الغزل الفاحش أو الإباحي في الشّعر العربي

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الإثنين، 18 ديسمبر 2023

الغزل الصريح في الشّعر العربي

This browser does not support the video element.

مقالات ذات صلة
شعر غزل قصير
دعوات لمقاطعة قناة الكارتون CN العربية لبثها مشاهد إباحية
ثراء دبي الفاحش في 42 صورة

يُعرف الغزل الفاحش أيضًا بالغزل الماجن أو الغزل الحسي، وهو نوع من الشعر يمتزج بين الصراحة وعدم الصراحة. وفي هذا البحث؛ سنحاول تسليط الضوء على معنى الغزل الإباحي، وذلك من خلال استعراض أهم شعراء الغزل الماجن، وأبرز قصائدهم.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

الشعر الفاحش أو الإباحي

لم يعرف الغزل الإباحي رواجاً بين العرب، على الأقل ليس بالقدر الذي لاقاه الغزل العذري، لعدة اعتبارات؛ أهمها أن الشِعر جاب قصور الخلفاء والملوك، كما جاب الأسواق والبيوت، فلم يكن من اللائق استخدام الشِعر الجنسي.

كما أنَّ للعرب عاداتهم، وتقاليدهم، التي تقضي بإخفاء الشبق الجنسي عن العموم، وكتمانه، لكن لشعر الغزل الإباحي، دوره الكبيرة في تطوير الشعر العربي في ذلك العصر.

حيث ما يزال الشعراء يدرسون أسلوب أسلافهم الغزليين، أما أشهر شعراء الغزل الإباحي، فهم:

  1. عمر بن أبي ربيعة.
  2. الأحوص.
  3. الخليفة الوليد بن يزيد.

أشعار عمر بن أبي ربيعة في الغزل الماجن

هو عمر بن أبي ربيعة المخزومي، من بني مخزوم، الذين يعتبرون من سادة القوم في قريش، ولد سنة 23هـ/633م، حيث شبَّ مترفاً، بين الجواري، والحانات، لم تسلم من شرِّه امرأة، إلا وتغزل بها، وتفنن في وصفها.

وقيل إنه تاب آخر حياته، فما كانت توبته إلا أنَّ جسده قد شاخ وهرم، حيث كان يعود عن توبته كلَّما رأى حسناءً، فاستذكر فيها صباه.

لكن في نفس الوقت، لا يتوقع القارئ أنه سيجد من الإباحية كلاماً شديد البذاءة، إنما مجازٌ له إيحاءاتٌ بذيئة.

قصيدة ليتَ هِنداً أنجزتنا ما تَعِد

لَيتَ هِنداً أنجَزتنا ما تَعدْ وشَفَتْ أنفُسَنا مِمَّا تَجِدْ

واستَبدَّتْ مرةً واحدةً إنَّما العَاجزُ مَن لا يَستبِدْ

زَعَموها سَأَلَت جاراتِها وَتَعَرَّت ذاتَ يَومٍ تَبتَرِدْ

أكَما يَنعَتُني تُبصِرنَني عَمرَكُنَّ اللهَ، أَم لا يَقتَصِدْ؟

طَفلَةٌ بارِدَةُ القَيظِ إِذا مَعمَعانُ الصَيفِ أَضحى يَتَّقِدْ

سُخنَةُ المَشتى لِحافٌ لِلفَتى تَحتَ لَيلٍ حينَ يَغشاهُ الصَّرَدْ

حَدَّثوني أَنَّها لي نَفَثَت عُقَداً يا حَبَّذا تِلكَ العُقَدْ

كُلَّما قُلتُ مَتى ميعادُنا ضَحِكَت هِندٌ وَقالَت بَعدَ غَدْ

الشرح: هند بلغها من صاحباتها أنَّ الشاعر يصف مفاتنها، فسألتهم إن كان قد وصفها كما يرينها عاريةً "أكَما يَنعَتُني تُبصِرنَني" أما الـ معمان: هو شدة الحر، والصَّرد: هو البرد.

وهند بجسدها لا يخاف الفتى معه حر صيف، أو برد شتاء، أما في قوله (لي نَفَثَت عُقَداً) أي أنَّها أعدت له من ضروب السحر، فالنفث في العقد، هو السحر، والشعوذة.

قصيدة هروبٌ بعد الوصال

وفي واحدةٍ من أكثر قصائده فحشاً، يروي ابن أبي ربيعة نزوله على إحدى عشيقاته ليلاً، فلما قضى منها حاجته، كان الصبح قد اقترب، والناس بدأوا بالاستيقاظ، فحارت هي بأمرها، كيف يخرج من عندها؟

فتستشير أختيها، اللاتي يعطينه ثيابهنَّ، ويطلبنَّ منه عدم العودة مرة أخرى إلى ديارهنَّ، فيهرب وفي باله ذكرى تلك الليلة، وتُدرَّسُ هذه القصيدة، لتَتَبُع التطور الدرامي في الشِعر العربي القديم، إضافة إلى الحوار، والسرد:

فَما راعَني إِلّا مُنادٍ: (تَرَحَّلوا)، وَقَد لاحَ مَفتُوقٌ مِنَ الصُبحِ أَشقَرُ

فَلَمّا رَأَت مَن قَد تَنَبَّهَ مِنهُمُ وَأَيقاظَهُم، قالَت: أَشِر كَيفَ تَأمُرُ

فَقُلتُ: أُباديهِم فَإِمَّا أَفوتُهُم، وَإِمّا يَنالُ السَيفُ ثَأراً فَيَثأَرُ

فَقالَت: أَتَحقيقاً لِما قالَ كاشِحٌ عَلَينا وَتَصديقاً لِما كانَ يُؤثَرُ (كاشح: فتى كان يشك في علاقة عمرٍ، بهند، فدارت قصتهم على لسانه)

فَإِن كانَ ما لا بُدَّ مِنهُ فَغَيرُهُ مِنَ الأَمرِ أَدنى لِلخَفاءِ وَأَستَرُ

أَقُصُّ عَلى أُختَيَّ بِدءَ حَديثِنا وَما لِيَ مِن أَن تَعلَما مُتَأَخَّرُ

لَعَلَّهُما أَن تَطلُبا لَكَ مَخرَجاً وَأَن تَرحُبا صَدراً بِما كُنتُ أَحصُرُ

فَقامَت كَئيباً لَيسَ في وَجهِها دَمٌ مِنَ الحُزنِ تُذري عَبرَةً تَتَحَدَّرُ

فَقامَت إِلَيها حُرَّتانِ عَلَيهِما كِساءانِ مِن خَزٍّ، دِمَقسٌ وَأَخضَرُ

فَقالَت لِأُختَيّها: أَعينا عَلى فَتىً أَتى زائِراً وَالأَمرُ لِلأَمرِ يُقدَرُ

فَأَقبَلَتا فَاِرتاعَتا ثُمَّ قالَتا: أَقِلّي عَلَيكِ اللَومَ فَالخَطبُ أَيسَرُ

فَقالَت لَها الصُغرى: سَأُعطيهِ مِطرَفي وَدَرعي وَهَذا البُردُ إِن كانَ يَحذَرُ

يَقومُ فَيَمشي بَينَنا مُتَنَكِّراً فَلا سِرُّنا يَفشو وَلا هُوَ يَظهَرُ

فَكانَ مِجَنّي دونَ مَن كُنتُ أَتَّقي ثَلاثُ شُخوصٍ كاعِبانِ وَمُعصِرُ (الكاعب: الحسناء، المعصر: الفتاة الشابة)

فَلَمَّا أَجَزنا ساحَةَ الحَيِّ قُلنَ لي: أَلَم تَتَّقِ الأَعداءَ وَاللَيلُ مُقمِرُ

وَقُلنَ: أَهَذا دَأبُكَ الدَّهرَ سادِرا أَما تَستَحي أَو تَرعَوي أَو تُفَكِّرُ (سادر: تائه أو غير مبالٍ)

إِذا جِئتِ فَاِمنَح طَرفَ عَينَيكَ غَيرَنا لِكَي يَحسِبوا أَنَّ الهَوى حَيثُ تَنظُرُ

فَآخِرُ عَهدٍ لي بِها حينَ أَعرَضَت وَلاحَ لَها خَدٌّ نَقِيٌّ وَمَحجَرُ (المحجر: ما يحيط بالعين)

سِوى أَنَّني قَد قُلتُ يا نُعمُ قَولَةً لَها وَالعِتاقُ الأَرحَبيّاتُ تُزجَرُ

هَنيئاً لِأَهلِ العامِرِيَّةِ نَشرُها اللذيذُ وَرَيَّاها الَّذي أَتَذَكَّرُ...

شعر ابن أبي ربيعة العُذري

يتفق النقاد على أنَّ عمر بن أبي ربيعة، أغزلُ العرب حتى عصره، حيث كان من أبرز المجددين في الشِعر العربي آن ذاك، وربما أول من أفرد قصيدة للغزل، كموضوع مستقل.

كما أنَّه مرَّ على الغزل العذري في بعض أبياته، وإنْ تابعت القصيدة في فجورها، لكن أبياتاً حملت المعاني العذرية، العفيفة:

أَلاَ حَبّذَا، حَبّذَا، حَبّذَا حَبِيْبٌ تَحَمَّـلْتُ مِنهُ الأَذَى

وَيَا حَبّذَا مَنْ سَقَانِي الجَوَى ونَبْضاً مِنَ الحُزْنِ مِنْهُ اغْتَذَى

غَـذَاهُ بِدَمْعٍ وقَلْبٍ بَكَى عَلَى غُصْنِ رُوحٍ تَبُثُ الشَذى

تَرَاءَى لِعَيْنِي سَنَا عَيْنِهِ وَهَلَّتْ عُيُـونِي: أَلاَ حَـبّذَا

تَمَلَّكَ مِنِّيْ سَلِيلُ الوِدَادِ وقَلْبـيْ تَبَنّاهُ واسْـتَحْوَذَا

أشعار الأحوص في الغزل الفاحش

هو عبد الله بن محمد الأوسي الملقب (الأحوص)، وتعني ضيِّقَ العينين، من أهل المدينة، قيل أنَّه سكن دمشقَ، ومات فيها، فكان في شبابه طائشاً، يحب اللهو، وينظمُ الشِعر في شؤونه، كما يعتبر بعض النقاد، أنَّ الأحوص مهَّد لشعراء اللهو اللاحقين، أمثال بشار بن برد وغيره:

خَلِيلاَنِ بَاحَا بالهَوَى فَتَشَاحَنَتْ أقاربُها في وَصلِها وأقَاربُهْ

ألا إنَّ أهوَى النَّاسِ قُرباً ورُؤيةً وَرِيحاً إذا ما اللَّيْلُ غَارَتْ كَوَاكِبُهْ

ضجيعٌ دنا منِّي جذلتُ بقربهِ فباتَ يُمنِّيني وبتُّ أعاتبُهْ

وَأُخْبِرُهُ فِي السِرِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بأنْ ليسَ شيءٌ عندَ نفسي يقاربُهْ

من أبيات الأحوص العذرية

مَا عَالَجَ النَّاسُ مِثْلَ الحُبِّ مِنْ سَقَمٍ ولا برى مثلهُ عظماً ولا جَسَدا

ما يَلبثُ الحُبُّ أنْ تبدو شَواهِدهُ مِن المُحِبِّ، وَإِنْ لَمْ يُبْدِهِ أَبَدَا

أشعار وليد بن يزيد في الغزل الإباحي

هو أبو العبَّاس، الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، ولد في دمشق، وبُويع بالخلافة سنة 743م/125هـ، وكان ماجناً، مخموراً، ميالاً إلى النساء، واللهو، حكم سنةً وبعض السنة، ثم قُتِل.

لكن ما وصلنا من شعره إلا القليل، حيث تكاد تخلو قصائده إلا من المجون، والخمر، واللهو، كما أنَّ خلافاً حول حقيقة هذه الروايات يدور بين المؤرخين.

حيث كانت فترة الوليد من آخر فترات الدولة الأموية، فألَّفوا عليه القصص، ونحلو شعراً باسمه، لكن مهما يكن، فإنَّ شِعره امتاز بخطابات كثيرة لامرأةٍ واحدة، هي سمى، أو سليمى:

أرَانِي تَصابَيتُ وقدْ كُنتُ تَناهيتُ

ولو يَترُكُني الحُبُّ لَقدْ صُمتُ وصَلَّيتُ

إنْ شِئتُ تَبصَّرتُ ولمْ أبصِر لو شِيتُ

لا والله لا يُصبِرُ في الدَّيمومةِ الحُوتُ

سُليمى؛ لَيسَ لي صَبرٌ... وإنْ رَخَصَتْ جِيتُ

فَقبلتُكِ ألفين وفَدَيتُ وحبَّيتُ

قصيدة إنما هاج قلبي بعد المشيب

إنَّما هاجَ لِقلبي شَجوُّهُ بَعدَ المَشيبِ

نَظرةٌ قدْ وقَرَتَ في القِلبِ مِن أمِّ حبيبِ

فإذا ما ذُقتُ فاها ذُقتُ عَذباً ذا غُروبِ

خَالطَ الرَّاح بِمِسكٍ خَالصٍ غَيرَ مَشوبِ

ختاماً... على الرغم من الجدل القائم حول جواز الشِعر الإباحي، لكن الثابت أن هؤلاء الشُعراء، تركوا أثراً في اللغة، وفي بنية الشِعر، ظلت تطارد الشِعراء اللاحقين حتى يومنا هذا.

ففي الشِعر الحديث، لقي الشاعر نزار قباني ما لقيه عمر بن أبي ربيعة، من هجوم، وتقريع، على تفصيله لمفاتن المرأة، وتفاصيل الاتصال الجسدي، إلا أن للقباني في الغزل المعنوي، مثل ما له في الإباحي، فهل هذا شفيع؟!