قاسم أمين واحد من أشهر المفكرين في مصر، قدم أفكار أيدها البعض وعارضها البعض الآخر، إلا أنه أثار الجدل وبدأ في الحديث ومطالبة بأمور كانت غائبة عن المجتمع المصري في ذلك الوقت.
مثل التأكيد على حق المرأة في التعليم، العمل، وقرار الزواج والطلاق، ورغم وفاته منذ ما يزيد عن قرن، إلا أن أفكاره كانت ملهمة لحركات تحرير المرأة المختلفة، مسيرته وأبرز المعلومات عن حياته في السطور التالية...
نشأة قاسم أمين وحياته
ولد قاسم محمد أمين في محافظة الإسكندرية، يوم 1 ديسمبر عام 1863، في واحدة من العائلات الأرستقراطية في مصر، فوالده كان من تركي عثماني، أما والدته سنية هانم فأصولها مصرية، وهي من كبار العائلات الأرستقراطية في مصر أيضا، فوالدها هو ابن شقيق محمد علي باشا، وهو أحمد بك خطاب نجل طاهر باشا.
حكمت عائلة أمين في القرن التاسع عشر منطقة كردستان، فوالده محمد أمين بك، كان يشغل منصب حاكم ولاية ديار بكر، ثم انتقلت إلى مصر وبالتحديد مدينة الإسكندرية، وهناك ولد "قاسم".
بعد أن عاد والده إلى مصر تولى قيادة جيش الخديوي إسماعيل باشا، وكان والده يمتلك العديد من العقارات في الإسكندرية، ويعد واحد من كبار الإقطاعيين، إلى جانب امتلاكه عقارات وأملاك في ديار بكر.
تربى "قاسم" وترعرع وسط عائلة أرستقراطية، ذات نفوذ، وهو ما كان له تأثير على شخصيته من حيث الجرأة في الرأي، وهو في الثامنة عشر استطاع الحصول على شهادة في القانون.
بعدها انضم للجيش وحصل على رتبة عسكرية، ثم قرر استكمال دراسته بالخارج، واختار السفر إلى فرنسا، وحصل على منحة حكومية لمدة أربع سنوات، والتحق بجامعة مونبلييه عام 1881، وفي فرنسا نهم "قاسم" من العلم والمعارف هناك، وانبهر بالتطور الكبير والتحضر الذي وصل إليه الغرب، وحاول تحصيل أكبر قدر من العلوم، كل ذلك كان له تأثير على تفكيره وتشكيل آرائه.
وهو في فرنسا أصدر كتابا باللغة الفرنسية بعنوان "المصريون" للرد على هجوم داركور الفرنسي في ذلك الوقت على شعب مصر والدين الإسلامي.
زوجة قاسم أمين وأولاده
أحب قاسم أمين سيدة فرنسية وهو في فرنسا، ولكنه لم يستطع الزواج منها، ولم يذكر الأسباب التي حالت دون إتمام تلك الزيجة، وبعد أن عاد إلى مصر، تزوج في عام 1885 من المصرية الأرستقراطية زينب ابنة الأميرال أمين باشا توفيق.
كانت "زينب" زوجته تتقن اللغة الإنجليزية لأن مربيتها كانت إنجليزية، وبعد أن رزق قاسم منها بابنتين وهما سيدة وجولسن، قرر أن يتبع نفس النهج في التربية مع بنات فاستدعى لهم أيضا مربية إنجليزية.
كان قاسم أمين بدأ دعوات تحرر المرأة وخلع النقاب من داخل منزله، ولكن رفضت زوجته الاستجابة لتلك الدعوات، فبدأ يركز على بنات، واستهدف النشء الجديد من أجل ذلك.
توفي قاسم أمين يوم 22 أبريل عام 1908 في القاهرة، عن عمر يناهز 42 عاما، وكانت وفاته طبيعية. وبعد وفاته بما يقرب من 100 عام، تم تجسيد قصة حياته في مسلسل تلفزيوني حمل اسمه وجسد شخصيته الفنان كمال أبو رية.
مسيرته المهنية
في أثناء تواجد قاسم أمين في فرنسا، كان يعمل المترجم الخاص للإمام محمد عبده، كما أنه كان أحد كتاب مجلة المؤيد، وبعد أن عاد إلى مصر في عام 1995، شغل منصب قضائيا فعمل قاضيا.
عمل "قاسم" مع الإمام محمد عبده، جعله واحد من أهم تلامذته، وبعد عودته بدأ في إصدار كتبه التي تحمل أفكاره، وكان بدايتها من خلال كتاب "تحرير المرأة".
والذي أثار الجدل حول قاسم في المجتمع المصري، وبدأت الصحف تنتقده وتنقد كتابه، وفي نفس الوقت أصبح اسم قاسم أمين واحد من أشهر الأسماء في المجتمع المصري في ذلك الوقت، وبدأت فئات المجتمع مناقشة أفكاره سواء قبولا أو رفضا.
وزاد من شعبيته حينما تم ترجمته للغة الإنجليزية، ثم بدأ إصدار كتب للرد عليه، كل ذلك ساهم في أن يصبح قاسم أمين واحد من أهم الشخصيات في مصر، وكان أول كتاب صدر للرد عليه هو كتاب فصل الخطاب في المرأة والحجاب، والذي أصدره طلعت حرب الخبير الاقتصادي الشهير، ومن بعده صدر كتاب المرأة المسلمة للكاتب محمد وجدي، وحتى يومنا هذا تصدر كتب للرد على أفكار "قاسم" وتفنيدها.
تعرض قاسم وأفكاره لكثير من الرفض، حتى من زوجته، واعتبر بعض المعارضين له أن يهدد مكانة المرأة المسلمة ولا يدافع عنها كما زعم، وفي عام 1902، قرر "قاسم" إعادة تقديم أفكاره في شكل جديد، فأصدر كتاب المرأة الجديدة.
وفي هذا الكتاب حاول التركيز على حقوق المرأة وأن يكون لديها حق الاختيار والتصرف في كافة جوانب الحياة، وعارض فكرة عدم خروج المرأة للتعليم، متحدثا عن كيف أنها تفنى حياتها في تربية الأبناء فقط، في حين أن امتلاكها سلاح التعليم سيجعلها تستطيع تربية الأبناء بشكل أفضل.
كما انتقد القيود التي تفرض على السيدات خاصة في الطبقات العليا، من عدم السماح لهم بالخروج من المنزل، ودعا إلى عمل المرأة، مطالبا بإلغاء النقاب، وقال إن القرآن لم يتحدث عن ضرورة ارتدائه في حين أن كشف الوجه والكفين ضرورة، لكي تستطيع المرأة العمل.
وانتقد قاسم في كتابه المرأة الجديدة، تقاليد وقيود الزواج التي كانت تطبق في المجتمع المصري في ذلك الوقت، والتي كانت تجعل للرجل وحده حق الزواج والطلاق، وهو ما اعتبره تهميشاً للمرأة وحقها، واعتبر ذلك نوع من العبودية.
وإلى جانب أفكاره المثيرة للجدل، فإن "قاسم" يعتبر أحد مؤسسي الجامعة المصرية الأولى التي أطلقت عليها الجامعة القومية، وأصبحت الآن جامعة القاهرة، فكان يرى حاجة مصر لجامعة على الطراز الغربي، وكان أحد أعضاء اللجنة التأسيسية.
أصدر قاسم خلال حياته عدة كتب ومن أشهرها كتاب المصريون والذي صدر في عام 1892، وفي عام 1898 أصدر كتاب أسباب ونتائج وأخلاق ومواعظ، أما عن أشهر كتبه فيعد كتاب تحرير المرأة، والذي أعاد إصداره بتعديل بعض الأفكار في عام 1901 بعنوان المرأة الجديدة.