التعلق العاطفي.. ما هو؟ وما الفرق بينه وبين الحب؟ ومتى يكون مؤذيًا؟
يعد التعلق العاطفي أمراً مهماً في العلاقات الإنسانية، فهو من الأشياء الضرورية لاستمرار التواصل مع الآخرين وتكوين علاقات بينهما، ولكن قد يكون أحيانًا التعلق العاطفي مؤذيًا وضارًا بالإنسان ما يجعله يفقد الثقة ويشعر بعدم الأمان. في هذا المقال سنتحدث أكثر عن التعلق والفرق بينه وبين الحب، ومتى يكون التعلق مرضيًا ويستلزم علاجًا نفسيًا.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ما هو التعلق العاطفي؟
التعلق بشخص في علم النفس يعني مشاعر الارتباط والمودة بين الأشخاص المقربة منك، ويعد التعلق حاجة إنسانية أساسية حيث يحتاج الإنسان إلى استجابة عاطفية مع الآخرين لكي تستمر العلاقات الإنسانية.
والتعلق أمر مهم جدًا في حياة الفرد ويبدأ منذ الطفولة، حيث يحتاج الطفل إلى التعلق بالأهل، وخاصة الأم، حتى يجد ملجأه وأمانه معها. وبشكل عام يشعر الإنسان بأمان أكبر عندما يكونوا بالقرب من الأشخاص الذين يثقون بهم، أي يوجد رابطة عاطفية بينهما.
ولا يكون التعلق بين الأشخاص فقط، حيث يمكن التعلق أيضًا بالحيوانات أو الأشياء أو الأماكن والذكريات.
الفرق بين التعلق العاطفي والحب
إن الفرق الأساسي بين الحب والتعلق أن الحب هو عبارة عن المشاعر التي يكنها شخص ما لآخر، أما التعلق فهو مدفوع بدرجة أساسية بإحساس الأمان الذي يفورها له الشخص.
وهذا يعني أنه في التعلق يمكن استبدال الشخص في حالة وجود طريقة أخرى للحصول على الاهتمام والأمان الذي تشعر به، أما في الحب فإن مشاعرك مع هذا الشخص لا تتغير.
وقد درس علماء النفس الفرق بين الحب والتعلق وأوضحوا فروقًا أساسية بينهما، وهي أن الحب يرتبط بمشاعر مكثفة في بداية العلاقة منها النشوة والقلق والعصبية، أما في التعلق فإن المشاعر المرتبطة به تكون مريحة وتتطور بشكل تدريجي وتشمل الهدوء والسعادة والحماية والأمان.
يرى علماء النفس أن الحب يثير عدة مشاعر في الإنسان منها السعادة في وجود الحبيب، والالتزام برفاهية الآخر ويأتي بأشكال عديدة منها حب أبوي أو حب أفلاطوني أو حب جنسي.
أما في التعلق فإنه ينشأ وفقًا لعلماء النفس منذ الطفولة حيث يرتبط الأطفال بذويهم، ويكون دافعها هو الشعور بالأمان وتلبية الاحتياجات، ووفقًا لعلماء النفس فإن التعلق يرتبط بشكل كبير على أسلوب العلاقات بين الناس، وقد يتطور الارتباط العاطفي فيما بعد إلى حب.
أنواع التعلق العاطفي
كما ذكرنا سابقًا فإن التعلق يعني الميل إلى تكوين روابط عاطفية قوية مع الآخرين، وهي من العناصر الأساسية في الطبيعة البشرية ووسيلة يتبعها الإنسان للحصول على الرعاية والراحة والمتعة.
وللتعلق العاطفي أنواع وأنماط، ويتم تشكيل نمط التعلق لدى كل شخص من مرحلة الطفولة، حيث يحصل الأطفال على الرعاية من الآخرين، ومن خلال الرعاية التي يتلقونها يمكنهم تكوين أنماط تعلق مختلفة وفقًا لنوع الرعاية التي يتلقونها، وإليك أنماط التعلق:
التعلق الإيجابي
وهو من هم الأسس في الروابط العاطفية الصحية بين الإنسان، ويحدث عندما يحصل الطفل على رعاية آمنة وإيجابية في طفولته تسمح له بالثقة في مقدم الرعاية، وهما والديه، ويحصل على الدعم منهما.
عندما يحصل الطفل على رعاية إيجابية من والديه يشعر بالأمان والثقة وبالتالي يمكنه تبادل هذه المشاعر مع الآخرين، كما أنهم سيكبرون في بيئة بها أقل قدر من الخوف والقلق وانعدام الثقة.
التعلق المتناقض
وفيه يشعر الإنسان بمشاعر الخوف من الهجر ويحتاج دائمًا إلى الأمان والطمأنينة. يتم تشكيل هذا النوع من التعلق عندما لا يشعر الطفل بالأمان في طفولته وعندما يحصل على رعاية غير منظمة وغير متوقعة من والديه.
التعلق التجنبي
في هذا النوع من التعلق يتربى الأطفال في بيئة لم يحصلوا فيها على الرعاية المناسبة في الوقت المناسب، حيث لا تتم تلبية طلباتهم ولا يمكن الاعتماد على الآباء في تلبية احتياجاتهم باستمرار.
وعندما يكبر الشخص في هذه البيئة فإنه عادة ما يبتعد عن الآخرين ولا يشعر بالراحة بالاقتراب منهم ويحبون الاستقلالية في العلاقات، وأحيانًا لا يحبون العلاقة الحميمة.
التعلق غير المنظم
يحدث هذا النوع من التعلق عندما يعاني الطفل من سوء معاملة أو صدمة نتيجة لأسلوب الرعاية الفوضوي الذي تربى عليه. وعندما يكبر غالبًا ما يتبع سلوكيات الدفع والجذب، أي يبحث عن القرب فجأة ثم بدفع الناس بعيدًا عنه، ويكون مشتتًا بين الرغبة في الحب والاقتراب والخوف من الحب والأذية.
التعلق المرضي
وهو من أنواع التعلق الذي يحدث عندما لا يتربى الطفل على وجود رعاية ثابتة من والديه، ويتشكل لديه اضطرابات عقلية تسمى بالتعلق المرضي، والتي يشعر فيها الشخص بالخوف والقلق وعدم الأمان والخوف من الانفصال وعدم القدرة على تكوين علاقات إنسانية صحية وانعدام الثقة في الذات أيضًا.
اقرأ أيضًا: أهمية العلاج النفسي عند اتخاذ القرار بالإقلاع عن التدخين
علامات التعلق بشخص بشكل مرضي
في التعلق المرضي تظهر من الأشخاص بعض العلامات التي تدل على وجود مشكلة لديه في الارتباط الخاص بهم، وتشمل العلامات التالي:
- صعوبة تكوين روابط عاطفية صحية.
- صعوبة الالتزام بالحدود مع الآخرين.
- القيام بسلوكيات خطيرة.
- صعوبة تكوين علاقة رومانسية.
- الشعور بالقلق الدائم في العلاقة.
- الخوف الشديد من الانفصال.
- الحاجة الماسة إلى الطمأنينة باستمرار.
- المعاناة من مشكلات عاطفية واجتماعية باستمرار.
- السلوكيات المتناقضة.
- الانسحاب العاطفي، والتي تعني عدم بحث الشخص عن الراحة عندما يشعر بالضيق أو الخوف.
- إبعاد الشريك عنك بشكل متعمد.
أسباب التعلق العاطفي المرضي
إن اضطرابات التعلق تأتي عادة من الطفولة، ورغم أن هناك أنواعاً مختلفة من اضطرابات التعلق إلا أن كلها تقريبًا سببها تجارب سلبية في الطفولة، فعندما يشعر الطفل بالإهمال وعدم الأمان والحب في طفولته غالبًا ما يكون لديه مشكلات في التعلق في مرحلة البلوغ.
إذن ما سبب التعلق الشديد بشخص؟ هناك من تجارب سلبية في مرحلة الطفولة قد تؤدي إلى مشكلات في التعلق في مرحلة البلوغ التالي:
- الإساءة الجسدية أو الإهمال من الآباء.
- مشاعر الرفض أو الانتقاد الجارح من قبل الآباء.
- التعرض للفقدان مثل وفاة أحد الوالدين أو شخص قريب من الطفل.
- التغير المستمر والمتكرر في بيئة الطفل، مثل تغيير الحضانة بشكل مستمر وهو ما يشكل لديه مشكلة في التأقلم وتكوين علاقات قوية ومستقرة.
- التنشأة في بيئات مؤسسية مثل العيش في دار للأيتام.
تظهر مشكلات التعلق أيضًا في مرحلة المراهقة والبلوغ، وتنجم عن مجموعة من السلوكيات غير الصحية والمؤذية مع الأهل والأصدقاء والشركاء أيضًا، ومن هذه السلوكيات التالي:
- الخوف من الغرباء.
- التعلق الشديد بالآخرين.
- عدم القدم على التحكم في الانفعالات.
- التغيرات المزاجية.
- السلوكيات المتناقضة.
- نوبات غضب شديدة.
- قلة الارتباط بالأهل.
- عدم القدم على التواصل البصري.
اقرأ أيضًا:الموسيقى علاج للصحة العقلية والنفسية
كيف تعرف انك متعلق بشخص ما؟
عندما تبدأ علاقة جديدة من الطبيعي أن تفكر فيه بشكل مستمر وأن يكون لديك رغبة في التواصل معه، ولكن قد تظهر بعض العلامات الأخرى التي تشير إلى أنك قد شكلت تعلقًا عاطفيًا غير صحيًا مع هذا الشخص يجب عليك مراعتها، ومنها التالي:
تشعر برغبة ملحة في التواصل معه
التواصل مع شخص أنت معجب به أو صديق أمر طبيعي وممتاز لتقوية العلاقة بينكما، ولكن عندما تكون هذه المكالمات والرسائل مستمرة وترغب في الرد على الفور وإذا لما يردوا عليك فورًا تشعر بالارتباك والوحدة والقلق فهذا مؤشر خطر.
لا تختلف معه في كثير من الأحيان
عندما تفعل أي شيء يريده الشخص الآخر حتى لو كنت لا ترغب في ذلك والاهتمام باحتياجاته أكثر من احتياجاته فهذا أيضًا مؤشر على التعلق المرضي، حيث تشعر أنك محبوب أكثر إذا وافقت على أفكار وآراء الشخص الآخر دون الاهتمام بأفكارك ورغباتك.
تضع احتياجاتهم في المقدمة
عندما تتجاهل احتياجاتك الخاصة وتضحي من أجلها من أجل هذا الشخص، أو تقوم بأشياء لم يطلب منك القيام بها فقط من أجله وإهمال احتياجاتك ورفاهيتك فهذا مؤشر خطر.
تقضي وقتًا أكثر معه
إن العلاقات المتوازنة من الأمور التي يجب أن يحافظ عليها الفرد، ولكن عندما تفقد هذا التوازن في حياتك ويكون تواجدك كله بجانب هذا الشخص وتهمل علاقاتك الأخرى فهذا يشير إلى وجود مشكلة.
ليس لديك هوايات تحبها
عندما تبدأ بالتوقف عن الاهتمام بالأشياء التي تحبها وتتوقف عن الاستمتاع بالأشياء التي اعتدت على الاستمتاع بها قبل وجود هذا الشخص في حياتك.
تشعر بالنقص بدونهم
الشعور بعدم الاستقلالية وأن حياتك لا معنى لها بدون وجودهم والاعتماد الأكبر على سعادتك في وجودهم فهذا مؤشر على أن العلاقة بدأت تأخذ منحنى غير صحي.
بحاجة إلى طمأنينة مستمرة منه
إذا بدأت بالبحث عن الطمأنينة في هذه العلاقة، وتشعر بقلق شديد من الانفصال أو ابتعاد هذا الشخص عنك بشكل يعيق صحتك النفسية وقدرتك على قضاء يومك بشكل جيد فهو من علامات التعلق المرضي.
علاج التعلق بشخص في علم النفس
عندما يكون العلاج العاطفي مرضياً وأصبح حالة من الهوس فإن هذا يعني أن هذه حالة غير طبيعية تستلزم علاجًا ومساعدة أخصائي نفسي. هناك الكثير من الخيارات لعلاج التعلق المرضي، منها العلاج الدوائي والعلاج النفسي والعلاج السلوكي المعرفي، وإليك أنواع علاج التعلق العاطفي:
العلاج السلوكي المعرفي CBT
وهو نوع من العلاج النفسي الذي يركز بشكل أساسي على المشكلة التي عاين منها الفرد ومساعدته على تحديد الأفكار والمواقف والمعتقدات الناجمة عن هذه المشكلة وصعوبات التخلص منها في محاولة لتغييرها.
في هذا النوع من العلاج يتعلم الأفراد إعادة تنظيم الطريقة التي ينظرون بها إلى أنفسهم وإلى الآخرين والعالم من حولهم أيضًا، ويعتمد العلاج على تغيير المعتقدات السلبية والخاطئة بأخرى إيجابية وأكثر تكيفًا وصحية.
في هذا العلاج يتم استخدام أدوات مختلفة منها التدريب على التواصل واليقظة الذهنية وإعادة الهيكلة المعرفية بحيث يتمكن الفرد من التعرف على مشاعره والتحكم في سلوكياته وعواطفه فيما بعد.
العلاج القائم على العقلية MBT
وفي هذا العلاج يتم التركيز على فهم الحالة العقلية التي يدخل فيها الفرد. يركز العلاج على جعل الشخص قادرًا على فهم أفكاره ومشاعر الخاصة بالآخرين والتي هي سبب سلوكياته المرضية تلك وذلك من خلال مهام تطلب منه يوميًا.
معظم حالات التعلق المرضي يفقد الإنسان عقله ولا يصبح قادرًا على التفكير بعقلانية، كما أنهم يجدون صعوبة في فهم مشاعر الحب والاهتمام من الآخرين. يعتمد هذا النوع من العلاج على تقوية مهارات الشخص في فهم مشاعر الآخرين.
العلاج التخطيطي SFT
في هذا العلاج يتم مساعدة الشخص على فهم مشاعره وأنماط التفكير عنده المتعلقة بحياته وسلوكه مع الآخرين ووضع خطة تهدف إلى تغيير هذه الأنماط السلبية بحيث يكون قادرًا على تكوين علاقات صحية والتعامل مع الصعاب بشكل أفضل.
في هذا النوع من العلاج يتم معالجة ذكريات الطفولة التي سببت مشكلات التعلق وتعديل المشاعر السلبية المتعلقة بهذه الذكريات ومساعدة الأفراد على التخطي وتجاوز هذه الذكريات السلبية.
العلاج بالأدوية
لا يوجد دواء محدد يمكن وصفه لعلاج التعلق المرضي، ولكن يمكن استخدام بعض الأدوية لتقليل الأعراض النفسية المرتبطة بهذا المرض مثل تقلبات المزاج والغضب الشديد والمفاجئ أو الاكتئاب أو القلق وغيرها أو الأرق ومشكلات النوم وغيرها من الأعراض.
اقرأ أيضًا: دراسة: الموسيقى الكلاسيكية تخفف الألم لدى الأطفال
كيف تتخلص من مشاعر التعلق بشخص؟
إن معالجة والتعامل مع التعلق المرضي وإدارة العواطف والمشاعر المرتبطة به ليس بالأمر السهل، بل يحتاج منك تنفيذ استراتيجيات كثيرة والكثير من الجهد والالتزام.
إذا أدركت أن لديك مشاعر تعلق بشخص ما فعليك محاولة إنشاء روابط أكثر تكيفًا، وبالطبع سيفيدك الاستشارة والعلاج في هذا الأمر. قد يفيدك أيضًا ممارسة الرعاية الذاتية، والتي تعني الاهتمام بالذات أكثر ومحاولة تحسين علاقتك مع نفسك وتعزيز التفاعلات والعلاقات الإيجابية في حياتك.
ومن الاستراتيجيات التي يمكن القيام بها هو وضع الحدود مع الشريك، أيضًا يجب أن تكون على دراية بالاحتياجات هذا الشخص وأن تعطي أولوية للرعاية الذاتية أولًا.
قد تعتقد خلال رحلة التخلص من التعلق أن الرعاية الذاتية هو شكل من أشكال الأنانية، ولكن اعلم أن هذا أمر خاطئ، لأنه لا يمكنك أن تقدم الرعاية لأحد وأنت لم تهتم بنفسك أولًا، لذا من أجل علاقات صحية يجب علينا الاعتناء بأنفسنا أولًا.
يعد أيضًا الانخراط في علاقات إيجابية مع الآخرين من الطرق المهمة التي يجب أن نتبعها خلال رحلتك في التخلص من التعلق العاطفي؛ فعندما تكون قادرًا على تكوين علاقة صحية فهذا يعني أنك تخطيت الكثير من العقبات.
وباختصار إليك أهم طرق إدارة التعلق المرضي:
- الاعتناء بالنفس وتحسين علاقتك بنفسك.
- تكوين علاقات عاطفية صحية مع الآخرين.
- وضع الحدود وفهم احتياجاتك واحتياجات شريكك بشكل جيد.
- أعطي الأولوية للرعاية الذاتية.
- انخرط في علاقات إيجابية.
- مارس النشاط البدني.
- تحدث عن مشاعرك بشكل صريح.