضافية (أي أن زيادة 10 ميكرو غرامات إضافية من الملوثات لكل متر مكعب من الهواء تتسبب بارتفاع احتمال الإصابة بالسرطان بنسبة 6%) كما أنه يزيد خطر الوفاة من سرطان الرئة بنسبة بين 21 و26%.
- الجهاز العصبي المركزي: وجدت دراسة أجريت في جامعة روشستر (المملكة المتحدة) عام 2007 على بالغين نشأوا في بيئة شديدة التلوث خلال طفولتهم أن التعرض المبكر لمعدلات التلوث الهوائي المرتفعة يؤثر على الجهاز العصبي المركزي بشكل مشابه لتأثيرات التوحد والشيزوفرينيا (الفصام).
أكثر المدن تلوثا في العالم تقع في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا
وفقاً لبيانات تلوث المدن حول العالم فأكثر من 98% من المدن التي يزيد عدد سكانها عن 100,000 في الدول النامية لا تحقق معايير منظمة الصحة العالمية لجودة الهواء، تتصدر منطقتا الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا ترتيب المناطق الأكثر تلوثاً في العالم حيث من أصل المدن العشرين الأكثر تلوثاً ثلاث مدن في المملكة العربية السعودية وثلاث في الهند واثنتان في إيران، فيما يلي القائمة الكاملة:
- أونيتشا، نيجيريا.
- بيشاور، باكستان.
- زابول، إيران.
- روالبندي، باكستان.
- كادونا، نيجيريا.
- آبا، نيجيريا.
- الرياض، المملكة العربية السعودية.
- الجبيل، المملكة العربية السعودية.
- مزار الشريف، أفغانستان.
- جوالور، الهند.
- مدينة حمد، البحرين.
- ألاها باد، الهند.
- شيشوازوانج، الصين.
- كراتشي، باكستان.
- الدمام، المملكة العربية السعودية.
- أومواهيا، نيجيريا.
- ريبور، الهند.
- كابول، أفغانستان.
- معامير، البحرين.
- بوشهر، إيران.
*المدن مصنفة وفق مستوى الجزيئات المعلقة في الهواء (PM10) وفق دراسات منظمة الصحة العالمية لعام 2016.
جهود الحد من مستويات تلوث الهواء
لطالما ارتبط اسم الصين بأمثلة التلوث وصور الدخان الكثيف الذي يحجب ناطحات السحاب في مدنها، فعملاق الصناعة الصيني يمتلك تاريخاً سيئاً في المجال البيئي خصوصاً استخدام الفحم الحجري وعدم مراعاة التقيد بالدعوات العالمية للحد من التلوث.
هذا الأمر بدأ بالتغير مؤخراً مع بدأ الصين بجهود كبيرة للحد من التلوث مما مكنها من تخفيض مقدار التلوث بالجزيئات المعلقة (PM2.5) بمقدار 17% بين عامي 2011 و 2015 (بينما كان الانخفاض في الولايات المتحدة بمقدار 15%) مقابل تزايد معدلات التلوث في الهند حيث بلغت معدلات الجزيئات المعلقة (PM2) في دلهي 125 مقابل 81 في بكين وفقط 12 في واشنطن.
أدت المؤتمرات الدولية الخاصة بالتلوث إلى نتائج إيجابية -وإن كانت غير كافية- في العقود القليلة الماضية، حيث تم الاستغناء عن استخدام الوقود المحتوي على الرصاص (خصوصاً البنزين حيث تم استبدال الرصاص بالأوكتان) بالإضافة إلى تقييد المنتجات المطلقة للأبخرة المؤذية لطبقة الأوزون وإيقاف استخدام الدهانات المحتوية على الرصاص.
تتركز الجهود الدولية اليوم باتجاه استخدام المصادر المتجددة للطاقة، حيث قامت العديد من الدول مثل ألمانيا والسويد والنرويج بالاعتماد على طاقة الرياح والطاقة المتولدة من العنفات الشاطئية كما يسعى بعض مصنعي السيارات كشركتي تسلا الأمريكية وليكزس اليابانية لاستخدام المحركات الكهربائية أو الهجينة (تستخدم الوقود جزئياً بالإضافة للطاقة الكهربائية).
وفي خطوة من الصين باتجاه طاقة أنظف فقد قامت باستثمار 26.7 بليون دولار أمريكي في أكبر مركز استثمار للطاقات المتجددة في العالم مضيفة 56 غيغاواط من الطاقة النظيفة إلى الشبكة.
في النهاية... ما تزال الجهود العربية في مجال محاربة التلوث خجولة للغاية، على الرغم من الحاجة الكبيرة لذلك بالإضافة لإمكانية استغلال الطاقة الشمسية كمصدر كامل للطاقة بحيث يتم الاستغناء عن المشتقات النفطية التي تعد المسؤول الأول عن التلوث في المنطقة والعالم.