أشهر قصائد شعر الرثاء في الشّعر العربي
This browser does not support the video element.
الرثاء هو فن يعبر عن الحزن والبكاء على الميت، ويستحضر جمالياته وفضائله. ويعود تاريخ الرثاء إلى العصور القديمة في الشعر العربي، واستمر في التطور والاحتفاظ بمكانته، حيث كان له دور أساسي في تجسيد الروابط الاجتماعية العميقة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ويعد شعر الرثاء من أصدق أشكال التعبير العاطفي، حيث يعكس المشاعر الحقيقية للشعراء، مما يجعله ملائماً للعواطف الإنسانية، وكلما كان الشاعر مرتبطاً بالميت بصلة وثيقة، كلما زادت قوة وصدق قصائده الرثائية.
وفي هذه المادة، نستعرض سوياً أبرز قصائد الرثاء العربية، من الشعر القديم، والحديث.
شعر عن رثاء الأحبة والأعزاء من الناس
رثاء الخنساء
الخنساء؛ شاعرة، وصحابية جليلة، اشتهرت عند العرب برثاء أخويها، صخر، ومعاوية، كذلك والدها عمر بن شديد، وزجيها، فقبل أنها أكثر العرب مصيبةً، عاشت بين عامي 575 و645 ميلادية، وأكثر شعرها في رثاء صخرٍ أخيها:
كأنّ عيني لذكراهُ إذا خَطَرَتْ فيضٌ يسيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ
تبكي لصخرٍ هي العبرَة وَقدْ ولهتْ وَدونهُ منْ جديدِ التُّربِ استارُ
تبكي خناسٌ فما تنفكُّ مَا عمرتْ لها علَيْهِ رَنينٌ وهيَ مِفْتارُ
تبكي خناسٌ علَى صخرٍ وحقَّ لهَا اذْ رابهَا الدَّهرُ انَّ الدَّهرَ ضرَّارُ
لاَ بدَّ منْ ميتةٍ في صرفهَا عبرٌ وَالدَّهرُ في صرفهِ حولٌ وَاطوارُ
كما تقول الخنساء في قصيدة عن الرثاء:
يَـا عَـيْـنِ مَـا لَـكِ لَا تَبْكِينَ تَسْكَابَا
إِذْ رَابَ دَهْـرٌ وَكَـانَ الـدَّهْـرُ رَيَّـابَـا
فَــابْــكِــي أَخَـاكِ لَأَيْـتَـامٍ وَأَرْمَـلَـةٍ
وَابْـكِـي أَخَـاكِ إِذَا جَـاوَرْتِ أَجْنَابَا
وَابْكِي أَخَاكِ لِخَيْلٍ كَالْقَطَا عُصَبٍ
فَـقَـدْنَ لَـمَّـا ثَـوَى سَـيْـبًـا وَأَنْـهَـابَا
وَابْـكِـيهِ لِلْفَارِسِ الْحَامِي حَقِيقَتَهُ
وَلِلـضَّـرِيـكِ إِذَا مَـا جَـاءَ مُـنْـتَـابَـا
يَــعْـدُو بِـهِ سَـابِـحٌ نَـهْـدٌ مَـرَاكِـلُـهُ
إِذَا اكْتَسَى مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ جِلْبَابَا
حَـتَّـى يُـصَـبِّـحَ قَوْمًا فِي دِيَارِهِمُ
وَيَـحْـتَـوِي دُونَ دَارِ الْقَوْمِ أَسْلَابَا
يَـهْدِي الرَّعِيلَ إِذَا جَارَ الدَّلِيلُ بِهِمْ
قَـصْـدَ الـسَّـبِيلِ لِزُرْقِ السُّمْرِ رَكَّابَا
فَـالْـحَـمْـدُ خُـلَّـتُـهُ وَالْـجُـودُ عِـلَّتُهُ
وَالـصِّـدْقُ حَـوْزَتُـهُ إِنْ قِـرْنُـهُ هَابَا
خَـطَّـابُ مَـفْـصَـلَـةٍ فَـرَّاجُ مُـظْلِمَةٍ
إِنْ هَـابَ مُـفْـظِـعَـةً أَتَّـى لَـهَـا بَـابَا
حَــمَّــالُ أَلْــوِيَــةٍ شَـهَّـادُ أَنْـجِـيَـةٍ
قَــطَّــاعُ أَوْدِيَــةٍ لِلْــوِتْــرِ طَــلَّابَــا
سُــمُّ الْـعُـدَاةِ وَفَـكَّـاكُ الْـعُـنَـاةِ إِذَا
لَاقَـى الْـوَغَى لَمْ يَكُنْ لِلْقِرْنِ هَيَّابَا
وتقول الخنساء أيضاً في رثاء الأخ:
يا عَينِ جودي بِالدُموعِ الغِزار
وَاِبكي عَلى أَروَعَ حامي الذِمار
فَرعٍ مِنَ القَومِ كَريمِ الجَدا
أَنماهُ مِنهُم كُلُّ مَحضِ النِجار
أَقولُ لَمّا جاءَني هُلكُهُ
وَصَرَّحَ الناسُ بِنَجوى السِرار
أُخَيَّ إِمّا تَكُ وَدَّعتَنا
وَحالَ مِن دونِكَ بُعدُ المَزار
فَرُبَّ عُرفٍ كُنتَ أَسدَيتَهُ
إِلى عِيالٍ وَيَتامى صِغار
وَرُبَّ نُعمى مِنكَ أَنعَمتَها
عَلى عُناةٍ غُلَّقٍ في الإِسار
أَهلي فِداءٌ لِلَّذي غودِرَت
أَعظُمُهُ تَلمَعُ بَينَ الخَبار
صَريعِ أَرماحٍ وَمَشحوذَةٍ
كَالبَرقِ يَلمَعنَ خِلالَ الدِيار
مَن كانَ يَوماً باكِياً سَيِّداً
فَليَبكِهِ بِالعَبَراتِ الحِرار
وَلتَبكِهِ الخَيلُ إِذا غودِرَت
بِساحَةِ المَوتِ غَداةَ العِثار
وَليَبكِهِ كُلُّ أَخي كُربَةٍ
ضاقَت عَلَيهِ ساحَةُ المُستَجار
رَبيعُ هُلّاكٍ وَمَأوى نَدىً
حينَ يَخافُ الناسُ قَحطَ القِطار
أَسقى بِلاداً ضُمِّنَت قَبرَهُ
صَوبُ مَرابيعِ الغُيوثِ السَوار
وَما سُؤالي ذاكَ إِلّا لِكَي
يُسقاهُ هامٍ بِالرَوي في القِفار
قُل لِلَّذي أَضحى بِهِ شامِتاً
إِنَّكَ وَالمَوتَ مَعاً في شِعار
هَوَّنَ وَجدي أَنَّ مَن سَرَّهُ
مَصرَعَهُ لاحِقُهُ لا تُمار
وَإِنَّما بَينَهُما رَوحَةٌ
في إِثرِ غادٍ سارَ حَدَّ النَهار
يا ضارِبَ الفارِسِ يَومَ الوَغى
بِالسَيفِ في الحَومَةِ ذاتِ الأُوار
يَردي بِهِ في نَقعِها سابِحٌ
أَجرَدُ كَالسِرحانِ ثَبتُ الحِضار
نازَلتَ أَبطالاً لَها ذادَةً
حَتّى ثَنَوا عَن حُرُماتِ الذِمار
حَلَفتُ بِالبَيتِ وَزُوّارِهِ
إِذ يُعمِلونَ العيسَ نَحوَ الجِمار
لا أَجزَعُ الدَهرَ عَلى هالِكٍ
بَعدَكَ ما حَنَّت هَوادي العِشار
يا لَوعَةً بانَت تَباريحُها
تَقدَحُ في قَلبي شَجاً كَالشَرار
أَبدى لِيَ الجَفوَةَ مِن بَعدِهِ
مَن كانَ مِن ذي رَحِمٍ أَو جِوار
إِن يَكُ هَذا الدَهرُ أَودى بِهِ
وَصارَ مَسحاً لِمَجاري القِطار
فَكُلُّ حَيٍّ صائِرٌ لِلبَلى
وَكُلُّ حَبلٍ مَرَّةً لِاِندِثار
كذلك قولها في مبارزة هند بنت عتبة، التي كانت أيضاً من رموز الرثاء
أبكي أبي عمرًا بعين غزيـرة قليل إذا نام الخلـي هجودهـا
وصنوي لا أنسى معاوية الذي له من سراة الحرتيـن وفـودهـا
وصخرًا ومن ذا مثل صخر إذا غدا بساحته الأبطال قــزم يقودها
فذلك يا هند الرزية فاعلمي ونيران حرب حين شب وقـودهـا
رثاء المتنبي لخولة شقيقة سيف الدولة
أقام أبو الطيب المتنبي في مجلس سيف الدولة زمناً طويلاً، وقال فيه، وله، أجمل ما كتب من المديح، والعتب، كما قيل أن المتنبي، كان يعشق خولة، شقيقة سيف الدولة، كنه كان قد غادر حلب إلى العراق، قبل وفاتها، فقال في رثائها لما بلغه خبرها:
أَرى العِراقَ طَويلَ اللَيلِ مُذ نُعِيَت فَكَيفَ لَيلُ فَتى الفِتيانِ في حَلَبِ
يَظُنُّ أَنَّ فُؤادي غَيرَ مُلتَهِبٍ وأنَّ دَمعَ جُفوني غَيرُ مُنسَكِبِ
بَلى وحُرمَةِ مَنْ كانَت مُراعِيَةً لِحُرمَةِ المَجدِ وَالقُصّادِ وَالأَدَبِ
وَلَيتَ عَينَ الَّتي آبَ النَهارُ بِها فِداءُ عَينِ الَّتي زالَت وَلَم تَؤُبِ
يا أَحسَنَ الصَبرِ زُر أَولى القُلوبِ بِها وَقُل لِصاحِبِهِ يا أَنفَعَ السُحُبِ
رثاء جرير لزوجته
قال جريرٌ يرثي زوجته:
لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ وَلزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ
ولَقَد نَظَرتُ وما تَمَتُّعُ نَظرَةٍ في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ
ولَقَد أَراكِ كُسيتِ أَجمَلَ مَنظَرٍ وَمَعَ الجَمالِ سَكينَةٌ وَوَقارُ
وَالريحُ طَيِّبَةٌ إِذا اِستَقبَلتِها وَالعِرضُ لا دَنِسٌ وَلا خَوّارُ
رثاء نزار قباني
رثاء نزار قباني لابنه، وزوجته عندما توفيت بلقيس، زوجة الشاعر نزار قباني، إثر تفجير انتحاري قرب السفارة العراقية في بيروت عام1982، حيث كانت تعمل، فقال في رثائها:
بلقيس..
أيتها الشهيدة والقصيدة والمطهرة النقيةسبأ تفتش عن مليكتها ... فردي للجماهير التحية
يا أعظم الملكات ... يا امرأة تجسد كل أمجاد العصور السومرية
بلقيس، يا عصفورتي الأحلى ... ويا أيقونتي الأغلى
ويا دمعاً تناثر فوق خد المجدلية .. أتراي ظلمتكِ إذ نقلتكِ ذات يومٍ من ضفاف الأعظميَّة
بيروتُ تقتُلُ كلَّ يومٍ واحداً منا.. وتبحث كلَّ يومٍ عن ضحية
والموتُ في فنجان قهوتنا، وفي مفتاح شقتنا..
وفي أزهار شُرفتنا، وفي ورق الجرائد ... والحروف الأبجدية.
كما قال نزار قباني، يرثي ابنه الشاب توفيق، الذي مات نتيجة مرض في قلبه:
أشيلكَ يا ولدي فوقَ ظهري ... كمئذنةٍ كُسرتْ قطعتين
وشَعْركَ حقلٌ مِنْ القمح تحت المطر ... ورأسكَ في راحتي وردة دمشقية، وبقايا قمر
أواجه موتكَ وحدي.. وأجمع كلَّ ثيابكَ وحدي
وألثم قمصانكَ العاطرات ... ورسمكَ فوق جواز السفر
وأصرخ مثل المجانين وحدي ... وكلُّ الوجوه أمامي نحاس
وكلُّ العيون أمامي حجر ... فكيف أقاوم سيف الزمان؟
وسيفي انكسر..
كما يقول نزار قباني في رثاء الأب:
أماتَ أبوكَ؟
ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي.
ففي البيت منه
روائحُ ربٍّ.. وذكرى نَبي
هُنَا رُكْنُهُ.. تلكَ أشياؤهُ
تَفَتَّقُ عن ألف غُصْنٍ صبي
جريدتُه. تَبْغُهُ. مُتَّكَاهُ
كأنَّ أبي – بَعْدُ – لم يّذْهَبِ
وصحنُ الرمادِ.. وفنجانُهُ
على حالهِ.. بعدُ لم يُشْرَبِ
ونَظَّارتاهُ.. أيسلو الزُجاجُ
عُيُوناً أشفَّ من المغرب؟
بقاياهُ، في الحُجُرات الفِساحِ
بقايا النُسُور على الملعبِ
أجولُ الزوايا عليه، فحيثُ
أمرُّ .. أمرُّ على مُعْشِبِ
أشُدُّ يديه.. أميلُ عليهِ
أُصلِّي على صدرهِ المُتْعَبِ
أبي.. لم يَزلْ بيننا، والحديثُ
حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
يسامرنا.. فالدوالي الحُبالى
تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ..
أبي خَبَراً كانَ من جَنَّةٍ
ومعنى من الأرْحَبِ الأرْحَبِ..
وعَيْنَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ
فهل يذكرُ الشَرْقُ عَيْنَيْ أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي
كرومٌ، وذاكرةِ الكوكبِ..
***
أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي، فلا تَعْتَبِ..
على اسْمِكَ نمضي، فمن طّيِّبٍ
شهيِّ المجاني، إلى أطيبِ
حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ.. حتى
تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..
أشيلُكَ حتى بنَبْرة صوتي
فكيف ذَهَبْتَ.. ولا زلتَ بي؟
***
إذا فُلَّةُ الدار أعطَتْ لدينا
ففي البيت ألفُ فمٍ مُذْهَبِ
فَتَحْنَا لتمُّوزَ أبوابَنا
ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي.
ما جئنا على ذكره، كان النذر اليسر من قصائد الرثاء في اللغة العربية، حيث ما زالت هناك آلاف الأبيات، لكبار شعراء العربية، يرثون فيها أحبتهم، ومدنهم، بل حتى شعوبهم.
كقول الشاعر اليمني محمد محمود الزبيري (1910-1965)، في قصيدته رثاء شعب:
ما كنتُ أحسِبُ أني سوفَ أبكيهِ وأنّ شِعْري إلى الدنيا سينعيهِ
وأنني سوف أبقى بعد نكبتهِ حيّاً أُمزّق روحي في مراثيه
وأنّ من كنتُ أرجوهم لنجدتهِ يومَ الكريهةِ كانوا من أعاديهِ
شعر عن رثاء المدن
رثاء الأندلس
تُعتبر قصيدة أبي البقاء الرندي، في رثاء الأندلس، من أشهر، وأهم قصائد رثاء المدن، والممالك، في الشعر العربي، حيث يستهلها بحكمة عميقة، يتحدث فيها عن زوال كل ملك، وأن دوام الحال من المحال؛ فيقول الرندي:
لكُل شيءٍ إذا مَا تَم نُقْصَانُ فَلا يُغَر بطيْبِ العَيْشِ إنْسَانُ
هي الأمُوْرُ كما شاهدْتُهَا دُولٌ مَنْ سَرهُ زمنٌ سَاءَتْهُ أزمانُ
وهذهِ الدارُ لا تُبْقِي عَلى أحَدٍ ولاَ يدُوْمُ على حالٍ لهاَ شَانُ
يَا راكِبيْنَ عِتَاق الخَيْلِ ضامِرةً كأنها في مَجَالِ السَبْقِ عُقْبَانُ
أعِنْدَكُمْ نَبَأٌ مِنْ أهْلِ أنْدَلُسٍ فَقَدْ سَرَى بِحَدِيْثِ القَوْمِ رُكْبَانُ
كَمْ يَسْتَغِيْثُ بنَا المُسْتَضْعَفُوْنَ وَهُمْ قَتْلَى وَأسْرى فَمَا يَهْتَز إنْسَانُ
لمَا التقَاطُعُ فِي الإسْلام بَيْنَكُمُ وأنتُمْ يَا عِبادَ اللهِ إخْوَانُ
لمِثْل هَذا يَبْكِي القَلبُ مِنْ كَمَدٍ إنْ كَانْ فِي القَلْبِ إسْلامٌ وَإيْمَانُ
رثاء مدينة القدس
مدينة القدس، عاصمة فلسطين المحتلة، تعتبر من أهم المدن التي تناولها الشعر العربي، حيث سجل الشاعر العربي، عشرات القصائد في رثاء القدس، ووصْفِها، والتغزُّل بها.
من بينهم الشاعر اللبناني الراحل سعيد عقل، صاحب قصيدة زهرة المدائن، التي غنتها المغنية اللبنانية فيروز:
الطِفلُ في المغارة وأمّه مريم
وجهان يبكيان... لأجلِ مَنْ تَشرّدوا
لأجلِ أطفالٍ بِلا منازلْ... لأجلِ مَنْ دَافَعَ واستُشهِدَ في المداخلْ
واستُشهِد السلامْ ... في وَطنِ السلامْ
وسَقطَ العدلُ على المداخلْ ... حين هوتْ مدينةُ القدسِ
تَراجعَ الحُبُّ ... وفي قلوبِ الدُنيا استوطنتْ الحربُ.
شعر رثاء الشعراء
رثاء الفرزدق
حظي أغلب الشعراء، برثاء أقرانهم الشعراء، لكننا أمام حالة استثنائية من الرثاء، حيث قضى جريرٌ، والفرزدقُ، عمريهما في الهجاء، يهجو أحدهما الآخر، ويحقره، حتى مات الفرزدق، فرثاه جرير بقوله:
لَعَمري لَقَد أَشجى تَميماً وَهَدَّها
عَلى نَكَباتِ الدَهرِ مَوتُ الفَرَزدَقِ
عَشِيَّةَ راحوا لِلفِراقِ بِنَعشِهِ
إِلى جَدَثٍ في هُوَّةِ الأَرضِ مُعمَقِ
لَقَد غادَروا في اللَحدِ مَن كانَ يَنتَمي
إِلى كُلِّ نَجمٍ في السَماءِ مُحَلِّقِ
ثَوى حامِلُ الأَثقالِ عَن كُلِّ مُغرَمٍ
وَدامِغُ شَيطانِ الغَشومِ السَمَلَّقِ
عِمادُ تَميمٍ كُلِّها وَلِسانُها
وَناطِقُها البَذّاخُ في كُلِّ مَنطِقِ
فَمَن لِذَوي الأَرحامِ بَعدَ اِبنِ غالِبٍ
لِجارٍ وَعانٍ في السَلاسِلِ موثَقِ
وَمَن لِيَتيمٍ بَعدَ مَوتِ اِبنِ غالِبٍ
وَأُمِّ عِيالٍ ساغِبينَ وَدَردَقِ
وَمَن يُطلِقُ الأَسرى وَمَن يَحقُنُ الدِما
يَداهُ وَيَشفي صَدرَ حَرّانَ مُحنَقِ
وَكَم مِن دَمٍ غالٍ تَحَمَّلَ ثِقلَهُ
وَكانَ حَمولاً في وَفاءٍ وَمَصدَقِ
وَكَم حِصنِ جَبّارٍ هُمامٍ وَسوقَةٍ
إِذا ما أَتى أَبوابَهُ لَم تُغَلَّقِ
تَفَتَّحُ أَبوابُ المُلوكِ لِوَجهِهِ
بِغَيرِ حِجابٍ دونَهُ أَو تَمَلُّقِ
لِتَبكِ عَلَيهِ الإِنسُ وَالجِنُّ إِذ ثَوى
فَتى مُضَرٍ في كُلِّ غَربٍ وَمَشرِقِ
فَتىً عاشَ يَبني المَجدَ تِسعينَ حِجَّةً
وَكانَ إِلى الخَيراتِ وَالمَجدِ يَرتَقي
فَما ماتَ حَتّى لَم يُخَلِّف وَرائَهُ
بِحَيَّةِ وادٍ صَولَةٍ غَيرَ مُصعَقِ
رثاء الشاعر نزار قباني
تعرض نزار قباني لفواجع كبيرة في حياته، أجبرته على الرثاء، لكن بعد موته، رثاه الشاعر الفلسطيني محمود درويش، في آخر دواوينه، والذي نُشر بعد وفاة الأخير، حيث يقول درويش، في قصيدةٍ عنوانها (في بيت نزار قباني):
قُلتُ لهُ حينَ متنا معاً، وعلى حدة
أنتَ في حاجةٍ لهواءِ دمشق! ... فقالَ: سأقفزُ بَعدَ قليلٍ
لأرقدَ في حفرةٍ مِنْ سماءِ دمشق ... فقلتُ: انتظر، ريثما أتعافى لأحملَ عنكَ الكلام الأخير
ولا تذهب الآن، لا تمتحني، ولا تَشكُل الآس وحدك.
شعر عن رثاء الملوك والخلفاء والقادة
رثاء كليبٍ وائل ابن ربيعة
أول الصور التي نجدها في رثاء الملوك، هي أبياتٌ بديعة، للشاعر المهلهل، الزير سالم، يرثي فيها شقيقه وائل، ملك بكرٍ وتغلب، الذي قتله ابن عمه جساس بن مرة.
فكانت حرب البسوس بين أبناء العمومة، والبسوس هي خالة جساس، التي قتل كليب ناقتها، فحرَّضت ابن أختها، حتى أخذ رمحه، وذهب يطلب جَمل كليب.
لكنه وجد كليباً عند أحد الغدران النجدية، فطعنه برمحه وقتله، حيث اعتبر العرب أن البسوس، كانت وراء الحرب.
كان المهلهل زير نساء، حياته كلها لهو، وخمر، لا يكاد يستيقظ من السُكْر، لكنه تخلى عن تلك الحياة، عندما قُتل شقيقه الملك.
وطلب ثأره من أبناء عمومته، فاندلعت حرب طويلة، استمرت ردحاً من الزمن، وكان الزير سالم بطلها، إلى أن انتهت بمقلته حوالي سنة 531 ميلادية.
دون أن يُعرف تاريخ ولادته، ولم يصلنا من شعر المهلهل إلا القليل، مما ذكر في كتب الأدب، ككتاب الأغاني لأبي فرجٍ الأصفهاني.
كما أن أغلب آثاره في رثاء أخيه كليب، وما يميز شعر المهلهل، أن فيه رقة، اكتسبها من اللهو، والخمر، ومجالسة الجواري، لكن فيه رجولة الفارس، وشجاعة طالب الثأر، ومن بين هذه الأبيات قوله:
كُـــليبُ لا خيرَ في الدُّنيا وما فـــــيها إن أنتَ خلَّيتها في من يُخلّــــــــيها
نعى النُّعاةُ كُــليـــباً فـــــقلتُ لــــــــهم سالتْ بنا الأرض أو زالتْ رواسيها
كما يقول متوعداً غريمهُ:
ذهبَ الصُّلحُ أو تردُّوا كليباً أو اُذيق الغدَاةَ شيبانَ ثُكْلَا
ذهبَ الصُّلحُ أو تردُّوا كليباً أو تَنالَ العُداة هوناً وذُلَّا
رثاء الخليفة عمر بن عبد العزيز
ومن رثاء الخلفاء، ما قاله الشريف الرضي، في الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (681-720 ميلادية)، الذي لقبه المسلمون، خامس الخلفاء الراشدين، وهو ثامن خلفاء بني أمية.
عرف عمر بالعدل، والحكمة، حيث عزل الظالمين من الولاة، واهتم بالعلم، وتدوين الحديث، فاستمرت خلافته منذ مبايعته سنة 91هـ، حتى موته مسموماً سنة 101هـ، ومما قاله الشريف الرضي في رثائه:
يا ابنَ عبدِ العزيزِ، لو بَكتْ العيــنُ فتى مِنْ أمية؛ لبكيتكْ
غير أنّي أقولُ : إنكَ قد طبـت وإن لم يطْب ولم يَزل بيتُكْ
ولو أنّي رأيتُ قبركَ لاستحــييتُ مِنْ أنْ أرى وما حييتكْ
وقليل أن لو بذلتُ ماءَ الــبدنِ حُزناً على الذرى وسقيتكْ
رثاء الأمير محمد بن اسحق التنوخي
ولشيخ الشعراء، أبي الطيب المتنبي، قصيدة بديعة في الرثاء، حيث نظم يرثي الأمير محمد ابن اسحق التنوخي، وهو من أمراء اللاذقية، الذين تزامن حكمهم، مع حكم سيف الدولة الحمداني في حلب.
فشاءت الصدفة أن توافيه المنية، لدى نزول المتنبي في ضيافتهم، ليقول فيه:
إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ
وَرَأَيتُ كُلًّ ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَناءِ يَصيرُ
أَمُجاوِرَ الديماسِ رَهنَ قَرارَةٍ فيها الضِياءُ بِوَجهِهِ وَالنورُ
ما كُنتُ أَحسَبُ قَبلَ دَفنِكَ في الثَرى أَنَّ الكَواكِبَ في التُرابِ تَغورُ
ما كُنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أَن أَرى رَضوى عَلى أَيدي الرِجالِ تَسيرُ
خَرَجوا بِهِ وَلِكُلِّ باكٍ خَلفَهُ صَعَقاتُ موسى يَومَ دُكَّ الطورُ
وَالشَمسُ في كَبِدِ السَماءِ مَريضَةٌ وَالأَرضُ واجِفَةٌ تَكادُ تَمورُ
رثاء القائد المملوكي الظاهر بيبرس
وفي رثاء القادة والسلاطين في العصر المملوكي، يقول الشاعر القاضي محي الدين بن عبد الظاهر، في رثاء السلطان الظاهر بيبرس.
الذي كان مملوكاً يباع في أسواق النخاسة في بغداد، والشام، ثم صار من أشهر سلاطين المماليك، فحارب المغول، وهزمهم في عدة معارك، أبرزها معركة عين جالوت، في عهد سيف الدين قطز.
مات الظاهر سلطاناً على الشام، ومصر، عام 676هـ، الموافق لعام 1277 ميلادية، فقال فيه القاضي محي الدين عبد الظاهر:
الظَاهِرُ السُلطانُ مَنْ كانتْ لهُ مِنَنٌ على كلِّ الورى وتطوّلُ
لهفي على آرائهِ تِلكَ التي مِثلَ السِهامِ إلى المصالِحِ تُرسلُ
لهفي على تِلكِ العزائمِ كَيفَ قدْ غَفُلتْ، وكانتْ قَبلَ ذا لا تَغفلُ
أنــــا إنْ بَكيـتُ فـإنَّ عُذريَّ واضحٌ ولئنْ صَبرتُ فإنَّني أتمثلُ
رثاء المجاهد الليبي عمر المختار
في العصر الحديث، اختلف الرثاء، فتحول من رثاء الملوك، إلى رثاء قادة الثورات، والمناضلين في سبيل التحرر من الاستعمار.
إضافة إلى الزعماء السياسيين البارزين، حيث نجد أمير الشعراء أحمد شوقي، يرثي عمراً المختار، الذي أعدمه الاحتلال الإيطالي في ليبيا عام 1931، بعد أن سجل مسيرة نضالية طويلة، فيقول شوقي في رثائه:
يا أيُّها السيفُ المُجرَّدُ بالفَــلا يكسو السُيوفَ على الزَمانِ مَضاءَ
تِلكَ الصَحاري غِمدُ كلِّ مُهنَّدٍ أَبلى فأحسَنَ في العَدُوِّ بلاءَ
إِنّي رأيتُ يدَ الحضارةِ أولعَت بالحقِّ هَدماً تارَةً وبناءَ
شَرعتْ حُقوقَ الناسِ في أوطانِهِم إِلّا أباةَ الضيمِ والضُعفاءَ
يا أيُّها الشَعبُ القريبُ أَسامِعٌ فأصوغُ في عُمَرَ الشَهيدِ رِثاءَ
أَم ألجَمَتْ فاكَ الخُطوبُ وحَرَّمَتْ أُذنَيكَ حينَ تُخاطَبُ الإِصغاءَ
ذهبَ الزَعيمُ وأنتَ باقٍ خالِدٌ فاِنقُد رِجالَكَ واختَرِ الزُعماءَ
وأرِح شيوخَكَ مِنْ تَكاليفِ الوَغى واحمِل على فتيانِكَ الأَعباءَ
رثاء الرئيس جمال عبد الناصر
كما يعتبر الرئيس جمال عبد الناصر، من أكثر الشخصيات العربية المؤثرة في القرن العشرين، ومن بين الرثاء الذي قيل فيه، ما قاله الشاعر السوري الراحل نزار قباني، في عدة قصائد، منها قوله:
أبا خالدٍ .. يا قصيدة شعرٍ تُقالُ ... فيخضرُّ منها المدادْ
إلى أين؟ يا فارس الحلْم تمضى ..
وما الشوط حين يموت الجوادْ؟
إلى أين؟... كلُّ الأساطير ماتتْ بموتكَ
وانتحرت شهرزادْ ... وراء الجنازةِ سارتْ قريشٌ
فهذا هشامٌ وهذا زيادْ ... وهذا يُريق الدموعَ عليكَ
وخنجرهُ تحت ثوبِ الحدادْ ... وهذا يُجاهدُ في نومهِ،
وفي الصحوِّ، يبكي عليه الجهادْ ... وهذا يحاول بعدكَ ملكاً
وبعدكَ ... كلُّ الملوك رمادْ.
رثاء الملك فهد
يقول غازي القصبي في رثاء الملك فهد:
لَمْ نَجدهُ... وقيل: «هذا الفِراقُ!»
فاستجارت بدمعِها الأحداقُ
كانَ ملءَ العيون فهدٌ... فما
حِجّةُ عينٍ دُموعها لا تُراقُ؟!
عَجبَ النعشُ من سكون المُسجَّى
وهوَ من عاش لم ينلهُ وِثاقُ
عَجبَ القبرُ... حين ضمّ الذي
ضاقت بما في إهابه الآفاقُ
عجبَ الشوطُ... والجياد قليلٌ...
كيف يهوي جَواده السبّاقُ
هدرت حولك الجموعُ وماجتْ
مثل بحرٍ... والتفّتِ الأعناقُ
هو يومُ الوفاءِ... حبّ بحزنٍ
نتساقاهُ... والكؤوسُ دهاقُ
وقفَ الموتُ في الطريق... ولكنْ
زحفتْ... لا تخافُهُ... الأشواقُ
يا أبا فيصلٍ! عليك سلامُ الله...
ما خالجَ القلوبَ اشتياقُ!
شعر عن رثاء النبي
قال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) يرثي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم):
أَجِدَّكَ ما لِعَينِكَ لا تَنامُ
كَأَنَّ جُفونَها فيها كِلامُ
لِأَمرِ مُصيبَةٍ عَظُمَت وَجَلَّت
وَدَمعُ العَينِ أَهوَنُهُ اِنسِجامُ
فُجِعنا بِالنَبِيِّ وَكانَ فينا
إِمامَ كَرامَةٍ نِعمَ الإِمامُ
وَكانَ قِوامَنا وَالرَأسَ فينا
فَنَحنُ اليَومَ لَيسَ لَنا قِوامُ
نَموجُ وَنَشتَكي ما قَد لَقينا
وَيَشكو فَقدَهُ البَلَدُ الحَرامُ
كَأَنَّ أُنوفَنا لاقَينَ جَدعاً
لِفَقدِ مُحَمَّدٍ فيهِ اِصطِلامُ
لِفَقدِ أَغَرَّ أَبيَضَ هاشِمِيٍّ
تَمامِ نُبُوَّةٍ وَبِهِ الخِتامُ
أَمينٍ مُصطَفىً لِلخَيرِ يَدعو
كَضَوءِ البَدرِ زايَلَهُ الظَلامُ
سَأَتبَعُ هَديَهُ مادُمتُ حَيّاً
طَوالَ الدَهرِ ما سَجَعَ الحَمامُ
أَدينُ بِدينِهِ وَلِكُلِّ قَومٍ
تَراهُم مِن ذُؤابَتِهِ نِظامُ
فَقَدنا الوَحيَ مُذ وَلَّيتَ عَنّا
وَوَدَّعَنا مِنَ اللَهِ الكَلامُ
سِوى ما قَد تَرَكتَ لَنا رَهيناً
تَوارَثُهُ القَراطيسُ الكِرامُ
فَقَد أَورَثتَنا ميراثَ صِدقٍ
عَلَيكَ بِهِ التَحِيَّةُ وَالسَلامُ
مِنَ الرَحمنِ في أَعلى جِنانٍ
مِنَ الفِردَوسِ طابَ بِها المُقامُ
رَفيقَ أَبيكَ إِبراهيمَ فيها
فَهَل في مِثلِ صُحبَتِهِ نَدامُ
وَإِسحاقٌ وَإِسماعيلُ فيها
بِما صَلّوا لِرَبِّهِمُ وَصاموا
فَلا تَبعَد فَكُلُّ كَريمِ قَومٍ
سَيُدرِكُهُ وَلَو كَرِهَ الحِمامُ
كَأَنَّ الأَرضَ بَعدَكَ طارَ فيها
فَأَشعَلَها بِساكِنِها ضِرامُ
أشعار رثاء متنوعة
بقول الشاعر حفني الناصف:
قليلٌ في معاليك الرثاءُ
ونزْرٌ في ثنائيك البكاءُ
وإهراقُ المدامع غير واف
بحقّ الحزن فيك ولا كفاءُ
وتشقيق الجيوب عليك أمرٌ
يسيرٌ لا يقومُ به العزاءُ
قضيت دجىً تودعك المعالي
وتنعاك المروءة والوفاءُ
ويبكيكَ التدبُّر والتروّي
وترثيك الشهامة والإباءُ
وتندبك المعارفُ عارفاتٍ
بأنك عند حاجتها الرجاءُ
أليس أبوك بانيها قديماً
وأنت وليهُّا فعَلا البناء
أفاض بأرض مصرَ بحارَ علم
وآدابٍ وأهلوها ظِماءُ
وقمت بحقها دهراً طويلاً
فنالكما من الله الجزاءُ
فمَن للشعر بعدكَ والقوافي
وللإنشاء يُملي ما يشاءُ
ومن لوقائع التاريخ يجلو
غياهبها إذا اشتبك المراء
ومن للسنّة الغراء يبدي
معالمها إذا اشتدّ الخفاءُ
ومن يقضي حوائج أهل طهطا
من البؤساء إن عزّ القضاءُ
أفضتَ الجودَ بينهمُ سواء
فما فضَل البعيدَ الأقرباءُ
وأنشأت المدارس في رباها
فعمّ جنوبَ مصر الاقتداءُ
وقد سبق الصعيدُ شمال مصر
ووجها مصر لولاكم سواء
فداؤك يا عليّ من المنايا
دم المهجات لو ساغ الفداءُ
قضيتم وأسمكم لا زال حيًّا
يردّده مع الصبح المساءُ
سقى الرحمن قبرك غيث رحم
وجاد أديم مثواكَ الحياءُ
وحسب ابن النبيّ مقام صدقٍ
ونعمي ما لمبدئها انتهاءُ
كما يقول الشاعر أحمد شوقي:
اِجعَل رِثاءَكَ لِلرِجالِ جَزاءَ
وَاِبعَثهُ لِلوَطَنِ الحَزينِ عَزاءَ
إِنَّ الدِيارَ تُريقُ ماءَ شُؤونِها
كَالأُمَّهاتِ وَتَندُبُ الأَبناءَ
ثُكلُ الرِجالِ مِنَ البَنينِ وَإِنَّما
ثُكلُ المَمالِكِ فَقدُها العُلَماءَ
يَجزَعنَ لِلعَلَمِ الكَبيرِ إِذا هَوى
جَزَعَ الكَتائِبِ قَد فَقَدنَ لِواءَ
عَلَمُ الشَريعَةِ أَدرَكَتهُ شَريعَةٌ
لِلمَوتِ يَنظِمُ حُكمُها الأَحياءَ
عانى قَضاءَ الأَرضِ عِلمَ مُحَصِّلٍ
وَاَليَومَ عالَجَ لِلسَماءِ قَضاءَ
وَمَضى وَفيهِ مِنَ الشَبابِ بَقِيَّةٌ
لِلنَفعِ أَرجى ما تَكونُ بَقاءَ
إِنَّ الشَبابَ يُحَبُّ جَمّاً حافِلاً
وَتُحَبُّ أَيّامُ الشَبابِ مِلاءَ
بِالأَمسِ كانَت لِاِبنِ هَيفٍ غَضبَةٌ
لِلحَقِّ نَذكُرُها يَداً بيضاءَ
مَشَتِ البِلادُ إِلى رِسالَةِ مِلنَرٍ
وَتَحَفَّزَت أَرضاً لَها وَسَماءَ
فَلَمَحتُ أَعرَجَ في زَوايا الحَقِّ لَم
أَعلَم عَلَيهِ ذِمَّةً عَرجاءَ
اِرتَدَّتِ العاهاتُ عَن أَخلاقِهِ
لِسُمُوِّهِنَّ وَحَلَّتِ الأَعضاءَ
عَطَفَتهُ عَطفَ القَوسِ يَومَ رِمايَةٍ
وَثَنَتهُ كَالماضي فَزادَ مَضاءَ
لَمّا رَأى التَقريرَ يَنفُثُ سُمَّهُ
سَبَقَ الحُواةَ فَأَخرَجَ الرَقطاءَ
هَتَكَ الحِمايَةَ وَالرِجالَ وَراءَها
يَتَلَمَّسونَ لَها السُتورَ رِياءَ
ما قَبَّحوا بِالصُبحِ مِن أَشباحِها
راحوا إِلَيكَ فَحَسَّنوهُ مَساءَ
يا قَيِّمَ الدارِ الَّتي قَد أَخرَجَت
لِلمُدلِجينَ مَنارَةً زَهراءَ
وَتَرى لَدَيها الوارِدينَ فَلا تَرى
إِلّا ظِماءً يَنزِلونَ رَواءَ
وَتُجالِسُ العُلَماءَ في حُجُراتِها
وَتُسامِرُ الحُكَماءَ وَالشُعَراءَ
تَكفيكَ شَيطانَ الفَراغِ وَتَعتَني
بِالجاهِلينَ تَرُدُّهُم عُقَلاءَ
دارُ الذَخائِرِ كُنتَ أَكمَلَ كُتبِها
مَجموعَةٌ وَأَتَمَّها أَجزاءَ
لَمّا خَلَت مِن كِنزِ عِلمِكَ أَصبَحَت
مِن كُلِّ أَعلاقِ الكُنوزِ خَلاءَ
هَزَّ الشَبابُ إِلى رَثائِكَ خاطِري
فَوَجَدتَ فِيَّ وَفي الشَبابِ وَفاءَ
عَبدَ الحَميدِ أَلا أُسِرُّكَ حادِثاً
يَكسو عِظامَكَ في البِلى السَرّاءَ
قُم مِن صُفوفِ الحَقِّ تلقَ كَتيبَةً
مَلمومَةً وَتَرَ الصُفوفَ سَواءَ
وَتَرَ الكِنانَةِ شيبَها وَشَبابَها
دونَ القَضِيَةِ عُرضَةً وَفِداءَ
جَمَعَ السَلامُ الصُحفَ مِن غاراتِها
وَتَأَلَّفَ الأَحزابَ وَالزُعَماءَ
في كُلِّ وُجدانٍ وَكُلِّ سَريرَةٍ
خَلَفَ الوِدادُ الحِقدَ وَالبَغضاءَ
وَغَدا إِلى دينِ العَشيرَةِ يَنتَهي
مَن خالَفَ الأَعمامَ وَالآباءَ
لا يَحجِبونَ عَلى تجَنّيهِم وَلا
يَجِدونَ إِلّا الصَفحَ وَالإِغضاءَ
وَالأَهلُ لا أَهلاً بِحَبلِ وَلائِهِم
حَتّى تَراهُم بَينَهُم رُحَماءُ
كَذَبَ المُريبُ يَقولُ بَعدَ غَدٍ لَنا
خُلفٌ يُعيدُ وَيُبدِئُ الشَحناءَ
قَلبي يُحَدِّثُني وَلَيسَ بِخائِني
إِنَّ العُقولَ سَتَقهَرُ الأَهواءَ
يا سَعدُ قَد جَرَتِ الأُمورُ لِغايَةٍ
اللَهُ هَيَّأَها لَنا ما شاءَ
سُبحانَهُ جَمَعَ القُلوبَ مِنَ الهَوى
شَتّى وَقَوّى حَولَهُ الضُعَفاءَ
الفُلكُ بَعدَ العُسرِ يُسِّرَ أَمرُها
وَاِستَقبَلَت ريحَ الأُمورِ رُخاءَ
وَتَأَهَّبَت بِكَ تَستَعِدُّ لِزاخِرٍ
تَطَأُ العَواصِفَ فيهِ وَالأَنواءَ
رَجَعَت بِراكِبِها إِلى رُبّانِها
تُلقي الرَجاءَ عَلَيهِ وَالأَعباءَ
فَاِشدُد بِأَربابِ النُهى سُكّانَها
وَاِجعَل مِلاكَ شِراعِها الأَكفاءَ
مَن ذا الَّذي يَختارُ أَهلَ الفَضلِ أَو
يَزِنُ الرِجالَ إِذا اِختِيارُكَ ناءَ
أَخرِج لِأَبناءِ الحَضارَةِ مَجلِساً
يُبقي عَلى اِسمِكَ في العُصورِ ثَناءَ