عرف الدبلوماسي الألماني مراد هوفمان الإسلام ودرسه لسنوات طويلة وخاصة بعدما عمل في السفارة الألمانية في الجزائر وهي التجربة التي جعلته يتعايش مع الإسلام والمسلمين ومن ثم اعتناق الإسلام فيصبح أحد أشهر العلماء في العالم الإسلامي، تعرف أكثر على رحلته مع الإسلام ونشاطاته ودوره البارز.
من هو مراد هوفمان؟
مراد ويلفريد هوفمان هو دبلوماسي ومحام وكاتب ألماني اعتنق الإسلام في الثمانينات ولد في 6 يوليو عام 1932 ويعد من أبرز العلماء في العالم الإسلامي.
عمل هوفمان سفيرًا لبلده ألمانيا في الجزائر والمغرب لعدة سنوات وكانت تجاربه بالعيش والعمل هناك كبير الأثر على قرار دخوله الإسلام، وهو الأمر الذي أثار عاصفة من الجدل كون دبلوماسيًا رفيع المستوى في ألمانيا.
شغل هوفمان طوال مسيرته المهنية العديد من المناصب منها عمله في وزارة الخارجية وفي منظمة حلف شمال الأطلسي، وبعد اعتناقه الإسلام نشر العديد من الكتب عن رحلته مع الإسلام ورأيه في الغرب والمسلمين في الغرب وحققت هذه الكتب شهرة واسعة.
نشأته وتعليمه
نشأ الدبلوماسي الألماني مراد هوفمان في عائلة كاثوليكية في مدينة أشافنبورغ في ألمانيا، وقد عاش خلال سنوات الحرب العالمي والاحتلال العسكري وقد انتمى إلى جماعة سرية مناهضة للنازية.
كانت نشأته الدينية الواسعة لها كبير الأثر على إيمانه بالله، رغم أنه أخضع اعتقاداته المسيحية إلى مراجعات جادة أبعدته عن الدين المسيحي ولكنها لم تبعده عن إيمانه الراسخ بوجود خالق لهذا الكون.
درس هوفمان قانون العمل والأدب وعلم الاجتماع في كلية الاتحاد في مدينة سكنيكتادي في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم عاد إلى ألمانيا ودرس القانون في جامع ميونغ وأكمل دراسته عام 1955 بعد اجتياز امتحان الدولة الأول في القانون وذلك في عام 1957 وحصل على الدكتوراه في الفقه.
في عام 1960 حصل على ليسانس الحقوق ثم درجة الماجستير من كلية الحقوق في جامعة هافارد، وخلال دراسته عمل كمساعد أبحاث للمحكمة العليا.
زوجات مراد هوفمان
تزوج مراد هوفمان مرتين، المرة الأولى من إليزابيث آن غريفث منذ عام 1961 حتى عام 1963 ورزق منها بابنه جون تشاسكي ألكسندر هوفمان. في عام 1972 تزوج من عازفة القيثار التركية بولبن أوز واستمر الزواج حتى عام 2002.
مسيرته المهنية
رغم أنه درس القانون ومن المفترض أن يعمل في المحاماة بعد التخرج إلا أنه لم يعمل محاميًا ولم يشعر بالرضا من حياته المهنة القانونية حيث قال: "لم يفعل المحامون سوى القليل أو لا شيء على الإطلاق للمساعدة في منع الضرر أو الكوارث".
اتجه مراد هوفمان إلى العمل في السلك الدبلوماسي مدفوعًا برغبته في تحسين صورة بلده بعدا لحرب العالمي الثانية، ويقول عن هذا القرار: "بعد التخرج وجدت أن هناك حاجة ملحة لإعادة بناء صورة بلدي التي شوهتها الحرب العالمية الثانية عن طريق الالتحاق بالسلك الدبلوماسي في ألمانيا حيث شعرت أنني أستطيع المساعدة في توفير التمثيل المناسب في مجتمع الدول التي ظهرت بعد الحرب".
حصل هوفمان على تدريبه الدبلوماسي في مدينة بون في ألمانيا، وقد عمل في وزارة الخارجية الألمانية من عام 1961 حتى تقاعده عام 1994 وتخصص في القضايا المتعلقة بالدفاع النووي.
عمل بعدها في منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل في الفترة ما بين 1983 إلى عام 1987، ثم عمل سفيرًا لبلده في الجزائر من عام 1987 إلى 1990 ثم سفيرًا في المغرب من عام 1990 إلى عام 1994.
مراد هوفمان قصة إسلامه
اعتنق مراد هوفمان الإسلام يوم 25 سبتمبر عام 1980 وعندما طلب منه شرح سبب اعتناقه للإسلام قال هوفمان بأسلوب فلسفي فريد: "إذا كان الرجل أو المرأة يستطيع أن يشرح سبب وقوعه في الحب فهذا ليس حبًا، وبالمثل لا يمكنني تحديد حادثة أو صحوة مفاجئة أدت إلى اعتناقي الإسلام".
إلا أن هوفمان تأثر كثيرًا بالإسلام بسبب قراءاته للأدب الإسلامي ومراسلاته الدبلوماسية في الدول الإسلامية، فضلًا عن صداقته مع المسلمين وعلى رأسهم محمد أسد، الذي اشتهرت ترجمته للقرآن الكريم في كل أنحاء العالم.
فضلًا عن ما شاهده في حرب الاستقلال الجزائرية وإعجابه الشديد بصبر الجزائريين ومقاومتهم للاستعمار بجانب ما رآه من تناقضات في العقيدة المسيحية التي أبعدته عن المسيحية ولكن لم تبعده عن الإيمان بالله، وكل هذه الأمور اجتمعت معًا لتجعل هوفمان يقرر دخول الدين الإسلامي.
وعن رحلته مع القرآن الكريم وقراءته لها التي استمرت لسنوات قال هوفمان عن القرآن: "كل شيء في مكانه، منطقي تمامًا".
وقد مرت رحلة مراد هوفمان مع الإسلام بعدة مراحل، المرحلة الأولى خلال عمله كملحق في السفارة الألمانية في الجزائر وما شاهده من دموية القوات الفرنسية وصلاية الجبهة الوطنية الجزائرية التي تنادي بالاستقلال.
ويقول هوفمان عن هذه الفترة: "لقد شهدت صبر الشعب الجزائري وصموده في مواجهة المعاناة الشديدة، وانضباطه الشديد خلال شهر رمضان، وثقته في النصر، فضلاً عن إنسانيته وسط البؤس".
كانت هذه التجربة سببًا في تشجيعه على قراءة القرآن الكريم فيقول: "بدأت أقرأ القرآن ولم أتوقف عن قراءته أبدًا حتى يومنا هذا".
أما التجربة الثانية أو المرحلة الثانية في رحلته مع الإسلام كانت مع الفن الإسلامي، فقد كان هوفمان مغرمًا بالفن والجمال ورقص الباليه، وعندما تعرف على الفن الإسلامي أغرم بالخطوط العربية وأنماط السجاد وعمارة المساجد والمساكن والتخطيط الحضري في المدن الإسلامية.
أما أكثر ما أثر على رحلته في معرفته الحقيقة هو معرفته الواسعة والشاملة بتاريخ العقائد المسيحية، وأدرك بوجود فرق كبير بين ما يؤمن به المسيحي وما يعلمه أستاذ التاريخ في الجامعة.
عبّر هوفمان كذلك عن غضبه الشديد من تبني الكنيسة عقائد أسسها القديس بولس بدلًا من عقيدة يسوع التاريخية، كما لم يقبل بأن الله اختار أن يعذب ابنه ويقتله على الصليب لتخليص خليقته.
ويقول هوفمان: "بدأت أدرك كم هو شنيع، بل وتجديفي، أن تتخيل أن الله قد يكون مقصّرًا في خلقه؛ وأنه لم يكن من الممكن أن يفعل أي شيء حيال الكارثة التي من المفترض أن سببها آدم وحواء دون أن ينجب ولداً، فقط ليتم التضحية به بهذه الطريقة الدموية؛ لكي يتألم الله من أجل البشر، خليقته".
آمن هوفمان بوجود الله ولكن السؤال التالي الذي شغل تفكيره هو كيف يتواصل الله مع البشر، وهذا ما دفعه للإيمان بالحاجة إلى الوحي، ولكن أي وحي؟ الكتب المقدسة اليهودية أم المسيحية أم الإسلام.
وقد وجد هوفمان الإجابة في القرآن حينما قرأ آية: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" التي قدمت الجواب على معضلته فقد رفض بشكل تام فكرة الخطيئة الأصلية وانتظار الشفاعة.
وعن هذا الأمر يقول هوفمان: "يعيش المسلم في عالم بلا رجال دين، وبدون تسلسل هرمي ديني؛ عندما يصلي فإنه لا يصلي من خلال يسوع أو مريم أو غيرهما من القديسين الشفعاء، بل يصلي مباشرة إلى الله – كمؤمن متحرر تمامًا – وهذا دين خالٍ من الألغاز".
مراد هوفمان وكتاب "الإسلام كبديل"
كان كتاب "الإسلام كبديل" إعلان للدبلوماسي مراد هوفمان بأنه اعتنق الإسلام، وقد أحدث الكتاب ضجة واسعة في ألمانيا وتعرض لهجوم شديد من وسائل إعلام ألمانية وأوروبية كونه اعتنق الإسلام بينما عمل سابقًا في منصب حساس في حلف شمال الأطلسي.
تحدث هوفمان في كتابه عن رؤيته المستقبلية للإسلام ويرى أن القرن الحادي والعشرين هو قرن انتشار الإسلام في أوروبا.
تطرق أيضًا إلى قضايا حساسية مثل تعدد زوجات الرسول والربا والمذاهب الأرعبة وأحااكم الحدود كما تحدث عن قضايا المرأة والفن والتطرف والتصوف كذلك.
وما زاد الجدل بعد نشر هذا الكتب معرفة أن دار نشر ألمانية هي من ستتولى طباعة الكتاب، وقد تعرض لسلسلة من الإشاعات وحملات التشويه، ومنها انتشار مزاعم أن كل امرأة تعمل تحت إدارة هوفمان في وزارة الخارجية ستجبر على ارتداء الحجاب.
مراد هوفمان رحلة إلى مكة
من الكتب البارزة التي أصدرها مراد هوفمان بعد اعتناقه الإسلام كتاب "رحلة إلى مكة" والتي تناول فيها رحلته الأولى لأداء فريضة الحج في مكة ويبدأ الكتاب بقصة تأجيل رحلة الطيران المتجهة إلى المملكة العربية السعودية.
بجانب رصد تجربته الشخصية في الحج تحدث هوفمان في كتابه أيضًا عن شرائع الحج ومعالم الحج ومقاصده كذلك فتحدث عن سر ماء زمزم والحجر الأسود، كما توقف على الكثير من القضايا الإسلامية كما تحدث عن بعض التجارب التي شجعته على دخوله الإسلام.
ويقول هوفمان في كتابه: "الحج ليس فريضة بل هو حلم لكل مسلم، والعودة منه هي مفخرته، فهو يستطيع عند العودة أن يجد منزله وقد طُلى بلون أخضر، ناهيك عن أنه سيحظى بمكانة رفيعة جدا، فلا لقب دكتور ولا لقب الحاصل على الماجستير ولا لقب «سعادة» ولا لقب «أستاذ» تضاهى لقب حاج الذي يُخاطب به".
مؤلفات مراد هوفمان
عُرف مراد هوفمان بغزارة مؤلفاته عن السلام، فقد أصدر كتاب "يوميات ألماني مسلم" الذي أمرت الحكومة الألمانية بتوزيعه على كافة البعثات الأجنبية الألمانية في الدول الإسلامي من أجل التحليل.
من كتبه أيضًا "رحلة إلى مكة"، و"الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود"، و"الإسلام عام ألفين"، و"الطريق إلى مكة"، و"الرحلة إلى الإسلام: يوميات دبلوماسي ألماني".
أيضًا كتب عدد من المقالات في المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية، كما أنه كان متحدثًا في الكثير من المؤتمرات الدولية وأجرى مقابلات في العديد من الدول.
رأي هوفمان في الكحول
رغم عمله الدبلوماسي وعمله كضابط في الناتو لمدة 15 عامًا بعد إسلامه إلا أنه أصر على ممارسة شعاره الدينية، فقد كان يرفض عروض الكحول بأدب، قد تحدث باستفاضة عن الشرور التي تسببها الكحول في حياة الفرد والمجتمع.
وقد ذكر هوفمان تجربة حدثت له بسبب الكحول خلال دراسته في نيويورك عام 1951، حيث كان من المفترض أن يسافر من أتلانتا إلى ميسيسيبي، وعندما وصل إلى وجهته ظهرت سيارة يقودها سائق مخمور.
بعدها بفترة تعرض لحادث خطير بسبب سائق مخمور آخر أدى إلى خلع 19 سنًا من أسنانه وتشوه فمه وأجرى عملية جراحية في ذقنه وأسفل وركه، وفي المستشفى قال له الطبيب أنه نجا من حادث لا يمكن لأحد أن ينجو منه وقال له: "الله لديه شيء خاص لك يا صديقي".
فلسفة مراد هوفمان
قدم مراد هوفمان الإسلام بأنه الترياق الذي يضع الأمور في نصابها الصحيح ويقدمه على البدائل والاتجاهات أخرى. وقد ضرب مثلًا على العقلانية التي انتشرت في القرن العشرين والتي جعلت الحقائق القديمة أقل قيمة.
يرى هوفمان أنه يمكن التعايش بين الأديان المختلفة، وتحدث في هذه النقطة عن الحروب الصليبية، حيث ذكر أن التجارة بين الجانبين كانت مستمرة رغم الحرب وهذا دليل على أنه يمكن التعايش فيما بينهم.
يرى هوفمان أيضًا أن الإسلام يتسامح مع الديانات الأخرى ويعترف بأنبيائهم، فيقول: "يجب أن نتذكر أن الإسلام لا يتسامح مع الديانات الأخرى فحسب، بل يعترف أيضاً بالأنبياء ويحترمهم مثل يسوع وموسى. وكانت المسيحية، حتى وقت قريب، هي التي لم تعترف بأي ديانة أخرى".
يرى هوفمان كذلك أن الإسلام دين لا يلتزم بالحدود الجيوسياسية فهو دين عالمي لجميع الشعوب والعصور فيقول: "ربما أستطيع أن أؤكد بأمان أن احتمالات التوسع الإضافي للإسلام في القرن الحادي والعشرين أصبحت أكثر إشراقًا مما كانت عليه من قبل".
وفاة مراد هوفمان
توفي الكاتب والدبلوماسي الألماني الشهير مراد هوفمان في 13 يناير عام 2020 عن عمر ناهز 89 عامًا بعد صراع مع المرض تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا وفكريًا وكتابات ملهمة في الفكر الإسلامي. وبعد وفاته نعى المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا وصدر بيان عن المجلس أوضح فيه أنه توفي بين أحبائه.