أجمل ما قيل في الشروق والغروب
This browser does not support the video element.
بعد أن قدم لكم موقع بابونج سلسة من المواد التي تناولت أجمل القصائد والأشعار عن مظاهر الطبيعة وأحوالها وتأملات الشعراء فيها، على غرار قصائد الفصول الأربعة وأجمل ما قيل في المطر وغيرها من مظاهر الطبيعة..
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
نقدم لكم في هذه المادة مجموعة من أجمل أبيات الشعر التي قيلت في الغروب والشروق أو استخدمت رمزية طلوع الشمس وغيابها، ونستعرض معاً أبرز هذه الرموز والمعاني التي حملها الغروب والشروق في القصيدة العربية.
لكل شاعر رؤيته الرومانسية في تأمل طلوع الشمس وغيابها
هناك ارتباط واضح بين تأمل الشاعر في الطبيعة وأحوالها، وبين استخدامه لرموزها للبوح بالمشاعر والعواطف المختلفة، حيث سنجد للشروق وللغروب عشرات الدلالات في القصيدة العربية.
وسنرى أنَّ هذه الدلالات تختلف حدَّ التناقض، حيث لا يشكل الغروب أو الشروق مبعثاً للسرور أو الكآبة بذاتيهما، إنَّما تنعكس نفس الشاعر على الرمز لتعطيه معناه.
لنبدأ أولاً بتوظيف رمزية الشروق والغروب في القصيدة العاطفية، ولا نجد خيراً من قصيدة الشاعر السوري الراحل بدوي الجبل (محمد سليمان الأحمد) لنبدأ معها التعرف إلى استخدام الشروق والغروب في الغزل، يقول بدوي الجبل:
أدموعاً تُريدها أم رَحيقَا؟ لا ونعماكَ ما عَرفتُ العُقوقَا
تتجلَّى عِنْدَ المغيبِ لعيني ضياءً عذبَ الحنانِ رفيقَا
و جلاكَ الشُّروقُ حتَّى تبيَّنتُ محيّاكَ فاحتضنتُ الشُّروقا
و تزورُ البروقُ تخبرني عنكَ ولولاكَ ما استزرتُ البروقَا
كلُّ حُسنٍ أرى محيَّاكَ فيهِ فأطيلُ الإمعانَ والتحديقا
أشواق إبراهيم عبد القادر المازني
ونزعم أنَّنا أمام واحدة من أجمل الصور التي نسجها شعراء العربية للتعبير عن شوقهم وعتاب أحبتهم، حيث سنجد الشاعر المصري الراحل عبد القادر المازني يقفز بين الخيبة والأمل.
وبين الألم ولذته معتمداً على تعاقب الشروق والغروب للتعبير عن الوصل والجفاء، يقول المازني:
وكنتُ إذا تمطى بي ظلامٌ أقولُ لكلِّ غاربةٍ شروقُ
فصرتُ أهابُ ضوءَ الشمسِ حتَّى كأنَّ عروقهُ الليل الغسوقُ
فهل لي عندكم شوقٌ كشوقي كأن القلب منه به حريقُ؟
ودادي ناشئٌ فاحننْ عليه كما يحنو على الطفل الشفيقُ
بأخلاقٍ كعهديها رقاق يضيقُ بها الزمانُ ولا تَضيقُ
ولا تسلِّمه للأيَّامِ إني أرى الأيَّام ديدنُها العُقوقُ
وصنْهُ في حجابِ القلبِ مثلي يظلُّ لهُ بقلبينا علوق
شروق نزار قباني
مع الشاعر السوري الراحل نزار قباني، نكتشف شروقاً من نوع آخر، فالشروق هنا شروق الأيدي التي لا تعدُّ ولا تحصى:
أيا امرأةً لا أزالُ أعدُّ يديها وأُخطئُ
بينَ شروق اليدينِ.. وبينَ شُرُوق النَهَارِ.
أيا ليتَني ألتقيكِ لخَمْسِ دقائقَ بين انْهِياري، وبينَ انْهِياري.
هي الحربُ تَمْضَغُ لحمي ولَحْمَكِ، ماذا أقولُ؟ وأيُّ كلامٍ يليقُ بهذا الدَمَارِ؟
أخافُ عليكِ. ولستُ أخافُ عليَّ فأنتِ جُنُوني الأخير
وأنتِ احتراقي الأخير... وأنتِ ضريحي.. وأنتِ مَزَاري.
شروق الحب عند محمود درويش وحنينه إلى الضوء
يصور الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش مشهد شروق الشمس بموسيقاه الأخاذة، ويسير بقصيدته حتَّى الغروب وحلول الليل، متسائلاً عمَّا قد يغيظ الناس والليل إذا استنار الشاعر بالوصال:
ماذا يثيرُ الناسَ لو سِرنا على ضوءِ النهار
وحملتُ عنكِ حقيبةَ اليد والمظلة؟
و أخذتُ ثغركَ عندَ زاويةِ الجدار... وقطفت قبلة؟
عيناكِ.. أحلم أن أرى عينيكِ يوماً تنعسان
فأرى هدوءَ البحرِ عندَ شروقِ شمسِ
شفتاكِ... أحلم أن أرى شفتيكِ حينَ تقبلان
فأرى اشتعال الشَّمس في ميلاد عرسِ
ماذا يغيظ الليل لو أوقدتِ عندي شمعتين؟
و رأيتُ وجهكِ حين يغسلهُ الشعاع
و رأيتُ نهر العاج يحرسه رخام الزورقين
فأعود طفلاً للرضاع
من بئر مأساتي أنادي مقلتيكِ، كي تحملا خمر الضياءِ إلى عروقي
ماذا يثير الناس لو ألقيتُ رأسي في يديكِ، وطويت خصركِ في الطريقِ.
رقصة الفجر والشاعر اليمني الراحل عبد الله البردوني
فانظري يا صديقتي رقصةَ الفجرِ على خضرةِ الحقولِ الوريقةْ
مهرجانُ الشروقِ يشدو، ويندى قبلاتٍ على شفاهِ الحديقةْ
فانهضي نلثم الشروق المغنّي، ونقبّل كؤوسه ورحيقه
واخطري يا صديقتي في طريق الـفجر كالفجر، كالعروس الأنيقةْ
عندما ألغت الشموس شروقها مع الشاعر السوداني معز عمر بخيت
و غرَّد المساءُ في سبأ، ما ضلَّ هُدهُدي و لا صبأ
لما رآكِ في زجاجِ عرشكِ المهيبِ ما اختبأ
لا جاء بالنبأ أو عادَ بالرسالة القديمة الأزلْ، لا ظلَّ لا ارتحلْ
من باب مندب البحار... للنهار
عند مدخل الأمل وأنت في محافل المُقلْ
سحابة من الضياء، حلَّة من الخجل
على امتدادكِ الشُّموس ألغتْ الشروقَ
عندما التقتْ بريقَ وجنتيكِ في زحلْ
الغزل والشروق عند عبد العزيز جويدة
أمَّا الشاعر المصري عبد العزيز جويدة، فيجعل من حبيبته مستقراً للشمس ومطلعاً لها، فمن عندها يبدأ كلُّ شيء، ومعها يكتشف الشاعر العشق ويتعلمه، يقول عبد العزيز جويدة:
تبدأُ الشمسُ مِن مُقلتيكِ الشروقْ
يبدأُ القلبُ بينَ يديكِ الخُفوقْ
ليسَ للبحرِ قلبٌ، ولا للشواطئِ مثلي ضُلوعْ...
يَستحيلُ الرجوعْ.
أنتِ أوَّلُ ما قد تَعلَّمتُ في العشقْ، وأولُ غَيثِ الدُّموعْ
أنتِ أولُ حَرفٍ بهِ قد نَطقْتُ، وأولُ شمسٍ رأيْتُ
وأولُ صدرٍ عليهِ ارتميْتُ...
وأولُ نبعٍ رواني، ومِحرابِ عشقٍ تَعلَّمتُ فيهِ الخشوعْ
شروق أنثى الغروب للشاعر السوري علاء الدين عبد المولى
آسرٌ أنْ تقفَ الأنثى على ساقَيْن من جمر النَّشيدْ
تتملّى عريَها الصَّاحي، وترميني بعينيها.
أماناً يا شتاء القَلْب... فالقلبُ -وإن كان قديماً- زهرةٌ يقطُفها حبٌّ جديدْ
اسلمي يا امرأةَ الشِّعرِ، لماذا لا نعيدُ الآن تفاح المسَّرةْ؟
شاعرٌ ينزف شِعرَهْ، وجموح أنثويٌّ يوقظ النَّحلةَ في بستانها ويسمي الشَّجَرَةْ
يا هواء الرِّئة المنكسرَةْ.
هذه مائدةُ الألفة يا شمس الغروبِ... احرسي وجهَ حبيبي
وأطيلي الظّلَّ حتى ينحني النَّهدان في ضوء من السِّرِّ،
ويستكملَ فينا جسدُ الشَّمعة إيقاع اللَّهيبِ.
طالب همَّاش، التفاح من جهة الشروق
هيَ منْ رأتْ في الليلِ يوسفَ طالعاً كالبدرِ (أجملَ من غروبِ الشمس)
نادته فلم تسمعْ سوى نغمٍ يذيبُ طهارةَ الأزهارِ في ماءِ الشموعِ
ويستديرُ على محياه الهلالْ.
هي مَن رآها الصبحُ... (أجملَ من شروقِ الشمس)
طافيةً أنوثتها على التفاحِ
ناداها فلم يسمع سوى رجعِ التأوّه في المدى..
وتراكضَ الليمونُ في سهلِ البقاعِ
شبيهَ صفرتهِ.... لينحتَ من دموعِ اليأسِ أنصابَ الظلالْ!
هي من رأتهُ.. هو ما رآها..
هي ما رأتهُ.. هو من رآها..
لكنما قمرُ المواويلِ اشتهاها
وهي تغسلُ في مياهِ النهرِ صلصالَ الأنوثةِ
إذ تراءتْ عضّةُ الشمسِ الصغيرةُ تحتَ نهديها لهُ
حمراءَ كالتفاحةِ البكر التي ما مسّها ضوء ولا قطفتْ يدانْ!
ومن أبرز قصائد التأمل ووصف الطبيعة ما جاء في وصف الغروب
وللغروب عند الشعراء مناظر ومشاهد مختلفة، حيث كان مبهجاً لبعضهم ومحزناً لآخرين، لكن في كلتا الحالتين قام الشعراء بالاعتماد على وصف الغروب وصفاً شاعرياً لا يخلو من الشجن.
وهذا ما نجده في قول الشاعر اللبناني الراحل خليل مطران الذي يأخذ من الغروب عبرةً ومعنى، فعلى الرغم من كآبة الشاعر الواضحة في الأبيات، إلَّا أنَّه يصف الغروب بطريقة شاعرية في النهاية، يقول مطران:
يا للغُرُوبِ ومَا بِهِ مِنْ عَبْرَةٍ للِمُسْتَهَامِ وعِبْرَةٍ لِلرَّائي
أوليسَ نَزْعاً لِلنَّهَارِ وصَرعَةً لِلشَّمْسِ بين مآتمِ الأَضْوَاءِ
أوليسَ طَمْساً لِلْيَقِينِ ومَبْعَثاً للِشَّكِّ بين غلائلِ الظَّلْمَاءِ
أوليسَ مَحْواً لِلْوُجُودِ إِلى مَدىً وَإبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ
حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيداً لَهَا وَيَكونَ شِبْهَ الْبَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ وَالْقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ
وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائِي
وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْنِي يَسِيلُ مُشَعْشَعاً بِسَنَى الشُّعَاعِ الْغَارِبِ المُتَرَائِي
وَالشَّمْسُ فِي شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ فَوْقَ الْعَقِيقِ عَلى ذُرىً سَوْدَاءِ
مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّراً وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ
فَكَأَنَّ آخِرَ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ مُزِجَتْ بِآخِرِ أَدْمُعِي لِرِثَائِي
وَكأَنَّنِي آنَسْتُ يَوْمِيَ زَائِلاً فَرَأَيْتُ فِي المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي
محمد بن علي السنوسي
في قصيدة الشاعر السعودي الراحل محمد بن علي السنوسي، سنجد وصفاً بديعاً للغروب، أقل كآبة وأكثر شاعرية مما قرأناه لدى خليل مطران، يقول السنوسي:
أراقَ على البحرِ ذوبَ الذهبْ وفاضَ على مَوجهِ واضطربْ
ورقرقَ صهباءَهُ فاحتستْ ثغورَ الذُّرى وشفاهُ الصببْ
وألقى على الشَّمسِ مِن لونِهِ رِداءً وقبَّلها، وانجذَبْ
جَلاها على الأُفقِ ياقوتَةً توهَّج منها السَّنا والتَهبْ
وسَالَ على الموجِ مِن لونِها شعاعٌ تَرَاقص فيه الحَببْ
فيالكَ من منظرٍ ساحرٍ نَعِمتُ به لحظةً واحتجبْ
أغنيات الشمس عبد الله عبد الوهاب نعمان
أغنياتُ الشمسِ لا يعزفها غيرُ قلبٍ فيه فجرٌ وشروقْ
وحديثُ النجمِ لايرويه منحدرٌ يمضغُهُ عمقٌ سحيقْ
في الثرى تلصقُهُ نفسٌ ترابيةٌ فهو على الأرض لصيقْ
جاهلٌ .. ما نفسه يحسبها جهله مأذنةً وهي طريقْ
راشد الزبير السنوسي
للهِ ما أحلى سَجو الغُروبْ إنْ لاحَ في الأُفقِ القَريب القَريبْ
يُضفي عَلى الأجواءِ مِن روحهِ نُورًا يشيعُ الأمنَ بينَ القُلوبْ
أحبُّه رغم الذي قلتُه عنهُ وما لاحظتَهُ مِن شحوبْ
أمّا الذي قد طار عَن عُشه فعن قريبٍ يا رفيقي يؤوبْ
فإلفه في صمته قابعٌ يكادُ من حُزنٍ عليه يذوبْ
يرنو بعيني طامحاً للسهى وقد تنامى في الحنايا شبوبْ
الغروب والكآبة
لأن الألم أجنحة الشعراء، سنجد أنَّهم لا يدخرون رمزاً ليعبروا عن اليأس والكآبة التي تعتريهم، فما بالكم إذا كنا نتحدث عن غروب الشمس وشروقها.
وهو الرمز الغني الذي يعبر عن النهاية والغياب باختفاء النور، وهذا ما عبرت عنه الشاعرة العراقية الراحلة نازك الملائكة:
أيّ معنى هاجَ في نفسي الغروبُ؟ أجفلتْ في جسدي منه الحياةْ
وسرى في مسمعي همسٌ غريبٌ كلُّه هولٌ ورعبٌ وشكاةْ
واعتراني خاطرٌ مشجٍ رهيب وتجلّى لخيالاتي المماتْ
ها أنا وحدي تناجيني غمومي وكآباتي وأشباحُ الفناءْ
كلُّ ما حولي مثير للوجومِ... مصرعُ الشَّمس وأحزانُ المساءْ
عبثاً أطردُ عن نفسي همومي عبثاً أرجو شعاعاً من رجاءْ
غرقتْ أحلامُ قلبي في الغيومِ وتلاشتْ مثل أحلامِ الضياءْ
لا فرق بين الشروق والغروب عند الشاعر اللبناني الراحل رشيد أيوب
تأتي وتمضي الشّمسُ لكنّما عندي شروقُ الشمسِ مثل الغروبْ
هذا يُزيح النومَ عن مُقلتي وذاكَ يُدمي القلبَ حتَّى يذوبْ
عند الضحى أشتاقُ يا مهجتي وفي الدجى بينَ الدراري أجوبْ
أنوح بالأشعار بَعد النّوى وأرقُبُ الأيّامَ حتّى تؤوبْ
لو كان نوحي عند الورى ذنباً لكنتُ اليومَ كلّي ذنوبْ
لكن عزاء القلب أنّ الأسى قد صار شعراً عشقتهُ القلوبْ
أيضاً الشروق والغروب نتيجة لبعضهما عند الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري
أجِدُّ وأعلمُ عِلمَ اليقين بأنيّ من الدَّهر في ملعبِ
وأنَّ الحياةَ حَصيدُ المماتِ وأنَّ الشروقَ أخو المغربِ!
إبراهيم ناجي البحر والغروب
قلتُ للبحر إِذ وقفتُ مساءَ، كم أطلتَ الوقوفَ والإصغاءَ
وجعلتَ النسيم زاداً لروحي وشربتَ الظلال والأضواءَ
لكأنّ الأضواءَ مختلفاتٍ جَعَلَتْ منكَ رَوْضَةً غَنّاءَ
مرَّ بي عطرُها فأسكر نفسي وسَرى في جوانحي كيفَ شاءَ
نشْوة لم تطل صحا القلبُ منها مثل ما كان أو أشدّ عناءَ
كلَّ يومٍ تساؤلٌ .. ليت شعري من ينبِّي فيحسن الإِنباءَ؟!
ما تقول الأمواجُ! ما ألَمَّ الشمسَ فولَّتْ حزينةً صفراءَ
تركتنا وخلفتْ ليلَ شكٍّ أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ
وكأنَّ القضاءَ يسخر مني حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ!
غروب عدنان الصائغ
الشاعر العراقي عدنان الصائغ لا يتحدث هنا عن الغروب الذي ألفناه من الشمس، بل يتحدث عن غروب العمر وسرعة انقضائه، كأنَّه يوم واحد لا غير، بدأ وها هو ينتهي:
ما أسرع ما غادرتُ حدائقَ اللعبِ لأبيعَ السجائر
ما أسرع ما ضاقَ علي قميصُ المدرسة، ليعلّقني مسمارُ الوظيفة من ياقتي!
ما أسرع ما كلّلتْ ثلوجُ السنواتِ الحامضة مروجَ شعري،
فتأبطني موظفُ التقاعدِ، إلى الغروبِ وأضابيرِ الأطباءِ ومقاهي الندمِ
ما أسرعَ ما دقَّ جرسُ رحيلها وأنا لمْ أكملْ بعدُ، أبجديةَ أنوثتها
فدرّسوني شخيرَ اللغة
ما أسرعَ ما انفضَّ الحفلُ لأبقى وحيداً.. في حانةِ القصيدة
طافياً على رغوةِ التصفيق
ما أسرعَ ذلك... ما أسرعَ ما مرَّ ذلك
إلى حدِّ أنني أخشى أن أفتحَ قبضتي، لأصافحكِ
فتفلتُ السنواتُ الباقية!!.
غروب الشباب عند غازي القصيبي
هذي حديقة عمري في الغروب.. كما رأيـتِ مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ
الـطيرُ هَـاجَرَ.. والأغـصانُ شاحبةٌ والـوردُ أطـرقَ يـبكي عـهد آذارِ
لا تـتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي فـبـين أوراقِـهـا تـلقاكِ أخـباري
وإنْ مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بطلاً وكــان يـمزجُ أطـواراً بـأطوارِ
ومن بين الرموز العديدة للشروق والغروب ما يستخدم في الرثاء
وبما أن الشعراء استخدموا الشَّمس غالباً للتعبير عن الأشياء أو الأشخاص بصفة إيجابية، سنجدهم يستخدمون غيابها للتعبير عن الحزن في الرثاء بطريقة بديعة أيضاً، كقول الشاعر اللبناني الراحل خليل مطران:
يا كوكباً سلبَ العيونَ ضياءها عجب غروبكَ والأوانُ شروقُ
أورثت أسرتكَ الوفيَّة حسرةً راعت بقسوتها وأنتَ رفيقُ
أمير الشعراء أحمد شوقي في رثاء الزعيم الوطني سعد زغلول
شيَّعوا الشَّمسَ ومالوا بضُحاها وانحنى الشَرقُ عَليها فبكاها
جَلَّل الصبحَ سواداً يومُها فكأنّ الأرضَ لمْ تَخلَع دُجاها
انظروا... تلقوا عليها شفقاً من جراحاتِ الضحايا ودِماها
الغروب والوطن في قصيدتي فاروق جويدة وسميح القاسم
لم يغب رمز الغروب والشروق، أو ما يمكن أن نسميه "أحوال الشمس" عن القصيدة الوطنية، ونقدم قصيدتين تمثلان هذه الرموز بشكل بديع ورائع.
كما تختلفان عن بعضهما في وصف أحوال الشمس، فالشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم يحدثنا عن شروقٍ لا بد منه بعد غروبٍ لا بد منه، غروب الاحتلال وشروق شمس النصر، يقول القاسم:
يا حائرين في مفارق الدروبِ !...
لا تسجدوا للشمسِ، لن يرقى لها صدى صَلاتكم
بينكمُ و بينها سقفٌ من الذنوبْ
لا تسكبوا الدموع، لن ينفعكم ندمْ، الشَّمسُ في طريقها راسخةُ القدمْ
لا تركعوا.. لا ترفعوا أيديكم إلى السماء، تدمّرتْ و اندثرت أسطورة السماء
و أطرقتْ على متاه بؤسكم جنازة الهباء
يا حائرين في مفارق الدروبْ !
أغواركم خاوية.. إلا من الخواء، صلاتكم خاوية.. إلا من الخواء
يا ويلكم ! يا ويلكم
سرعان ما تغوص في أعماقكم أظافر الغروبْ !
يهوشَعٌ ماتَ
فلا تستوقفوا الشمس، و لا تستمهلوا الغروبْ
سور أريحا شامخٌ في وجهكم إلى الأبد
يا ويلكم ! يا ويلكم !
سرعان ما تغوص في أعماقكم أظافر الغروب
يَهوشَعٌ راح.. و لن يؤوب... يهوشع مات
أحوال الشمس عند فاروق جويدة
أما في قصيدة الشاعر المصري فاروق جويدة فنحن أمام معانٍ مختلفة لأحوال الشمس، إنَّه تيه الشمس في السماء، حيث أضاعت شمس المدينة مشرقها وأغرقتها في الظلام، يقول جويدة:
الأرضُ يا موسى تضجُ من الجماجمِ والسجون
أطفالنا عرفوا المشانقَ... ضاجعوا الأحزانَ في زمن الجنون
والشمس ضلت في الشروقِ طريقَهَا، فهوت على شطِّ الغروب
وتأرجحت وسط السماء
ما بين شرقٍ جائرٍ... ما بين غربٍ فاجرٍ
الشمسُ تاهت في السماء
ما عاد فيكِ مدينتي شيءٌ ليمنحنا الضياء
فالليل يحملُ كالضلالِ سيوفه... وبحارُنا صارت دماء
من ينقذ الشطآن من هذي الدماء
ختاماً.... كما رأينا، لكل شاعر رؤيته وطريقته في استخدام الرمز، ما يجعل الصورة نفسها تأخذ دلالات مختلفة، فعلى الرغم من دقة حركة الأجرام السماوية في المجموعة الشمسية بما نسميه شروقاً وغروباً.
لكن هذه الدقة تسقط أمام رمزية الشعراء. نترككم مع قصيدة للشاعر أبو العتاهية من القرن الثامن الميلادي، الذي يرى أيضاً في الشروق والغروب حكمة تستحق التأمل والتفكير؛ فيقول أبو العتاهية:
ألاَ للهِ أَنْتَ مَتَى تَتُوبُ وقد صبَغَتْ ذَوائِبَكَ الخُطوبُ
كأنّكَ لَستَ تَعلَمُ أي حَثٍّ يَحُثّ بكَ الشّروقُ، كما الغُروبُ
ألَسْتَ تراكَ كُلَّ صَبَاحِ يَوْمٍ تُقابِلُ وَجْهَ نائِبَةٍ تَنُوبُ
لَعَمْرُكَ ما تَهُبّ الرّيحُ، إلاّ نَعاكَ مُصرِّحاً ذاكَ الهُبُوبُ
ألاَ للهِ أنْتَ فتىً وَكَهْلاً تَلُوحُ عَلَى مفارِقِكَ الذُّنُوبُ
هوَ المَوْت الذي لا بُدّ منْهُ، فلا يَلعَبْ بكَ الأمَلُ الكَذوبُ
وكيفَ تريدُ أنْ تُدعى حَكيماً، وأنتَ لِكُلِّ مَا تَهوى رَكُوبُ
وتُصْبِحُ ضاحِكاً ظَهراً لبَطنٍ، وتذكُرُ مَا اجترمْتَ فَمَا تَتُوبُ
أراكَ تَغيبُ ثمّ تَؤوبُ يَوْماً، وتوشِكُ أنْ تغِيبَ ولا تؤُوبُ