كيف غيرت DeepSeek قواعد اللعبة لرواد الأعمال؟

  • تاريخ النشر: منذ ساعة
كيف غيرت DeepSeek قواعد اللعبة لرواد الأعمال؟

في وقت تهيمن فيه الشركات الغربية الكبرى على ساحة التكنولوجيا، برزت شركة DeepSeek الصينية كلاعب جديد ومثير للإعجاب. 

فخلال تسعة أشهر فقط، نجحت الشركة في تطوير نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر يُدعى R1، الذي أذهل العالم بقدراته العالية وكفاءته المذهلة. 

هذا الإنجاز لم يكن مجرد خطوة متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، بل كان تحولاً جذرياً في طريقة تفكير الشركات والحكومات حول مستقبل هذه التقنية.

من الأفكار إلى الواقع: قصة نجاح غير تقليدية

عندما أطلقت DeepSeek نموذجها R1 في أوائل عام 2024، لم تكن تتوقع أن يصبح التطبيق الأكثر تنزيلاً على متجر "آبل" خلال أسبوعين فقط، متخطياً أدوات عملاقة مثل ChatGPT وGemini.

ما يجعل هذا النجاح أكثر إثارة هو أنه تم تحقيقه بتكاليف منخفضة للغاية مقارنة بالشركات العالمية الأخرى، بينما أنفقت شركات مثل OpenAI مئات الملايين من الدولارات لتطوير نماذجها، استطاعت DeepSeek تقديم نموذج متفوق بتكلفة لا تتجاوز 6 ملايين دولار.

سر هذا النجاح يكمن في الابتكار الهندسي الذي اعتمد عليه فريق العمل، استخدمت الشركة ثلاث تقنيات مبتكرة وهي هندسة "خليط الخبراء" (MoE): التي تُنشط جزءاً صغيراً فقط من المعاملات (37 ملياراً من أصل 671 ملياراً) لتقليل استهلاك الطاقة.

والتقنية الثانية الانتباه الكامن متعدد الرؤوس: الذي يعزز التفكير المنطقي عبر التعلم التعزيزي، أما الثالثة بنية تحتية مبتكرة: تُقلص استخدام وحدات معالجة الرسومات (GPUs) إلى النصف.

هذه التقنيات لم تجعل النموذج أسرع وأكثر كفاءة فقط، بل جعلته أكثر استدامة وأقل تكلفة، وفي يوم إطلاقه، خسرت NVIDIA، الرائدة في صناعة الرقائق الداعمة للذكاء الاصطناعي، ما يقارب 600 مليار دولار من قيمتها السوقية، مما يعكس التأثير العميق لهذا الإنجاز على الثقة في السوق.

رأي الخبراء: هل يمكن تحقيق التقدم بأقل تكلفة؟

تعليقاً على هذا الإنجاز، قال أندرو فيلدمان، الرئيس التنفيذي لشركة Cerebras المتخصصة في تطوير رقائق الذكاء الاصطناعي لموقع فوربس العالمي: "نحن في حالة من الابتهاج. هذه الأيام العظيمة". يشير فيلدمان إلى حجم الاتصالات التي تتلقاها شركته هذه الأيام، حيث أصبحت الشركات تبحث عن حلول أكثر كفاءة وأقل تكلفة.

ويضيف: "في كل مرة نجعل الحوسبة أكثر فعالية ونخفض التكلفة، تصبح السوق أكبر، وليس أصغر". ويؤكد أن شركته، التي تُقدر حالياً بـ4 مليارات دولار، تبني قطاعات مخصصة لتوظيف الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر فعالية، يوضح أن العملية التي تُسمى "الاستدلال" - وهي الأساس في نموذج تشغيل الذكاء الاصطناعي المشترك له "بالتفكير" والتفاعل مثل الإنسان - أصبحت محور الاهتمام بعد ظهور R1.

زلزال اقتصادي: نهاية عصر "المزيد من الأموال = المزيد من التقدم"

على مدى السنوات الماضية، كانت استراتيجيات تطوير الذكاء الاصطناعي في الغرب تعتمد بشكل كبير على فكرة "المزيد من الأموال = المزيد من التقدم".

 لكن DeepSeek كسرت هذه القاعدة تماماً، وفقًا لتحليل أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية، أظهر النموذج الصيني أن الكفاءة والابتكار الهندسي يمكن أن يحقق نتائج أفضل من النماذج الضخمة والمكلفة.

هذا التحول يُجبر الشركات الكبرى على إعادة النظر في استراتيجياتها، فبحسب تقرير عالمي، من المتوقع أن تعيد 70% من الشركات التقنية تقييم استثماراتها في نماذج الذكاء الاصطناعي العملاقة بحلول عام 2025، وتتجه نحو حلول أكثر استدامة وأقل تكلفة، هذا التغيير ليس مجرد توجه تقني، بل هو انعكاس لتحولات أوسع في الاقتصاد العالمي.

معضلة جيوسياسية: الصين تعيد رسم خريطة القوة التكنولوجية

لم يكن تأثير DeepSeek تقنياً أو اقتصادياً فقط، بل كان سياسيًا أيضاً، لقد أثبت النموذج الصيني أن الابتكار يمكن أن يتحقق حتى في ظل العقوبات الأمريكية على تصدير الرقائق الإلكترونية. المهندسون الصينيون استخدموا تقنيات بديلة لتعويض نقص الرقائق المتطورة، مما يعكس مرونة وقدرة التكيف في النظام التكنولوجي الصيني.

هذا الإنجاز يكشف عن ثغرات في النموذج الغربي، الذي يعتمد بشكل كبير على سلاسل الإمداد العالمية التي قد تتأثر بالصراعات الدولية.

كما يشير إلى نقطة تحول في السباق التكنولوجي بين القوتين العظميين، حيث أصبحت الصين قادرة على تقديم بدائل قوية للتقنيات الغربية.

فرص جديدة لرواد الأعمال حول العالم

بينما تشعر الشركات الكبرى بالقلق، وجد رواد الأعمال حول العالم في DeepSeek فرصة ذهبية، النموذج المفتوح المصدر سمح للمبتكرين في دول مثل الهند والبرازيل بتطوير تطبيقات متخصصة بتكاليف منخفضة، هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكراً على الشركات الكبرى، بل أصبح متاحاً للجميع.

على سبيل المثال، في الهند، بدأت شركات صغيرة باستخدام R1 لتطوير تطبيقات محلية تلبي احتياجات السوق المحلية، وفي البرازيل، استخدمت شركات ناشئة النموذج لتحسين خدمات التعليم والرعاية الصحية، هذا يعكس كيف يمكن للإبداع التكنولوجي أن يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

التحديات: بين البيانات والأخلاقيات

على الرغم من إمكاناته الهائلة، يطرح صعود DeepSeek أسئلة حرجة. النموذج المفتوح المصدر، رغم مزاياه، قد يعكس تحيزات موجودة في البيانات التي تم تدريبه عليها، خاصة وأنها قد لا تكون ممثلة للثقافات غير الصينية.

كما أن الاعتماد المتزايد على هذه النماذج يثير مخاوف أمنية، خاصة مع تزايد هجمات القرصنة المستهدفة لأنظمة الذكاء الاصطناعي.

إضافة إلى ذلك، هناك تساؤلات حول الشفافية في كيفية تطوير النموذج، بعض الخبراء يشككون في الأرقام التي أعلنتها الشركة، خاصة فيما يتعلق بعدد الرقائق المستخدمة في التدريب.

ومع ذلك، فإن هذه التحديات لا تقلل من أهمية الإنجاز، بل تؤكد الحاجة إلى إطار عمل أخلاقي وتنظيمي لضمان استخدام هذه التقنيات بطريقة مسؤولة.

رؤية للمستقبل: ديمقراطية الذكاء الاصطناعي أم نظام عالمي جديد؟

يبدو أن DeepSeek فتحت صفحة جديدة في تاريخ الذكاء الاصطناعي. فمن جهة، تشير التطورات إلى توجه نحو ديمقراطية التكنولوجيا، حيث تصبح الأدوات المتطورة في متناول الجميع. ومن جهة أخرى، قد تعمق هذه التطورات الانقسامات بين الأنظمة التكنولوجية المتنافسة، خاصة مع تصاعد التوترات بين الصين والغرب.

أجمع معظم الخبراء على أن النموذج الصيني أعاد تعريف معايير النجاح في صناعة الذكاء الاصطناعي، المستقبل سيشهد تفاعلات معقدة بين الابتكار التكنولوجي والسياسات الدولية، مما يتطلب من الجميع التعاون لإيجاد حلول تخدم المصلحة العامة.

في الختام إنجاز DeepSeek ليس مجرد قصة نجاح تقني، بل هو بداية حقبة جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي، هذا الإنجاز يدعو الشركات والحكومات إلى إعادة النظر في استراتيجياتها واستعداداتهم لمواجهة مستقبل مليء بالتحديات والفرص.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة