الشاعر أبو فراس الحمداني
This browser does not support the video element.
لم يكن أبو فراس الحمداني شاعراً مجيداً فحسب، وإنما كان فارساً وقائداً عسكرياً ناجحاً، كتب من الشعر أرقه وأصدقه، وحقق انتصاراتٍ عسكريةٍ جعلته من القادة المقدمين عند سيف الدولة الحمداني. أسر أبو فراس عدة مراتٍ ونجا من الموت، وكتب في الأسر أعذب شعره وأرقه، فما هي أشهر رومياته؟ وكيف عاش؟ وكيف انتهت حياته؟
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
نشأة الشاعر أبو فراس الحمداني
ولد الحارث بن سعيد الملقب بأبي فراس عام 932 ميلادي في بغداد، والده أبو العلاء سعيد ابن مؤسس أسرة بني حمدان، كان ذا مكانةٍ كبيرة لدى الخليفة العباسي المقتدر، أما والدته، فكانت جارية بيزنطية الأصل.
تحررت من عبوديتها بعد أن ولدت أبي فراس، وكان هذا الأمر مدعاة سخرية بين أبناء قوم أبي فراس وظهر جلياً في قصائده. قتل والد أبي فراس في المعارك التي دارت بينه وبين ابن أخيه ناصر الدولة للسيطرة على مدينة الموصل.
وهربت والدته واحتمت في مدينة حلب لدى سيف الدولة شقيق ناصر الدولة، ثم انتقل أبو فراس إلى حلب وعاش يتيماً في كنف ابن عمه، الذي كان يعنى بالشعراء والعلماء والأدباء في ذلك الوقت، فحوى بلاطه إلى جانب أبي فراس؛ المتنبي والفارابي وابن خالويه (أبو عبدلله بن الحسين بن خالويه، عالم لغوي من أصل يمني)، وتأثر أبو فراس بما لقي من أدبٍ وعلمٍ في بلاط سيف الدولة.
أبو فراس القائد العسكري الناجح
في عام 944 ميلادي عين سيف الدولة أبا فراس كحاكمٍ على منبج المتاخمة لحدود الإمبراطورية البيزنطية، وبرزت قدراته القيادية في الانتصارات التي حققها على القبائل النزارية في ديار مضر بالصحراء السورية، كما برزت في الحملات التي جردها سيف الدولة على الأراضي البيزنطية، و هزم أبو فراس القوات البيزنطية عام 952 التي كانت تحت إمرة الإمبراطور برداس فوكاس (Bardas Phokas)، كما هزم ابنه قسطنطين فوكاس.
أسر أبو فراس مرتين من قبل الروم
أسر أبو فراس الحمداني مرتين؛ الأولى كانت عام 959 ميلادي، وكان ذلك في إحدى معاركه مع الروم في منطقة مغارة كحل، ومن هناك اقتاده الروم إلى منطقة خرشنة بالقرب من الفرات، لكن أسره لم يدم طويلاً إلى أن افتداه سيف الدولة، والمرة الثانية التي أسر فيها أبو فراس كانت عام 962.
وكان ذلك بعد أن جرد الروم حملة كبيرة حاصرت قلعة أبي فراس في منبج وأسر بعدها، وطال أسره في هذه المرة، إذ تأخر سيف الدولة بافتدائه، وبقي في الأسر خمسة أعوام، كثر خلالها عتابه لابن عمه، كما غلب على قصائده طابع الشوق والحنين لوالدته، وفي عام 967 هاجم سيف الدولة البيزنطيين، وتمكن من الانتصار عليهم وتحرير ابن عمه من الأسر.
أبو فراس كتب أجود شعره في الأسر
أطلق على القصائد التي كتبها أبو فراس في الأسر اسم الروميات، حيث لم يكتبها إلّا بعد أن طال أسره وتأخر افتداؤه، يغلب عليها التصوير الواقعي للحياة التي عاشها في الأسر، كما تمتزج بها مشاعر الشوق والحنين إلى أمه ودياره، وفيها يُكثر من عذل ابن عمه، وحثه على الفدية، كما يذكّر أبو فراس بأمجاده وبما قدمه لقومه وما يتسم به من شجاعة وبطولة في ساحات الوغى.
ويقول ابن خالويه: "أبو فراس نفح الشعر العربي برومياته التي نظمها وهو أسير بلون عاطفي لم يُعرف من ذي قبل"، بينما يصفها الثعالبي قائلاً: "رمى بها هدف الإحسان، فأصاب شاكلة الصواب، ولعمري إنها لو قرأتها الوحوش لأنست، أو خوطبت بها الخرس نطقت، أو استدعي بها الطير نزلت".
أشهر روميات أبي فراس الحمداني
- قصيدة أراك عصي الدمع
تعد هذه القصيدة من أشهر ما كتب أبو فراس لابن عمه سيف الدولة في الأسر، إذ تنضح أبياتها بالشوق والفخر، لكن لم يعد للحب تأثيرٌ على قلب أبي فراس، الذي يعاني ألم الأسر، ومن ثم يذكر سيف الدولة ببطولاته وفروسيته في المعارك، كما يفتخر بقومه، وبشجاعة أهله وفعالهم في المعارك، فيقول:
أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُكَ الصَّبْرُ .. أما لِلْهَوى نَهْيٌ عليكَ و لا أمْرُ؟
بلى، أنا مُشْتاقٌ وعنديَ لَوْعَةٌ .. ولكنَّ مِثْلي لا يُذاعُ لهُ سِرُّ
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَدَ الهوى .. وأذْلَلْتُ دمْعاً من خَلائقِهِ الكِبْرُ
تَكادُ تُضِيْءُ النارُ بين جَوانِحي .. إذا هي أذْكَتْها الصَّبابَةُ والفِكْرُ
مُعَلِّلَتي بالوَصْلِ، والمَوتُ دونَهُ .. إذا مِتُّ ظَمْآناً فلا نَزَلَ القَطْرُ
حَفِظْتُ وَضَيَّعْتِ المَوَدَّةَ بيْننا .. وأحْسَنُ من بعضِ الوَفاءِ لكِ العُذْرُ
وما هذه الأيامُ إلاّ صَحائفٌ .. لأحْرُفِها من كَفِّ كاتِبِها بِشْرُ
تَروغُ إلى الواشينَ فيَّ، وإنَّ لي .. لأُذْناً بها عن كلِّ واشِيَةٍ وَقْرُ
بَدَوْتُ، وأهلي حاضِرونَ، لأنّني .. أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلِها، قَفْرُ
يَمُنُّونَ أن خَلُّوا ثِيابي، وإنّما .. عليَّ ثِيابٌ، من دِمائِهِمُ حُمْرُ
وقائِمُ سَيْفٍ فيهِمُ انْدَقَّ نَصْلُهُ .. وأعْقابُ رُمْحٍ فيهُمُ حُطِّمَ الصَّدْرُ
سَيَذْكُرُني قومي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ .. وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ
فإنْ عِشْتُ فالطِّعْنُ الذي يَعْرِفونَهُ .. وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّرُ الشُّقْرُ
وإنْ مُتُّ فالإنْسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ .. وإنْ طالَتِ الأيامُ، وانْفَسَحَ العُمْرُ
ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْتُ اكْتَفوا .. بوما كان يَغْلو التِّبْرُ لو نَفَقَ الصُّفْرُ
ونَحْنُ أُناسٌ، لا تَوَسُّطَ عندنا .. لنا الصَّدْرُ دونَ العالمينَ أو القَبْرُ
تهونُ علينا في المعالي نُفوسُ .. ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها المَهْرُ
أعَزُّ بَني الدُّنيا وأعْلى ذَوي العُلا .. وأكْرَمُ مَنْ فَوقَ التُّرابِ ولا فَخْرُ
فإنْ يكُ ما قال الوُشاةُ ولمْ يَكُنْ .. فقدْ يَهْدِمُ الإيمانُ ما شَيَّدَ الكفر
- قصيدة دعوتك للجفن القريح
يدعو أبو فراس ابن عمه سيف الدولة ليفك أسره، وليُحسّ بعنائه وتعبه، ودعوته لم تكن رغبةً بأن يعيش عمراً أمد، ولا ضعفاً أمام قساوة الأسر، ومن ثم ينتقل ليمدح سيف الدولة، فهو الرجل الذي تليق به عظائم الأمور، فيقول:
دَعوتـُكَ للجَفــن القريـْــحِ المسهـَّــدِ .. لــديّ، وللنـــوم القليــل المُشـــرَّدِ
ومـــا ذاك بُخــلا بالحيــــاةِ وإنهــا .. لأولُ مبــــذولٍ لأولِ مُــجـتـــــــدِ
ولســـت أبالي إنْ ظفــرت بمطلبٍ .. يكونُ رخيصًا أو بوسْــمٍ مُــــزوَّدِ
ولكنني أختــــار مـــوت بنــي أبي .. على صهوات الخيل غيـــر موسدِ
نضوت على الأيام ثـوب جــلادتي .. ولكنني لـــم أنـض ثـــوب التجلــدِ
دعوتك والأبــواب ترتـــجُ دوننـــا .. فكن خيــــرَ مدعــــوٍّ وأكرمَ منجدِ
فمثلك مــن يـُـدعى لكــلِّ عظيمــة .. ومثلي منْ يفدى بكــــلِّ مُسـَـــــوَّدِ
أناديكَ لا أني أخافُ من الـــرَّدى .. ولا أرتجيْ تأخيرَ يومٍ إلى غَــــــدِ
ثم ينتقل أبو فراس الحمداني ليفتخر بنفسه وبقلة أمثاله من الفرسان الأشداء، فهو يحمل كل سمات الفرسان من طول القامة وعرض المنكبين، كما يتحلى بالشجاعة والوفاء لأبناء قومه، فيقول:
متى تـُخلفُ الأيامُ مثلي لكـُــمْ فتى .. طويلَ نجادِ السيف رحبَ المقلـَّـــدِ
متى تلدُ الأيـــام مثـلي لكــــم فتى .. شديدًا على البأســـاءِ غيـــرَ مُلَهَّـــدِ
يطاعنُ عن أعـراضكم بلســـانـِـهِ .. ويضربُ عنكمْ بالحســـامِ المُهنــَّـدِ
فما كلُّ منْ شاء المعالي ينــالهـــا .. ولا كل سيَّارٍ إلى المجد يَهتــَـــدِي
وإنك للمولى الــذي بــكَ أقتـــدي .. وإنك للنجمُ الــــذي بـــه أهتــَــدي
وأنت الذي عرَّفتني طـُــرقَ العلا .. وأنت الــــــذي أهويتني كلَّ مقصدِ
وأنت الـــذي بلغتني كـــل رتبــة .. مشيت إليهـــــا فوق أعناق حُسَّدي
فيا مُلبسي النعمى التي جلَّ قدرها .. لقد أخـْـلـَقـَتَ تلـك الثيــــابُ فجَـدِّدِ
- قصيدة أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ
أصبحت شاعرية أبي فراس في الأسر مرهفة وعالية الحساسية، فكانت كل الأمور تمس عواطفه؛ فينشد الشعر، ويشتكي في إحدى قصائده لحمامةٍ هدلت بالقرب منه فذكرته بأسره وشوقه للتحرر، وأضرمت الشوق بداخله فكادت تسبقه دموعه، لولا تجلده، فيقول:
أقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَة .. أيا جارتا هل تشعرين بحالي؟
معاذَ الهوى ! ماذقتُ طارقة .. النوى وَلا خَطَرَتْ مِنكِ الهُمُومُ ببالِ
أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ .. على غصنٍ نائي المسافة عالِ ؟
أيا جارتا، ما أنصفَ الدهرُ بيننا ! .. تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الهُمُومَ، تَعَالِي
تَرَيْ رُوحاً لَدَيّ ضَعِيفَة .. تَرَدّدُ في جِسْمٍ يُعَذّبُ بَالي
أيَضْحَكُ مأسُورٌ، وَتَبكي طَلِيقَة .. ويسكتُ محزونٌ، ويندبُ سالِ؟
لقد كنتُ أولى منكِ بالدمعِ مقلة .. وَلَكِنّ دَمْعي في الحَوَادِثِ غَالِ!
- قصيدة مصابي جليل عزائي جميل
يعزي أبو فراس نفسه في الأسر بإيمانه بنصر الله تعالى، فرغم كل ما يكابده من عناء وألم، إلا أنه يتجلد، ثم يواسي والدته التي تبكي حاله، ويدعوها للصبر، العزاء الوحيد في غياب ابنها، فيقول:
مصابي جليل والعزاء جميل .. وظني بأن الله سوف يديل
جراح وأسر واشتياق، وغربة .. أحمل إني بعدها، لحمول
وإني في هذا الصباح لصالح .. ولكن خطي في الظلام جليل
وما نال مني الأسر ما تريانه .. ولكنني دامي الجراح عليل
تطول بي الساعات وهي قصيرة .. وفي كل دهر لا يسرك طول
تناساني الأصحاب، إلا عصيبة .. ستلحق بالأخرى غداً وتحول
فيا أمتا لا تعدمي الصبر، إنه .. إلى الخير والنجح القريب رسول
ويا أمتا لا تحبطي الأجر أنه .. على قدر الصبر الجميل جزيل
ويا أمتا، صبرا فكل ملمة .. تجلى على علاتها وتزول.
الشاعر أبو فراس الحكم
انقطعت ثقة أبو فراس بالناس من حوله، بعد ما ألم به من عذاب وألم ولم ينجده أحد، فيذكر بما قدم من جميل لم يلقَ له مقابلاً، فلم يعد يرى الناس إلا ذئاباً تظاهرت بالإنسانية، ولكن مثله لا يطال بضرر، فهو الحكيم المتبصر والرجل الحازم الذي لا يضعفه تخلي الناس، وعن ذلك يقول:
أمَا لِجَمِيلٍ عِنْدَكُنّ ثَوَابُ .. وَلا لِمُسِيء عِنْدَكُنّ مَتَابُ؟
لَقَد ضَلّ مَنْ تَحوِي هوَاهُ خَرِيدة .. وقدْ ذلَّ منْ تقضي عليهِ كعابُ
ولكنني - والحمدُ للهِ .. حازمٌ أعزُّ إذا ذلتْ لهنَّ رقابُ
وَألْحَظُ أحوَالَ الزّمَانِ بِمُقْلَة .. بها الصدقُ صدقٌ والكذابُ كذابُ
بِمَنْ يَثِقُ الإنْسَانُ فِيمَا يَنُوبُهُ .. وَمِنْ أينَ للحُرّ الكَرِيمِ صِحَابُ؟
وَقَدْ صَارَ هَذَا النّاسُ إلاّ أقَلَّهُمْ .. ذئاباً على أجسادهنَّ ثيابُ
فكيفَ وفيما بيننا ملكُ قيصرٍ .. وَللبَحْرِ حَوْلي زَخْرَة وَعُبَابُ
لكن لا يكترث أبو فراس بكل الناس إذا تخلوا وأساؤوا معاملته إن كان سيف الدولة راضٍ عنه، فأن تبقى علاقته به وطيدة متينة أحب إليه من كل ما يقربه من الناس الآخرين، فيقول:
أمنْ بعدِ بذلِ النفسِ فيما تريدهُ .. أُثَابُ بِمُرّ العَتْبِ حِينَ أُثَابُ؟
فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة مَرِيرَة .. وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ
وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ .. وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ
إذا صَحَّ منك الودّ فالكُلُّ هَيِّنٌ .. وكُلُّ الذي فَوقَ التُّرابِ تُرابِ.
أبو فراس يفتخر بقومه
يفتخر أبو فراس بفعال قومه في ساحات المعارك، ويذكر من يحاربهم بأنهم أولاد الوغى، وأسياد القتال والحروب، ولهم تاريخٌ لا ينكره من يحاربهم نفسه، فكيف ينسى وقد فجع بإخوته وقومه بعدما خاضوا الحروب مع قوم أبي فراس، فيقول:
أتَزْعُمُ يا ضخمَ اللّغَادِيدِ، أنّنَا .. وَنحن أُسودُ الحرْبِ لا نَعرِفُ الحرْبَا
فويلكَ منْ للحربِ إنْ لمْ نكنْ لها .. ومنْ ذا الذي يمسي ويضحي لها تربا؟
ومنْ ذا يلفّ الجيشَ منْ جنباتهِ؟ .. ومنْ ذا يقودُ الشمَّ أو يصدمُ القلبا؟
وويلكَ منْ أردى أخاكَ "بمرعشٍ" .. وَجَلّلَ ضرْباً وَجهَ وَالدِكَ العضْبَا؟
وويلكَ منْ خلى ابنَ أختكَ موثقاً؟ .. خَلاّكَ بِاللَّقَّانِ تَبْتَدِرُ الشِّعبَا؟
أتوعدنا بالحربِ حتى كأننا .. وإياكَ لمْ يعصبْ بها قلبنا عصبا؟
رثاء أبو فراس الحمداني لأمه
يفتقد الشاعر الأسير أبو فراس الحمداني لمن يحنو عليه، ويدعو له ويخاف عليه، فبموت أمه أصبح كل ذلك سراباً، فينذر دموعه ولياليه التي يقومها حداداً على أمه، فيقول في رثاء أمه:
أيا أمَّ الأسير سقاكِ غيثٌ .. بكره منك ما لقي الأسيرُ
إذ ابنك سار في بر وبحر .. من يدعو له ويستجيرُ
ليبكِ كل ليلٍ قمت به .. إلى أن يبتدي الفجرُ المنيرُ.
رثاء أبو فراس الحمداني لنفسه
عندما أحس أبو فراس بدنو أجله، وفيه من تعب الأسر ما أعياه، اشتكى لابنته حاله راثياً نفسه، ومعزياً ابنته بقدر الموت المحتوم والمقدر على كل الناس، فقال:
أبنيّتـي لا تحزني .. كل الأنام إلى ذهابْ
أبنيّتـي صبراً جميلاً .. للجليل مـن الـمـصابْ
نوحي علـيّ بحسـرةٍ .. ومن خلفِ ستركِ والحجابْ
قولـي إذا ناديتني .. وعييتُ عـن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ .. لم يمتَّعْ بالشبـابْ
ومن قوله في الغزل:
سَكِرْتُ مِنْ لحظِهِ لا مِنْ مُدامَتِهِ .. ومالَ بالنومِ عنْ عيني تمايلهُ
وَمَا السُّلافُ دَهَتْني بَلْ سَوَالِفُهُ، .. ولا الشمولُ ازدهرني بلْ شمائلهُ
وَغَالَ صَبْرِيَ مَا تَحوِي غَلائِلُهُ .. وغالَ قلبيَ ما تحوي غلائلهُ.
قتل أبو فراس بعد وفاة سيف الدولة بعام
بعد خروج أبي فراس من الأسر عام 967 ميلادي، ولي حاكماً على حمص، وفي نفس العام توفي ابن عمه سيف الدولة، فبدأت تتداعى دولة الحمدانيين، وبدأ الصراع على السلطة، وكان ابن سيف الدولة أبو المعالي صغيراً بالعمر وهو الوريث الوحيد، فعندما أحس أبو فراس بمخطط قرغويه (أحد القادة في جيش أبو المعالي)، ثار أبو فراس، وقعت معركة بينه وبين قرغويه؛ قُتل أبو فراس في تلك المعركة وكان ذلك عام 968 ميلادي.
أخيراً... تعتبر حياة أبي فراس الحمداني نموذجاً لحياة الشاعر الفارس الذي لم يقف طموحه عند البقاء في بلاط السلاطين وقول الشعر، وإنما وصل إلى النجاح العسكري، فكان شاعراً مجيداً وقائداً عسكرياً ذكياً، وتعد رومياته نقطة مضيئة في تاريخ الشعر العربي؛ لامتلائها بمشاعر الشوق والعتاب والحب الصادقة، وأشهرها قصيدة أراك عصي الدمع التي لحنها رياض السنباطي وغنتها أم كلثوم.