يعد رجل الأعمال كارلوس غصن من أبرز رجال الأعمال الذين برزوا في مجال صناعة السيارات، فقد ارتبط اسمه بالتحولات الجذرية التي أنقذت كبرى شركات السيارات في العالم، مثل رينو ونيسان، وجعلها قوة مؤثرة في الصناعة العالمية. إلا أنه وبرغم ما حققه من نجاحات، لم تخل مسيرته من الجدل، وواجه الكثير من الاتهامات القانونية التي جعلته محط اهتمام الإعلام حول العالم، في السطور التالية تعرف على مسيرته وإنجازاته.
من هو كارلوس غصن؟
هو رجل أعمال برازيلي من أصول لبنانية، ولد في 9 مارس عام 1954 في بورتو فيلهو في البرازيل، وهو المدير التنفيذي السابق لشركة نيسان، وشغل منصب الرئيس التنفيذي لعدد من شركات السيارات العالمية.
بدأ غصن مسيرته المهنية في مجال السيارات في شركة ميشلين، وهي إحدى كبرى شركات تصنيع الإطارات، وشغل عدة مناصب قيادية فيها، ونجح في توسيع أعمال الشركة في أمريكا الجنوبية.
في التسعينات، انضم كارلوس غصن إلى شركة رينو الفرنسية، وسرعان ما لفت الأنظار لقدراته الإدارية الفائقة، وبعدها انتقل للعمل في شركة نيسان اليابانية التي كانت تعاني من أزمة مالية خانقة في نهاية التسعينات.
وتحت قيادته، نجح غصن في إنقاذ نيسان من الإفلاس من خلال خطة شاملة لإعادة الهيكلة، لتصبح الشركة واحدة من أكثر الشركات ربحية في صناعة السيارات، كما أنه قاد تحالفاً ثلاثياً بين شركات رينو ونيسان وميتسوبيشي، ليصبح من أكبر التحالفات في صناعة السيارات عالميًا.
ورغم ما حققه من إنجازاته، واجه غصن سلسلة من الاتهامات في اليابان تتعلق بمخالفات مالية خلال فترة إدارة لنيسان، وبعدها أثار جدل بطريقة هروبه المثيرة والغريبة من اليابان إلى لبنان، وهي الطريقة التي جعلته محط أنظار العالم.
قصة كارلوس غصن
ولد رجل أعمال كارلوس غصن في البرازيل، وهو من عائلة لبنانية، فقد هاجر جده بشارة غصن من بلدة عجلتون في محافظة كسروان جبيل في لبنان إلى البرازيل خلال الانتداب الفرنسي على لبنان، وكان حينها يبلغ من العمر 13 عامًا.
استقر جده في مقاطعة جوابوري النائية بالقرب من الحدود بين البرازيل وبوليفيا، وقد كان جده رجل أعمال، وترأس العديد من الشركات في مجالات مختلفة، مثل المطاط، والطيران، والمنتجات الزراعية.
والد كارلوس هو خورخي غصن، أما والدته فهي روز جزار، وهي سيدة لبنانية من أصول نيجيرية، انتقلت عائلته من مزيارة في لبنان إلى البرازيل. لدى كارلوس 3 أخوة.
كان والد كارلوس تاجرًا للماس، كما أنه عمل في صناعة الطيران، وقد أدين والده بقتل كاهن في لبنان خلال الستينات، وفر إلى البرازيل عند اندلاع الحرب الأهلي في لبنان.
يحمل كارلوس الجنسية اللبنانية والبرازيلية والفرنسية. يتحدث غصن العديد من اللغات بطلاقة، فهو يتقن العربية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية، كما أنه تعلم اللغة اليابانية خلال فترة عمله في اليابان.
ماذا درس كارلوس غصن؟
في سن السادسة، انتقل كارلوس مع والدته وأخته إلى بيروت، وهناك أكمل دراسته حتى المرحلة الثانوية في المدرسة اليسوعية كوليج نوترداك، وبعدها درس في مدرسة ليسيه سانت لويس في باريس، ثم التحق بمدرسة البوليتكنيك، وتخرج فيها كمهندس عام 1974، كما درس في مدرسة المناجم في باريس في عام 1978.
ما هي ديانة كارلوس غصن؟
ولد كارلوس غصن في عائلة كاثوليكية مارونية.
زوجة كارلوس غصن
تزوج رجل الأعمال كارلوس غصن مرتين. تزوج للمرة الأولى من سيدة لبنانية اسمها ريتا قرداحي، وتعود أصولها إلى محافظة كسروان جبيل، وقد التقى بها في فرنسا في منتصف الثمانينات، ولديه منها 4 أطفال، وهم كارولين، ونادين، ومايا، وأنطوني، وقد انفصل عن زوجته عام 2012.
في عام 2016، تزوج غصن للمرة الثانية من سيدة لبنانية أمريكية اسمها كارول نحاس، وأقيم حفل زفافهما في جراند تريانون في قصر فرساي في باريس.
مسيرته المهنية مع ميشلان
بدأ كارلوس غصن مسيرته المهنية في نهاية السبعينات، حيث عمل مع شركة ميشلان، وهي شركة تصنيع إطارات في فرنسا، وبدأ في العمل في الشركة عام 1978، وعمل فيها على مدار 18 عامًا.
تدرج كاروس في المناصب في الشركة، وقد عمل في عدة مصانع في فرنسا وألمانيا، وفي بداية الثمانينات، أدار مصنع لو بوي أون فياي في فرنسا، وفي عام 1984 تولى منصب رئيس البحث والتطوير في قسم الإطارات الصناعية في الشركة.
بعدها بعام، وعندما كان يبلغ من العمر 30 عامًا، تم تعيينه مديرًا تنفيذيًا للعمليات في أمريكا الجنوبية، قد نجح في توسيع نشاط الشركة في البرازيل، وحقق المزيد من الربحية للشركة على مدار عامين.
بعد تحويل عمله إلى أمريكا الجنوبية، تم تعيينه رئيسًا ومديرًا للعمليات في شركة ميشلان في أمريكا الشمالية في النهاية الثمانينات، وانتقل مع عائلته إلى ولاية ساوث كارولينا، وهناك تم ترقيته إلى الرئيس التنفيذي للشركة في أمريكا الشمالية عام 1990.
العمل مع رينو وتحالف رينو نيسان
في عام 1996، وبعد مسيرة مهنية ناجحة مع شركة ميشلان، انتقل كارلوس غصن للعمل في شركة رينو، حيث تولى منصب نائب الرئيس التنفيذي المسؤول عن المشتريات والهندسة والتطوير والتصنيع في الشركة، كما تولى قسم الشركة في أمريكا الجنوبية.
خلال مسيرته مع رينو، نجح غصن في إعادة هيكلة الشركة، وحقق لها المزيد من الربحية بغضون عام واحد فقط من توليه منصبه.
في عام 1999، قاد غصن تحالف رينو نيسان، والذي كان من أهم التحالفات في قطاع السيارات في ذلك الوقت، وفي مايو من نفس العام، اشترت شركة رينو حصة 36.8% من شركة نيسان، لينضم غصن إلى نيسان كمدري للعمليات، ثم أصبح رئيسًا للشركة في يونيو من عام 2001.
دوره الرائد مع نيسان
عندما تولى كارلوس غصن منصبه في نيسان، كانت الشركة تواجه أزمة مالية كبيون، وديون صافية تحمل فائدة تزيد عن 20 مليار دولار، وكانت 3 فقط من طرازات نيسان البالغ عددها 46 هي التي تحقق ربحًا للشركة.
كان كارلوس أمام تحد كبير، ورأى البعض أن إنقاذ الشركة في هذا الوضع أمر مستحيل، إلا أن كارلوس اتبع استراتيجية ناجحة عملت على إعادة إحياء الشركة من جديد.
خطة إحياء نيسان
أعلن غصن عن خطة "إحياء نيسان"، ووعد أنه في غضون عام ستحقق الشركة ربحًا في السنة المالية 2000، وهامش ربح يتجاوز 4.5% من المبيعات بحلول السنة المالية 2002، كما سيقلل الديون بنسبة 50% بحلول نهاية السنة المالية 2002، كما أنه وعد بالاستقالة إذا لم تتحقق هذه الأهداف.
اعتمد غصن في إحياء الشركة على عدة عوامل، أولها خفض العمالة بنسبة 14%، حيث تم فصل حوالي 21 ألف وظيفة معظمها في اليابان، كما أغلق 5 مصانع يابانية، وقلص عدد الموردين والمساهمين، وباع الأصول الثمينة للشركة، مثل وحدة الطيران والفضاء في المزاد العلني.
بالإضافة إلى خطط خفض التكلفة وتقليل الإنتاج، اتجه غصن إلى إعادة هيكلة كبرى في الشركة، وتحدى آداب العمل اليابانية بطريقة مختلفة، فقد قضى على نظام الترقية القائمة على الأقدمية والعمر، كما أنه فكك نظام "كيريتسو" الخاص بنسيان، وهي مجموعة من الشركات التي لها حصص متقاطعة في الشركة، وقد حصل غصن بعدها على لقب "قاتل الكييريتسو" في الصحف اليابانية والعالمية.
من استراتيجيات غصن لإدارة شركة نيسان أنه غيّر لغة الشركة الرسمية من اليابانية إلى الإنجليزية، كما ضم مسؤولون تنفيذيون من أوروبا وأمريكا الشمالية.
في العام الأول من تنفيذ خطته، ارتفع صافي ربح نيسان بعد الضريبة إلى 2.7 مليار دولار للسنة المالية 2000، وذلك مقارنة بخسارة صافية بلغت 6.46 مليار دولار في العام السابق.
وفي غضون 3 سنوات، عادت شركة نيسان إلى الربحية، وأصبحت واحدة من أكثر شركات صناعة السيارات ربحية في الصناعة، مع هوامش تشغيلية زادت عن 9%، وبغضون مارس 2002، نجح كارلوس غصن في تحقيق جميع أهدافه مع الشركة.
إدارة شركتين في نفس الوقت
بعد النجاح الضخم الذي حققه كارلوس غصن مع نيسان، واصل وضع المزيد من الخطط لزيادة أرباح الشركة، وفي غضون عام 2005، تجاوزت مبيعات الشركة 3.67 مليون، ارتفاعًا من 2.6 مليون مركبة تم بيعها في السنة المالية 2002.
وفي مايو من عام 2005، تم تعيين غصن رئيس ومدير تنفيذي لشركة رينو، بجانب منصبه في نيسان، ليصبح أول شخص في العالم يدير شركتين في الوقت نفسه.
في العام نفسه، تولى غصن منصب رئيس مجلس إدارة جنرال موتورز، وذلك بعد عملية الاندماج مع شركتي رينو ونيسان، وفي عام 2007، قاد غصن تحالف رينو نيسان إلى سوق السيارات الكهربائية، وقد تم ظهور سيارات "نيسان ليف" الكهربائية لأول مرة في ديسمبر عام 2010.
وبحلول عام 2017، أصبح تحالف رينو نيسان هو الرائد في مجال السيارات الكهربائية حول العالم، وباع التحالف أكثر من ضعف عدد السيارات الكهربائية التي تبيعها تيسلا، وكانت نيسان ليف السيارة الكهربائية الأكثر مبيعًا في العالم.
في عام 2012، تولى غصن منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة تصنيع السيارات الروسية أفتوفاز، ثم تولى منصب رئيس الشركة في العام التالي، وظل يشغل هذا المنصب حتى 2016.
في فبراير عام 2017، أعلن كارلوس غصن تنحيه عن منصب الرئيس التنفيذي لشركة نيسان، وظل رئيسًا للشركة، وخلفه في منصبه هيروتو سايكاوا.
مشوار قصير مع ميتسوبيشي
في أكتوبر عام 2016، أكملت شركة نيسان الاستحواذ على نسبة 34% من شركة ميتسوبيشي موتورز، وشغل كارلوس غصن منصب رئيس الشركة، ليصبح تحالف رينو نيسان ميتسوبيشي ربع أكبر مجموعة سيارات في العالم. في عام 2018، تم إقالة كارلوس من منصبه بسب تهم سوء السلوك المالي.
كيف هرب كارلوس غصن من اليابان؟
في عام 2018، بدأت قصة كارلوس غصن في قضية سوء السلوك المالي، فقد ألقت هيئة الادعاء في منطقة طوكيو القبض عليه لدى عودته إلى اليابان على متن طائرة خاصة قادمة من لبنان، وتم استجوابه بشأن مزاعم المحاسبة الزائفة، كما تم القبض على عدد من المسؤولين الآخرين.
بعد القبض عليه، تم فصل غصن من مجلس إدارة نيسان، وقد اتهم المجلس غصن أنه قلل من راتبه واستخدم أصول الشركة لأغراض شخصية. ووفقًا لوسائل إعلام يابانية، فإن غصن فرض على الشركة مبلغ 18 مليون دولار للمساكن في بيروت وباريس وأمستردام وريو دي جانيرو، بالإضافة إلى نفقات الإجازة العائلية. اتهمته الشركة بأنه استخدم أموال نيسان لشراء شقق في دول مختلفة
احتجز غصن في طوكيو، رغم أنه نفى كل الاتهامات الموجهة له، وقضى عامًا كاملًا في تحت الإقامة الجبرية، حيث منع من الاتصال بزوجته، ومنع من مغادرة اليابان، وحينها فكر في خطة للهروب من اليابان للتخلص من السجن، حيث كان يواجه حكمًا بالسجن لمدة 15 عامًا في حال إدانته.
استغرقت عملية التهريب 6 أشهر من التخطيط، وقد استعان كارلوس بشخص اسمه مايكل تيلور ونجله بيتر، بجانب شخص ثالث اسمه جورج أنطوان زايك، وقد ساعدوه في الهرب من المطار من خلال تجاوز أمن المطار عبر مرفأ للطيران الخاص بمطار كانساي.
انتقل كارلوس من طوكيو إلى أوساكا على متن القطار، وهناك قابل المهربين الثلاثة، وخبأ نفسه داخل صندوق موسيقى كبير، وقد تم وضع الصندوق على متن طائر خاصة في مطار كانساي، وتمكن من المرور من جهاز الفحص الأمني عن طريق الطيار، الذي كان بإمكانه إلغاء هذا الفحص.
انتقل كارلوس إلى بيروت، فلا يوجد صفقة تسليم مجرمين بين اليابان وبيروت، وقد تمكن كارلوس من الحديث عن هروبه لأول مرة بعد عام ونصف من وصوله إلى بيروت.
شغل هروب كارلوس غصن اهتمام العالم بأكمله، وقد تم تصوير فيلم وثائقي يتحدث عن قصة هروبه بعنوان "كارلوس غصن الرحلة الأخيرة" وصدر عام 2021.
ثروة كارلوس غصن
لا يوجد معلومات مفصلة حول ثروة كارلوس غصن، إلا انه في عام 2018، بلغ راتب كارلوس غصن كرئيس تنفيذي لرينو حوالي 15 مليون يورو، بالإضافة إلى مكافآت وحوافز مالية أخرى، فضلًا عن حصة في الأرباح التي حققها تحالف نيسان ورينو.
وبالإضافة إلى رابته، يملك كارلوس ممتلكات بقيمة 25 مليون دولار حول العالم، بما فيها منازل في فرنسا والبرازيل لبنان، ومنها شقة في ريو دي جانيرو اشتراها عام 2011 مقابل 6 ملايين دولار، ومنزل آخر في بيروت بقيمة 8.75 مليون دولار.
في عام 2023، قدرت ثروته بحوالي 120 مليون دولار، إلا أن هناك أنباء بأن ثروته تأثرت بشكل كبير بسبب القضايا التي واجهها في اليابان.