هل نحن مستعدون نفسياً للتعامل مع ما يثيره كورونا من مخاوف؟

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: السبت، 21 مارس 2020 آخر تحديث: الإثنين، 15 مايو 2023
هل نحن مستعدون نفسياً للتعامل مع ما يثيره كورونا من مخاوف؟

بعد أن استيقظ الملايين قبل أيام على حديث عن فيروس غامض يمكنه سلب البشر حياتهم، استخف الكثيرون بالأمر أو حتى لم يعطوه أي جزء من اهتمامهم أصلاً، إذ لم يتخيل أحد أن يتحول ذلك الفيروس، الحامل لاسم لا يعكس أي خطورة، أن يصبح كابوساً يطارد الجميع لفترة لا يُعرف مداها.

ولحين انتهاء الأزمة: هل نحن مستعدون نفسياً للتعامل مع كل ما يتسبب فيه حالياً من ضغط نفسي، وما يترتب عليه من عواقب قد تصل لحد فقدان عزيز؟ السؤال يبدو مقبضاً للنفس وكئيباً، لكن الإجابة عليه ضرورية، فالاستعداد من شأنه أن يجنبنا السقوط براثن الفيروس، أو على الأقل يخفف من أثر الصدمة نوعاً ما.

"المحاكاة" من اللامبالاة حتى الذعر!

ومع بداية ظهور حالات الإصابة بفيروس كورونا في دول عربية، تنوعت ردود الفعل على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ما بين "السخرية" أحياناً و"اللامبالاة" في أحايين أخرى، فضلاً عن تساؤل عدد من غير المهتمين بالأسباب خلف مشاعرهم تلك.

وبمرور بعض الوقت، أثار عدم المبالاة، حيث وصل بالبعض لاستمرار التواجد خارج المنزل بدون داع، استياء الآخرين لتظهر دعوات تحت هاشتاغ "#خليك_بالبيت" للتحذير من عواقب عدم إبداء ما يكفي من الحذر.

ولكن بزيادة أعداد الإصابات بالفيروس عبر العالم العربي واتخاذ حكومات عربية لقرارات وإجراءات، اتسم الكثير منها بالصرامة كغلق المطارات وفرض حظر التجول، بدأت كل من السخرية وعدم المبالاة على حد سواء في التراجع تدريجياً ليحل محلهما الخوف والقلق.

وفي حوار مع DW عربية يرى أخصائي الصحة النفسية أحمد السمري أن تطور ردود الفعل بشأن ظهور وانتشار فيروس كورونا طبيعي وله أسبابه حيث يشرح أن اللامبالاة الأولى كانت للاعتقاد بوجود الفيروس في الصين فقط، ومع انتقاله لدول أخرى تحدث الكثيرون عن كونه "مجرد دور برد عادي"، ولكن بمتابعة الوضع السيئ في إيطاليا اتخذ الموقف طابع أكثر جدية. ويقول السمري:"نظراً للقرارات الجادة التي بدأت الحكومات في اتخاذهاوتطور مواقف الأشخاص بالدائرة المحيطة بكل فرد، بدأ العديد من الأشخاص بالتعامل مع الأمر بجدية أكثر لأن الإنسان بطبيعته يتابع من حوله ويتأثر بهم ويبدأ تدريجياً في تقليد ما يقومون به".

ووفقاً لورقة بحثية منشورة بالدورية الأمريكية لعلم الاجتماع، يرى العالم غابريال تارد أن من الممكن تعميم ما يسمى بـ "عملية الاقتراح والمحاكاة" لفهم ظواهر اجتماعية مختلفة حيث إنه "بقيام الإنسان بسلوك ما يقدم اقتراح يمكن للأخرين محاكاته، وأن عملية الاقتراح والمحاكاة تقدم تفسيراً لقدرة الأشخاص على التأثير على بعضها البعض، وهو ما يفسر بالتالي التغييرات التي تحدث في المجتمع".

تصريحات صادمة!

في خطاب هام ألقته أمس الأربعاء، ذكرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركلأن "تحديد الأحباء الذين سنخسرهم" بسبب فيروس كورونا المستجد "يتعلق بنا بدرجة كبيرة"، في إشارة لمدى حرص الجميع على عدم الإصابة بالفيروس والمساهمة في نشره على نطاق أوسع.

حديث المستشارة الألمانية أشار بشكل مباشر إلى إمكانية إصابة أقرب الناس إلينا بالفيروس، في ظل تجاوز الإصابات في ألمانيا 9500 شخص حتى مساء أمس الأربعاء، وفقاً لمعهد روبرت كوخ. ولكن تلك ليست المرة الأولى التي تتسب ميركل فيها بصدمة البعض بتصريحاتها بشأن فيروس كورونا، إذا أنها أعلنت سابقاً عن توقع إصابة ما بين 60 و70 بالمئة من سكان ألمانيا بالفيروس خلال عام أو أثنين.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فاعتبر بلاده "في حالة حرب"، بعد دخول بلاده في المرحلة الثالثة من انتشار المرض، والتي تعد الأخطر، محذراً الفرنسيين من الخروج من منازلهم دون سبب وجيه ومتوعداً بـ "عقاب" كل مخالف.

إلا أن التصريح الأكثر أثارة للجدل كان لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عندما قال "المزيد من العائلات ستفقد أحبائها قبل الأوان"، ليثير ردود فعل مشيدة بـ "صراحته" الصادمة وأخرى منتقداه لتسببه في "نشر الهلع".

إلا أن السمري لا يعترض كثيراً على هذه التصريحات موضحاً: "في حديث المسؤولين الأوروبيين بشكل صريح عن ضرورة الاستعداد لفقدان الأحبة، تم تحويل مسألة انتشار فيروس كورونا إلى أمر ذات طابع شخصي ليس بغرض تخويف الناس وإنما لتوضيح كيف يمكن له أن يمس حياتهم بشكل مباشر، ما يجعلهم يتبنون توجه أكثر جدية".

أسباب الصدمات لدى العرب؟

وإن كانت تصريحات قادة عدد من الدول قد تسببت في صدمة كبيرة لشعوبهم، ربما يمكن التساؤل ما يمكن أن ينتج عن ذلك النوع من الصراحة الصادمة بدول العالم العربي، خاصة وأنها ما تزال في المراحل الأولى من انتشار فيروس كورونا.

وفقاً لدليل برنامج "رأب الفجوة في الصحة النفسية" الصادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن "الضغط النفسي والخسائر الكبيرة الناجمة عن حالات الطوارئ الإنسانية قد تولد الحزن والخوف والذنب والعار واليأس، فترفع من خطر الإصابة باضطراب اكتئابي معتدل إلى حاد".

ويرى أخصائي الصحة النفسية أحمد السمري أن ظهور وانتشار فيروس كورونا لن يؤثر على الحالة النفسية لغالبية العرب بنفس حجم تأثيره على شعوب العالم الغربي، "حيث شهد العرب كوارث أخرى كثيرة"، على حد وصفه.

إلا أنه يؤكد كذلك على أن "الخوف هو الشعور السائد حالياً لدى الجميع بغض النظر عن اختلافاتهم لكونه أمر غريزي"، لكنه فقط يخشى من أن تدفع هذه الغريزة بالبعض بدون تفكير واعي نحو "سلوكيات تؤدي لإيذاء الأخرين ربما تصل لحد سرقة الاحتياجات الأساسية".

كيف نتعامل مع الوضع؟

وعادة ما تحدث الأعراض الأولى للصدمة مباشرة بعد وقوعها، لكن في بعض الأحيان تحدث الأعراض لاحقاً بعد سنوات نتيجة لاستمرار مواقف الحياة الضاغطة، ليتم التعامل على عدة مستويات تشمل العلاج نفسي ودعم اجتماعي وربما، وفقاً لما يذكره كتيب "اضطراب الإجهاد اللاحق للصدمة النفسية" الصادر عن الصليب الأحمر.

ويؤكد أخصائي الصحة النفسية أحمد السمري على ضرورة "أن نتعامل بشكل أكثر إنسانية مع بعضنا البعض في الوقت الحالي"، كما يدعو الجميع إلى تحمل المسؤولية واتباع التعليمات الوقائية وعدم التصرف باندفاع وبشكل غير عاقل محذراً من أن "إحساس البعض بقرب النهاية ربما يؤدي بهم للتصرف بشكل عشوائي يؤذي الآخرين، ولكن يجب أن نذكر دائماً أنه ليست هذه هي النهاية ويمكننا أن ننجو جميعا".

دينا البسنلي

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة