من الديزل إلى الكهرباء.. تحولٌ جذري في النقل البحري

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ يومين
من الديزل إلى الكهرباء.. تحولٌ جذري في النقل البحري

لم تعد عَبّارة "راينفيره موندورف" قُرب مدينة بون الألمانية تنفث سُحب الدخان الأسود في الهواء، فمند فبراير/شباط الماضي تم استبدال محركات الديزل القديمة بمحركات كهربائية بقوة 290 كيلووات (ما يُعادل 400 حصان)، حيث تدفع هذه المحركات الكهربائية العَبّارة عبر النهر.

ويبلغ عرض نهر الراين في هذه المنطقة 400 متر. وتستغرق العبارة حوالي دقيقتين للعبور. ويتم تزويد العبارة بالطاقة من خلال بطارية سعتها 1000 كيلووات في الساعة، أي ما يعادل سعة بطاريات 14 سيارة كهربائية.

وعندما يحل الليل، تُشحن البطارية في المرسى باستخدام الطاقة المتجددة. ومن أجل تشغيل العبارة لمدة 14 ساعة يومياً، يكفي استهلاك نحو 600 كيلووات.

وقد تم تمويل عملية تحويل العبّارة التي يبلغ عمرها 60 عاماً من قبل الحكومة الألمانية، وبدعم يصل إلى حوالي 80 بالمئة من التكاليف. وقال المهندس البحري إلمار ميباخ أوديكوفن، المدير التنفيذي لشركة "لوكس فيرفت أوند شيففارت" أنه "من دون الدعم، لكانت التكاليف مرتفعة جداً".

ومنذ العام الماضي، تُدير هذه الشركة متوسطة الحجم، عبّارة كهربائية أخرى في مدينة بون، كما قامت بتحويل نحو 20 سفينة ركّاب إلى نظام الدفع الكهربائي.

وتتطلب المحركات الكهربائية صيانة أقل مقارنة بمحركات الديزل، وهو ما يجعل تشغيل العبّارة "أرخص على المدى الطويل"، رغم ارتفاع أسعار الكهرباء نسبيا في ألمانيا، حسب ما صرح به إلمار ميباخ أوديكوفن لـ"دويتشه فيله".

ويُلاحظ أن الاتجاه الآن في ألمانيا بالنسبة للعبّارات وسفن الركّاب التي تعمل على البحيرات الداخلية والأنهار يتجه نحو استخدام المحركات الكهربائية. والاتجاه ذاته يزداد أيضًا على مستوى العالم، حيث يتم استخدام المزيد من السفن التي تعمل بالبطاريات.

وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن شبكة "ماري تايم باتري فوروم" غير الربحية في النرويج، فإن أكثر من 1000 سفينة من أصل 109.000 سفينة حول العالم باتت تعمل بمحركات كهربائية أو هجينة. وربما يكون الرقم أعلى بكثير لأن تلك البيانات لا تشمل جميع السفن الكهربائية. كما أن هناك أكثر من 460 سفينة كهربائية قيد البناء في الوقت الحالي.

النرويج رائدة في مجال الشحن البحري الكهربائي

وتعتبر النرويج حالياً رائدة في مجال الملاحة البحرية باستخدام البطاريات. فمنذ أكثر من عشر سنوات، تدعم الحكومة النرويجية هذا النوع من التكنولوجيا الخاصة بالعبارات، وسفن الشحن، وقوارب الصيد، وسفن الصيانة البحرية، والتي سيكون بإمكانها مستقبلاً إعادة الشحن مباشرة من توربينات الرياح.

وتهدف الحكومة النرويجية إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الملاحة البحرية بشكل كبير بحلول عام 2030، من خلال تقديم الدعم المالي وفرض اللوائح. كما تسعى إلى أن تكون السفن التي تبحر في المضايق الغربية للنرويج خالية تماماً من الانبعاثات في المستقبل القريب.

كما يُلاحظ انتشار كبير للمحركات الكهربائية خاصة في عبارات السيارات النرويجية، التي تُعد وسيلة نقل حيوية على طول الساحل الممتد لـ1800 كيلومتر.

وتعمل إحدى أكبر العبارات الكهربائية في مضيق أوسلو في جنوب البلاد منذ عام 2020. وتتسع "باستو إلكتريك" لأكثر من 200 سيارة و600 راكب. وتعتمد بشكل كامل على الطاقة الكهربائية المخزّنة في البطارية، حيث تستغرق رحلتها بين مدينتي موس وهورتم نحو نصف ساعة.

وأثناء التوقف في الموانئ، يتم شحن البطارية الضخمة، والتي تبلغ سعتها 4300 كيلووات باستخدام أجهزة شحن فائقة السرعة وقوية بشكل خاص.

من المقرر إطلاق أكبر سفينة تعمل بالبطارية في العالم في أستراليا في مايو/أيار 2025. وتتسع السفينة لما يصل إلى 2100 راكب و 225 مركبة. وتتميز هذه السفينة ببطاريتها الضخمة ذات القدرة التخزينية الكبيرة. فضلاً عن خفتها وسرعتها.

محركات هجينة لمسافات أطول

ورغم ذلك، فإن سعة أنظمة تخزين البطاريات المثبتة بشكل دائم ليست كافية لمسافات طويلة للغاية. ولهذا السبب، تعمل بعض السفن الكهربائية أيضًا بمحركات احتراق إضافية تعمل حاليا بالديزل أو الغاز الطبيعي المسال.

ومن بين الأمثلة على ذلك، عبّارة "سان مالو" الهجينة الكهربائية، التي بدأت في فبراير/شباط 2025 بعبور القناة الإنجليزية (المانش). وتتسع العبّارة لـ 1300 راكب، و330 سيارة ركّاب، و60 شاحنة، وتستغرق الرحلة التي تبلغ 260 كيلومتراً بين أربع إلى ست ساعات.

حاويات البطاريات القابلة للتبديل تتيح قطع مسافات أطول

وحالياً، أصبحت السفن الكهربائية قادرة على تغطية مسافات أطول بكثير، إذا ما كانت تسافر بحاويات بطاريات قابلة للتبديل.

فعلى سبيل المثال، سفينتا الشحن الكهربائيتان اللتان تعملان على نهر اليانغتسي، أطول نهر في الصين، حيث يُمكنهما تحميل ما يصل إلى 700 حاوية، والتنقل لمسافة تقارب 300 كيلومتر بين مدينة نانجينغ وميناء يانغشان في مدينة شنغهاي.

وتأتي طاقة المحركات من ما يصل إلى 36 حاوية بطارية، والتي تستطيع توفير طاقة إجمالية تصل إلى نحو 57.000 كيلووات. أما عندما ينفد شحن البطاريات، فإنها تستبدل بحاويات جديدة في الميناء.

وفي هولندا، تعمل سفينتا حاويات أصغر حجماً بالنظام نفسه، أي باستخدام بطاريات قابلة للتبديل. ولاتتجاوز مدة استبدال البطاريات نحو ربع ساعة. وقد تم تطوير هذا النظام بالشراكة بين ميناء روتردام، وشركات تكنولوجيا كبرى، وبدعم من الاتحاد الأوروبي.

وبحلول عام 2050، من المقرر تشغيل 400 سفينة شحن كهربائية للممرات المائية الداخلية في كل من هولندا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا باستخدام نظام البطاريات القابلة للتبديل. وللوصول إلى هذا الهدف، يجب إنشاء المزيد من محطات تبديل البطاريات في العقود القادمة.

بنية تحتية جديدة

أيضا، يُمكن للكهرباء الصديقة للبيئة من الشبكة العامة أن تزود حتى سفن الرحلات البحرية الضخمة، وسفن الشحن بالطاقة اللازمة أثناء فترات رسوها في المموانئ. وعند توصيل تلك السفن بشبكة الكهرباء في الميناء عبر كابلات سميكة خاصة، يمكن إيقاف تشغيل محركات الاحتراق على متنها، وهو ما يقلل من الانبعاثات والضجيج.

بيد أن احتياجات الطاقة لهذه السفن كبيرة جداً، فالسفينة السياحية الواحدة تستهلك خلال فترة رسوها كمية من الكهرباء تُعادل استهلاك 12,000 منزل. وإذا تم توليد هذه الطاقة باستخدام مصادر متجددة كـالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، فإن ذلك يساهم في خفض التكاليف والانبعاثات الضارة بالصحة، وغازات الاحتباس الحراري.

كذلك، فإن إنشاء بنية تحتية واسعة النطاق تشمل منافذ كهربائية في الموانئ، وحاويات بطاريات، ومحطات شحن للسفن من التحديات اللوجيستية والمادية الكبيرة جداً. كما يتطلب إنشاء هذه البنية التحتية مد شبكات كهربائية جديدة، وبناء محطات تحويل، فضلاً عن محطات توليد جديدة. ويتطلب كل هذا استثمارات أولية كبيرة، بالإضافة إلى دعم حكومي.

المستقبل العالمي للسفن الكهربائية؟

وبحسب المفوضية الأوروبية، فإن الملاحة البحرية تُسهم بحوالي 2.8 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. بيد أن التحول نحو المحركات الكهربائية قد يخفض نسبة هذه الانبعاثات بشكل كبير، كما قد يُحسن جودة الهواء، لا سيما في المناطق الساحلية.

وقال روجر هولم رئيس شركة "وارتسيلا مارين" الفنلدنية المتخصصة في تجهيز السفن إن "الآفاق واعدة بالنسبة للملاحة الكهربائية، فالإقبال على الأنظمة الهجينة والكهربائية بالكامل يزداد عاما بعد عام" .وأضاف أنه بين عامي 2019 و 2024، تضاعفت طلبات الشراء بحوالي أربع مرات في هذا القطاع.

أما ستيفانو سومادوسي، المدير الإداري لشركة "نيت باور مارين" المتخصصة في تطوير بنية الشحن الكهربائي للموائى، فإنه يقول في تصريحات خص بها "دويتشه فيله" إن "العشرين سنة القادمة ستشهد ثورة في تقنيات البطاريات، ونمواً في أنظمة الدفع الهجينة، وتوسعاً سريعاً في السوق بفعل الدعم السياسي والمنافسة في الابتكار".

وتوقع المتحدث ذاته أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ ستكون الرائدة على المستوى العالمي في سوق السفن الكهربائية، نظراً إلى كونها مركزاً لبناء السفن. فيما تأتي القارة الأوروبية في المرتبة الثانية، مدفوعة بشكل كبير بالزخم القوي نحو إزالة الكربون من قطاع الملاحة.

ماهي حدود الشحن الكهربائي البحري؟

وبالرغم من التطور المطرد في مجال السفن الكهربائية، غير أن التقنية الحالية للبطاريات تواجه تحديات كبيرة في الرحلات الطويلة عبر المحيطات. فمن الناحية التقنية، يمكن للسفن الكهربائية قطع مسافة تصل إلى 15.000 كيلومتر. لكن، من الناحية الاقتصادية، فإن مدى التشغيل المجدي يتقلص إلى 10.000 كيلومتر كحد أقصى.

وكمثال على ذلك، فإن عبور الأطلسي من نيويورك إلى لشبونة (8300 كيلومتر) ممكن من الناحية التقنية، بيد أن رحلة من شنغهاي إلى البندقية (30.000 كيلومتر) دون توقف لإعادة الشحن أمر غير ممكن بالتقنيات الحالية.

وفيما يخص المسافات البحرية الطويلة، تتجه الأنظار إلى الميثانول النظيف كوقود صديق للبيئة، فمنذ عام 2024 بدأت شركة "ميرسك" الدنماركية تشغيل أول سفينة شحن تعمل بالميثانول. وفي مدينة كاسو الدنماركية، يتم منذ هذا العام إنتاج الميثانول الصديق للبيئة باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويرى خبراء، أنه سيتعين بناء المزيد من هذه المرافق في المستقبل من أجل شحن بحري صديق للبيئة.

أعده للعربية: ر.م

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة