كانت قصائده الهجائية سببًا في جعله مطاردًا نحو 4 عقود بين المنافي العربية والأجنبية، مظفر النواب الشاعر الذي وُصف بأنه شاعر الغربة والثورة، الذي قضى حياته كلها مدافعًا عن آرائه وتفرغ للشعر فلم يتزوج قط ولم يكن له أبناء، في السطور التالية تعرف على مسيرته الأدبية وحياته.
مظفر عبد المجيد النواب هو شاعر عراقي معاصر ومعارض سياسي ولد في 1 يناير عام 1934 في الكرخ في مدينة بغداد لعائلة شيعية أرستقراطية من أصل هندي وولد في عائلة تقدر الفن والشعر والموسيقى.
ينتهي نسب عائلته "النواب" إلى الإمام موسى الكاظم، وهو الإمام السابع عند الشيعة الاثنا عشرية، وأحد أجداده أصبح حاكمًا لدى إحدى الولايات الهندية حينما كان يرتحل فيها، كما قاوم الإنجليز في الهند فنفي خارج الهند واستقرت الأسرة في العراق.
عاش النواب في قصر العائلة المطل على نهر دجلة، وكان هذا القصر مقصد الفنانين والساسة. وفي الصف الثالث الابتدائي اكتشف أستاذه موهبته الفطرية حينما أكمل بيت شعري أعطاه شطره الأول واعتمد على ما كان يحفظه من قصائد أدبية في منزل جده، وفي المرحلة الإعدادية نشر قصائده في مجلة المدرسة.
دراسته
درس مظفر في كلية الآداب في بغداد ووقتها كان يعاني من ظروف اقتصادية صعبة بسبب تعرض والده إلى أزمة مالية كبيرة أفقدته ثروته بما في ذلك قصره، وتخرج في الكلية عام 1955، وظل في ظروف مادية صعبة بعد التخرج.
بعد الإطاحة بالنظام في الملكي في العراق وذلك في عام 1958 عُين النواب مفتشًا فنيًا في وزارة التربية في بغداد، فأتاحت له هذه المهنة تشجيع الموهوبين في الموسيقى والفن التشكيلي.
انتمى مظفر النواب في شبابه إلى الحزب الشيوعي وناضل في صفوفه. وفي عام 1963 تعرض الشيوعيون واليساريون لحملات اعتقال واسعة، فقرر الهرب إلى الاتحاد السوفييتي عن طريق إيران، ولكن ألقت المخابرات الإيرانية القبض عليه وتعرض للتعذيب، ومن ثّم سلمته إلى السلطات العراقية.
وبعد ترحيله إلى العراق حكمت المحكمة العسكرية العراقية عليه بالإعدام، ثم خففت الحكم إلى السجن المؤبد، وفي السجن كتب قصيدته الشهيرة "البراءة" التي تعد أشهر القصائد التي كتبها.
دخوله السجن
سُجن النواب في السجن الصحراوي الذي عُرف باسم "نقرة السلمان" وهو سجن قريب من الحدود العراقية السعودية وأمضى عدة سنوات فيه مع غيره من اليساريين، وبعدها انتقل إلى سجن الحلة الواقع جنوب بغداد.
وفي السجن تمكن النواب من الهرب مع مجموعة من السجناء السياسيين عن طريق حفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، وأحدث هروبه من السجن صدمة في أرجاء العراق والدول العربية.
اختفى النواب عن الأنظار بعد هروبه وظل مختفيًا في بغداد مدة 6 أشهر، وبعدها توجه إلى منطقة "الأهوار" التي تقع جنوب العراق وعاش مع الفلاحين لمدة سنة، وفي عام 1969 صدر عفو عام عن المعارضين فظهر مرة أخرى وعاد إلى سلك التعليم من جديد.
شهد العراق بعد ذلك موجة اعتقالات جديدة كان من ضمنها النواب ولكن أطلق سراحه بعد فترة قصيرة، فقرر السفر إلى بيروت بعد إخلاء سبيله.
ومن بيروت انتقل إلى دمشق وتنقل كذلك بين العواصم العربية مثل القاهرة، وطرابس، والخرطوم والجزائر والعواصم الأوروبية مثل فرنسا والولايات المتحدة وتايلند واليونان وفيتنام ليقرر الاستقرار في نهاية المطاف في دمشق.
وظل منفيًا خلال حكم الرئيس صدام حسين، وفي عام 2011 عاد النواب إلى العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق لرفضه العودة إلى بلده في ظل الاحتلال، ولكنه ظل يتنقل بين بغداد ودمشق وبيروت ليتوفى بعد ذلك في مستشفى الشارقة التعليمي في الإمارات.
من هي زوجة مظفر النواب؟
لم يتزوج الشاعر مظفر النواب في حياته قط وليس لديه أبناء.
ديانة مظفر النواب
الشاعر العراقي مظفر النواب مسلم الديانة وينتمي إلى الطائفة الشيعية.
كتب مظفر النواب أشهر قصائده الثورية "البراءة" في عام 1963 حينما كان مسجونًا سياسيًا في سجن "نقرة السلمان"، ويقول في مطلعها باللهجة العراقية:
يبني ضلعك من رجيته لضلعي جبرته وبنيته
يبني أخذني لعرض صدرك واحسب الشيب اللي من عمرك جنيته
يبني طش العمه ابعيني وجيتك ابعين القلب أدبي على الدرب المشيته
شيلت العلاقة يبني يذكر اجتوفي بلعب عمرك عليهن
سنه وجفوفك وردتين على راسي
وبيك أناغي كل فرح عمري النسيته
يا عمد بيتي وقمر ليلي
وربيع الشيب والعمر الجنيته
جيت أهزك يا عمد بيتي
لا يكون الدهر ضعضع عظم منك للمذلة
وساومت جرحك على الخسة وجفيته
يبني خلي جرحك ينطف
خله يعف خله ينزف
وتعتبر قصيدة "قراءة في دفتر المطر" التي نظمها عام 1969 أهم محطات شهرته كذلك، ويقول في مطلعها:
في الليل
يضيع النورس في الليل… القارب في الليل
وعيون حذائي تشم خُطى امرأة في الليل
امرأة ليست أكثر من زورق لعبور النهر
يا امرأة الليل… أنا رجل حاربت بجيش مهزوم
ما كنت أحب الليل بدون نجوم
وأخيرا صافح قادتنا الأعداء ونحن نحارب
ورأيناهم ناموا في الجيش الآخر والجيش يحارب
والآن سأبحث عن مبغي
استأجر زورق
فالليل مع الجيش المهزوم طويل
في مقهى الزيتونة تبكي الموجة فيه
اهتم النواب بالقضية الفلسطينية بشكل كبير، وكتب عنها عدة قصائد حققت شهرة كبيرة، ولعل أشهرها قصيدة "القدس عروس عروبتكم" وهاجم فيها القادة العرب، وتسببت هذه القصيدة بمنعه من دخول عدة دول عربية، وأصبح يُلقب بـ"شاعر القصيدة المهربة"، ويقول النواب في هذه القصيدة:
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فما أشرفكم
وفي عام 1976 كتب النواب قصيدة "تل الزعتر" التي تحدث فيها عن أحداث مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتسببت هذه القصيدة في موجة غضب شديدة ضده، مما اضطر للترحال من جديد وانتقل إلى ليبيا.
كان النواب من أكثر المعارضين لقمم جامعة الدول العربية ودأب على انتقاد كل قمة تُعقد، ومن القصائد التي كتبها لمهاجمة جامعة الدول العربية قصيدة "دوامة النورس الحزين"، و"القمة الثانية"، و"تكاثرت القمم".
نظم مظفر كذلك ملحمته الشعرية "وتريات ليلية" يؤكد من خلالها على التزامه التام بقضايا العرب القومية السياسية والاجتماعية، وأصبح تغنيه بها سمة ظاهرة في شعره، ويقول في مطلع القصيدة:
في تلك الساعة من شهوات الليل
وعصافير الشوك الذهبية
تستجلي أمجاد ملوك العرب القدماء
وشجيرات البر تفيح بدفء مراهقة بدوية
يكتظ حليب اللوز
ويقطر من تهديها في الليل
وأنا تحت النهدين
إناء
التزم النواب تنظيم أمسيات شعرية في العواصم الغربية وخاصة في مدينة لندن، وألقى فيها عدة قصائده خصصها للقضية الفلسطينية والانتفاضة والحث على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
اشتهر النواب بالقصدية الثورية والقومية التي بكى فيها على حال العرب وفلسطين، ولكن لم تكن السياسية والثورة موضوع كل قصائده، فكان للحب والغزل مكان ضمن إبداعاته الشعرية.
"مُتعبٌ منّي،، ولا أقوى على حملي" بكلمات قليلة نشرها مظفر النواب على صفحته على فيسبوك تمكن من أن يختزل معاناته مع المرض وهو على أعتاب التسعين من عمره، حيث عانى من الشلل الرعاش وظل معزولًا في بيته الصغير في إحدى ضواحي دمشق.
وفي يوم الجمعة الموافق 5 من مايو عام 2022 توفي الشاعر الثائر مظفر النواب عن عمر 88 عامًا في مستشفى الشارقة التعليمية في الإمارات، وبعد وفاته نعاه الرئيس العراقي برهم صالح في تويتر حيث قال:
"يبقى حيًّا في ذاكرة الشعب مَن زرع مواقفه السياسية والوجدانية بشكل صادق. هو حيّ في ذهن كل مَن ترنم بقصائده الخالدات".
وأمر رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بنقل جثمانه بالطائرة الرئاسية ليوارى الثرى في أرض الوطن، كما نعاه وزير الثقافة العراقي حسن ناظم الذي وصفه بأنه من أهم الأصوات الشعرية العراقية، ورحيله يمثل خسارة للأدب العراقي.
