فيلو فارنزوورث.. العبقري الأمريكي مخترع التلفزيون الإلكتروني

يعود الفضل إلى المخترع الأمريكي فيلو فارنزوورث في اختراع التلفزيون الإلكتروني الحديث، حيث تمكن من تقديم أول نموذج عملي لنظام التلفزيون الإلكتروني في العشرينات، وأصبح من الشخصيات الرائدة في مجال التكنولوجيا، ولم يكن التلفزيون اختراعه الوحيد، فخلال حياته حصل على 300 براءة اختراع معظمها في مجال الراديو والتلفزيون، في السطور التالية نسلط الضوء على عبقريته وأبرز إنجازاته.

من هو فيلو فارنزوورث؟

فيلو تايلور فارنسورث، هو مخترع ومهندس أمريكي، ولد في 19 أغسطس عام 1906 في ولاية يوتا بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو مخترع التلفزيون الحديث، وقدم إسهامات وابتكارات مهمة في مجال الراديو والتلفزيون.

أبدى فيلو منذ طفولته اهتمامًا كبيرًا بالكهرباء والفيزياء، وكان مولعًا بالمجلات العلمية، التي عكف على قراءتها ودراستها، ثم خطرت له فكرة نظام تلفزيوني إلكتروني حينما أدرك أن الصور يمكن تحليلها إلى خطوط إلكترونية ثم إعادة تجميعها بسرعة لإنتاج صورة متحركة.

وفي عام 1927، وعندما كان يبلغ من العمر 21 عامًا، نجح فيلو فارنزوورث أخيرًا من إنشاء أول نظام تلفزيوني يعمل بالكامل على الإلكترونيات، وهو إنجاز غير مسبوق.

واصل فارنزوورث العمل على تقنيات أخرى لها علاقة بالراديو والتلفزيون، وتمكن من الحصول على 300 براءة اختراع خلال مسيرته.

نشأة طفل عبقري عاشق للإلكترونيات

ولد فيلو فارنزوورث في أسرة مكونة من 5 أطفال، وقد عاش طفولة متواضعة وبسيطة للغاية، حيث عاش مع إخوته في كوخ خشبي صغير بناه جده. في عام 1918، انتقلت العائلة للعيش في مزرعة أحد أقاربه، وهناك عمل والده على نقل البضائع على عربته التي تجرها الخيول.

عندما انتقل إلى البيت الجديد، تحمس فيلو كثيرًا بشأن أن المنزل كان مزودًا بالكهرباء، وهو أمر افتقده في كوخه الصغير الذي اعتاد على العيش فيه لسنوات، وبدأ شغفه بالكهرباء والمولدات.

قضى فيلو وقتًا طويلًا على دراسة المولد الكهربائي في منزله، كما كان قادرًا على إصلاح المحركات الكهربائية والغسالات منذ صغر سنه. انبهر فيلو بعدها بالهاتف الأرضي، وحوّل اهتمامه فيما بعد إلى الإلكترونيات عندما أجرى محادثة هاتفية مع أحد أقاربه.

في منزله الجديد، اكتشف فيلو مجموعة من المجلات التكنولوجية التي عكف على قراءتها، وكان يملك العديد من الاختراعات البسيطة في سن مبكرة، منها اختراعه قفلاً للسيارة ممغنط، وفاز بمبلغ 25 دولارًا على اختراعه.

دراسته

درس فيلو فارنزوورث في مدرسة ريجبي الثانوية، وكان متفوقًا في مادتي الكيمياء والفيزياء، وخلال فترة دراسته في المدرسة، كان يفكر في إنشاء تلفزيون إلكتروني بالكامل، وبدأ في رسم المخططات والدوائر الإلكترونية  التي ستساعده على تنفيذ اختراعه.

في عام 1923، انتقل فارنزوورث للدراسة في مدرسة بيرغهام يونغ الثانوية، وفي العام التالي توفي والده بسبب الالتهاب الرئوي، لذا تولى فارنوورث مسؤولية العائلة كونه الابن الأكبر، وفي الوقت نفسه كان يدرس في السنة الأخيرة من المدرسة.

بعد التخرج من المدرسة، التحق بالأكاديمية البحرية الأمريكية في ولاية ماريلاند، وحصل على ثاني أعلى درجة في البلاد في اختبارات تجنيد الأكاديمية، إلا أنه قرر إنهاء دراسته سريعًا من الأكاديمية لرغبته في اختراع التلفزيون الإلكتروني، وخوفًا على حصول الجيش على اختراعه.

استغل فارنزوورث كونه الابن الأكبر للعائلة، وحصل على تسريح من الخدمة بعد عدة أشهر لإعالة عائلته، وبعدها، حاول الالتحاق بجامعة بريغهام يونغ، لكنه لم يتمكن من ذلك لاعتبارات سياسية، ورغم ذلك، كان يحضر دروس الجامعة رغم أنه لم يكن منتسبًا لها. في المقابل، حصل فارنزوورث على شهادة راديو من المعهد الوطني للإذاعة.

زوجة فيلو فارنزوورث

تزوج المخترع فيلو فارنزوورث من إلما جاردنر، التي تعرف عليها خلال دراسته في الكلية، عام 1926، وعاشا معًا في كاليفورنيا، ثم انتقلا إلى سان فرانسيسكو واستقرا هناك. رزق فيلو من زوجته بطفلين، وهما راسل وكينت.

رحلته لاختراع التلفزيون

بدأت فكرة اختراع التلفزيون الإلكتروني لدى فيلو فارنزوورث منذ أن كان طالبًا في المدرسة الثانوية، وبدأ منذ ذلك الوقت في رسم المخططات من أجل تنفيذ فكرته. بعد التخرج من المعهد، عمل فارنزوورث في إصلاح أجهزة الراديو، وكوّن علاقات مع شخصيات مهتمة بالإلكترونيات مثله.

تعرف فارنزوورث فيما بعد على فاعلي خير من سان فرانسيسكو، وحصل منهما على تمويل أبحاثه التلفزيونية المبكرة بمبلغ أولي قدره 6 آلاف دولار، وأنشأ فيلو بعدها مختبرًا في لوس أنجلوس لإجراء تجاربه فيه.

نجح فارنزوورث بعد سنوات من البحث والتجارب في اختراع التلفزيون أخيرًا، وتواصل بعدها مع محامي براءات اختراع معترف به وطنيًا لتسجيل اختراعه، وهو الأمر الذي ساعده لاحقًا في النزاع القانوني مع شركة PCA التي حاولت سرقة اختراعه.

في سبتمبر عام 1927، نجح في نقل أول صورة حية من خلال التلفزيون الذي اخترعه، وبعدها بدأ في تطوير اختراعه. رغم أن العديد من المخترعين قد بنوا أنظمة تلفزيونية كهروميكانيكية مثل فارنزوورث، إلا أن اختراعه كان أول نظام تلفزيوني إلكتروني بالكمال في العالم، استخدم فيه المسح الإلكتروني من كل من أجهزة الالتقاط والعرض.

في عام 1928، عرض فارنزوورث اختراعه على الصحافة، وفي عام 1934، عرض اختراعه للجمهور في معهد فرانكلين في فيلادلفيا.

معارك قضائية مع شركة RCA

عندما أعلن فيلو فارنزوورث عن اختراعه، حاولت شركة الراديو الأمريكية RCA تقديم اختراع مماثل لاختراع فارنزوورث، وجندت المخترع والمهندس الأمريكي فلاديمير زوريكين، الذي حاول دون جدوى تطوير نظام تلفزيوني إلكتروني بالكامل.

في عام 1931، عرضت الشركة على فارنزوورث 100 ألف دولار مقابل شراء براءة اختراعه، بشرط أن يصبح موظفًا في الشركة. رفض فارنزوورث العرض، وانضم إلى شركة فيلكو، ولم يتوقع أن شركة RCA ستبدأ حرب قضائية ضده للاستيلاء على اختراعه.

بعدما رفض فارنزوورث عرض الشركة، رفعت ضده دعوى  تداخل، وادعت بأن براءة اختراع زوريكين عام 1923 لها الأولوية على تصميم فارنزوورث، رغم أن الشركة فشلت في تقديم أي دليل على ادعائها ذلك.

فاز فارنزوورث بالدعوى في النهاية، وأصدر مكتب براءات الاختراع الأمريكية قرارًا  بأحقيته بالاختراع عام 1934، إلا أن القضية استمرت لعدة سنوات، وخسر فارنزوورث الكثير من الأموال في غضون ذلك.

تأسيس شركة فارنسورث للتلفزيون والراديو

في عام 1938، أسس فيلو فارنزوورث شركة فارنسورث للتلفزيون والراديو في ولاية إنديانا، وحصل بعدها بعام على ترخيص لصناعة التلفزيون. باع فارنزوورث الشركة عام 1915 لصالح شركة International Telephone and Telegraph أو ITT، والتي عمل فيها فيلو لسنوات.

خلال عمله في الشركة، واصل فارنزوورث العديد من المساهمات في مجال الراديو والتلفزيون، أبرزها تحسين لشاشة الرادار الذي سمح بالتحكم الآمن في حركة المرور الجوية من الأرض، وهو النظام الرائد  لأنظمة التحكم في الحركة الجوية حتى يومنا هذا. حصل فارنزوورث على تمويل من شركة ITT للقيام بالعديد من الأبحاث الأخرى.

مسيرته بعد التقاعد والوفاة

تقاعد فيلو فارنزوورث من شركة ITT عام 1966، وانتقل إلى مسقط رأسه يوتا في العام التالي، وواصل أبحاثه في جامعة بريغهام يونغ، والتي منحته الدكتوراه الفخرية فيما بعد، كما منحته مختبرًا لمواصلة مشروعاته تحت الأرض.

حاول فارنزوورث الحصول على تمويل من أجل أبحاثه في مجال الاندماج النووي، وبالفعل تعاون مع ناسا للحصول على التمويل، لكنه فشل في توفير التمويل اللازم، وفشل في توفير الدعم المالي لأبحاثه، ووقع في الديون.

وبسبب الأزمة المالية  التي غرق فيها، بدأ في تعاطي الكحول، وأصيب نتيجة ذلك بالالتهاب الرئوي، وتوفي في 11 مارس عام 1971 في منزله في يوتا.

بعد وفاته، كافحت زوجته من أجل ضمان مكانته في التاريخ. في وقت وفاته، كان فارنزوورث يحمل 300 براءة اختراع أمريكية وأجنبية، وساهمت اختراعاته في تطوير أجهزة الراديو والرادار والمجهر الإلكترونية والتلسكوب الفلكي وغيرها من الآلات.

جوائز وتكريمات

رغم اختراعاته المبتكرة، إلا أن فيلو فارنزوورث لم يحظ بالدعم والتكريم الذي يستحقه خلال حياته، فقد حصل في حياته على الدكتوراه الفخرية من جامعة بريغهام يونغ عام 1967 فقط.

معظم الجوائز والتكريمات التي حصل عليها كانت بعد وفاته بفضل زوجته التي كافحت من أجل تذكير العالم باختراعات زوجها. في عام 2006، حصل على جائزة النسر الكشفي، ودخل قاعة مشاهير رواد البث في فيلادلفيا في العام نفسه، ثم قاعة مشاهير أكاديمية التلفزيون عام 2013.

تم وضع العديد من النصب التذكارية له بعد وفاته، منها تمثال برونزي في مبنى الكابيتول الأمريكي عام 1990، وتماثيل أخرى في عدة مدن أمريكية. تمت تسمية العديد من المناطق والمدارس والمؤسسات على اسمه.