كيف توّحد الموسيقى فلسطينيين وإسرائيليين في برلين؟

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: الخميس، 26 أكتوبر 2023
كيف توّحد الموسيقى فلسطينيين وإسرائيليين في برلين؟

"أول شيء فكرت فيه هو: كيف سيكون رد فعل طلابنا؟ كيف سيتعاملون مع ما يجري؟ كيف ستتطور الأمور؟" هكذا يتساءل ميشائيل بارنبويم، عميد أكاديمية بارنبويم-سعيد للموسيقى، الموجود مقرها في برلين.

كان في فيينا عندما هاجمت حركة حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفي اليوم التالي، عاد إلى مدرسة الموسيقى، وهو يعلم أن الأحداث الجارية سوف تؤثر بشكل مباشر على طلابه، فعدد منهم إسرائيليين وفلسطينيين. "كان يمكن لمس توتر الجو"، يتذكر بارنبويم، انطباعاته الأولى عند عودته إلى أكاديمية الموسيقى ذلك اليوم.

كان الفصل الدراسي على وشك أن يبدأ، بعد 10 أيام من بداية التصعيد. وصل الطلاب الجدد بالفعل لحضور أسبوع التوجيه. وبينما كانوا يحاولون معرفة ماذا يجري في مناطقهم، كان عليهم التكيّف مع بيئتهم الجديدة في برلين.

بعد حوالي أسبوعين على بداية الأحداث، وتحديداً يوم 23 من هذا الشهر، أحيت أوركسترا الأكاديمية الشابة حفلها الأول لهذا الفصل الدراسي.

ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

فضاء يجمع موسيقيين عرب وإسرائيليين

تحمل هذه الأكاديمية قصة تجعلها لا تشبه أيّ مؤسسة أخرى في العالم. افتتح والد ميشائيل بارنبويم، دانييل بارنبويم، وهو قائد أوركسترا وعازف بيانو، هذه المؤسسة عام 2015، حتى تكون استمراراً لرسالته مع المنظر الفلسطيني-الأمريكي الراحل إدوارد سعيد، التي بدأت عبر جوقة الديوان الغربي-الشرقي، وهي مجموعة تتكون من شباب موسيقيين، عرب وإسرائيليين.

المنهج الدراسي داخل هذه الأكاديمية يهتم بشكل كبير بالعلوم الإنسانية. فإلى جانب تدريبهم الموسيقي، يتعلم الطلاب هنا الفلسفة والتاريخ، وهو منهج مستوحى من اعتقاد إدوارد سعيد أن "الإنسانية هي المقاومة الوحيدة - أو حتى الأخيرة - التي نملك ضد الممارسات اللإنسانية وغير العادلة التي تشوه التاريخ البشري".

تجمع هذه الأكاديمية اليوم بين إسرائيليين وفلسطينيين، بالإضافة إلى موسيقيين شباب من إيران ولبنان وسوريا. تؤكد مديرة الأكاديمية ريغولا راب أن حوالي ربع الطلاب الثمانين في الأكاديمية هم من خارج الشرق الأوسط، ما يخلق فضاءً لمجموعة من المواهب الشابة "من 27 دولة".

خلق مساحة آمنة

لكن عندما بدأ الفصل الدراسي الجديد، وجد الطلاب أنهم بحاجة إلى تجاوز الدروس المقررة لأجل مناقشة ما يجري. توضح راب: "هناك الكثير من المشاعر: حزن وغضب.. والكثير من الخوف"، وتضيف: "الخوف على أسرهم وأصدقائهم، ومنازلهم، وكذلك على مستقبلهم، كل شيء يتطور يوماً بعد يوم".

نظم الطلاب سريعاً اجتماعات حتى يتمكنوا من تبادل وجهات نظرهم بانتظام. كما أنشأت المدرسة حصصاً خاصة بالدعم النفسي، ووفرّت اختصاصيين يقدمون جلسات دعم للطلاب باللغتين العبرية والعربية.

يقول ميشائيل بارنبويم إن الطلاب اليهود الإسرائيليون "يشعرون من جانبهم بالقلق إزاء تزايد معاداة السامية في برلين". ويضيف في الوقت نفسه أن الطلاب الفلسطينيون يواجهون كذلك وضعاً خاصاً في ألمانيا، إذ "يشعرون بأنهم لا يستطعيون التعبير عن أنفسهم، ولا يستطيعون التجمع معًا".

يشير بارنبويم إلى الحظر الذي فرضته برلين على مجموعة من المظاهرات الداعمة للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة. وتخشى السلطات في العاصمة الألمانية من جهتها أن تتضمن المسيرات شعارات معادية للسامية أو تحريضاً على معاداة إسرائيل.

لهذا الغرض، ترى الأكاديمية بضرورة أن توّفر مكاناً آمناً للطلاب حتى "يمكنهم الاستمرار في التعبير عن أنفسهم بثقة وحرية، وأن يثقوا أن لديهم فضاءً يمكنهم أن يكونوا فيه معاً".

اتحاد الطلاب وإدارة الأكاديمية اتفقا على أن تكون الأكاديمية مساحة آمنة للطلاب. وكإجراء للحفاظ على هذه الأمان، قرروا عدم دعوة وسائل الإعلام للمشاركة في هذه الاجتماعات، كما تم الاتفاق على تجنب إجراء الطلاب مقابلاتٍ مع الصحافة.

على خطى دانييل بارنبويم وإدوارد سعيد

يفسر الطلاب الأحداث بشكل مختلف، يشير بارنبويم إلى أن الطلاب الفلسطينيين يميلون إلى رؤية أن ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كجزء من سياق تاريخي أكبر، ولكن بالنسبة للإسرائيليين، فإن هذه الهجمات الإرهابية لحماس غيّرت كل شيء. ويبرز ميشائيل بارنبويم أن هذا مجرد مثال يبين كيف تختلف وجهات النظر حول الأحداث نفسها، ولكن "مع ذلك، أعتقد أننا جميعا متفقون على أننا نريد البقاء هنا" حسب قوله.

ما يوّحد الطلاب هنا هي الموسيقى. تؤكد ريغولا راب أن المعزوفات التي يتدربون عليها تتيح لهم التركيز على شيء واحد، شيء يمكنهم العمل عليه معاً"، وتقول: "أعتقد أن عملنا اليومي أدى إلى شكل من أشكال التماسك".

قال الطلاب في بيان مشترك في برنامج حفلهم يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر، بعد افتتاحه بدقيقة صمت، "من الصعب جداً على الكثير منا أن يعزفوا في حفل موسيقي الآن. ولكن حتى في هذه الأوقات الصعبة، سنواصل السير على خطى مؤسسي الأكاديمية، دانييل بارنبويم وإدوارد سعيد".

يجب اتباع هذه المثل بالنسبة لدانييل بارنبويم نفسه، الآن أكثر من أي وقت مضى. كتب في بيان قبل الحفل "رسالتنا للسلام يجب أن تكون أعلى صوتاً من أي وقت مضى". وأضاف: "يجب على كلا الجانبين الاعتراف بأعدائهم كبشر ومحاولة التعاطف مع وجهة نظرهم وآلامهم وضائقتهم".

وكما يشير ميشائيل بارنبويم، فهناك أماكن قليلة في جميع أنحاء العالم، منها برلين أو ألمانيا، حيث يعمل الفلسطينيون والإسرائيليون معاً بشكل وثيق كما هو الحال في أكاديمية بارينبويم-سعيد. ويضيف: "أكيد أن هذا الحفل لن يجلب السلام، ولا أحد يعتقد هذا الأمر، لكنها طريقة بديلة للتفكير في طريقة تجعل الناس يعيشون معاً في منطقة ما، من دون القنابل والأسلحة، بل بالتعاون والحوار والاستماع لبعضهم البعض".

إليزابيث غرينير- ج. زليك/ع.ا

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة