جعلها شغفها بالسياسة والأخبار لتغيير مجال دراستها من أجل السعي وراء ما تحب وبالفعل استطاعت ترك بصمات مميزة، إنها الإعلامية اللبنانية الراحلة نجوى قاسم التي تركت الهندسة المعمارية من أجل الصحافة.
شغف “نجوى” جعلها تطارد الأحداث الهامة غير منشغلة بمدى خطورة ذلك على حياتها، وحرصها على تقديم تغطيات ميدانية حية من أرض المعركة، ورغم نجاتها من الموت مرتين في تغطية الأحداث في العراق، فإن نهايتها جاءت بعيدا عن أرض المعركة بموتها فجأة في سريرها، لتكون أخر لحظات في حياتها بعيدة عن أي مخاطر، مسيرتها وأبرز المعلومات عن حياتها في السطور التالية..
نشأة نجوى قاسم وحياتها
في 7 يوليو عام 1967 ولدت نجوى، ببلدة جون، في جنوب لبنان، حينما أتمت عامها الثاني انتقلت عائلتها إلى مدينة بيروت، فنشأت وتلقت تعليمها هناك.
التحقت بكلية الهندسة المعمارية في لبنان، وبعد حصولها على البكالوريوس تملك شغفها منها وقررت العمل في المجال الإعلامي الذي كانت تعشقه منذ الصغر، فبدأت العمل في الصحافة، وقادها شغفها لتغطية الحروب في عدة دول مثل أفغانستان، العراق، وبلدها لبنان.
مسيرتها المهنية
في عام 1991 تقدمت نجوى لاختبارات قناة الجديد، التي أعلنت عن حاجتها لمذيعين جدد، فاجتازت الاختبارات ونجحت في الحصول على فرصة للعمل داخل القناة، وسريعا أثبتت موهبتها ولفت الأنظار لها.
في بداية عام 1993 انتقلت للعمل في قناة المستقبل، وكانت أول مذيعة تطل عبر القناة التي أسسها رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري، وظلت تعمل في قناة المستقبل لمدة 11 عاما.
قدمت خلال تلك المدة عدداً من التغطيات الهامة سواء للحروب في بعض المناطق مثل لبنان، أفغانستان في عام 2001، والعراق في عام 2003 ورصدت تفاصيل الغزو الأمريكي للعراق.
وأولت نجوى اهتماما كبيرا بقضية الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، فكانت قضية الأسرى من أهم القضايا التي أولتها اهتماما، وكانت تتابعها بشكل مستمر.
نجت نجوى من الموت مرتين الأولى في عام 2003 حينما كانت متواجدة في فندق فلسطين ببغداد والذي تعرض للقصف الجوي الأمريكي، وقتها نجت من الموت بمعجزة.
وفي عام 2004 قررت نجوى العمل في قناة العربية باعتبارها أكثر تخصصا في متابعة المجال السياسي الذي تحبه وتميل إلى تغطيته بالتفصيل، وكانت على موعد مع معجزة للمرة الثانية حينما تعرض مكتب قناة العربية في بغداد لتفجير إرهابي، ونهضت نجوى من حطام الانفجار لتوثق أمام العالم كله ما حدث، وتبدأ مرحلة إسعاف المصابين ونقل الجرحى.
ومنذ عام 2007 انتقلت نجوى من العمل الميداني إلى داخل الاستوديو لتقديم برنامج "حدث اليوم" المذاع يوميا على قناتي العربية والعربية الحدث.
وكان الجانب الإنساني على رأس الجوانب الأساسية في تركيز نجوى على التغطيات، ففي أثناء تغطيتها الحرب في العراق وأفغانستان ركزت على آلام النساء هناك وقت الحروب.
ولم تنس أن ترصد معاناة الأطفال الذين يضطرون للعمل في الأعمال الشاقة هناك لساعات طويلة، والمصابون منهم المهددين بقطع جزء من أعضائهم.
وإلى جانب التغطيات الحية أجرت نجوى العديد من اللقاءات من المسؤولين في العالم العربي، وكانت صاحبة ثقافة واسعة كانت تظهر في نوعية الأسئلة التي توجهها للضيوف.
نجوى قاسم وزوجها
وهبت نجوى نفسها للعمل الإعلامي المحفوف بالمخاطر، ولذلك فإنها لم تتزوج. وكان نتيجة جهدها الدؤوب حصولها على العديد من الألقاب والجوائز خلال مسيرتها الإعلامية.
فحصلت على لقب "قطعة الكريستال" على قناة العربية، وأطلقت عليها جريدة الرياض السعودية لقب "المراسلة الحربية". وحصلت أيضا على لقب كريستيان أمانبور العرب، نسبة لواحدة من أشهر المذيعات الأمريكان ذات الأصول الإيرانية والتي تعمل على قناة سي إن إن.
وفي عام 2006 فازت بجائزة أفضل مذيعة في المهرجان العربي الرابع للإعلام في بيروت. اختارتها مجلة أريبيان بزنس ضمن أقوى 100 سيدة في العالم العربي في عام 2011. وفي عام 2012 فازت بجائزة مؤسسة مي شدياق للإبداع التلفزيوني.
وفاة نجوى قاسم
في 2 يناير عام 2020 فوجئ محبو نجوى في الوطن العربي بإعلان مدير أخبار قناة إم بي سي مالك الروقي يعلن عبر تغريدة على موقع تويتر وفاة نجوى قاسم إثر أزمة قلبية.
وكشفت شقيقتها نسرين قاسم في تصريحات لها تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة نجوى قاسم، وقالت إنهم كانوا جميعا معها في دبي للاحتفال سويا برأس السنة، إلى جانب مساندتها لأنها كانت تستعد للانتقال إلى منزل جديد في دبي.
بعد الانتهاء من احتفال برأس السنة أخبرتهم أنها تعبت وتريد أن تخلد للنوم، وصعدت لغرفتها، وفي صباح اليوم التالي سمعوا صوت منبه الهاتف يرن دون أن تستيقظ فكانت على موعد لتسليم مفتاح منزلها القديم إلى الشركة.
فصعدت شقيقتها لإطفائه والاطمئنان عليها فوجدتها نائمة وجسمها بارد فاكتشفت أنها قد فارقت الحياة، فشقيقتها طبيبة فحصتها وحاولت هي وشقيقها الطبيب أيضا تقديم الإسعافات الأولية إلا أنها كانت قد فارقت الحياة، وقالت شقيقتها إن ما حدث معها فقط هو أنها "نامت ما قامت".
وتم نقل جثمان نجوى إلى بلدتها جون بجنوب لبنان، فهي كانت تعشقها، وكانت تتمنى أن تموت بها، وكان آخر ما كتبته نجوى عبر تويتر قبل وفاتها في الاحتفال برأس السنة الجديد: "يا رب عام خير على الجميع يا رب يا رب.. يا رب احفظ بلادنا، وعينك على لبنان".
وسببت وفاة نجوى صدمة كبيرة في العالم العربي ونعاها كبار الشخصيات، فكتب الرئيس اللبناني سعد الحريري منشور عبر حسابه الرسمي على تويتر يعبر فيه عن صدمته لرحيل النجمة المتألقة "نجوى" في عز شبابها وعطائها، ووصف وفاتها بأنها خسارة للإعلام اللبناني والعربي.
ولم يتوقف الأمر عند الرئيس سعد الحريري، فقد انهالت التعازي سواء من رجال سياسة، فن، وإعلاميين. مثل الإعلامي السعودي مفيد النويصر الذي نعاها هو الآخر وأكد على أنها كانت مراسلة حربية من طراز رفيع، وأشاد بتغطيتها للحروب سواء في لبنان، العراق، وأفغانستان.
ومن نجوم الوسط الفني كتبت الفنانة اللبنانية إليسا أنه أحزنها سماع خبر وفاة نجوى مع بداية عام جديد، ودعت لها بالرحمة وأن يرزق عائلتها الصبر.