يعد المفكر وعالم النفس اللبناني الشهير مصطفى حجازي من أبرز علماء النفس الذين اشتهروا بتقديم تحليلات عميقة لقضايا الإنسان العربي من منظور علم النفس الاجتماعي، وقد أسهمت كتاباته في الكشف عن التأثيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الفرد ونفسيته، وقد جمع في تحليلاته بين علم النفس والعلوم الاجتماعية، وهو ما جعله من الأسماء المتميزة في مجاله، في السطور التالية نلقي الضوء على مسيرته.
من هو د. مصطفى حجازي؟
هو عالم نفس ومفكر لبناني، ولد في مدينة صيدا في لبنان عام 1936، وهو واحد من أهم علماء النفس في الوطن العربي، حيث ترك خلال مسيرته مخزونًا فكريًا للنفس البشرية، وقدم العديد من المؤلفات البارزة في علم النفس والتحليل الاجتماعي.
بدأ حجازي مسيرته العلمية في مجال علم النفس والاجتماع، فقد عمل على دراسة وتحليل الظروف الاجتماعي والسياسية التي يعيشها الإنسان العربي، وكتب العديد من المؤلفات التي تناولت موضوعات نفسية واجتماعية، ومنها "سيكولوجية الإنسان المقهور"، و"التخلف الاجتماعي"، ومؤلفات أخرى.
ركز حجازي من خلال مؤلفاته على مفهوم القهر والهدر الذي يعاني منه الإنسان العربي نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بتلك المجتمعات.
تأثر حجازي بالنظريات النفسية والاجتماعية الغربية، واستطاع تكييفها وإعادة صياغتها بما يلائم الواقع العربي، وقد كان له دور هام في توجيه الأنظار لأهمية دراسة النفس البشرية، ورأى أن التحرر الحقيقي يبدأ من فهم الذات، والقدرة على تحليل المواقف الاجتماعية بشكل نقدي.
قدم حجازي خلال مسيرته العلمية مساهمات هامة في مجال البحث العلمي والمجال الأكاديمي، وقد ساهمت أفكاره في إثراء الحوار الفكري في الوطن العربي، وهو ما جعله من أبرز الباحثين والمفكرين في الشرق الأوسط.
نشأته وتعليمه
ولد الباحث مصطفى حجازي في مدينة صيدا في لبنان، وقد درس فيها حتى المرحلة الثانوية، ثم سافر إلى القاهرة لإكمال دراسته هناك. درس حجازي في كلية علم النفس في جامعة عين شمس، وتخرج فيها عام 1960، وخلال دراسته الجامعية تأثر كثيرًا بالحركات القومية والسياسية في تلك الفترة.
درس حجازي في جامعة عين شمس على يد الدكتور مصطفى زيوار، الذي يعد رائد التحليل النفسي في الوطن العربي، والذي أسس قسمًا خاصًا لعلم النفس ضم فيه نخبة من كبار علماء النفس المتخرجين من جامعات أمريكية وغربية، وكانت الدفعة لا تزيد عددها عن 20 طالبًا، وقد حظي بمتابعة ورعاية فردية من أساتذته في الجامعة، وهو ما وفر له أساسًا علميًا متينًا.
كانت لسنوات دراسته في مصر تأثير على نموه الشخصي ووعيه الفكري والسياسة، فقد درس في فترة كانت فيها الحركات القومية والعربية في أوجها، وهو ما أصبح أساسًا لنموه الفكري المهتم بالقضايا الوطنية والإنسانية العميقة لوطنه العربي.
بعد إتمام دراسته في مصر، سافر حجازي إلى إنجلترا لدراسة تجارب رعاية الطفولة والعلاج المؤسسي للأطفال، وفي عام 1965، حصل على دبلوم في علم الجريمة العيادي من جامعة ليون في فرنسا، ثم حصل على درجة الدكتوراه من الجامعة نفسها.
مسيرته المهنية
عاد الدكتور مصطفى حجازي إلى لبنان، وعمل أستاذَا لعلم النفس في الجامعة اللبنانية في الفترة من عام 1983 حتى بداية التسعينات، ثم انتقل إلى البحرين، وعمل أستاذًا للصحة الذهنية في جامعة البحرين من عام 1990، وظل يدرس في الجامعة لمدة 16 عامًا حتى عام 2006.
انتقل حجازي بعدها إلى للعمل أستاذَا زائرًا في كلية طب جامعة الخليج العربي بداية من عام 2007، وفي عام 2008 تقاعد وتفرغ للبحث والعلمي والاستشارة، وألف العديد من الكتب.
شغل حجازي مناصب أخرى، ومنها أنه كان منسق دبلوم الإرشاد النفسي في جامعة البحرين في الفترة من عام 1995 حتى عام 2006، كما أنه شغل منصب رئيس لجنة الترقيات الأكاديمية في الجامعة نفسه في الفترة من عام 1997 حتى عام 2001.
كتب مصطفى حجازي
خلال مسيرته المهنية، ألف الدكتور مصطفى حجازي العديد من الكتب والمؤلفات التي تناول فيها موضوعات نفسية واجتماعية، ولعل أشهر كتبه على الإطلاق كتاب "التخلف الاجتماعي: مدخل لدراسة سيكولوجية الإنسان المقهور"، والذي نشر عام 2001.
يتناول حجازي في هذا الكتاب نفسية الإنسان المتخلف، وتصرفاته التي تجعله يحفظ توازنه النفسي، والتي لا يمكن العيش بدونها، ويرى في الكتاب أن هذه التصرفات والسلوكيات ما هي إلا وضعية القهر التي تفرضه عليه الطبيعة.
من مؤلفاته أيضًا كتاب: "الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية"، والتي يقول فيها إن الإنسان ستكون حقوقه مهدورة بدون الديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون استرداد حق الإنسان في إنسانيته واسترداد مكانته.
من مؤلفاته البارزة أيضًا كتاب "حصار الثقافة"، والذي صدر عام 1998، وقد رأى في الكتاب أن القنوات التلفزيونية ستتلاعب في العقول، وبدلًا من استخدام التلفزيون من أجل التضامن بين البشر، تم السيطرة عليها والاستحواذ عليها من قبل القوى لمالية والسياسية، واستخدمتها لصالحها للتلاعب بالعقول لأغراض الربح والهيمنة.
ألف حجازي العديد من الكتب الأخرى، ومنها "الكلام أو الموت"، و"العصبيات وآفاتها: هدر الأوطان واستلاب الإنسان"، و"إطلاق طاقات الحياة"، و"الصحة النفسية"، و"الشباب الخليجي والمستقبل: دراسة تحليلية نفسية واجتماعية".
وفاة مصطفى حجازي
رحل عن عالمنا المفكر وعالم النفس اللبناني مصطفى حجازي في 14 أكتوبر 2024 عن عمر 88 عامًا، وبعد وفاته نعاه العديد من المفكرين والصحفيين في الوطن العربي، ومنهم الكاتب سيد محمود الذي قال: "كانت بيننا جلسات كثيرة خلال فترة قصيرة عشتها في البحرين كشفت دائما روحه المرحة وكثيرا ما أتيحت لي فرصة الحوار معه في صحبة أستاذي وصديقي الغالي الدكتور شاكر عبد الحميد، فقد كانت بينهما صداقة نادرة وتقدير متبادل".
نعته أيضًا بهية الحريري، رئيس مؤسسة الحريري، التي قالت عنه: "مسيرةُ، قادته إلى امتلاك بعض مفاتيح الحكمة بسعة أفقه ونقاء مداركه وغزارة إنتاجه العلمي وخاصة في علم النفس والأدبي الذي سطره مؤلفات وأبحاثاً وترجمات وكتباً في غير مجال وحقل".