من لا ديني إلى البوذية ومنها إلى الإسلام كانت هذه الرحلة الطويلة التي خاضها الفنان البريطاني يوسف إسلام الذي كان اسمه كات ستيفنس، وتحول من الغناء إلى الدعوة إلى الإسلام وعمل على نشر تعاليم الإسلام حول العالم، في السطور التالية تعرف على مسيرته الفنية وقصة إسلامه.
حياة يوسف إسلام ونشأته
ستيفن ديمتري جورجيو هو مطرب بريطاني من أم سويدية وأب يوناني، ولد في 21 يوليو عام 1948 في مرليبون، وكانت عائلته تدير مطعمًا في لندن.
نشأ يوسف في بيئة مرهفة في أسرة مسيحية، ورغم أن والده يوناني أرثوذكسي، ووالدته معمدانية، ولكنه درس في مدارس كاثوليكية.
أحب يوسف الفن منذ صغره، وقد أصدر أول أغنية له بعنوان "أحب كلبي" عام 1966 ليواصل مسيرته في عالم الغناء، وفي عام 1967 كانت أغنياته ضمن قائمة أفضل 10 أغنيات في بريطانيا.
حياته الفنية
بدأ الفنان يوسف إسلام حياته الفنية في سن صغير، حيث كان يبلغ من العمر 18 عامًا، وأصدر عدة أغنياته، ولكن أغنيته "سأقتني بندقية" حققت له نجاحًا كبيرًا في بريطانيا.
بعدها بعام عانى يوسف من مرض السل، واضطر لإيقاف مشواره الفني لمدة عام تقريبًا، وبعد شفائه من المرضى الذي كاد يودي بحياته عاد إلى الغناء مرة أخرى وقدم أغنيات حققت نجاحًا ساحقًا، منها "عالم متوحش"، و"طلع الصباح".
كانت أغنيته "فاذر أند سن" التي أصدرها عام 1970 سببًا في شهرته الكبيرة، وقد أداها قبل اعتناقه الإسلام، وفي السبعينيات فاز بجائزة ألتون جو كأفضل كاتب أغاني في بريطانيا.
تميزت الأغنيات التي قدمها ستفينس بحسها الفلسفي العميق، وعن الحياة الموت والحياة بعد الموت، وقد باع أكثر من 60 مليون نسخة من ألبوماته.
رحلته إلى الإسلام
كان لتعليم يوسف إسلام في مدارس كاثوليكية تأثير على معرفته بالرب، فقد كان يؤمن أن الله موجود، ولكن لا يمكن الاتصال به مباشرة، ورغم تربيته الكاثوليكية إلا أنه لم يكن مقتنعًا بفكرة التثليث، وكان تقلقه وتحيره.
لم يحب يوسف النقاش مع والده احترامًا لمعتقداته الدينية، ولكن بسبب حيرته وعدم إيمانه بكل معتقدات المسيحية بدأ يبتعد شيئًا فشيئَا عن المسيحية، وانخرط في مجال الموسيقى والغناء.
ووقتها انبهر يوسف بالحياة ومفاتنها، وأصبح هدفه المطلق هو الثراء، فانصب تركيزه على الغناء الموسيقى، وكانت قدوته مطربي البوب العالميين، وقدم الكثير من الأغاني الناجحة.
كانت هناك رغبة في داخله لمساعدة الفقراء عند تحقيق الثراء المنشود، وحقق يوسف نجاحًا كبيرًا رغم أنه كان في التاسعة عشر من عمره فقط، فانغمس في عالم الخمور والمخدرات.
بعد مضي عام من النجاح والحياة الراقية والشهرة، وأصيب يوسف بالسل وظل في المستشفى لمدة عام كامل، وكان هذا المرض سببًا في تغيير أفكاره وقناعاته في الحياة.
في هذا الوقت كان اعتناق عقائد شرق آسيا سائدًا، لذا بدأ يفكر في الموت، واكتسب عادات روحانية مثل التأمل والتفكر وأصبح نباتيًا حتى يساعد روحه على الصفاء، وأصبح يؤمن بالسلام النفسي ويتأمل الزهور.
ازدادت شهرة يوسف وازدادت ثروته، وفي تلك المرحلة أصبح مؤمنًا بالبوذية كونها عقيدة نبيلة وراقية، وتعلق بها لفترة طويلة، كما أنه ظل يبحث في علم الأبراج والأرقام ومعتقدات أخرى ولكن لم يقتنع بأي منها، ولم يكن يعرف أي شيء عن الإسلام.
رحلة شقيقه إلى القدس قادته إلى الإسلام
كانت بداية رحلته مع الدين الإسلام حينما عاد شقيقه من رحلة إلى القصد وكان مبهورًا بالمسجد الأقصى والحركة الحيوية هناك، وعن تعامل المسلمين هناك معه، وكان ذلك في منتصف السبعينيات.
أهداه شقيقه هدية عبارة عن نسخة من القرآن الكريم، وكانت المرة الأولى التي يتعرف فيها عن الإسلام عبر شقيقه الأكبر، رغم أنه لم يعتنق الإسلام، إلا أنه شعر بشيء غريب تجاه هذا الكتاب وقرر أن يهديه لشقيقه.
عندما بدأ يوسف في قراءة الكتاب وجد فيه الهداية التي لطالما بحث عنها، وحينها أيقن أن الإسلام هو الدين الحق، وآمن أن كل شيء من خلق الله وصنعة، وأن الله أرسل الرسل برسالة واحدة وهي الإيمان بالله وحده.
اعتناق الإسلام
ظل يوسف يقرأ عن الإسلام ويزداد اقتناعه بما جاء فيه، ولكن لم يعتنقه، لذا قرر الذهاب إلى القدس مثلما فعل شقيقه، وهناك بينما كان جالسًا في المسجد سأله أحد الأشخاص ماذا يريد فأخبره أنه مسلم رغم أنه لم يعتنق الدين بعد.
قرر ستيفنس أن ينضم إلى صفوف المسلمين، وحاول أن يقوم بحركات الصلاة قدر المستطاع، وعندما عاد إلى لندن قابل سيدة مسلمة اسمها نفيسة وأجبرها برغبته في اعتناق الإسلام، فدلته على مسجد نيو ريجنت، وذلك عام 1977.
اعتنق سيتنفس أو يوسف الإسلام بعد عام ونص من قراءة القرآن الكريم، وقد صرح أنه لم يقابل أي مسلم ويتحدث معه قبل اعتناقه الإسلام.
جهوده الدعوية بعد اعتناق الإسلام
بعد اعتناق الإسلام قرر يوسف إسلام أن يكون من المدافعين عن هذا الدين، حيث صرح عن رغبته في تغيير صورة الإسلام في الغرب، مضيفًا إلى أنه يحلم بالتسامح والتعايش السلمي المحترم بين الإسلام.
وفي طور تعلمه للإسلام أصبح يوسف معلمًا ويلقي محاضرات في جامعات بريطانية عريقة منها كامبريدج وأكسفورد للحديث عن حياته وعن الدين الإسلامي.
كان يوسف أول الداعين إلى إنشاء مدارس إسلامية في بريطانية، فأنشأ أول مدرسة إسلامية مكتملة اسمها "المدرسة الإسلامية" في شمال لندن، ثم أنشأ مدرسة ثانوية إسلامية للبنين والبنات في شمال لندن.
طالب يوسف الحكومة البريطانية بتخصيص ميزانية للمدارس الإسلامية أسوة بالمدارس من الطوائف الأخرى، ولم تستجب الحكومة لطلبه، ولكنها وافقت فيما بعد.
بعد اعتناق الإسلام ابتعد يوسف عن الغناء والموسيقى، وتخلى عن مهنته كمغني، وسخر دخله المادي لتأسيس مدرسته الإسلامية، كما كان رئيس وقف المدارس الإسلامي.
زوجته وأبنائه
قابل يوسف سيدة آسيوية مسلمة اسمه فوزية علي مبارك، وشاهدها لأول مرة في مسجد كينسنجتون وسط غرب لندن، وتزوجا عام 1979 وأنجب منها 5 أبناء، وحرص يوسف على تعليم أطفاله تعليم الدين الإسلامي، وكان أطفاله سببًا رئيسًا للاهتمام بقضايا التعليم الإسلامي في بريطانيا.
أعماله الخيرية
أسس يوسف إسلام جمعية خيرية اسمها Small Kindness توفر المساعدات لليتامى والفقراء في عدة دول منها العراق والبوسنة والدولة الأفريقية.
تم تكريم يوسف إسلام من قبل العديد من المؤسسات، فقد حصل على جائزة السلام من رابطة الفائزين بجائزة الأوسكار عام 2005، وسلمه الجائزة رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف.
استمر يوسف أيضًا في النشاطات الإنسانية في بريطانية بالتعاون مع منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، وقام بعدة رحلات في يوغوسلافيا خلال الحرب في التسعينيات.