الديوان الأخير للشاعر محمود درويش، لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي!

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الثلاثاء، 28 يونيو 2022

This browser does not support the video element.

مقالات ذات صلة
وفاة الشاعر السعودي جوهرجي أثناء إلقائه قصيدة وسط صدمة الحضور
وفاة الشاعر السعودي عناد المطيري أبرز محدّثي القصيدة الشعبية
الشاعر فهد المساعد: ديوان «ما علّمك صوت المطر» للجمهور

شكَّل الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش نقطة علام على خريطة الشعر العربي، فهو الثائر على الشكل والمبتكر لمضامين خاصة به، كما أنَّه فارس الاستعارات التي تميز قصيدته، فما أن تقرأ بعض كلمات القصيدة حتَّى تعرف أنَّه كاتبها، كما تميزت موسيقاه الشعرية فكوَّنت هوية خاصَّةً جعلت منه شاعر المرحلة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

في هذه المادة؛ نسترجع معاً ذكرى الشاعر محمود درويش من خلال ديوانه الأخير (لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي)، والرسائل التي وضعها في ديوانه الأخير إلى الشعراء السابقين واللاحقين.

 

لمحة عن حياة الشاعر الفلسطيني محمود درويش

ولد محمود درويش في قرية البروة الفلسطينية في الثالث عشر من آذار/مارس عام 1941، وغادرها مع عائلته عام 1947 إلى جنوب لبنان هرباً من العصابات الصهيونية، ثم عادت العائلة إلى الأراضي الفلسطينية تسللاً بعد النكبة فوجدوا أنَّ قريتهم قد أزيلت وقامت مكانها مستوطنة إسرائيلية فانتقلوا إلى قرية دير الأسد الشمالية، وعن ذلك يقول محمود درويش:

(فالعودة إلى مكان الولادة لم تتحقق. عشنا لاجئين في قرية أخرى اسمها دير الأسد في الشمال. كنا نسمى لاجئين ووجدنا صعوبة بالغة في الحصول على بطاقات إقامة، لأننا دخلنا بطريقة "غير شرعية"، فعندما أجري تسجيل السكان كنا غائبين. وكانت صفتنا في القانون الإسرائيلي: "الحاضرون- الغائبون"، أي أننا حاضرون جسدياً ولكن بلا أوراق. صودرت أراضينا وعشنا لاجئين)

انتقل محمود درويش إلى حيفا وبقي فيها عشر سنين أنهى خلالها دراسته الثانوية وعمل محرراً في جريدة الاتحاد وكان ممنوعاً من مغادرة المدينة، كما تم وضعه فيما بعد تحت الإقامة الجبرية في منزله ودخل السجن عدَّة مرات بين عام 1960 و 1970، حتَّى غادر فلسطين متجهاً إلى موسكو ومنها إلى القاهرة بعد سنة واحدة، ثم إلى بيروت حيث بقي فيها تسع سنوات حتَّى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ليغادر بيروت إلى دمشق هذه المرَّة.

محمود درويش شاعراً

خلال تنقلاته الكثيرة بين عواصم العالم تمكن محمود درويش من إثبات نفسه كشاعر متميز من خلال ما كان ينشره في الصحف وما أصدره من دواوين، إلَّا أن أمسيته في دمشق كانت علامة فارقة أثبتت له ولمتابعيه أنَّه ظاهرة شعرية قائمة بحد ذاتها، حيث كان من المفترض أن يقيم أمسية في مدرج جامعة دمشق، لكن كثافة الحضور جعلت المنظمين ينقلون الحفل إلى مدرج الأسد الذي لم يتسع لجمهور درويش المتعطشين لشعره، فقال الشاعر السوري علي الجندي (1928-2009) تعقيباً على شعبية درويش:

"والله لو قتلناه نحن الشعراء شرحنا أسبابنا للقاضي سنأخذ براءة"

تنقلات محمود درويش حتَّى وفاته

غادر محمود درويش دمشق إلى تونس، ومنها إلى قبرص ليعيد إصدار جريدة الكرمل، ثم إلى باريس التي قضى فيها عشر سنوات، واجتمع هناك مع الملحن اللبناني مارسيل خليفة الذي كان قد غنى العديد من قصائده دون أن يستشيره أو يعرفه معرفة شخصية.

ثم كانت العودة إلى عماَّن والإقامة فيها متنقلاً بينها وبين رام الله الفلسطينية، وظل يتنقل بين المدينتين حاملاً دواوين شعره حتَّى غادر عمان في صيف عام 2008 إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليجري عملية جراحية في القلب، لكنه كما كان يشعر لم ينجُ من الموت فوافته المنية يوم التاسع من آب/أغسطس من العام نفسه، ودفن في الثالث عشر من الشهر نفسه في مدينة رام الله.

 

تم نشر الديوان الأخير لمحمود درويش بعد وفاته

لم تفتر همة محمود درويش الشاب حتَّى غادر جسده هذا العالم عن سبع وستين سنة، قدم خلالها عشرات الكتب والدواوين الشعرية سنذكرها لاحقاً، لكن قبل ذلك نقف عند ديوانه الأخير (لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي) الصادر عن دار رياض الريِّس في بيروت، الديوان الذي لم يرَ النور إلَّا بعد أن غاب شاعره.

حيث أخبر محمود درويش أصدقاءه وناشره رياض الريِّس أنَّه يمتلك ديواناً شعرياً جاهزاً للنشر وقد أبقى المخطوط في مكتبه في عمان، وكان ذلك قبل أن ينطلق في رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث عاد منها نعشاً محمولاً على أكتاف الأصحاب، لكن جميع أصدقاء محمود درويش من المثقفين كانوا على ثقة أن جسده رحل لكنَّ شعره وحضوره جعلا من موته أمراً عصيّاً وفق ما يؤكد الياس خوري الذي أعدَّ المجموعة الشعرية للنشر:

"فالموت حين يأتي يتشكل كحجاب سميك يفصل عالم الأحياء عن عالم الموتى. نتحدث عن الميت بصيغة الغائب، وننسى صوته. لكن مع درويش بدا لي الموت بعيداً، كنتُ استمع إلى الحكايات التي تروى، وأنا أتلفت يميناً وشمالاً، كأنني أنتظر وقع دعسات درويش في كل لحظة، لكنه لم يأتِ، تركنا نحكي عنه كما تشاء لنا الذاكرة أن نحكي، ولم يكسر دائرة كلامنا بمزاحه وملاحظاته اللامعة"

لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي!

صدر الديوان الأخير لمحمود درويش عن دار رياض الريِّس في آذار/مارس عام2009 تحت عنوان (لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي) وحمل في طياته رثاء محمود درويش لنفسه، ورؤيته الناضجة للموت وقد أشرف على دخول العقد الثامن من العمر، إضافة إلى ما يمكن اعتباره سيرة ذاتية للشاعر صاغها بطريقته البديعة وموسيقاه الفريدة، مع رسائل مميزة أبرقها إلى شعراء راحلين، وإلى الشعراء القادمين، في هذا الديوان وضع محمود درويش اللمسات الأخيرة على مملكته الشعرية الخاصَّة وتوَّج نفسه سلطاناً لاستعاراته وموسيقاه، وكأنَّه يقول في ديوانه هذا: "ها أنا أرحل... وها هو الشعر يبقى إلى الأبد".

 

درويش يسجل سيرته الذاتية ويودع العالم

كان محمود درويش غير متأكدٍ أنَّه سيعود من رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية في صيف عام 2008، حيث قام بتسديد أجر العاملة التي تعتني ببيته كذلك أجر البوَّاب وكأنَّه يجري "تبرئة ذمة مبكرة" كما تذكر مؤسسة محمود درويش التي تأسست بعد وفاته، ربما لا تشكِّل هذه التصرفات دلالة كافية على شعور درويش بدنو أجله، لكن من يقرأ ديوانه الأخير سيجد فيه الدلالة القطعية أن الشاعر الفلسطيني كان يودع الحياة على طريقته بقلم وورقة، فيقول في قصيدة (بالزنبق امتلأ الهواء):

الغد... ربما أرجأتُ تفكيري به عن غير قصدٍ

ربما خبّأتُ خوفي من ملاكِ الموت عن قصدٍ

لكي أحيا الهنيهةَ بين منْزلتين:

حادثة الحياة وحادث الموت المؤجّل ساعةً

أو ساعتين، وربما عامين.

السيرة الذاتية في رائعة محمود درويش "لاعب النرد"

أفصح محمود درويش عن تفاصيل كثيرة من حياته خلال المقابلات التي أجراها والكتب النثرية والشعرية التي قدمها، لكنه في قصيدته البديعة "لاعب النرد" قدم تقريراً شعرياً عن حالة شعرية نادرة الحدوث اسمها محمود درويش، فوصف الصدفة التي نظمت حياته وجعلته هو لا أحد غيره، ثم صاغ رؤيته لحياته ولموته بطريقة آسرة وموسيقا ساحرة، يقول درويش في مطلع القصيدة:

مَنْ أَنا لأقول لكمْ ما أَقول لكمْ ؟

وأَنا لم أكُنْ حجراً صَقَلَتْهُ المياهُ فأصبح وجهاً

ولا قَصَباً ثقَبتْهُ الرياحُ فأصبح ناياً ...

أَنا لاعب النَرْدِ... أَربح حيناً وأَخسر حيناً

أَنا مثلكمْ، أَو أَقلُّ قليلاً ...

وُلدتُ إلى جانب البئرِ

والشجراتِ الثلاثِ الوحيدات كالراهباتْ

وُلدتُ بلا زَفّةٍ وبلا قابلةْ

وسُمِّيتُ باسمي مُصَادَفَةً

وانتميتُ إلى عائلةْ

مصادفَةً،

ووَرِثْتُ ملامحها والصفاتْ، وأَمراضها :

أَولاً - خَلَلاً في شرايينها وضغطَ دمٍ مرتفعْ

ثانياً - خجلاً في مخاطبة الأمِّ والأَبِ والجدَّة - الشجرةْ

ثالثاً - أَملاً في الشفاء من الانفلونزا بفنجان بابونجٍ ساخنٍ

رابعاً - كسلاً في الحديث عن الظبي والقُبَّرة

خامساً - مللاً في ليالي الشتاءْ

سادساً - فشلاً فادحاً في الغناءْ ...

مصادفات لاعب النرد

ليس لي أَيُّ دورٍ بما كنتُ

كانت مصادفةً أَن أكونْ ذَكَراً ...

ومصادفةً أَن أَرى قمراً شاحباً مثل ليمونة يَتحرَّشُ بالساهرات

ولم أَجتهد كي أَجدْ شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً !

كان يمكن أن لا أكونْ

كان يمكن أن لا يكون أَبي قد تزوَّج أُمي مصادفةً

أَو أكونْ مثل أُختي التي صرخت ثم ماتت

ولم تنتبه إلى أَنها وُلدت ساعةً واحدةْ

ولم تعرف الوالدةْ ...

أَو: كَبَيْض حَمَامٍ تكسَّرَ قبل انبلاج فِراخ الحمام من الكِلْسِ

كانت مصادفة أَن أكون أنا الحيّ في حادث الباصِ

حيث تأخَّرْتُ عن رحلتي المدرسيّةْ لأني نسيتُ الوجود وأَحواله

عندما كنت أَقرأ في الليل قصَّةَ حُبٍّ

تَقمَّصْتُ دور المؤلف فيها ودورَ الحبيب - الضحيَّةْ

فكنتُ شهيد الهوى في الروايةِ والحيَّ في حادث السيرِ

لا دور لي في المزاح مع البحرِ لكنني وَلَدٌ طائشٌ

من هُواة التسكّع في جاذبيّة ماءٍ ينادي : تعال إليّْ !

ولا دور لي في النجاة من البحرِ

أَنْقَذَني نورسٌ آدميٌّ رأى الموج يصطادني ويشلُّ يديّْ

لماذا لم يصبح محمود درويش أستاذ جغرافيا؟!

كان يمكن أَلاَّ أكون مُصاباً بجنِّ المُعَلَّقة الجاهليّةِ

لو أَن بوَّابة الدار كانت شماليّةً لا تطلُّ على البحرِ

لو أَن دوريّةَ الجيش لم تر نار القرى تخبز الليلَ

لو أَن خمسة عشر شهيداً أَعادوا بناء المتاريسِ

لو أَن ذاك المكان الزراعيَّ لم ينكسرْ

رُبَّما صرتُ زيتونةً أو مُعَلِّم جغرافيا

أو خبيراً بمملكة النمل أو حارساً للصدى !

النجاة مصادفة وذكريات الطفولة

نجوتُ مصادفةً: كُنْتُ أَصغرَ من هَدَف عسكريّ

وأكبرَ من نحلة تتنقل بين زهور السياجْ

وخفتُ كثيراً على إخوتي وأَبي

وخفتُ على زَمَنٍ من زجاجْ

وخفتُ على قطتي وعلى أَرنبي

وعلى قمر ساحر فوق مئذنة المسجد العاليةْ

وخفت على عِنَبِ الداليةْ

يتدلّى كأثداء كلبتنا ...

ومشى الخوفُ بي ومشيت بهِ حافياً، ناسياً ذكرياتي الصغيرة عما أُريدُ

من الغد - لا وقت للغد -

أَمشي / أهرولُ / أركضُ / أصعدُ / أنزلُ / أصرخُ / أَنبحُ / أعوي / أنادي / أولولُ / أُسرعُ / أُبطئ / أهوي / أخفُّ / أجفُّ / أسيرُ / أطيرُ / أرى / لا أرى / أتعثَّرُ / أَصفرُّ / أخضرُّ / أزرقُّ / أنشقُّ / أجهشُ / أعطشُ / أتعبُ / أسغَبُ / أسقطُ / أنهضُ / أركضُ / أنسى / أرى / لا أرى / أتذكَّرُ / أَسمعُ / أُبصرُ / أهذي / أُهَلْوِس / أهمسُ / أصرخُ / لا أستطيع / أَئنُّ / أُجنّ / أَضلّ / أقلُّ / وأكثرُ / أسقط / أعلو / وأهبط / أُدْمَى / ويغمى عليّ.

من أنا لأخيب ظنَّ العدم؟!

كان يمكن أَن تسقط الطائرةْ بي صباحاً

ومن حسن حظّيَ أَني نَؤُوم الضحى

فتأخَّرْتُ عن موعد الطائرةْ

كان يمكن أَلاَّ أرى الشام والقاهرةْ

ولا متحف اللوفر، والمدن الساحرةْ

كان يمكن لو كنت أَبطأَ في المشي

أَن تقطع البندقيّةُ ظلِّي عن الأرزة الساهرةْ

كان يمكن لو كنتُ أَسرع في المشي أَن أَتشظّى

وأصبَح خاطرةً عابرةْ

كان يمكن لو كُنْتُ أَسرف في الحلم أَن أَفقد الذاكرة .

ومن حسن حظِّيَ أَني أنام وحيداً

فأصغي إلى جسدي

وأُصدِّقُ موهبتي في اكتشاف الألمْ

فأنادي الطبيب قُبَيل الوفاة بعشر دقائق

عشر دقائق تكفي لأحيا مُصَادَفَةً

وأُخيِّب ظنّ العدم

مَنْ أَنا لأخيِّب ظنَّ العدم؟

رسائل محمود درويش

وجَّه محمود درويش أربع رسائل من خلال ديوانه الأخير، الأولى كانت إلى الأديب الفلسطيني إميل حبيبي، والثانية إلى الشاعر السوري نزار قباني، أمَّا الثالثة فكانت إلى المناضل الفلسطيني سليمان النجَّاب (أبو فراس)، فيما كانت رسالته الأخيرة إلى شاعرٍ شاب.

موعد مع إميل حبيبي

لا لأرثيَهُ جئتُ، بل لزيارة نفسي:

وُلدنا معاً وكبرنا معاً.

أما زلتِ يا نَفْسُ أمَّارةً بالتباريح؟

أم صَقَلتْكِ كما تصقُلُ الصخرةَ، الريحُ؟

تنقُصُنا هُدْنَةٌ للتأمُّل: لا الواقعيُّ هنا واقعيٌّ ولا أَنتِ فوق سُطوح "الأولمب" هناك، خياليَّةٌ.

سوف أكسرُ أُسطورتي بيديَّ

لأرشدَ نفسي الى نَفْسها...

لا لأرثيَ شيئاً أَتيتُ... ولكن لأمشي على الطُرُقاتِ القديمةِ

مَعْ صاحبي، وأَقول له:

لن نُغَيِّرَ شيئاً من الأمس، لكنَّنا نتمنَّى غداً صالحاً للإقامةِ...

لن يندمَ الحالمون ويعتذروا للروائيِّ أو للمؤرِّخ عمَّا يَرَوْن

وعما يريدون أَن يَروْا في المنامات.

فالحُلْمُ أَصدقُ من واقعٍ قد يُغَيِّر شكلَ البناياتِ...

لكنه لا يُغَيِّر أَحلامنا.

في بيت نزار قباني

بيت من الشعر... بيت الدمشقي

من جرسً الباب حتىّ غطاء السرير

كأنَّ القصيدةً سُكنى وهندسةّ للغمام

بلا مكتب كان يكتب.. يكتب فوق الوسادة

ليلاً وتُكملُ أحلامهُ ذكريات اليمام

ويصحو على نفَسِ امرأة من نخيل العراق،

تعدّ له الفُلًّ في المزهرية.

لا تمتحني ولا تشكل الآس وحدك

قلتُ لهُ حين مُتْنا معاً وعلى حدة:

أنت في حاجةْ لهواء دمشق...

فقال: سأقفز بعد قليل لأرقد في حفرة من سماء دمشق.

فقلتُ: انتظر ريثما أتعافى لأحمل عنكَ الكلام الأخير

انتظرني ولا تذهب الآن، لا تمتحنّي ولا تَشْكُل الآس وحدك

قال: انتظر أنت... عش أنت بعدي

فلا بدّ من شاعر ينتظر.

فانتظرتُ، وأرجأتُ موتي.

في رام الله "إلى سليمان النجَّاب"

لي أمسٌ فيها.. في مدينته الصغيرة

لي عصا الراعي، وعرف الديك لي فيها

وباقةُ نرجسٍ في المزهرية

لي تحيتيه التي تمتد من قاع الفراغ إلى أعالي السرو

لي ذكر غد فيها وباب، ولي فيها اكتئاب

ونافذة على الوادي وباب

لي أمس فيها... لي غياب

وصية محمود درويش "إلى شاعرٍ شاب"

لا تصدّقْ خلاصاتنا، وانسها

وابتدئ من كلامك أنت.

كأنك أوّل من يكتب الشعر، أو آخر الشعراء!

إن قرأت لنا، فلكي لا تكون امتداداً لأهوائنا

بل لتصحيح أخطائنا في كتاب الشقاء.

لا تسل أحداً: منْ أنا؟

أنت تعرف أمّك.. أمّا أبوك... فأنت!

الحقيقة بيضاء، فاكتبْ عليها بحبر الغراب.

والحقيقة سوداء، فاكتب عليها بضوء السراب!

إن أردت مبارزة النسر... حلّق مَعَهْ

إن عشقتَ فتاة... فكن أنتَ لا هي منْ يشتهي مصرعهْ

الحياةُ أقلّ حياة!

ولكننا لا نفكّر بالأمر حرصاً على صحّة العاطفةْ

إن أطلت التأمّل في وردةٍ لن تزحزحك العاصفة!

أنت مثلي، ولكنّ هاويتي واضحة

ولك الطرق اللانهائية السرِّ... نازلة صاعدة!

قد نُسمّي نضوبَ الفتوة نضجَ المهارة، أو حكمةً

إنها حكمةٌ دون ريب، ولكنها حكمة اللاغنائيّة الباردة

ألفُ عصفورة في يدٍ

لا تعادل عصفورةً واحدة ترتدي الشجرة!

القصيدةُ في الزمن الصعب

زهرٌ جميلٌ على مقبرة!

المثالُ عسير المنال، فكن أنتَ أنتَ وغيرك

خلف حدود الصدى

(...)

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة

لا تضع نجمتين على لفظة واحدة

وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ

لتكتمل النشوة الصاعدة

لا تصدّق صواب تعاليمنا

لا تصدّق سوى أثر القافلة

الخُلاصة، مثل الرصاصة في قلب شاعرها

حكمة قاتلة

كن قوّياً، كثور، إذا ما غضبتَ

ضعيفاً كنوّار لوز إذا ما عشقتَ،

ولا شيء.. لا شيء

حين تسامر نفسك في غرفة مغلقةْ

أعمال محمود درويش

قدمت فلسطين مجموعة من أبرز شعراء العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، منهم توفيق زيَّاد ومعين بسيسو وفدوى طوقان وسميح القاسم وعز الدين المناصرة وغيرهم الكثير ممن لمع اسمهم كشعراء القضية وشعراء النضال.

لكن لمحمود درويش حصة أكبر مما لغيره في القلوب، فقدم خلال مسيرته عدَّة دواوين وكتب نثرية ما تزال حاضرةً بقوة حتَّى يومنا هذا، كما كان الملحن مارسيل خليفة جزءاً لا يتجزأ من ظاهرة محمود درويش وساهم في تحويل كلماته إلى أناشيد يرددها الهاربون والعائدون، كما نال درويش شرف كتابة إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988.

أبرز أعمال الشاعر محمود درويش

  • عصافير بلا أجنحة (شعر)، عام 1960.
  • أوراق الزيتون (شعر)، عام 1964.
  • عاشق من فلسطين (شعر)، عام 1966
  • آخر الليل (شعر)، عام 1967.
  • يوميات جرح فلسطيني (شعر)، عام 1969.
  • العصافير تموت في الجليل (شعر)، عام 1969
  • الكتابة على ضوء البندقية (شعر)، عام 1970.
  • حبيبتي تنهض من نومها (شعر)، عام 1970.
  • شيء عن الوطن (خواطر ومقالات)، عام 1971.
  • أحبك أو لا أحبك (شعر)، عام 1972.
  • محاولة رقم 7 (شعر)، عام 1973.
  • يوميات الحزن العادي (خواطر ومقالات)، عام 1973.
  • وداعاً أيتها الحرب...وداعاً أيها السلام (مقالات)، عام 1974.
  • تلك صورتها وهذا انتحار العاشق (شعر)، عام 1975 .
  • أعراس (شعر)، عام 1977.
  • مديح الظل العالي (قصيدة تسجيلية)، عام 1983 .
  • حصار لمدائح البحر (شعر)، عام 1984.
  • هي أغنية ... هي أغنية (شعر)، عام 1986.
  • ورد أقل (شعر)، عام 1986.
  • مأساة النرجس ملهاة الفضة (شعر)، عام 1987.
  • ذاكرة للنسيان (نص)، عام 1987.
  • في وصف حالتنا (نص)، عام 1987.
  • في انتظار البرابرة، عام 1987.
  • الرسائل محمود درويش وسميح القاسم، عام 1989.
  • أرى ما أريد (شعر)، عام 1990.
  • عابرون في كلام عابر ( قصيدة ومقالات)، عام 1991.
  • أحد عشر كوكباً (شعر)، عام 1992.
  • لماذا تركت الحصان وحيدا (شعر)، عام 1995.
  • سرير الغريبة (شعر)، عام 1999.
  • جدارية (شعر)، عام 2000.
  • حالة حصار (شعر)، عام 2002.
  • لا تعتذر عما فعلت (شعر)، عام 2004.
  • كزهر اللوز أو أبعد (شعر)، عام 2005.
  • في حضرة الغياب (نص)، عام 2006.
  • حيرة العائد (مقالات)، عام 2007.
  • أثر الفراشة (يوميات)، عام 2008.
  • لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي (شعر)، عام 2009.

ختاماً... كان الشاعر الراحل محمود درويش ظاهرةً شعرية مميزة قدم خلال مسيرته الطويلة عشرات الكتب والدواوين وأحيا عشرات الأمسيات الشعرية حول العالم، وما تزال كلماته حاضرة في ذاكرة الأجيال المختلفة حتَّى الذين لم يعرفوه في حياته، خاصة قصائد ديوانه الأخير التي انتشرت بشكل كبير بصوته.