صاغت المهندسة الأمريكية مارجريت هاميلتون مصطلح "هندسة البرمجيات"، لوصف عملية تطوير البرمجيات بطرق علمية، لذا فهي تعد رائدة من رواد هندسة البرمجيات في العالم، وقد نجحت في تطوير العديد من البرمجيات منها برمجيات رحلة أبولو الفضائية الناجحة، تعرف أكثر على إنجازاتها في هذا المقال.
من هي مارجريت هاميلتون؟
مارجريت إلين هاميلتون هي عالمة كمبيوتر ومهندسة برمجيات أمريكية، ولدت في 17 أغسطس عام 1936 في إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية، وتعد رائدة هندسة البرمجيات في العالم، وأول مهندسة برمجيات في ناسا.
اشتهرت هاميلتون بدورها البارز في تطوير برمجيات الكمبيوتر لمهمة أبولو التابعة لناسا. قادت فريقًا في مختبر أدوات القياس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) الذي طور البرمجيات اللازمة لرحلات أبولو الفضائية، بما في ذلك رحلة أبولو 11 التي هبطت بنجاح على سطح القمر في عام 1969.
كانت هاميلتون هي التي صاغت مصطلح "هندسة البرمجيات" لتصف عملية تطوير البرمجيات بطرق علمية ومنهجية، وتعتبر من الرواد في هذا المجال، وقد حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات على إنجازاتها، بما في ذلك الميدالية الرئاسية للحرية التي منحها لها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عام 2016.
خلال مسيرتها نشرت هاميلتون أكثر من 130 ورقة بحثية، وتقرير، وتولت أكثر من 60 مشروعًا هندسيًا.
نشأتها وتعليمها
ولدت مارجريت هاميلتون في إنديانا، ثم انتقلت مع عائلتها إلى ميشيغان، وهناك درست في مدرسة هانكوك الثانوية، وتخرجت فيها عام 1954. التحقت بعدها جامعة ميشيغان ودرست الرياضيات، ثم انتقلت إلى كلية إيرلهام، وحصلت على درجة البكالوريوس في الرياضيات مع تخصص فرعي في الفلسفة في عام 1958.
زواجها
تزوجت مارجريت هاميلتون من زميلها في الجامعة جميس كوكس هاملتون، وكان طان طالب متخصص في الكيمياء، وتزوجا في عام 1958، وكانت وقتها تدرس في الجامعة، فيما أنهى زوجها درجته الجامعية في إيرلهام.
انتقل الزوجان فيما بعد إلى بوسطن، حيث حصل زوجها على شهادة الماجستير في الكيمياء من جامعة برانديز، وأنجبت هاميلتون طفلتها الأولى واسمها لورين في عام 1959.
التحق زوجها فيما بعد بكلية الحقوق في جامعة هارفارد، وأسس مكتباً للمحاماة في بوسطن، وعمل لاحقًا في مجلس الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية. انفصلت هاميلتون عن زوجها في عام 1967، وبعد الانفصال بعامين تزوجت من دان ليكلي.
مسيرتها المهنية
بعد التخرج كانت مارجريت هاميلتون تنوي إكمال دراستها والحصول على الماجستير في الرياضيات المجردة من جامعة برانديز، إلا أنها غيّرت خطتها وانضمت للعمل في قسم الأرصاد الجوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في منتصف عام 1959.
خلال عملها في القسم طورت برمجيات للتنبؤ بالطقس على أجهزة الكمبيوتر، في وقت لم تكن هناك تخصصات ثابتة تعرف باسم "هندسة البرمجيات" أو "علوم الكمبيوتر"، وإنما كان المبرمجون يتعلمون ويتكسبون خبراتهم من خلال التجربة والعمل.
في عام 1961 بدأت هاميلتون العمل على مشروع البيئة الأرضية شبه الأوتوماتيكية SAGE في مختبر لينكولن في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، واستمر المشروع لمدة 3 سنوات تقريبًا.
كانت هاميلتون حينها واحدة من المبرمجين الذين صمموا برنامجًا للنموذج الأولي للكمبيوتر AN/FSQ-7، وهو برنامج كانت القوات الجوية الأمريكية في ذلك الوقت تستخدمه من أجل التعرف على الطائرات الدخيلة، وكان هذا المشروع جزءًا من مشروع بدأه المعهد يهدف إلى إنشاء نظام كمبيوتر يمكنه التنبؤ بالطقس، وتتبع التحركات باستخدام أجهزة المحاكاة.
عملت هاميلتون كذلك على برنامج لمشروع تتبع الأقمار الصناعية في مختبرات كامبريدج للقوات الجوية، حيث تم استخدام مشروع SAGE للاستخدام العسكري في الدفاع الجوي المضاد للطائرات.
كان عملها في هذا المشروع صعبًا للغاية، ولكنها كانت أول من نجح في تنفيذ المهمة، وبسبب جهودها في هذا المشروع أصبحت مرشحة لمنصب في وكالة ناسا كمطور رئيسي لبرنامج طيران أبولو.
عملها في مشاريع أبولو
عملت مارجريت هاميلتون في مشروع أبولو في عام 1965، حيث انضمت إلى مختبر الأجهزة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وطورت فيه كمبيوتر أبولو التوجيهي لبرنامج أبولو لاستكشاف القمر.
كانت هاميلتون بشغلها هذا المنصب أول سيدة تعمل مبرمجة في مشروع أبولو للتكنولوجيا، وسرعان ما أصبحت مديرة قسم هندسة البرمجيات. كانت هاميلتون مسؤولة عن اختبار برامج الطيران على متن الطائرة لوحدة القيادة والقمرة لمركبة أبولو الفضائية، فيما قام جزء من فريقها بتصميم وتطوير برمجيات الأنظمة.
كان من ضمن مهامها أيضًا اكتشاف الأخطاء في البرنامج، مثل إعادة التشغيل، وإجراءات واجهة العرض، والتي صممتها هاميلتون وفريقها وطورتها، وقد اكتسبت خبرة عملية خلال فترة قصيرة، في وقت لم تكن دورات هندسة الكمبيوتر أو علوم الكمبيوتر موجودة.
تركزت خبراتها على مجموعة متنوعة من المجالات المتقدمة في التكنولوجيا والهندسة، وشملت هذه المجالات تصميم الأنظمة وتطوير البرمجيات، ونمذجة المؤسسات والعمليات، ونماذج التطوير المتقدمة، واستخدام لغات النمذجة الرسمية، بالإضافة إلى النمذجة الكائنية الموجهة لتطوير الأنظمة.
كما تضمنت خبراتها إنشاء بيئات دورة حياة آلية، وتطوير تقنيات تزيد من موثوقية البرامج وإعادة استخدامها، إلى جانب التحليل في المجال الصحي باستخدام خصائص اللغة المدمجة.
عملت هاميلتون أيضًا على تطوير تقنيات البنية المفتوحة للأنظمة المتينة، وأتمتة دورات الحياة بالكامل، وضمان الجودة، وتحقيق التكامل السلس، واكتشاف الأخطاء وتقنيات الاسترداد.
بالإضافة إلى ذلك، ركزت على تصميم أنظمة واجهة الإنسان والآلة، وأنظمة التشغيل، وتطوير تقنيات الاختبار من البداية إلى النهاية، وإدارة دورة الحياة، وهدفت هذه التقنيات مجتمعة إلى جعل البرمجيات أكثر موثوقية، حيث تسهم في تمكين المبرمجين من تحديد الأخطاء وإصلاحها بشكل أسرع خلال عملية التطوير.
عملها في مشروع أبولو 11
شاركت مارجريت هاملتون في مشروع أبولو 11، حيث نجحت في برمجة أجهزة الكمبيوتر وبرنامج الطيران الموجود على متن الطائرة، وقد لعبت دورًا حاسمًا في نجاح المشروع من خلال قيادتها لفريق تطوير البرمجيات في مختبر الأجهزة الملاحية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
قادت هاميلتون فريقًا مهمته تطوير برمجيات متقدمة وموثوقة، مما ساعد على ضمان سلامة الرحلة، وتضمنت البرمجيات الرائدة التي طورتها إعادة التوجيه في حالة الطوارئ، وهي ميزة أثبتت أهميتها خلال هبوط المركبة.
كان نظام إدارة الأخطاء الذي طورته هاميلتون وفريقها قادرًا على التعرف على الأخطاء وإعادة تخصيص المهام بشكل فعال، مما ساعد في تجنب الكوارث. خلال الهبوط على القمر، عندما واجهت وحدة القمر العديد من الإنذارات غير المتوقعة، تمكن النظام من إدارة الحمل الزائد، واستمر في العمل بشكل صحيح.
كان مارجريت هاميلتون قد أصرت على إجراء اختبارات مكثفة وشاملة لكل جزء من البرمجيات لضمان عدم وجود أي أخطاء، وقد كان نهجها ذلك مهمًا في تقليل احتمالات الفشل في المهمة.
بفضل هذه العوامل وغيرها، أسهمت هاميلتون بشكل كبير في نجاح مهمة أبولو 11 وهبوط أول إنسان على سطح القمر، مما جعلها واحدة من الشخصيات البارزة في تاريخ علوم الكمبيوتر والهندسة الفضائية، وترشحت لجائزة قانون الفضاء التابع لوكالة الناس باعتبارها "الأساس لتصميم برمجيات موثوقة".
مشروعات أخرى شاركت فيها
في عام 1976 شاركت مارجريت هاميلتون في تأسيس شركة برمجيات اسمها HOS، وهدفت من هذه الشركة تطوير برمجيات لمنع الأخطاء من خلال تجربتها في مشروع أبولو 11، وقد طورت الشركة منتجًا اسمه USE.IT، والتي تم استخدامها في العديد من البرامج الحكومية.
حتى عام 1984 شغلت هاميلتون منصب الرئيس التنفيذي للشركة، وفي عام 1986 أسست شركة هاملتون تكنولوجيز" في كامبريدج، وقد طورت شركتها لغة الأنظمة العالمية USL، والبيئة الآلية المرتبطة بها.
عمل برنامج US على منع غالبية الأخطاء في النظام، وقد كان له تأثير كبير في مجال هندسة البرمجيات فيما بعد، فقد ساعدت في إنشاء المبادئ الأساسية في برمجة الكمبيوتر.
أول من أطلقت مصطلح "هندسة البرمجيات"
كان للمهندسة مارجريت هاميلتون لها الفضل في إطلاق مصطلح "هندسة البرمجيات"، والذي أصبح تخصصًا يُدرس في الجامعات فيما بعد.
وعن تفاصيل إطلاق هذا المصطلح تقول هاميلتون أنها كانت مزحة في البداية، بل إن زملائها في القسم كانوا يسخرون منها بسبب أفكارها الغريبة والمتطرفة في ذلك الوقت.
كان التحول المفاجئ أن أحد خبراء الأجهزة آمن بضرورة أن تصبح عملية بناء البرامج تخصصًا هندسيًا، تمامًا كما هو الحال مع الأجهزة، ليس لأنه قبل المصطلح الجديد بحد ذاته، ولكن لأن فريقها أيدوا أن هندسة البرمجيات يجب أن يكون مجالًا هندسيًا بحد ذاته.
عندما بدأت مارجريت في استخدام مصطلح هندسة البرمجيات، بل يؤخذ تطوير البرمجيات على محمل الجد مقارنة بالتخصصات الأخرى، بل لم يُعتبر علمًا قائمًا بحد ذاته، وكانت هاميلتون لها الفضل في إضفاء الشرعية على تطوير البرمجيات كتخصص هندسي.
جوائز وتكريمات
حصلت مارجريت هاميلتون على العديد من الجوائز والتكريمات طوال مسيرتها، ففي عام 1986 حصلت على جائزة أوغوستا آدا لوفليس من جمعية النساء في مجال الحوسبة، كما حصلت على جائزة ناسا للعمل الفضائي الاستثنائي، وذلك في عام 2003، وتضمنت الجائزة مبلغاً مالياً يقدر ب37200 ألف دولار، وكان أكبر مبلغ مالي يُمنح لأي فرد في تاريخ ناسا.
في عام 2009 حصلت هاميلتون على جائزة الخريج المتميز من كلية إيرلهام، وفي عام 2016 حصلت على وسام الحرية الرئاسي من باراك أوباما، وهو أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة الأمريكية.
في عام 2017 حصلت هاميلتون على جائزة زميل متحف تاريخ الكمبيوتر، وفي العام التالي حصلت على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة البولتكنيك في كاتالونيا. في عام 2019 حصلت على جائزة واشنطن، والدكتوراه الفخرية من كلية بارد، كما حصلت على جائزة الإنجاز مدى الحياة.
في عام 2019 احتفلت جوجل بمرور 50 عامًا على هبوط أبولو، واختارت تكريم هاميلتون، كما تم طرح مجموعة ليجو بعنوان "نساء ناسا" وضمت عدة شخصيات بارزة منهم هاميلتون.