أبرز شعراء العراق وأجمل القصائد العراقية
This browser does not support the video element.
الشَّاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي
الشَّاعر العراقي محمد مهدي الجواهري
الشَّاعرة العراقية نازك الملائكة
الشَّاعر العراقي بدر شاكر السيَّاب
شكَّل العراق قطباً رئيسياً من أقطاب تطوير القصيدة العربية الحديثة، فإلى شعراء العراق يرجع الفضل في تطوير قصيدة الشعر الحر، كما أنَّ لشعراء العراق الاتباعيين وزنهم أيضاً في القصيدة العامودية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
سنتعرف معاً على أبرز شعراء العراق وأجمل قصائدهم وأجمل أبيات الشعر العراقي.
الشَّاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي
هو من أشهر اسماء شعراء العراق القدماء ولد جميل صدقي الزهاوي في عام 1863 لأسرة عراقية كردية الأصل وتوفي في عام 1936، بدأ بكتابة الشعر صغيراً وعُرف بتمرده وآرائه الفلسفية والدينية غير المألوفة ما جعله شاعراً فيلسوفاً.
كما كان الزهاوي البطل الرئيسي فيما يُعرف بمعركة السفور والحجاب في العراق مطلع القرن الماضي.
ثم حمل لواءها الشاعر العراقي معروف الرصافي بعد أن تجنب الزهاوي الخوض في موضوع الحجاب ربما خشية من ردَّة الفعل التي واجهها بعد دعوته لرفع الحجاب عن المرأة.
أدبياً؛ يعتبر جميل صدقي الزهاوي من خيرة شعراء العراق في عصره، حيث كان ذائع الصيت بشعره ونثره وآرائه الفلسفية، كما صدر له ديوان شعر ضمَّ معظم أشعاره عام 1924 عن المطبعة العربية بمصر لصاحبها خير الدين الزركلي.
وقام الزهاوي بترتيب ديوانه والتقديم له بنفسه، فوضع البيت التالي على غلاف الديوان:
إذا الشِّعرُ لم يهززكَ عِند سِماعِهِ؛ فلَيسَ خَليقاً أنْ يُقالَ لهُ شِعرُ
ومن أبيات جميل الزهاوي في الحبِّ والغرام قوله:
يرى النَّاسُ ما بي مِن جَوى وصبابَةٍ فيرجونَ لي السَّلوى وأنَّى ليَّ السَّلوى
ولا يعلمُ الصبُّ المصارِعُ للهوى أيقوى عليهِ أمْ عليهِ الهَوى يَقوَى
وددتُ لو أنَّ الحُبَّ يُقسِّم مُنصفاً فيسلبني عضواً ويتركُ لي عُضوا
وللزهاوي في الحبِّ والغرام الكثير من القصائد كما أفرد لها باباً مستقلاً في ديوانه، ومنها:
لي عندَكَ حقٌ أنشدُهُ، أتقرُّ به أم تجحدهُ؟!
لكَ في بغدادَ أخو شغفٍ ما بالُكَ لا تتفقَّدهُ
صبٌّ بفراقِكَ ما يشقَى إلَّا خيالكَ يُسعدهُ
وبما أنَّ جميل صدقي الزهاوي محسوبٌ على الشُّعراء الفلاسفة فسنجد له الكثير من القصائد التي تناقش مفاهيم الوجود والفلسفة، ولها بابٌ مستقل أيضاً في ديوانه، منها قوله بالموت:
يطفئُ الموتُ ما تُضيء الحَياةُ ووراءَ انطفاهُ ظلماتُ
إنَّ للنَّازلينَ في القَبرِ نوماً تنتهي في سكونِهِ الحَركاتُ
رُبَّ مالٍ يفنى ذَووهُ ويبقى وبناءٍ يَبقَى وتفنَى البُناةُ
إنَّ في الموتِ راحةٌ غيرَ أنَّ المرءَ قدْ لا ترضيهِ إلَّا الحَياةُ
لا أبالي إنْ مِتُّ جاورني في القَبرِ صَحبي أم جَاورَتني العُداةُ
أنا كالنَّاسِ حينما مِتُّ ماتتْ معَ نفسي الهُمومُ واللذَّاتُ
ومن أبرز موضوعات الزهاوي كانت شؤون الشرق والعرب، فنظم الكثير من القصائد في الفخر والحثِّ على استعادة الأمجاد، كما نظم قصائد التقريع ومنها قوله:
يا أمَّة الشَّرق انهضِي، أفيقي من طول نومٍ في الغداةِ عَميقِ
يا شرقُ أهلُكَ والجَهالةُ ضلة لا يهتدونَ لمنهجٍ مطروقُ
يا شرقُ إنَّ الغربَ بعدَ هُجوعِهِ دَهراً أفاقَ... أنتَ غير مفيقِ
يا شرقُ أنتَ على العٌقولِ مُضيِّقٌ والغَربُ مُبقيها بلا تضييقِ
الشَّاعر العراقي محمد مهدي الجواهري
محمد مهدي الجواهري من شعراء العراق المتوفين وهو من مواليد النجف صيف عام 1899، يعتبر أكثر شعراء العراق شهرة ونشاطاً في عصره خاصَّة وأنَّه يعتبر باحثاً في الشِّعر العربي وتطوره.
كما أنَّ الجواهري تنقل بين بلادٍ كثيرة مما أتاح له نقل شعره إلى خارج العراق، حيث استقر أخيراً في دمشق حتَّى وفاته عام 1997 قبل أن يتم مائة سنة بقليل.
كتب الجواهري بمواضيع مختلفة وله مؤلفات عديدة في الشِّعر والأدب إلى جانب ديوانه، أبرزها سلسلة الجمهرة التي راجع فيها تطور الشِّعر العربي منذ الجاهلية، واشتهر الجواهري أيضاً بقصائد المديح للزعماء وقصائد التغني بالمدن والبلدان.
ومن قصائد محمد مهدي الجواهري لدمشق آخر مدينة سكنها:
دِمَشْقُ عِشتُكِ رَيعاناً، وخافِقَةً ولِمَّةً، والعُيونَ السُّودَ، والأَرَقا
وها أَنا، ويَدي جِلْدٌ، وسالِفَتي ثَلجٌ، ووجهيَ عَظمٌ كادَ أو عُرِقا
وأنتِ لم تَبرَحي في النَّفسِ عالِقةً دَمي ولَحمِيَ والأنفاسَ والرَّمَقا
تُمَوِّجينَ ظلالَ الذِّكرَياتِ هوىً وتُسْعِدينَ الأَسى والهَمَّ والقَلَقا
فخراً دِمَشْقُ تقاسَمنا مُراهقةً واليَومَ نَقتَسِمُ الآلامَ والرَّهَقا
دِمَشْقُ صَبراً على البَلوى فكمْ صُهِرَتْ سَبائِكُ الذَّهبِ الغالي فَمَا احْتَرَقا
على المَدى والعروقُ الطُّهرُ يَرفدُها نسغُ الحياةِ بديلاً عن دَمٍ هُرِقا
وعندَ أعوادِكِ الخَضراءِ بَهجتُها كالسِّنديانةِ مهما اسَّاقَطَتْ ورَقا
ومن قصائد الجواهري البديعة قوله:
رمقَ الأُفقَ طَرفُهُ فترَامى، ورأى الحقَّ فَوقَهُ فتعامَى
كلَّ يوم للحاكمينَ كؤوس جرَّعوها الشُّعوبَ جاماً فجاما
كَذَب الخائفونَ ما الضَّيمُ ما، أيُّ شَعبٍ يُرضيهِ أنْ يُستضاما؟!!
إنْ حفِظتمْ على الصُّدورِ وساماً، فمِنَ الشَّعب قد أضعتم وساما
آيتا العرب في ندىً وزِحامٍ طيِّبوا ذِكرِكم وموتوا كِراما
أنا ذاكَ الحرُّ العراقيُّ إمّا حَنَّ يَستنهضُ العِراقُ الشَّاما
أمَّا في العشق فيقول الجواهري مخلِّداً نشيد الحبِّ:
تزاحمتْ الآمالُ حولكِ وانبرتْ قلوبٌ عليهنَّ العُيونُ شَواهدُ
مشتْ مُهجتي في إثرِ طرفِكِ واقتفتْ دليلَ الهَوى والكلُّ منهنَّ شاردُ
حُشاشَةُ نفسٍ أجهدتْ فيكِ والهَوى يطاردها عن قصْدِها وتطاردُ
أجابتْ نفوسٌ فيكِ وهي عصيَّةٌ ولانتْ قلوبٌ منكِ وهي جَلامدُ
أعلَّ السُّها مسرى هواكِ وأوشكتْ تَنازَلُ عن أفلاكِهنَّ الفَراقِدُ
ورغبَني في الحُبِّ أنْ ليسَ خالياً مِن الحبِّ إلا بارِدُ الطَّبعِ جامدُ
إذا كَانَ وحي الطَّرفِ للطَّرِفِ مُدْلياً بأسرارِ قلبيّنا فأينَ التَّباعدُ
أقاويل أهل الحُبِّ يفنى نشيُدها وأمَّا الذي تُملي الدُّموع فخالدُ
الشَّاعرة العراقية نازك الملائكة
ولدت نازك الملائكة في بغداد صيف العام 1923، وتابعت دراستها للأدب في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أتقنت الفرنسية والإنجليزية إلى جانب اللاتينية.
وعادت إلى العراق لتدرس اللغة العربية في كلية التربية في بغداد، ثم انتقلت للتدريس في الكويت منها إلى مصر، حيث توفيت في القاهرة عام 2007.
وتعتبر نازك الملائكة أبرز شاعرات عصرها، كما أنَّ الجدل ما زال قائماً حول مبتدع قصيدة الشِّعرِ الحرِّ؛ حيث تتنازع الملائكة مع بدر شاكر السيَّاب على الريادة في هذا المجال.
وتعتبر قصيدة الكوليرا هي أول ما قدمته الملائكة من نمط الشعر الحر:
سَكَن اللَّيلُ، أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْقِ الظلمةِ تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ، حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ، في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
ويمكن أن نلمس بصمة نازك الملائكة الخاصة في القصيدة العربية من خلال قصيدتها خمس أغانٍ للألم:
مُهْدي لَيالِينا الأسَى والحُرَقْ، سَاقي مآقينا كُؤوسَ الأرَقْ
نحنُ وَجدناهُ على دَربنا ذاتَ صَباحٍ مَطِيرْ
ونحنُ أعطيناهُ من حُبّنا رَبتةَ إشفاقٍ وركناً صَغيرْ
ينبِضُ في قلبنا..
فلم يَعُد يتركُنا أو يَغيبْ عن دَربنا مَرَّةْ
يتبعُنا ملءَ الوجودِ الرَّحيبْ، يا لَيتَنا لم نسقِهِ قَطرةْ
ذاكَ الصَّباحَ الكئيبْ
مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ، ساقي مآقينا كؤوس الأرَقْ
وكانت الشاعرة العراقية نازك الملائكة من دعاة السلام ونبذ الحروب:
أيهــا السَّـادرونَ فـي ظُلمـة الأرضِ كفاكم شَقاوةً وذُهُولا
احملوا نَادمينَ أشلاءَ مَوتَـاكُـم ونوحوا عَـلى القُبورِ طويلا
ضمِّخوهَا بالعِطرِ، لفُّوا بقاياها بزَهْر الكنارِ واليَاسَمينِ
واهتفوا حولها بأنشودة السلمِ ليهنا في القبر كلُّ حـزينِ
اجمعوا الصِّبيَّـةَ الصِّغارَ ليشدوا بلحونِ الصَّفاءِ والابتسامِ
أنقذوا الميّتين من ضجَّةِ الحَربِ ليستشعروا جمالَ السَّلامِ
فيمَ هَذا الصِّراعُ يا أيُّها الأحياءُ؟ فيمَ هذا القِتالُ؟ فسمَ الدِّماءُ؟
فيمَ رَاحَ الشُّبَّانُ في زَهرَةِ العمرِ ضحايا وفيمَ هذا العَداءُ؟
أهو حُبُّ الثَّراءِ يا عَجَبَ القلبِ وما قيمة الثَّراءِ الفاني؟
في غدٍ رحلةٌ فهل يدفَعُ الأمواتُ بالمالِ وحشةَ الأكفانِ؟
الشَّاعر العراقي بدر شاكر السيَّاب
ولد بدر شاكر السيَّاب في البصرة عام1926، ونمت ميوله إلى الأدب والشِّعر منذ صغره، كمَّا حملت قصيدته الكثير من ذكريات الطفولة في قريته جيكور.
وقد تطورت هذه الذكريات مع التجارب الجديدة في المدينة ليخلق السيَّاب عالمه الخاص، كما حمل السيَّاب هموماً اجتماعية ثقيلة تجلَّت في مرحلة متقدمة من حياته الشعريَّة.
لم يعش السيَّاب طويلاً، حيث أصيب بضمور في جسده ترافق مع آلامٍ قوية رافقته ثلاث سنوات حتَّى وفاته عام 1964، وكان السيَّاب قد كتب بعضاً من أروع قصائده عن فترة مرضه متشبهاً بالنبي أيوب وسمَّاها "سِفر أيوب".
أنشودة المطر للسيَّاب من أكثر قصائده شهرةً، ومنها:
أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطرْ؟
وكيفَ تنشجُ المزاريبُ إِذا انهمرْ؟
وكيفَ يشعرُ الوحيدُ فيهِ بالضَّياعْ؟
بلا انتهاء كالدَّمِ المراقِ، كالجياعْ
كالحُبِّ، كالأطفالِ، كالموتَى هو المطرْ
ومقلتاكِ بي تطيفان مع المطرْ
وعبر أمواجِ الخَليجِ تمسحُ البروقْ
سَواحلَ العِراقِ بالنُّجومِ والمحار،
كأنها تهمُّ بالشُّروقْ
فيسحب اللَّيلُ عليها مِن دمٍ دثارْ .
أصيحُ بالخليجِ: يا خليجْ، يا واهبَ اللؤلؤ والمحار والرَّدى
فيرجعُ الصّدى كأنّه النشيجْ :يا خليجْ، يا واهب المحار والردى!
أكادُ أسمعُ العراقَ يذْخرُ الرُّعودْ
ويخزِّنُ البروقَ في السُّهولِ والجِبالْ
حتَّى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرِّجالْ
لم تترك الرياح من ثمودْ في الوادِ من أثرْ .
أكادُ أسمعُ النَّخيلَ يَشربُ المطرْ
وأسمعُ القُرى تئنُّ، والمهاجرين
يصارعونَ بالمجاذيفِ وبالقلوعْ
عواصفَ الخليجِ والرعود منشدين:
مطر ...مطر ...مطر
وفي العِراقِ جُوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ، لتشبَعَ الغُربانُ والجَرادْ
وتطحنَ الشَّوانَ والحَجرْ، رحىً تدورُ في الحُقولِ حَولها بَشرْ
مطر ...مطر ...مطر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموعْ
ثم اعتللنا خوف أن نلامَ بالمطرْ
مطرْ ...مطرْ
ومنذ أنْ كُنَّا صغاراً كانت السماءْ تغيمُ في الشتاءْ
ويهطل المطرْ
وكلَّ عام حينَ يعشبُ الثَّرى نَجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ .
مطر ...مطر ...مطر
في كل قطرة من المطر
حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ
وكلِّ دَمعةٍ مِن الجياعِ والعُراة، وكلِّ قطرةٍ تُراقُ مِن دَمِ العَبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مَبسمٍ جَديدْ، أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فَمِ الوَليدْ
في عالَمِ الغَدِ الفَتيِّ واهب الحياة
مطر ...مطر ...مطر
سيُعشبُ العراق بالمطرْ...
ومن أسفار أيوب التي كتبها بدر شاكر السيَّاب خلال فترة مرضه:
لكَ الحَمدُ مهما استطالَ البَلاء، ومهما استبدّ الألم
لكَ الحَمدُ، إنَّ الرَزايا عَطاء وإنَّ المُصيبات بعضُ الكَرمْ
ألم تُعطني أنتَ هذا الظَّلام، وأعطيتَني أنتَ هَذا السَّحَرْ؟
فهل تشكُرَ الأرضُ قَطرَ المَطرْ، وتَغضَبُ إن لم يَجدهَا الغَمامْ؟!
شهورٌ طَوالٌ وهَذِي الجِراحْ تمزِّقُ جَنبي مِثلَ المُدَى
ولا يَهدأ الدَّاءُ عِند الصَّباحْ، ولا يمسحُ اللَّيلُ أوجاعَه بالرَّدَى
ولكنَّ أيَّوبَ إن صَاحَ صَاحْ: لكَ الحمدُ، إنَّ الرَزايا نَدَى
وإنّ الجراحَ هدايا الحبيبْ أضمُّ إلى الصَّدرِ باقاتِها
هداياكَ في خَافِقي لا تَغيب، هداياكَ مقبولةٌ، هاتِها
أشدُّ جِراحي وأهتفُ بالعائدينْ: ألا فانظروا واحسِدونِي
فهَذِي هَدايَا حَبيبي
وإنْ مسَّتْ النَّارُ حرَّ الجَبينْ، توهَّمتُها قُبلةً منكَ مَجبولَةً مِن لهيبِ.
جميلٌ هو السُّهدُ أرعى سماكْ بعينيَّ حتَّى تغيبَ النُّجومْ
ويلمسُ شبَّاكَ داري سَناكْ.
جميل هو اللَّيل: أصداءُ بومْ
وأبواقُ سيارٍة مِن بعيدْ، وآهاتُ مرضى، وأم تُعيدْ
أساطيرَ آبائها للوليد.
وغاباتُ ليلِ السُّهاد، الغيومْ
تحجّبُ وجه السماءْ وتَجلوهُ تَحتَ القَمرْ.
وإنْ صَاحَ أيوبُ كانَ النِّداء: لكَ الحَمدُ يا رَامياً بالقَدرْ
ويا كاتِباً بعد ذاك الشِّفاءْ.
الشَّاعر العراقي عبد الوهاب البياتي
من أبرز شعراء العراق، ولد عبد الوهاب البياتي في بغداد عام 1926 وتوفي في دمشق عام1999، حيث قضى المرحلة الأولى من حياته في بغداد ودرس فيها اللغة العربية إلى أن غادرها منفياً مطلع الستينيات.
يعتبر البياتي ركناً من أركان التجربة العراقية في الشعر العربي الحديث، وواحداً من ألمع الشعراء العرب الذين استطاعوا الوصول إلى العالمية في حياتهم من خلال ترجمة أعمالهم.
كما أنَّ البياتي كان يمتلك علاقات أدبية عميقة مع شعراء عصره البارزين أمثال الفيتوري ونزار قباني والسيَّاب ونازك الملائكة وشاذل طاقة وغيرهم.
عبد الوهاب البياتي سارق النار
دَاروا مَعَ الشَّمسِ فانهارَتْ عزائِمهمْ وعادَ أولهمْ ينعي عَلى الثَّانِي
وسَارقُ النَّارِ لمْ يبرَح كعادَتِهِ يُسابقُ الرِّيحَ مِن حانٍ إلى حَانِ
ولمْ تَزل لَعنةُ الآباءِ تتبعُهُ وتَحجِبُ الأرضَ عَن مِصباحِهِ القَانِي
ولمْ تَزل في السُّجونِ السُّودِ رائحةٌ وفي الملاجئ من تاريخِهِ العَانِي
مشاعِلٌ كلَّما الطَّافوتُ أطفأهَا عَادتْ تُضِيء عَلى أشلاءِ إنسانِ
عصرُ البُطولاتِ قدْ وَلَّى وهَا أنا ذَا أعودُ مِن عَالمِ المَوتى بخذلانِ
وحدي احترقتُ! أنا وحدِي! وكَمْ عَبرتْ بي الشُّموسُ ولمْ تحفَلْ بأحزاني
إني غفرتُ لَهم، إني رثيتُ لهم، إني تركتُ لهم يا ربُّ أكفاني
فلتلعب الصُّدفةُ العَمياءُ لعبتها فقدْ بَصقتُ على قَيدِي وسَجاني
ومَا عليَّ إذا عَادوا بخَيبَتهم وعَادَ أولُهم يَنعى على الثَّاني!
قصيدة المخبر للشاعر المنفي عبد الوهاب البياتي:
السَّيدُ البرميل... قفاُه بطنُهُ وبطنُهُ قفاهُ، ذَربُ اللِّسانْ
يحفظُ شِعر المتنبي، ويقول الشِّعر أحيانا بلا أوزانْ
لكنَّهُ يُخطِئ في الإملاءِ والإعرابِ
يلقطُ في عيونِهِ الحروفَ والخُطوطَ والأرقامْ
يُحصي نقودَ العَابرينَ وهي في جيوبِهم تَنقصُ أو تَزداد
يُعيدُ ما يَقولُ أو قَالهُ الإمامْ، في خطبةِ الجُمعة أو في مأتم يُقامْ
يتقنُ فنَّ الكَذبِ والتَّزويرِ في الأحكامْ
يركبُ كلَّ موجةٍ، لكنَّهُ يسقطُ قبل شَاطِئ الأمانْ
حضارة الغرب في عيون البياتي:
حضارةٌ تنهار
قلبٌ من الطِّين وعينانِ بِلا قَرار
يجفُ في بئريهما النَّهار
عاهرةٌ خلَّفها القِطار، في ليلِ أوروبا بِلا دِثار
تموتُ تحتَ البَردِ والأمطار
وددتُ لو صحتُ بها: أيَّتُها العَجوز
يا هتيكةَ الإزار، قدْ فاتكِ القِطار
الشَّاعر الوزير شاذل طاقة
ولد الشَّاعر العراقي شاذل طاقة عام 1929 في الموصل، تدرج في دراسته حتى حصل على شهادة اللغة العربية بدرجة ممتازة، ثم بدأ يشغل مناصب رفيعة في الدولة العراقية كان آخرها وزيراً للخارجية
حيث توفي في الرباط أثناء انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب عام 1974.
إلى جانب نازك الملائكة وبدر شاكر السيَّاب وعبد الوهاب البياتي يعتبر الشَّاعر الوزير شاذل طاقة من مؤسسي الشِّعر الحديث ورواده، لكنه كان أقلهم حظاً في الحياة فتوفي صغيراً بعد أن أصدر ثلاثة دواوين شعريَّة.
ومن أبرز قصائده قصيدة "قابيل في الدملماجة" وهي منطقة في الموصل:
قابيلُ يا قابيلُ طارَ الغراب، وماتَ هَابيلُ وجفَّ التُّرابْ
يونسُ كانَ هَهنا في المَساء، من هَهنا جرّوهُ عَبرَ الهِضابْ
ومزَّقوا عينَهُ، مصوا الدِّماء... من قلبه، حتَّى استحالوا اعواء
فازدحمتْ على الطَّريقِ الذِّئاب، تنهشه ... تنبح خُضرَ الثّيابْ
ومن قصائد شاذل طاقة أيضاً:
حزيناتٌ لَيالِينا، وليس بأفقنا نجمٌ ولا قمرُ
ومجدبةٌ مراعينا.. وبيَّارَاتُنا صَفراءُ تَنتَحِرُ
مقَطّعَةٌ أيادينا وفوقَ قُلوبِنا صَخَرُ
مُمُرَّغةٌ نَواصِينا فَلا فَخرٌ ولا عزٌّ.. ولا زهوٌّ ولا كِبَرُ
مسمَّمةٌ سَواقِينا وماءُ عيوننا كدرُ
كأنَّ عذابنا قدَرُ!!
ولكنّا سننتصرُ... سننتصرُ
لأنَّ إرادةً فينا قضتْ أنَّا سننتصرُ
لأنَّا وحدنا القَدرُ!
وقالوا: إنَّه قدرٌ. وهانوا!
فلا عاش الذليلُ ولا الجبانُ.
ختاماً... هذه الأسماء التي مررنا بها من خلال هذه المادة حملت مسؤولية تجديد الشِّعر العربي، وقدَّمت للقصيدة العربية الكثير، فلكلِّ شاعرٍ من شعراء العراق يدٌ بنَتْ أو زخرفت في صرحٍ شعري لا تخطئه عين، وما زال الشِّعر وفيَّاً لهؤلاء الشعراء حتَّى صارت أسماؤهم حاضرة دائماً عند الحديث عن الشِّعر العربي.