يعد الصحفي المصري كمال الملاخ من الأسماء اللامعة في سماء الصحافة وعلم الآثار، فقد تمكن خلال حياته من الجمع بين الإبداع الصحفي ودقة البحث الأثري، وتميزت مسيرته المهنية بتركه بصمة واضحة في فهم الحضارة المصرية القديمة، واكتشافاته الأثرية الهامة، أبرزها اكتشافه سفينة الملك خوفو المعروفة باسم "مركب الشمس" فضلًا عن كتاباته الصحفية التي ساهمت في نشر الوعي الثقافي وتوثيق الإرث المصري، تعرف أكثر على مسيرته وحياته.
من هو كمال الملاخ؟
كمال وليم يونان الملاخ هو صحفي وعالم آثار مصري، ولد في 26 أكتوبر عام 1918 في محافظة أسيوط في صعيد مصر، وهو مؤسس الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، كما أنه مكتشف مركب خوفو "مركب الشمس".
يعد الملاخ من أبرز الصحفيين الذين ساهموا في توثيق التراث المصري والتاريخ المصري القديم، وقد بدأ حياته المهنية كمهندس معماري، إلا أن شغفه بالتاريخ والآثار قاده إلى دراسة علم الآثار، وحصل على دبلوم الآثار المصرية من معهد الآثار.
برز الملاخ كواحد من أهم علماء الآثار في مصر، وقد كانت أهم إنجازاته اكتشاف مركب الشمس في منتصف الخمسينات بالقرب من هرم خوفو في الجيزة، وهو الاكتشاف الذي أثار الاهتمام العالمي، وسلط الضوء على عبقرية الحضارة المصرية في بناء السفن.
انضم الملاخ فيما بعد إلى الصحافة، وأصبح كاتبًا بارزًا في جريدة الأهرام، واشتهرت مقالاته بشكل واسع، حيث تناول موضوعات ثقافية وأثرية. ولم تقتصر إنجازاته على الصحافة والآثار، بل شملت مجالات أخرى مثل الثقافة والفنون، فهو أحد مؤسسي مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومهرجان الإسكندرية.
تعليمه وبداية مسيرته المهنية
ولد الصحفي كمال الملاخ في محافظة أسيوط، وقد حصل على شهادة البكالوريا في أسيوط، م التحق بكلية الفنون الجميلة، وتخرج من قسم العمارة عام 1934. التحق الملاخ بعدها بكلية الضباط الاحتياط، وتخرج منها ليعمل كضابط احتياط بسلاح المهندسين.
عشق الملاخ الآثار والتاريخ، وهو ما دفعه للالتحاق بمعهد الدراسات العليا للآثار بكلية الآداب في جامعة القاهرة، رغم انشغاله بالعمل بالفعل كمهندس معماري، وقد حصل على ماجستير معهد الدراسات المصرية، وانتقل بعدها للتدريس في كلية الفنون الجميلة ومعهد السينما والجامعة الأمريكية، وعمل أيضًا أستاذًا زائرًا في كلية الآثار بجامعة القاهرة.
خلال مسيرته المهنية، كان الملاخ عضوًا في العديد من اللجان والمؤسسات، منها المجلس الأعلى لهيئة الآثار المصرية، والجمعية الأمريكية للعلماء المستقلين، كما مثّل مصر في هيئة اليونسكو لإنقاذ آثار فيله في أسوان.
كان الملاخ كذلك عضوًا لمجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، واللجنة الاستشارية العليا لتجميل القاهرة، وعضو في نقابات الصحفيين والمهندسين والفنانين التشكيليين.
عمله في مصلحة الآثار المصرية
بدأ الصحفي كمال الملاخ مسيرته المهنية بالعمل كمهندس معماري، حيث عمل كضابط احتياط في سلاح المهندسين، وبعد حصوله على درجة الماجستير من معهد الدراسات المصرية، بدأ عمله في التدريس في كليات ومعاهد مختلفة، منها الجامعة الأمريكية ومعهد السينما.
عمل الملاخ فيما بعد في مصلحة الآثار المصرية في منطقة الأهرامات، وقد ترقى في المناصب حتى شغل منصب مدير أعمال بالآثار، ورئيسًا لقسم الهندسة بهيئة الآثار المصرية. وخلال شغل هذا المنصب، شارك الملاخ في ترميم أبو الهول والأهرامات في عام 1949.
عمل الملاخ كذلك على أعمال ترميم آثار جزيرة فله في أسوان، وخلال عمليات الترميم، اكتشف حمام سباحة يوناني قديم تم ترميم هيكله، كما شارك كذلك في أعمال ترميم قلعة برج العرب، فضلًا عن مشاركته في عملية إعمار وترميم معابد الكرنك في الأقصر. وبفضل إنجازاته في أعمال الترميم والاكتشافات الأثرية، حصل الملاخ على لقب "خوفو القرن العشرين".
اكتشاف مراكب الشمس
قاد الملاخ مصلحة الآثار المصرية للعديد أعمال الترميم المهمة والكثير من الاكتشافات، ولعل أبرز تلك الاكتشافات اكتشاف مراكب الملك خوفو، صاحب الهرم الأكبر، والتي عُرفت باسم "مراكب الشمس"، والتي تعرض حاليًا في متحف ملحق منطقة أهرامات الجيزة، وموجود 5 أماكن لمراكب الشمس، 3 منها في شرق الهرم الأكبر.
عثر فريق الآثار، الذي تزعمه كمال الملاخ، على موضعين آخرين لمركبتين تم نحتهما في الصخر جنوب الهرم الأكبر، حيث تم العثور على ألواح خشبية كبيرة لمراكب الملك خوف، يبلغ طولها 43 مترًا، وأكبر عرض لها 6 أمتار، وكل الألواح مفككة، ولكن يسهل تجميعها وتركيبها مع بعضها، كما وضعت معها المجاديف والحبال كذلك.
بعد هذا الاكتشاف، أعطى الملاخ الأوامر بإعادة ترتيب تلك الألواح الخشبية ورقّمها بنفسه، وتم تركيب المركب في النهاية، وهو المركب الذي كان يستخدمه خوفو منذ ما يقرب من 5 آلاف عام.
اكتشف الملاخ وفريقه بأن المصريين القدماء وضعوا علامات على الأجزاء المتشابهة، والتي تتداخل مع بعضها البعض، والعجيب في الأمر عدم استخدام أي مسمار في أي جزء من أجزاء المركب، ولكنها تتداخل مع بعضها، وتربط بالحبال التي وجدت منحوتة في الصخر.
عمله الصحفي
وبجانب دوره البارز في مصلحة الآثار واكتشافاته المهمة، عمل الكاتب كمال الملاخ في الصحافة لسنوات، وبرز اسمه كواحد من أهم الكتاب الصحفيين في جريدة الأهرام وفي مصر.
بدأ الملاخ مسيرته المهنية في الصحافة كرسام، ثم عمل كناقد فني في جريدة الأهرام بداية من عام 1950، فضلًا عن عمله كرسام أساسي في عدد من الصحف المصرية في ذلك الوقت، منها جريدة أخبار اليوم، والجيل الجديد، وآخر ساعة، وغيرها.
شغل الملاخ كذلك منصب رئيس القسم الفني في جريدة الأهرام اليومية، ثم ترقى وأصبح نائب رئيس التحرير في المجلة، وظل يشغل هذا المنصب حتى إحالته للتقاعد.
تميز الملاخ بأسلوبه الشيق ولغته الصحفية المبتكرة، كما عرف اختصارات المشهورة لأسماء المشاهير، والتي صارت فيما بعد تقليدًا صحفيًا تتبعه الجرائد والصحف المصرية، وقد برع في تناول موضوعات متنوعة، لذا كان يطلق على صفحته "صفحة كمال الملاخ" ولم يتم تصنيفها صفحة أدب أو مجتمع أو فن.
إسهاماته الأدبية والفنية
لم يقتصر دور الصحفي كمال الملاخ في كتاباته الصحفية فحسب، بل كان له دور بارز في مجال الأدب والفن والثقافة، فقد أسس عام 1973 الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، وهي الجمعية التي أسست فيما بعد مهرجان القاهرة السينمائي عام 1976.
أدار الملاخ المهرجان لمدة 7 سنوات حتى عام 1973، وخلال تنظيم المهرجان، وضع جوائز واستخدم أسماء الفراعين العظام، فجائزة أفضل ممثلة استخدم فيه لها اسم تمثال نصفي الأميرة باكت آتون، أما جائزة أفضل ممثل استخدم تمثال الملك أمنحتب الثالث، أما جائزة أفضل مخرج فقد استخدم له تمثال الملك أخناتون، وجائزة أفضل سيناريو، استخدم له تمثال الكاتب المصري.
كان للملاخ دور بارز في تأسيس مهرجان الإسكندرية للأفلام، ومهرجان أسوان للسينما الأفريقية، وقد كان عضوًا في لجان عدد من المجالس والمهرجانات، منها لجنة الفنون التشكيلية في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ولجنة تحكيم مهرجان مؤسسة السينما.
مؤلفات كمال الملاخ
خلال مسيرته، ألف كمال الملاخ العديد من الكتب الفنية والتاريخية، وقد ترجمت بعض هذه الكتب إلى عدة لغات أجنبية، مثل الفرنسية والإنجليزية والألمانية.
ومن مؤلفاته "توت عنخ آمون"، و"حضارة على ضفاف النيل"، و"كنوز توت عنخ آمون"، و"حول الفن الحديث"، و"المليونير الصعلوك"، و"بيكاسو". ألف كذلك موسوعة عن تاريخ مصر الفرعوني، كما كتب مادة علمية ل18 فيلمًا ثقافيًا قصيرًا عن حضارة الماضي، بجانب عشرات الأبحاث والدراسات في صحف عربية وعالمية.
وفاة كمال الملاخ
في يوم 29 أكتوبر من عام 1987، عاد الملاخ إلى القاهرة بعد إلقاء محاضرة في جامعة الإسكندرية عن الآثار المصرية، وبعد عودته شعر بإرهاق شديد جعله يستغثين بابنة أخيه الصحفية في جريدة الأهرام أليس الملاخ، وسقط بجوار الهاتف.
هرعت ابنة أخيه إلى منزله في الزمالك، وكسر الجيران باب الشقة، ولكن كان الأوان قد فات، حيث كان قد فارق الحياة عن عمر 69 عامًا.
تكريم كمال الملاخ
خلال حياته، حظي الكاتب وعالم الآثار والفنان كمال الملاخ على العديد من الجوائز، منها جائزة الدولة التشجيعية، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى. حصل كذلك على وسام الاستحقاق الفرنسي، ووسام الأرز اللبناني من درجة كوماندور.
حصل أيضًا على جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 1983، كما حصل على شهادة تقدير من أكاديمية الفنون بالهرم، بفضل جهوده في مجال الإبداع الفني عام 1987.
ورغم إنجازاته في اكتشاف مراكب الشمس، إلا أنه لم يحظ بالتكريم المناسب من بلده مصر عن هذا الاكتشاف، بل أن هيئة الآثار المصرية حذفوا اسمه من هذا الاكتشاف، رغم أنه كان يحمل كل الأوراق والتفاصيل الفنية والهندسية التي مر بها خلال البحث عن اكتشافاته.
إلا أنه، وبعد نحو 23 سنة من هذا الاكتشاف، أكدت بعثة أمريكية إنجاز الملاخ، وبعد وفاته، لم تجد الصحف المصرية عنوانًا تشير به إلى أهم إنجاز فيه حياته سوى أن تذكر بأنه "مكتشف مراكب الشمس".