حققت النجمة نور الهدى شعبية وجماهيرية كبيرة وأثرت الساحة الفنية الموسيقية بالعديد من الأعمال الفنية الخالدة إلا أن هذه الشهرة والنجومية اختفت تمامًا وانحسرت عنها أضواء الشهرة إلا أنها نجحت في فترة تألقها أن تفرض نفسها على الساحة الفنية كواحدة من أيقونات الديوتوهات الغنائية في منتصف الأربعينيات، تعرف أكثر على مسيرتها الفنية وحياتها.
من هي نور الهدى؟
اسمها الحقيقي ألكسندرا نيقولا بدران هي مغنية لبنانية ولدت في 24 ديسمبر عام 1924 في مدينة مرسين التركية لوالدين من أصول لبنانية، وتعد واحدة من أشهر نجمات الغناء في السينما المصرية خلال الأربعينيات والخمسينيات.
نشأت ألكسندرا في أسرة محبة للفن والموسيقى، فقد كانت تؤدي منذ طفولتها التراتيل المسيحية في الكنيسة، وقد شاركت في العديد من الأفلام المصرية كمغنية بعدما اكتشفها الموسيقار محمد عبد الوهاب وأثنى على موهبتها وحياتها.
استمرت المسيرة الفنية لها لمدة 10 سنوات تقريبًا استطاعت أن تحقق فيها نجومية وشعبية كبيرتين، وتصبح من أشهر نجمات الدويتوهات الغنائية في السينما المصرية إلا أن هذه الشهرة لم تستمر طويلًا.
اشتهرت بقدرتها على غناء القصائد والموشحات وساعدها على ذلك خامة صوتها وقدرتها على التنقل بين المقامات الموسيقية بكل سهولة وبراعة، وقد غنت في حياتها قصائد دينية إسلامية رغم أنها مسيحية.
اسم نور الهدى الحقيقي
اسمها الحقيقي ألكسندرا نيقولا بدران وقد اختارات نور الهدى اسمًا فنيًا لها حتى يصبح قريبًا من الجمهور المصري وبه اشتهرت طوال حياتها وحتى وفاتها.
ديانة الفنانة نور الهدى
نشأت في عائلة مسيحية كاثوليكية.
زوج نور الهدى
لم تتزوج الفنانة نور الهدى طوال حياتها حتى إنها لقبت بقلب "راهبة الفن" وقد ابتعدت عن الأضواء بعد الخمسينيات وفضلت العزلة.
بداية مسيرتها الفنية
نشأت نور الهدى في أسرة بها الكثير من الأشقاء، وكان والدها فنانًا مسرحيًا يقدر الفن وأهله، وكان لديه مواهب في الغناء والتأليف، لذا تعلمت على يده الغناء والعزف على العود وكانت تغني التراتيل في الكنيسة منذ صغرها، ولكنه كان يرفض عملها بالغناء خارج الكنيسة.
بدأت نور الغناء في سن صغيرة في حفلات متنوعة بين بيروت وسوريا وكانت تغني أغاني لكبار النجوم منهم محمد عبد الوهاب الذي كانت تعشقه.
في عام 1942 سمعها الفنان الكبير يوسف وهبي خلال إحدى حفلاتها في حلب وأعجب بصوتها وعرض عليها السفر إلى مصر للعمل معه في السينما، وبالفعل سافرت إلى مصر برفقة والدها الذي ظل بجانبها طوال مسيرتها الفنية لتبدأ مسيرتها السينمائية التي حققت لها جماهيرية كبيرة.
نور الهدى في السينما
كانت أول مشاركة سينمائية للفنانة نور الهدى في السينما من خلال فيلم "جوهرة" أمام يوسف وهبي، وكان من المفترض أن يقوم بدورها الفنانة ليلى مراد إلا أنه انسحبت في الأوقات الأخيرة، فوقع الاختيار على نور لتصبح بطلة الفيلم.
أجرت نور أول بروفة لها أمام يوسف وهبي وأحمد بدرخان الذي اقترح عليها اسم نور الهدى لأن اسم ألكسندرا اسم غربيًا. قدمت نور عدة أغنيات في هذا الفيلم منها "طير يا أتومبيل" وأصيبت خلال تصوير الأغنية حيث اختل توازنها وأخذت 11 غرزة في عينها بالإضافة إلى عملية تجميل.
عرض الفيلم عام 1943 وحقق عائدات قدرت حينها ب90 ألف جنيه مصري لصالح شركة نحاس. كان فيلمها الثاني فيلم "برلنتي" الذي حدثت فيه مشكلات أدت إلى ضرب والدها إلى الفنان يوسف وهبي بنفسه، وقد جاء يوسف إلى منزلها واعتذر لوالدها لاستئناف التصوير، وعرض الفيلم عام 1944.
خلال مسيرتها السينمائية شاركت الغناء مع كبار نجوم الغناء في مصر منهم محمد الوهاب ومحمد فوزي وفريد الأطرش، ومن أفلامها "مجد ودموع"، و"المنتقم"، و"لست ملاكًا"، و"غدر وعذاب"، و"مدموزيل بوسة"، و"أميرة الأحلام"، و"حكم الزمان"، و"ماتقولش لحد".
شاركت أيضًا في أفلام "أفراح"، و"غرام راقصة"، و"الشرف غالي"، و"شباك حبيبي"، و"وآخر أفلامها كان "حكم قراقوش" وعرض عام 1953 ثم اعتزلت الفن وعادت إلى لبنان.
حاولت إنتاج فيلمًا لنفسها
حاولت الفنانة نور الهدى أن تستقل بنفسها وتنتج فيلمًا سينمائيًا يحمل اسمها ولكن التجربة فشلت فشلًا ذريعًا وقد اعتبر بعض النقاد أن السبب هو تدخل والدها المبالغ في اختياراتها الفنية، حيث كان ينظر إليها دائمًا بأنها ابنة وليست فنانة.
خسرت نور الهدى مبالغ طائلة بسبب فشل هذا الفيلم قدرت بأكثر من 30 ألف جنيه، ولم تتمكن من تعويض خسارة هذا الفيلم بأفلامها التالية وازداد عليها أموال الضرائب، لذا أصدر مجلس النقابة قرارًا يفيد بمنعها من الغناء في الحفلات والاقتصار على الغناء في الأفلام فقط وكان هذا سببًا قويًا في تراجع مستواها الفني واتخاذها قرار مغادرة مصر.
رفضت القبلات في الأفلام
رفضت نور الهدى القبلات في أفلامها بشكل تام، وكانت تشترط عدم وجود أي مشهد قبلات في أفلامها، وبالفعل لم تقدم أي مشهد مماثل خلال مسيرتها الفنية. في مرحلة مبكرة من حياتها المهنية، وقعت خلافات بين والدها من جهة، وبين مكتشفها يوسف وهبي من جهة أخرى، وكاد هذا الخلاف يمنعها من العمل في السينما.
أصر والدها على إدراج شرط في العقد الذي وقعته ابنته مع يوسف وهبي يمنعها من قبول أي دور يتضمن مشاهد قبلات، ولكن تمكنت الابنة من التفاوض وحل الأزمة قبل أن تتفاقم.
نجحت في إقناع والدها بأن يوسف بك هو رجل فاضل، وأنه لا يشارك إلا في صناعة الأفلام الأخلاقية التي تخلو من المشاهد الجنسية، وبالتالي لن تكون هناك مشاهد قبلات في أي فيلم تعمل فيه، كما أنها رفضت أيضًا أن يقبلها أحد خلال التصوير.
واجهت حربًا شرسة
في مصر واجهت نور الهدى حربًا شرسة منعتها من مواصلة مسيرتها الفنية، حيث كانت تواجه صعوبة شديدة في تجديد إقامتها في مصر وتضطر دائمًا إلى الاستعانة بأشخاص آخرين لتجديد الإقامة لها.
وتذكر نور موقفًا قالت إنها ذهبت إلى منزل مصطفى النحاس باشا ليساعدها في تجديد إقامتها وتمكن من ذلك من خلال مكالمة تليفون واحدة. بعد الثورة طلب منها الرحيل فورًا قبل انتهاء إقامتها بيومين وبعد السفر جربت العودة إلى مصر مجددًا ولكنهم أعادوها إلى بيروت في نفس الطائرة.
قيل إن هذه الحرب كانت سببها أم كلثوم التي طالبت بعدم تجديد إقامتها وطلبت من مصلحة الضرائب منعها من تقديم أي حفلات في القاهرة والاكتفاء بالغناء في الأفلام فقط.
حاولت نور الهدى طلب مساعدة من الرئيس جمال عبد الناصر، وأرسلت له رسالة من خلال الصحفي سعيد فريحة، الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير مجلة "الشبكة" وقتها، وفي فحوى الرسالة طالبته بمعاملة العرب معاملة جيدة وطلبت منها السماح لها بدخول مصر، ولكنها لم تلقَ ردًا منه.
عادت نور إلى لبنان واقتصر مشوارها على غناء القصائد في المهرجانات الغنائية، كما شاركت في عدة أفلام لم تحقق أي شهرة ولم تحرز تقدمًا لذا فضلت الابتعاد.
غنت القصائد الدينية الإسلامية
رغم أن نور الهدى مغنية مسيحية إلا أنها برعت في غناء القصائد الدينية الإسلامية، ومنها قصيدة "تباركت يا رب من خالق" من كلمات شريفة فتحي وألحان رياض السنباطي، وقد قدمت هذه الأغنية في آخر أفلامها "حكم قراقوش" أمام زكي رستم وسراج منير.
غنت أيضًا أغنية "يا رب سبح بحمدك كل شيء" من ألحان محمد الكحلاوي"، كما غنت من ألحان السنباطي أيضًا أغنية "رتلوا أي الكتاب المنزل"، ومن ألحان فريد الأطرش وكلمات بيرم التونسي غنت أغنية "هل هلال العيد على الإسلام السعيد".
غنت كذلك أغنية "الحج" خلال أحداث فيلم "أفراح" الذي صدر عام 1950 من إخراج المخرج نيازي مصطفى.
أشهر أغاني نور الهدى
نور الهدى حققت شهرة ونجاحًا واسعًا خلال فترة من أجمل فترات الطرب، حيث كانت تتنافس مع عمالقة الفن، ولكنها نجحت في إثبات موهبتها بينهم. قدمت العديد من الأغاني الرائعة مثل "إن جيت للحق أنا زعلانة"، و"يا ساعة بالوقت اجرى".
قدمت كذلك أغنيات "ماتقولش لحد"، و"مالكش حق"، وأوبريت "قمر الزمن"، و"هل هلال العيد"، و"يا جارة الوادي"، بالإضافة إلى العديد من الأوبريتات والموشحات والاستعراضات التي لازلنا نستمتع بها حتى الآن.
تعاونت نور الهدى في هذه الأعمال مع عمالقة التلحين والتأليف مثل أحمد رامي، وبيرم التونسي، وبديع خيري، ورياض السنباطي، ومحمد القصبجي، وفريد غصن. كما آمن الموسيقار محمد فوزي بموهبتها وقام بتكوين دويتو ناجح معها، وتعاونا في 4 أفلام.
غنت أمام الملك فاروق
كانت الفنانة نور الهدى من النجمات المطلوبات للغناء في القصر الملكي، ففي عام 1952 طلتها السفارة المصرية في بيروت للغناء أمام الملك، وقيل لها أن تقبل يديه وتنحني له قبل الصعود إلى المسرح.
إلا أن نور لم تفعل ذلك، إنما صعدت على المسرح مباشرة دون تقبيل الملك الذي كان جالسًا في الصف الأول واكتفت بالانحناء له والغناء، وقد أوضحت أنها واجهت مصاعب كثيرة بعد هذا الحفل وتمت محاربتها.
نور الهدى وفريد الأطرش
شكلت نور الهدى ثنائي ناجح مع الفنان فريد الأطرش الذي وجد في صوتها لمحة من صوت شقيقته الراحلة أسمهان، التي توفيت عام 1944، لذا قدم معها أغنيات ناجحة بالتعاون مع رقصات سامية جمال في فيلم "ما تقولش لحد"، و"عايز أتجوز".
قدما في هذه الأفلام عدة أوبريتات ناجحة منها "قمر الزمان"، و"ما تقولش لحد"، و"ما لكش حق"، و"يا ساعة بالوقت أجري" وأغنيات أخرى.
وفي الحقيقة كانت نور الهدى من النساء اللاتي رغب فريد الأطرش الزواج منهن، حيث تقدم للزواج منها خلال تصوير فيلم "عايز أجو" مع الراقصة ليلى الجزائرية، ولكنها رفضته بسبب اختلاف الأديان.
نور الهدى وأم كلثوم
تحدثت الفنانة نور الهدى عن ذكرياتها مع الفنانة أم كلثوم في إحدى الحوارات الصحفية، حيث قالت إنها عشقت صوتها وغنت لها في لبنان وحضرت إلى مصر وقابلتها مرة أو مرتين فقط طوال حياتها.
وذكرت أيضًا أن أم كلثوم كانت مهتمة بصوتها كثيرًا حتى قيل إنها دخلت فيها "جوهرة" بملاية لف حتى لا يتعرف عليها الجمهور وتتمكن من مشاهدة وسماع صوتها.
ذكرت نور الهدى أحد المواقف لها مع أم كلثوم حيث صرحت بأنها خلال تصويرها لأحد الأفلام تلقت مكالمة هاتفية طُلب منها الغناء فيها وحينما استفسرت عن السبب قالوا لها أن أم كلثوم ترغب في سماع صوتك.
التقت نور الهدى أم كلثوم للمرة الأولى في نادي الموسيقيين عندما كانت تقدم بروفة لأغنية من ألحان القصبجي الذي طلبت منه مقابلة أم كلثوم، فسألته أم كلثوم عن رأيها في ألحان القصبجي لترد عليها بأنها ترى ألحانه شبابية رغم أنه كان عجوزًا جدًا حينها.
اللقاء الثاني لها مع أم كلثوم كانت عند الدكتور علي المفتي، حيث زارته لأنها شعرت بوجع في الحنجرة ووجدت أم كلثوم موجودة هناك.
وقد حكت نور الهدى موقفا غريبا لها مع أم كلثوم ولم تفهم سببه حتى الآن، وحدث الموقف عندما كانت تصور فيلم "أفراح" مع شركة نحاس، وحينما ذهبت إلى الأستوديو وجدته مغلقًا وفوجئت بأن الساعي أخبرها بأن أم كلثوم أمرت بألا يفتح الباب قبل مقابلتها.
بالفعل في اليوم التالي ذهب والدها مع المنتج جابريل نحاس وطلبت منه أن يوقع ورقة باسم نور تتبرع فيها مبلغ 500 جنيه لنقابة الموسيقيين رغم أنها كانت تسدد خمس الدخل للنقابة، وبعدما وقعت على الورقة وسددت المبلغ كاملًا تم فتح باب الاستوديو.
وفاة نور الهدى
توفيت الفنانة نور الهدى في يوم التاسع من شهر يوليو عام 1998 عن عمر 73 عامًا في بلدها لبنان بعد سنوات من العزلة والابتعاد عن الأضواء إلا أنها تركت خلفها إرثًا فنيًا لا يزال خالدًا حتى وقتنا هذا.
قبل وفاتها بعام حصلت على تكريم من رئيس الجمهورية إلياس الهراوي عام 1997 حيث منها وسام رئيس الجمهورية، وقد استقبلتها السيدة الأولى منى الهراوي في قصر بعبدا وقلدتاه الوسام بنفسها تقديرًا لتاريخها الفني الطويل.