أجمل قصائد وأبيات مصطفى صادق الرَّافعي
This browser does not support the video element.
يقول الشَّاعر المصري مصطفى صادق الرَّافعي في تقديمه لديوانه:
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
"فما الشِّعر إلا لسانُ القلب إذا خاطب القلب، وسفير النَّفس إذا ناجت النَّفس، ولا خير في لسانٍ غير مبين، ولا في سفيرٍ غير حكيم، ولو كان طيراً يتغرد لكان الطبع لسانه، والرأس عشه، والقلب روضته، ولكان غناؤه ما يسمعه من أفواه المجيدين من الشُّعراء".
فقد الرَّافعي سمعه نتيجة إصابته بالحمى التيفية في شبابه
مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرَّافعي، ولد في محافظة القليوبية المصرية عام 1880 لأبوين من أصول سورية، ولم يتلقَّ الرَّافعي من التعليم إلَّا الابتدائي.
أصيب مصطفى الرَّافعي بمرض الحمى التيفية (Typhoid fever) في شبابه مما أدى إلى فقدانه السمع تماماً وهو في الثلاثين من عمره تقريباً.
لكن هذا المصاب لم يثنِ الرَّافعي عن التمسك بمشروعه الفكري والأدبي، فاستمر بالكتابة وعرج على معظم فنونها.
توفي الرَّافعي في العاشر من أيار/مايو عام 1937 عن ثلاث سنواتٍ قبل إتمام عقده السادس، وترك وراءه مجموعة مهمة من المؤلفات أبرزها ديوان شعره "كتاب المسكين".
إضافة إلى ثلاثية وحي القلم (اليمامتان، الطفولتان، في الربيع الأزرق).
مصطفى صادق الرافعي سوريّ مصريّ نظم النَّشيد الوطني التُّونسي
لم يكن الشِّعر وحده ما أنتجه الرَّافعي، بل لم يهتم بالشِّعر اهتمامه بالنثر، وقد جمع ديوانه عام 1905 فطبعته مطبعة الجامعة في الإسكندرية بعد أن شرحه محمد كامل الرَّافعي.
ومن شعر مصطفى صادق الرافعي عن الوطن عندما نظم النشيد الوطني التونسي مستعيناً ببيتين من الشَّاعر التونسي أبو القاسم الشابي:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَدَرْ
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
حُماةَ الحِمى يا حُماةَ الحِمى هلموا، هلموا لمَجدِ الزمنْ
لقدْ صَرخَتْ في عُروقِنا الدِما نَموتُ نموتُ ويَحيا الوَطنْ
بِلادي احكُمي واملُكي واسعَدي فَلا عَاشَ مَنْ لمْ يَعشْ سيــّدا
بحرُّ دمي وبِما في يَدي أنا لبلادي وحزبي فدا
لكِ المَجدُ يا تُونس فاستمجِدي بعزَّة شَعبِكِ طُولَ المَدى
وكان الرَّافعي من دعاة التجديد في الشِّعر على الرغم أنَّه بدأ مشواره مع الاتباعية كمعظم شعراء عصره، ويرى البعض أن ما جعل الرَّافعي يهتم بالنثر أكثر من الشِّعر إنَّما رغبته في التخلص من القيود التي تفرضها القصيدة العمودية.
وإذا أعدنا النظر إلى الأبيات السابقة (أبيات النشيد التونسي) سنتمكن من ملاحظة ثورة الرَّافعي على قواعد الاتباعية المتمثلة بوحدات البحر والبيت والقافية.
وفيما يلي سنقدم لكم أبرز قصائد الرَّافعي لنتعرف وإياكم أكثر إلى موضوعات الرَّافعي وأسلوبه.
أبواب الشِّعر عند مصطفى صادق الرَّافعي
اعتمدنا في نقل هذه النصوص على ديوان محمد صادق الرَّافعي المنشور سنة 1322ه/1905م مطبعة الجامعة في الإسكندرية، وقد قام الشَّاعر نفسه والشَّارح محمد كامل الرَّافعي بتقسيم الديوان إلى عدَّة أبواب حسب الموضوع، لذلك ارتأينا أن نسير على خطى الشارح وبالترتيب ذاته، وهذه الأبواب هي:
- الباب الأول في التهذيب، يلحق به فصل للحكمة.
- الباب الثاني في المديح.
- الباب الثالث في الوصف.
- الباب الرابع في الغزل والنسيب.
- الباب الخامس في الأغراض والمقاطيع.
- الباب السادس في الرثاء.
شعر محمد صادق الرَّافعي في التربية والتهذيب
كان الرَّافعي من الأدباء الذين يؤمنون بدور الأدب في تهذيب النفوس، ما جعله يوجه العديد من قصائده إلى الناشئين، ويحمِّلها رسائل من الحكمة والنصيحة والتهذيب، فكان في ديوانه لهم بابٌ كامل، ومنه قوله:
لكلِّ فتى مِن الدُّنيا كمالُ فما نقصَ الوَرى إلَّا الفعالُ
ومَن لم يُرشدوهُ في صِباهُ تحكَمَ في شِيبتهِ الضَّلالُ
فما قلبُ الصَّغيرِ سِوى كتابٍ تسطرُ في صَحائفهِ الخِلالُ
ونَفسُ المرءِ في جنبَيهِ نَصلٌ ولسنَ بغير حَاملها النِّصالُ
فكمْ رجلٍ تَرى فيهِ صَبياً وكَم مِن صبْيةٍ وهمُ رِجالُ
وإنْ هيَ لمْ تَكنْ صُقلتْ طَواها عَلى صَدِئ فَما يُجدي الصِّقالُ
ومَن لمْ يغذِّهُ أبواهُ طفلاً هَوى العلياءِ، أسقَمهُ الهُزالُ
ومن أقوال مصطفى الرافعي في الاعتماد على النفس وقيمة المعارف:
المرءُ يمنَّى بالرَجَا واليَاسِ ويَضيعُ بَينَهُما ضَعيفُ البَاسِ
فإذا عَزمتَ فلا تَكُن مُتردداً فَسدَ الهَوى بتَردُدِ الأنْفاسِ
وإذا استَعنتَ فبالتجَارِبِ إنَّها للنَّفسِ كالأضراسِ للأضراسِ
وعلامَ تَرْجو النَّاسَ في الأمرِ الذي يعنيكَ أنتَ وأنتَ بعضُ النَّاسِ
النَّفسُ قوسٌ والعَزيمة سَهمُها فارمِ الرَجا مِن هَذهِ الأقواسِ
وأضئ حَياتكَ بالمَعارفِ إنَّما هي في ظَلامِ العمرِ كالنِّبراسِ
واجعل أساسَ النَّفسِ حُبَّ اللهِ إذ لا خيرَ في بيتٍ بغيرِ أساسِ
وعن قيمة المعارف يقول الرَّافعي أيضاً:
إن المَعارفَ للمَعالِي سَلمٌ وأُلو المَعارِفِ يُجهدونَ ليَنعَموا
والعِلْمُ زِينةُ أهلِهِ بينَ الوَرى سَيانَ فيه أخو الغِنى والمُعدمُ
فالشَّمسُ تطلعُ في نَهارٍ مُشرقٍ والبَدرُ لا يُخفيهِ ليلٌ مُظلمُ
لا فَخرَ في نَسبٍ لمن لمْ يفتَخِرْ بالعِلمِ لَولا النَّابُ ذُلَّ الضَّيغمُ
وأخو العُلا يَسعى فيدرِكُ ما ابتغَى وسِواهُ مِن أيامِهِ يتظلَّمُ
والخَامِلونَ إذا غَدوتَ تلومُهمْ حَسِبوكَ في أسماعِهم تترنَّمُ
في النَّاسِ أحياءٌ كأمواتِ الوَغى وخزَ الأسنَّةِ فيهم لا يؤلمُ
فاصدمْ جَهالَتهم بعلمكَ إنَّما صدمُ الجَهالةِ بالمعارِفِ أحزَمُ
واخدم بلاداً أنتَ مِن أبنائِها إنَّ البِلادَ بأهلها تتقدَّمُ
واملأ فؤادكَ رَحمةً لذوي الأسَى لا يَرحمُ الرَحمنُ مَن لا يَرحمُ
وعن العلم والعمل به ونقله إلى الآخرين أورد الرَّافعي في فصل التهذيب هذه الأبيات:
آفةُ العَالَمِ أنْ لا يَعمَلا وشَقا الجَاهِل أنْ لا يَسألا
إنَّما العِلمُ كمثلِ المَالِ لا تنفَعُ الأموالُ حتَّى تُبذَلا
ولكلِّ النَّاس فقرٌ شَاملُ والغَنيُّ فقرهُ أنْ يَبخلا
وأخو العِلمِ كرب المَالِ لا يَستَزيدُ المَالَ حتَّى يعمَلا
والكَسولُ يتغنَّى آخراً بالذي قدْ علموهُ أولا
وإذا كان مِن العِلم شَقا فنعيمُ المرءِ في أن يَجهَلا
حَاملُ العِلمِ ولمْ يعملْ بهِ كالحِمارِ حَامل ما حُمِّلا
وإذا لم يَكُ إلَّا عِلمهُ كانت الأوراقُ مِنهُ أفضَلا
خابَ مَن قالَ ولمْ يَفعل فما يفلحُ القائلُ حتَّى يَفعلا
أبيات في الحكمة لمصطفى صادق الرَّافعي
يعتبر مصطفى صادق الرَّافعي من حكماء الأدب في عصره، وسنرى ذلك من خلال الأبيات التي سنوردها لكم فيما يلي، علماً أن الحكمة في ديوان الرَّافعي جاءت ببابٍ ملحقٍ بفصل التهذيب.
ولم تكن قصائد التهذيب خالية من الحكمة، كما لم تخلو قصائد الفصول الأخرى منها.
هذه الأبيات لشاعرنا الرَّافعي يخاطب فيها من افتخر بنسبه وأجداده ولم يكن أهلاً للفخر بذاته:
يا مَن يَرى الفَخرَ بأجدادِهِ لَستَ مِن الأجدادِ لو تَدرِي
وما أرَى أعجَبَ مِن جَدوَلٍ يَنضُبُ والأمواهُ في النَّهرِ
فاتركْ عِظامَ النَّاسِ في قَبرِها ولا تَقُلْ زَيدي ولا عَمري
إنْ كانَ بالعظمِ فَخارُ الفَتَى فمَا أحقَّ الكَلبَ بالفَخرِ
وعن الغنى والفقر يقول مصطفى الرَّافعي:
أرَى الدُّنيا تؤولُ إلى زوالِ وينضمُ الأميرُ إلى الحَقيرِ
فإنْ كانَ الغِنى كالفَقرِ يفنى فمَا شَرفُ الغَني عَلى الفَقيرِ
ويقول الرَّافعي في باب الحكمة أيضاً:
إذا مَا دَعاكَ الحَقُّ للظُلمِ مرَّةً وقدْ كنتَ ذا حِلمٍ فلا تَكُ ذا حِلمِ
فإنَّ مِن الإشفاقِ إن زَاغَتِ النُّهى عَن الحَقِّ مَيلُ المشفقينَ مِن الظُّلمِ
وللرَّافعي في المديح قصائد بديعة أيضاً
أجاد الرَّافعي المديح، فنمَّ عدداً من القصائد أبرزها ما مدح فيه الإمام محمد عبده مجدِّدُ عصره، كذلك مديحه لشاعر زمانه محمود سامي البارودي.
كما قال الرَّافعي يمدح الخديوي عباس حلمي الثاني عام1903 بمناسبة ذكرى جلوسه على الأريكة الخديوية:
وما النِّيلُ في مصرٍ سِوى دَمُ قَلبِها إذا حَفظوهُ دامتْ الرُّوح في مصرِ
يفيضُ بهِ في عَصرِ عَباسِ ما تَرى مِن العِلمِ ما كانَ من نبأ الخدرِ
فتى الملكِ لا عُسرٌ بعصرِكَ يُشتَكى وقدْ كَان هَذا اليَوم فاتحةَ اليُسرِ
تُضيءُ بكَ الأيامُ حتَّى كأنَّها دَياجي اللَّيالي قَابلتْ غُرَّةَ الفَجرِ
ويومَ تبوأتَ الأريكةَ سَطروا مَعاليَ هَذا الشَّعبِ في صُحفِ الفَخرِ
رأوكَ فَتىً فَوقَ المُلوكِ عَزيمةً وشَتانَ بَينَ العَصافيرِ والنَّسرِ
على حِلمِ عثمانٍ وهيبةِ حَيدرٍ وعَدلِ أبي حَفصٍ وحَزمِ أبي بكرِ
فدُمتَ مرجى في نبيَّكَ مهنئاً دوامَ جلالِ البَدرِ في الأنجُمِ الزُّهرِ
ومن شعر مصطفى صادق الرافعي ما قاله في مدح الإمام محمد عبده مفتي مصر آنذاك ومجدِّد عصره:
أذكيتَ للشُّركِ البَيانَ فذرَّهُ والنَّارُ لا تَبقي على الحَلْفاءِ
وأريتَنَا الخُلفاءَ فيكَ وإنَّا لنقولُ عنكَ خَليفة الخُلفاءِ
مَنْ مُبلغِ الدُّنيا بأنَّكَ مَجدُها والدِّينِ أنَّكَ مرغِمُ الأعداءِ
كَشفتْ لكَ الأشياءَ عمَّا أبطنتْ حتَّى تجليتَ بواطِنَ الأشياءِ
كما قال مصطفى صادق الرَّافعي يمدح الشَّاعر محمود سامي البارودي:
عَرفوا بهِ شِعرَ الفُحولِ وأهلهُ وسَجيةُ المطبوعِ والمتطبِّعِ
فلو أنَّ عَمْراً أسمَعوهُ حمَاسةً لحَما بهِ الصّمصامُ إنْ لمْ يقطعِ
أو أنشدوا المَجنونَ بَعضَ نَسيبهِ لنسيَّ بهِ لَيلى فلمْ يتفجَّعِ
لمْ أتلُ يَوماً آيةً من آيهِ إلَّا حَسبتُ الكَونَ يَتلوهَا مَعي
وأراهُ أحيَا للبَلاغَةِ دَولةً ماتَ ابن بُردٍ دُونها والأصمَعي
وأبيكَ لولا مكرماتِ بَيانهِ مَا كانَ في إحيَائها مِن مَطمَعِ
أشعار مصطفى صادق الرَّافعي في الوصف
لطالما شكَّل الوصفُ موضوعاً غنيَّاً لدى الشُّعراء، فكان للرافعي به شغلٌ واهتمام، فقال يصف الصور المتحركة المعروفة آنذاك باسم السنوغراف، وهي من أول شعره:
كيفَ فُؤادي والهَوى شَاغلُ يهيِّجهُ المنزِلُ والنَّازلُ
ما زلتُ أُخفيهِ وأُخفي بهِ في النَّاسِ حتَّى فُضحَ العَاذلُ
فعادنا المطلُ وعُدنا لهُ رُحماكَ فينا أيُّها الماطلُ
كلُّ امرئٍ أيامُهُ تنقَضِي لا أملٌ يبقى ولا آملُ
وما السنوغرافُ وما مثلتْ إلا الصَّدى ينقلُهُ النَّاقلُ
تُبعَثُ فيها أممٌ قدْ خَلتْ وتُجتلى في لندنَ بَابِلُ
كمْ مثَّلتْ مِن طَللٍ مَاثلٍ فكادَ يَحيَى الطَللُ الماثِلُ
كأنَّ فيها للهوَى مَنزلاً فكلُّ قلبٍ عندَها نَازلُ
قال الرَّافعي يصف القرية وفجرها والعيش فيها:
دُموعُ الفجرِ هَذي أمْ دُموعي تَرقرَقُ بَينَ أجفانِ الرَّبيعِ
مصفِقةً كصافيةٍ جَلالها بكؤسِهِ الخَليلُ على الخَليعِ
وهُنَّ من الأزاهرِ في شِفاهٍ كما تَحلو اللمى بَعدَ الهُجوعِ
وثديُ الرَّوضِ درَّ على جناهُ دُرورَ المرضِعاتِ عَلى الرَّضيعِ
ومدَّ اللَّيلُ أنفاساً عِذاباً كأنفاسِ المليحةِ للضجيعِ
ولاحَ الصُّبحُ يُسفرُ عن جبينٍ عَليهِ الشَّمسُ حَالية السُّطوعِ
وقد بكرتْ لتملأ جرَّتيها فتاةُ الرِّيفِ كالرَّشاء المروعِ
فورَّدتِ الطَّبيعة وجنتيها ونضَّرَ وجهَها الحَسنُ الطبيعي
تروحُ وتغتدي والزَّهرُ يرنو إليها في الذَّهابِ وفي الرُّجوعِ
وثغرُ النَّهرِ يبسِمُ عن لُماها وإنْ لمْ تشفِ ريقتهُ ولوعي
وتخبرنا النَّسائمُ عن شَذاها كمَا تَروي الهَواجِرُ عَن ضُلوعي
مكحلةٌ ولا كحلٌ ولكن سلِ الظبيَّاتِ عن ذَاكَ الصَّنيعِ
وقد مدَّت حواجبها شراكاً وطيرُ الروحِ دانيةُ الوقوعِ
قصيدة الشاعر مصطفى صادق الرافعي في وصف القصور والخيام:
أما حدَّثوكَ بأخبارِها وقدْ نَزلَ البَينُ في دَارِها
ليالي امرؤِ القيسِ بَينَ الخِيامِ يباهِي السَّماء بأقمارِها
فما لكَ تَذكرُ تِلكَ الدِّيارْ ومَالكَ تَبكي لتِذكارِها
وبينَ الضُلوعِ قُلوبٌ عَفتْ وضَنَّ الغَرامُ بآثارِها
قلوبٌ فزعنا بها للدموعِ فمَا أطفَأ الدَّمعُ مِن نَارِها
تهزُّ لها الغَانياتُ القُدودَ إذا ما تناجَتْ بأسرارِها
ألا فرعى اللهُ تلكَ القُصورَ وحلَّى السَّماءَ بأنوارها
يبيتُ يحنُّ لها جارها وإنْ لم تَحنَّ إلى جَارها
قصورٌ تدلُّ بأيامها دَلالَ الرِّياضِ بآذارها
إذا طَلعَ الصُّبحُ حَيتْ ذُكاءُ شُموس توارتْ بأستارها
تكادُ لرقَّةِ سُكانِها تَردُّ السَّلامَ لزوَّارِها
همُ علَّموهَا اجتِذابَ القُلوبِ وشَقَّ مَرائرِ نُظَّارها
وقد سَامحتها خُطوبُ الزَّمانِ وضنَّتْ عَليها بأكدارِها
ودارتْ بمعصَمِها كالسِّوارِ رياضٌ تَسامتْ بأسوارِها
تُحاكي المجرَّةُ أنهارها وتَحكِي النُّجومُ بأزهارِها
كَسَاها الشِّتاءُ ثِيابَ الرَّبيعِ وزرَّتْ عَليها بأزرارِها
أبيات الغزل لمصطفى صادق الرَّافعي
والرافعي هو القائل في الحبِّ "وكأنَّ الغَرامَ حينَ شرَى الأنفُسَ ألفَى الكِرامَ أرخَصَ رُوحا"
في باب الغزل نجد مصطفى صادق الرَّافعي عاشقاً فيلسوفاً، كواه الشَّوق وأخذه الغرامُ أسيراً، فنظم الرَّافعي في الغزل واصفاً ومشتكياً وناصحاً، ومن شعر مصطفى صادق الرافعي في الحب:
أرَى في ذَلك الثَّغرِ طَلا وشِفاهُك الكَاسُ
(الطلا: من أسماء الخمر)
فإنْ جُدتِ شُفيتُ وإنْ بَخلتِ أمضَّني الياسُ
وأحلَى الحُبّ ما كَانَ ولمْ يَعلمْ بهِ النَّاسُ
ويقول الرَّافعي وقد فارقه النَّوم مفارقة العاشقين:
يا طيرُ ما لِلنومِ قَدْ طَارا ومَا قَضينا مِنهُ أوطَارا
كأنَّ هَذا السُّهدَ لا يَأتلي يَطلبُ مِن أجفانِنَا ثَارا
إنْ كُنتَ ظَمآنَ فذِي دَمعِي تفجَّرَتْ في الأرضِ أنهارا
أو كُنتَ ذَا مَسبَغةٍ فالتَقِط حَبةَ قَلبي كيفَما صَارا
أو كُنتَ مُشتاقاً فكُنْ مِثلنا عَلى الهَوى يا طَيرُ صَبَّارا
وجَارني إنْ كُنتَ لي صَاحباً فإنَّ خيرَ الصُّحبِ مَن جَارى
يا طيرُ كَم في الحُبِّ مِن سَاعةٍ تَخالُ فِيها العُمرَ أعمارا
إن قُلتُ تُلهينِي بِها فِكرةٌ جَرتْ عَلى الأفكارِ أفكارا
أو قلتُ أنساها أقَامَ الهَوى مِن حَرِّها في القَلبِ تِذكارا
والصَّبُّ ما ينفكُّ في حِيرةٍ تزيدُهُ حُزناً وأكدارا
ما لي أرى الأطيارَ نواحةً كأنَّما فارقنَ أطيارا
وما لأغصانِ الرُّبى تلتقي كأنَّما يبثثنَ أسرَارا
فاسأل نسيمَ الصُّبحِ إن مرَّ بي هلْ حمَّلَتْهُ الغِيدُ أخبارا
وسلْ عن الدِّيارِ ويا ليتني أزورُ يوماً هذهِ الدَّارا
كأنَّها الجَنةُ لكنَّني أبطنتُ مِن وَجدي بها النَّارا
سَماؤها مُطلعةٌ أنجُما وأرضُها تطلعُ أقمَارَا
شعر الرافعي عن الشوق وهو من بديع غزله:
خَداكِ يا ذاتَ العيونِ الغَائراتِ النُّعَّسِ
كالوَردِ إلَّا أنَّهُ يَحميهِ لحظُ النَّرجسِ
أما وقدُّكِ وهوَ مِن تِلكَ الغُصونِ الميسِ
وشفاهكِ الحمراءُ والخمرُ الذي لمْ احتسِ
إني إذا رَقصَ القَوامُ ومَالَ تحتَ السُّندسِ
ونظرتُ ثغركِ ضَاحِكاً وبقيتِ لي لمْ تَعبسي
وسقيتِني رَاحَ الهَوى مِن غيرِ تِلكَ الأكؤسِ
لأرى الكَواكبَ خادماتِي كالجَوارِي الكُنَّسِ
وأظنني بَينَ الملوكِ مَليكَ كلِّ الأنفُسِ
وأرى بحبِّكِ كلَّ آنسٍ حاضراً في مَجلِسي
فصل الأغراض والمقاطيع في ديوان الرافعي
أما باب الأغراض والمقاطيع فمجموعة من قصائد الرَّافعي في مواضيع مختلفة، وبعض اشعار مصطفى صادق لرافعي قوله طالباً شفاعة الرَّسول:
دَعي همَّ الحياةِ لذي فؤادٍ فمَا تَركَ الغَرامُ لنَا قُلوبا
ولا تَنسي أخَاكِ وما يُعاني إذا ما كانَ في الدُّنيا غَريبا
فإنَّ المَرءَ يُنسى إن تناءى وتذكُرهُ صحابتهُ قَريبَا
رعاكِ اللهُ هل مثلي محبٌّ وقدْ أمسى مُحمَّدُ لي حَبيبا
شَفيعي يَومَ لا يُجدي شَفيعٌ وطِبي يَومَ لا أجدُ الطَّبيبا
وغَوثي حينَ يَخذِلُني نَصيري وغَيثي إنْ غدا رَبعي جَديبا
وآمن في حِماهُ ريبَ دَهري وحَادثهُ وإنْ أمسَى غَضوبا
وأذكرهُ فيفرجُ كلُّ خَطبٍ ولو كَانتْ رَواسِيها خُطُوبا
رسولَ اللهِ جئتكَ مُستغيثاً وجودكَ ضامنٌ أن لا أخيبا
وقال الرَّافعي في شخصٍ بخيل:
نقصُ البُخلُ ويومَ أتَى قيلَ أنَّ البُخلَ قدْ اكتَملا
لو رآهُ أهلُ مروٍ إذنْ ضربوه بينَهم مَثلا (مرو: بلاد اشتهر أهلها بالبخل)
وقال مصطفى صادق الرَّافعي يتمنى:
أتَمنَّى وكَيفَ لا أتَمنَّى أنْ لي في الأنامِ خِلاً وفيَّاً
وفؤاداً مُطهَّراً يلمحُ الدَّهرَ وأهليهِ راضياً مرضِيَّاً
ذاكَ المجدُ خَافقاً بعدَ مَوتي ونعيمُ الحياةِ ما دمتُ حيَّا
ختاماً .... قدمنا لكم أجمل ما قاله الرَّافعي من الشِّعر في مواضيع مختلفة، ونختم معكم هذه المادَّة بقصيدة كتبها مصطفى صادق الرَّافعي في رثاء عبد الرحمن الكواكبي.
الرَّافعي في رثاء عبد الرحمن الكواكبي:
لتَبكِ عَليكِ الصُّحفُ في كلِّ مَعركٍ إذا ما انتضى أقلامهُ كُلُّ كَاتبِ
فقدْ كَانَ إنْ هَزَّ اليَراعَ رأيتهُ يَصولُ بأمضى مِن فِرندِ القَواضِبِ
ولمْ يَكُ هَياباً إذا حَميَ الوَغى ورَفرَفتِ الأعلامُ فَوقَ الكَتائبِ
وكَانتْ سَجاياهُ كَما شَاءَها الهُدى وشَاءتْ لأهليها كِرامُ المَناقبِ
ولا بدعَ أن تُعزَى الكَواكبُ للعلى وقدْ نسبتهُ نَفسهُ للكواكِبِ
سلوا حامليهِ هَل رأوا حَولَ نَعشِهِ مَلائكةَ مِن حِاربٍ خَلفَ حَاربِ؟!
وهَلْ حَملوا التَّقوى إلى حُفرةِ الثَّرى وسَاروا بِذاكَ الطُودِ فَوقَ المناكبِ؟!