لويس برايل.. عبقري الظلام الذي أضاء عالم المكفوفين

  • تاريخ النشر: منذ 13 ساعة
لويس برايل.. عبقري الظلام الذي أضاء عالم المكفوفين

في اليوم الرابع من شهر يناير\ كانون الثاني من كل عام، يتم الاحتفال باليوم العالمي للغة برايل، وهي اللغة التي ابتكرها العبقري الفرنسي لويس برايل الفاقد لبصره في سن مبكرة، واختار عدم الاستسلام للإعاقة، فابتكر نظام "برايل" الذي سمح للمكفوفين بالوصول إلى العلم والمعرفة، وبهذه المناسبة، نسلط الضوء على حياة لويس برايل الفتى الذي تحدى الظلام بنور المعرفة، وأضاء بحروفه ونظامه عالم المكفوفين حول العالم..

في العاصمة الفرنسية باريس، وتحديدًا في مدينة كوبفراي ولد لويس برايل عام 1852 وسط عائلة متوسطة، فوالده كان يملك ورشة صغيرة تصنع الأحزمة والحقائب الجلدية، وهي الورشة التي كان يقضي فيها لويس الكثير من وقته.

في سن الثالثة، وخلال تواجده في الورشة مع والده، تعرض لويس برايل لحادث خطير تسبب في إصابة خطرة في إحدى عينيه، ففقد البصر فيها، وبسبب عدم العناية بالجرح أصيبت عينه بالتهاب حاد، وانتقلت العدوى إلى عينه الثانية، ليفقد الطفل لويس برايل نظره تمامًا وهو في الخامسة من عمره.

كانت هذه بداية قصة لواحد من أهم الشخصيات المؤثرة في العالم، فرغم إصابته بالعمى، حرص والديه على تلقيه التعليم الابتدائي في مدرسة القرية، فكان طالب أعمى بجانب أطفال مبصرين، وهو تحد تمكن من تخطيه بدعم من والديه.

ليس هذا فحسب، ساعده والداه على التأقلم في حياة القرية، فتعلم تحت إشرافهم التنقل في القرية باستخدام العصى التي صنعها له والده. نجح برايل في مدرسة القرية، فكان طالبًا نجيبًا، ووجد والده طريقة لتشجيعه على القراءة من خلال دق المسامير على شكل حروف أبجدية للمساح له للتعرف عليها عن طريق اللمس.

سنوات التكوين: لويس برايل في معهد المكفوفين

كانت نقطة التحول في حياة لويس برايل التحاقه بالمعهد الملكي للمكفوفين في باريس، وهو المعهد الذي دخله بفضل تفوقه الدراسي وإعجاب الكهنة المحليين بتفوقه ونبوغه، ويهدف المعهد إلى تعليم المكفوفين حرفة لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع.

كان النظام المعتمد لتعليم المكفوفين في ذلك الوقت نظاماً أطلق عليه اسم "هاوي"، نسبة إلى مؤسس المعهد فالنتين هاوي، والذي ابتكر طريقة لطباعة الكتب للأطفال المكفوفين من خلال نقش ورق ثقيل عليه طبعات بارزة من الحروف اللاتينية.

كانت تلك الطريقة معقدة وبدائية للغاية، لكن لا يمكن إنكار مدى أهميتها، كونها اعتمدت بشكل أساسي على حاسة اللمس كطريقة أساسية للقراءة للمكفوفين.

عكف لويس برايل على قراءة الكتب الموجودة في المعهد، وتعلمها بسرعة، وكان طالبًا نابغًا، وتمكن من التعلم كذلك بطريقة التعليم الشفهي الذي تقدمه المدرسة، وبسبب كفائته وتفوقه، طُلب منه أن يصبح مساعدًا للمعلم، وبعدها ترقى ليصبح أستاذًا، وظل يعمل في تدريس التاريخ والهندسة والجبر طوال حياته في المعهد.

بجانب التدريس، تعلم برايل العزف على آلة التشيللو والأرغن بفضل أذنه الموسيقية، وقادته موهبته العزف على آلة الأرغن في الكنائس الفرنسية.

لويس برايل.. عبقري الظلام الذي أضاء عالم المكفوفين

ولادة نظام برايل

قرر لويس برايل ابتكار طريقة جديدة للقراءة بداية من عام 1821، حينما علم بطريقة قراءة اسمها "الكتابة الليلية" والتي ابتكرها ضابط فرنسي اسمه شارل بابييه، وكانت تتيح للجنود التواصل والقراءة في الظلام الدامس.

ألهمت شفرة باربييه المكونة من النقاط البارزة برايل لتطوير نظام قراءة خاص به يهدف من خلاله لسد الفجوة في التواصل بين المكفوفين والمبصرين. أعاد برايل صياغة نظام باربييه وبسّط شكله وشفرته وحسّن من كفائته.

اعتمد نظام برايل على أعمدة موحدة لكل حرف، وقلّص الحد الأقصى من النقاط البارزة في كل حرف من 12 إلى 6 نقاط، وقد تم استخدام نسخته الأولى في عام 1829، وما يميز نظام برايل أنه قادر على التعرف على الحروف بلمسة واحدة من الإصبع.

وبنظامه الجديد، أنتج برايل العديد من الأعمال المكتوبة للمكفوفين، والتي لا تزال العديد منها محفوظًا في متحف برايل في مسقط رأسه قرية كوبفراي.

اقرأ أيضًا: ماذا تعرف عن لغة برايل؟

لويس برايل.. عبقري الظلام الذي أضاء عالم المكفوفين

اعتراف متأخر لنظام برايل

رغم الإنجاز الكبير الذي حققه لويس برايل في نظامه الجديد للقراءة، إلا أنه لم يلق بالترحيب الذي يستحقه، وواجه معارضات عدة من مدراء المعهد، حيث تم اعتماد النظام في عهد مدير المعهد ألكسندر رينيه بينييه، فيما اعترض عليه المدير التالي بيير أرماند دوفو.

وخلال تلك الفترة، كان برايل يعاني من مرض تنفسي مزمن، وكانت بنيته هزيلة وهزيلة،ع المرض لمدة 16 عامًا، وبحلول سن الأربعين أجبر على التخلي عن منصبه كمدرس، حتى توفي عام 1852 بعمر 43 عامًا.

كان نظام برايل في وقت وفاته غير معتمد بشكل رسمي في المعهد، ورغم رفض المدراء اعتماده، آمن المكفوفين في المعهد بأهميته كونه نظامًا متطورًا وأكثر سهولة، وبضغط وإصرار من الطلاب، قرر المعهد تبني نظام برايل أخيرًا في عام 1854، أي بعد عامين من وفاة لويس برايل.

انتشر نظام برايل في جميع أنحاء الدول المتحدثة باللغة الفرنسية، وبحلول عام 1873، زاد استخدام لغة برايل في الدول الأوروبية، ووصل إلى أمريكا الشمالية بحلول عام 1882، وفي عام 1916، تم اعتماده رسميًا في إحدى مدارس المكفوفين في الولايات المتحدة، ومنها وصل إلى العالم أجمع.

لم يصنع لويس برايل مجرد نظام كتابة، بل أضاء بابتكاره حياة ملايين الأشخاص، وفتح أبواب المعرفة أمامهم، ومكّنهم من المشاركة الفعالة في مجتمعاتهم. قصة لويس برايل قصة إلهام تدعونا للتمسك بأحلامنا والعمل بجد لتحقيقها مهما كانت الصعاب.

اقرأ أيضًا:  عالم عربي اخترع طريقة كتابة للمكفوفين قبل برايل بـ 5 قرون

لويس برايل.. عبقري الظلام الذي أضاء عالم المكفوفين

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة