الحارث بن عباد.. شاعر الجاهلية الحكيم
الحارث بن عباد شاعر وفارس وحكيم عربي يُعتبر من الفرسان العرب الأشداء، ومن أهم شعراء الجاهلية الذي تميز برجاحة عقله وقوته الجسدية الكبيرة، وهو صاحب القول الشهير "لا ناقة لي فيها ولا جمل" فما هي قصة هذا الشاعر العظيم؟
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
حياة الحارث بن عباد ونشأته
الحارث بن عباد البكري هو حكيم وشاعر وفارس وسيد من سادات العرب في الجاهلية ولد في سنة 50 قبل الهجرة/ 570 ميلاديًا، وهو سيد قبيلة بني ضبيعة التي انتهت إليه أمرتها وهو شاب.
ولد في الشعبية غرب مكة المكرمة، نشأ الحارث في نجد وتعلم الفروسية والقراءة والكتابة في سن مبكرة، وتميز برجاحة العقل، وقوة الجسد فكان فارسًا قويًا ومغوارًا.
يُقال إن والده كان بحارًا وسافر إلى الحبشة عدة مرات، أما والدته فكانت من قبيلة قريش، وكان من سادات العرب وأكثر حكامها حكمة ورزانة، كما كان شاعرًا ولكنه كان مُقلًا في شعره وارتاد مجالس الشعراء وأهمها سوق عكاظ.
اشتهر الحارث بن عباد بقوته الجسدية الهائلة، فقد قتل مائة وعشرين حبشيًا من جيش أبرهة عام الفيل، كما شهد مقتل كليب بن ربيعة على يد جساس البكري عمرة بن مرة.
لم يرزق الحارث بأبناء في شبابه، ولكن بعد أن بلغ من العمر عتيًا رُزق بابنه بُجير الذي قُتل بسبب حرب البسوس، وتوفي الحارث وهو يبلغ من العمر 74 عامًا بعد عام الفيل ب23 سنة، ودفن في الشعيبة غرب مكة.
الحارث بن عباد وعنترة
يُقال إن الحارث قابل عنترة بن شداد في سوق عكاظ في الطائف، وكان وقتها عنترة شابًا، والحارث قد بلغ السبعين من العمر، وحينما مد الحارث يده لمصفاحة عنترة شدّ يده حتى سال الدم من يد عنترة.
وحينها قال الحارث وهو يضحك لو أنك في شبابي لسميت عنزة لا عنترة، وتعجب حينها عنترة من قوته على الرغم من عمره.
الحارث بن عبادة وحرب البسوس
كان يؤخذ برأي الحارث في الخلافات التي تحدث بين القبائل العربية، وفي الكثير من الأحيان كان يعمل على الصلح بين القبائل نظرًا لحكمته وشجاعته واتسامه بالفهم والحِلم ولم يتسم بالتهور والقصور.
شهد الحارث مقتل وائل بن ربيعة الذي كان يُطلق عليه "كليب" على يد الجساس بن مُرة، وكان مقتله الشرارة الأولى لحرب البسوس بين قبيلة بكرة وتغلب.
حاول الحارث الإصلاح بين القبيلتين بوساطة لدفع دية مقتل وائل بن ربيعة، ولكن الزير سالم لم يقبل وساطته حتى وصل الأمر أنه كاد يقتله، وحينما طلب من الزير أن يعيره فرسه رفض الحارث وقال مقولته الشهيرة "هذه الحرب لا طاقة لي فيها ولا جمل" فكانت كلمته الشهيرة التي تناقلتها الألسن بعد ذلك.
وقد تفرغ المهلهل (الزير سالم) للثأر ولم يفكر في أي شيء إلا الانتقام، واعتزل النساء والغزل وحرّم على نفسه القمار والخمر، وعنده لا أحد يعدل كُليبًا، وهو الذي قال:
كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ حُلاَّمْ
حَتَّى يَنَالَ القَتْلُ آلَ هَمَّامْ
كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ غُرَّهْ
حَتَّى يَنَالَ القَتْلُ آلَ مُرَّهْ
واعتزل الحارث حرب البسوس ولم يشهدها وحينما قُتل جساس وهمام ابنا مرة حمل ابنه بجيرًا وأرسله إلى مهلهل ليقول له:
"إنك أسرفت في القتل وأدركت ثأرك وهذا بجير ابني فإما قتلته بأخيك وأصبحت بين الحيين وإما أطلقته وأصلحت ذات البين".
ولكن قال المهلهل لبحير: بؤ بشِسع نعل كليب، أي أنت لا تساوي إلا قطعة حذاء من كليب.
فقال بُجير: إن رضيت بنو بكر رضيت، وحينها قتله المهلهل، ولما قيل للحارث إن المهلهل قد قتل ابنه بجيرًا فقال:
"نعم القتيل بجير أصلح بدمه بين ابني وائل". أي أصلح بين قبيلة تغلب وبكر.
ولما قيل له إن المهلهل قال لبجير قبل قتله: "بؤ بشسع نعل كليب" غضب غضبًا شديدًا، وقال قصيدته الشهيرة:
يابني تغلب قتلهم قتيلاً
ما سمعنا بمثله في الخوالي
قربا مربط النعامة مني
لقحت حرب وائل عن حيال
قربا مربط النعامة مني
ليس قولي يراد لكن فعالي
قربا مربط النعامة مني
جد نوح النساء بالإعوال
قربا مربط النعامة مني
شاب رأسي وأنكرتني الفوالي
قربا مربط النعامة مني
للشرى والغدو والآصال
قربا مربط النعامة مني
طال ليلي على الليالي الطوال
قربا مربط النعامة مني
لاعتناق الأبطال بالأبطال
قربا مربط النعامة مني
واعدلا عن مقالة الجهال
قربا مربط النعامة مني
ليس قلبي عن القتال بسال
قربا مربط النعامة مني
كلما هب ريح ذيل الشمال
قربا مربط النعامة مني
لبجير مفكك الأغلال
قربا مربط النعامة مني
وقد كرر الحارث قول "قرّبا مربط النعامة مني" أكثر من خمسين مرة، والنعامة هي فرسه الذي جزّ ناصيتها وقطع ذنبها، وهو أول من فعل ذلك من العرب وبعدها اتخذت عادة حين الأخذ بالثأر.
فرد عليه المهلهل قائلًا:
قربا مربطَ المشهرِ مني
لِكُلَيْب الَّذِي أَشَابَ قَذَالِي
قربا مربطَ المشهرِ مني
وَاسْأَلاَنِي وَلاَ تُطِيلاَ سُؤَالِي
قربا مربطَ المشهرِ مني
سَوْفَ تَبْدُو لَنَا ذَوَاتُ الْحِجَالِ
قربا مربطَ المشهرِ مني
إنَّ قولي مطابقٌ لفعالي
قربا مربطَ المشهرِ مني
لِكُلَيْبٍ فَدَاهُ عَمِّي و َخَالي
وكانت هذه القصيدة إعلان حرب، وأمر الحارث أن يحملوا نساءهم معهم حتى يرعين الجرحى وإن رأين جريحًا من تغلب قتلنه.
وحينها سألوه كيف تميز النساء بين جرحاهم وجرحى تغلب، فأمر بأن يحلق الرجال رؤوسهم، وسُمي هذا اليوم بيوم "تحلاق اللمم"، أو يوم "التحالق".
وفي أثناء الحرب حصل موقف يدل على وفاء الحارث في المعركة، وهي قصة وفاء نادرة، فقد التقى الحارث بالمهلهل وكسر ظهره، وكان نظر الحارث قد شح فلم يعرف أنه المهلهل فسأله الأمان وأعطاه إياه، وبعدها عرّف المهلهل بنفسه، فما كان من الحارث سوى أنه أطلقه.
وعاد المهلهل إلى أهله مهزومًا، وأقسم الحارث ألا تقف الحرب حتى تتحدث الأرض أو يفني بني تغلب المهلهل، فغادر المهلهل القبيلة كي تقف الحرب.