حارب المطران غريغوار حداد الطائفية والتعصب والعنصرية في بلده لبنان وعرف بأفكاره وكتاباته التجديدية التي نشرها في مجلته "آفاق"، وقد كان المطران السابق لطائفة الروم الكاثوليك، تعرف أكثر في هذا المقال على حياته وإنجازاته.
من هو غريغوار حداد؟
اسمه نخلة أمين حداد ويُعرف باسم المطران غريغوار حداد هو شخصية دينية وسياسية بارزة في لبنان كان كاهنًا كاثوليكيًا وعرف بنضاله من أجل الحرية والعدالة والاجتماعية والسياسية في بلده لبنان طوال حياته.
عرف حداد بموقفه المناهض للاحتلال الإسرائيلي ودعم المقاومة الفلسطينية، وقد كان داعمًا قويًا لحقوق الإنسان ودافع عن حقوق الفقراء والمهمشين لذا أطلق عليه لقب "مطران الفقراء".
نال حداد احترامًا واسعًا من قبل الكثيرين في لبنان والعالم العربي، ولكنه كان شخصية مثيرة للجدل بسبب آرائه وأفكاره التي أثارت حفيظة بعض الجهات والمؤسسات في لبنان، وقد ترك وراءه إرثًا خالدًا من النضال والعدالة والحرية.
من هو المطران الأحمر؟
هو المطران غريغوار حداد، وقد حصل على هذا اللقب بسبب مواقفه الراديكية المناهضة للاحتلال ودعمه للمقاومة اللبنانية، وقد حصل على لقب مطران الفقراء أيضًا بسبب دعمه للفقراء.
نشأته وتعليمه
ولد المطران غريغوار حداد في سوق الغرب في جبل لبنان عام 1924. والده بروتستانتي من أصول أرثوذكسية أما والدته فكانت تنتمي إلى كنيسة الروم الكاثوليك.
تلقى تعليمه الأولي في مدرسة القرية ثم التحق بالدراسة في مدرسة النهضة التابعة لدير القديس جاورجيوسالشير، ونال منها شهادة السيرتيفيكا. في عام 1937 انتقل إلى الإكليريكية 1 الشرقية التابعة للآباء اليسوعيين في العاصمة بيروت وحصل على شهادة البكالوريا عام 1943.
باشر غريغوار بعدها دراسته اللاهوتية في جامعة القديس يوسف اليسوعية واستمرت دراسته لمدة 6 سنوات تقريبًا وحصل بعدها على الشهادة الكهنوتية في دير الشير على يد المطران فيلبس نبعة.
وفي الدير حصل على اسم غريغوار، حيث كان معجبًا بشدة بالمطران غريغوار حداد الذي كان بطريرك 5 في كنيسة الروم الأرثوذكس، وقد اشتهر بتواضعه وعلاقاته الطيبة مع الجميع ومساعدته للمحتاجين.
تأسيس الحركة الاجتماعية
في عام 1961 أسس غريغوار حداد الحركة الاجتماعية وهدفت إلى تعزيز التنمية الاجتماعية لكل فئات المجتمع اللبناني وخاصة الفقراء والفئات المهمشة، وقد نشطت الحركة خلال الحرب الأهلية اللبنانية بشكل خاص وقدمت مساعدات إنسانية للأهالي في لبنان.
تميزت هذه الحركة بأنها جمعية غير طائفية وليس لها أي انتماء حزبي، بل عملت جنبًا لجنب مع كل الفئات والطوائف في لبنان، وركزت على الإنسان بمفهومه الشامل بدون أي انتماءات حزبية أو طائفية أو دينية.
عززت هذه الحركة دور المواطن وشجعت التضامن الاجتماعي، وتجاوزت الدور التقليدي لتقديم المساعدات أو توعية المواطنين بحقوقهم، وإنما أيضًا عملت على توعية المجتمع بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية وطالبت السلطات المعنية بالاهتمام بالفئات المهمشة وأخذ حقوقهم بعين الاعتبار متمسكة بمبدئها الأساسي بعدم التحزب وعدم العنف وعدم الطائفية.
مناصب كهنوتية تولاها
في عام 1968 انتخبه سينودس الروم الكاثوليك مطرانًا على أبرشية بيروت وقد ظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1975، أسس خلالها مجلة "آفاق" ونشر فيها مقالاته اللاهوتية.
كانت آراؤه التي نشرها في هذه المجلة سببًا في بدأ الخلاف بينه وبين البطريرك والسينودس في عام 1975 لذا تم عزله من منصبه وانتقل إلى أبرشية أضنا الفخرية، إلا أن الفاتيكان أقر ببراءته من أي انحراف لاهوتي نسب إليه.
تولى غريغوار حداد بعدها عدة مناصب كهنوتية هامة، وتنقل في إقامته بين عدة أماكن منها دير للمتوحدين 10 في فاريا، والمقر البطريركي للروم الكاثوليك في الربوة إلا أنه قرر الاعتكاف عام 1992.
في عام 2000 أسس "تيار المجتمع المدني" مع بعض من المناضلين العلمانيين في البلاد، وسعت هذه الجمعية إلى بناء مجتمع إنساني متكامل.
فكر غريغوار حداد وآراءه
اشتهر غريغوار حداد بانفتاحه على الإسلام والدين الإسلامي، كما عرف بتضامنه مع القضية الفلسطينية، وكانت له مواقف وآراء علمانية وتخلى عن بعض الرموز الكهنوتية المسيحية ودعا إلى العلمانية.
كانت آراؤه تلك سببًا في تعرضه لانتقادات كثيرة، كما اتهمه البعض بالكفر، حتى إنه تعرض للاعتداء بسبب ذلك، ففي عام 2002 تعرض للاعتداء على يد شاب مسيحي متعصب أمام مبنى التلفزيون.
اهتم غريغوار حداد بالإنسان مهما اختلفت طائفته أو دينه أو أيدولوجية وكان الإنسان محور اهتمامه الأول، وقد ظهر هذا الاهتمام بالجمعيات التي أسسها أو الكتب التي ألفها كذلك.
يرى حداد أن المجتمع المدني مبني على نظرية التعاقد بين الفرد والمجتمع على أن يلتزم المجتمع بقوانين واحدة تساوي فيما بينهم، لذا استخدم تعبير "مجتمع الإنسان كل إنسان وكل الإنسان"، وقصد به جميع الناس بدون تمييز أو استثناء بسبب الجنس أو الدين أو اللون أو الثروة.
اهتم غريغوار كذلك بالحوار بين المسيحيين والمسلمين وقد تركزت أنشطة على هذا الهدف وشملت الشباب والشابات على اختلاف أديانهم وطوائفهم، وحاول التواصل المباشر بينهم لمحو كل الأفكار الخاطئة عن كل فئة وتصحيح الصور النمطية السلبية فيما بينهم.
ومن هذا المنطق تطورت الفكرة العلمانية لدى غريغوار، حيث دعا إلى العلمانية كرد فعل على الطائفية التي أشعلت فتيل الحرب في المجتمع اللبناني لسنوات، وركز على الجانب الإيجابي في العلمانية التي تقضي باحترام الأديان دون تعارض وتراعي التحديات السياسية والثقافية والاجتماعية دون إلغاء الطوائف.
كانت علمانية غريغوار من أجل التعايش لا من أجل نبذ الدين ونفيه من حياة الإنسان، بل على النقيض فقد سعى إلى تعزيز المواطنة المتساوية المبنية على المساواة والعدل والحرية على أن يعيش كل فرد وهو يمارس عقائده بحرية دون خوف.
كتب غريغوار حداد
ترك لنا المطران غريغوار حداد عددًا من المؤلفات المميزة التي نشر فيها أفكاره العلمانية ودافع عنها، ومن هذه المؤلفات "العلمانية الشاملة"، و"المسيحية والمرأة"، و"تحرير المسيح والإنسان"، والبابا ولبنان" وكتب أخرى.
كتب كذلك "أغاني الأولاد والأحداث"، وكتاب "القواعد العربية" وكانت له عدة مؤلفات باللغة الفرنسية، فضلًا عن المقالات التي كتبها في جريدة "آفاق" التي أسسها في منتصف السبعينات.
وفاة غريغوار حداد
توفي المطران غريغوار حداد في 29 ديسمبر عام 2015 عن عمر يناهز الـ91 عامًا بعد صراع طويل مع المرض، وقد حضر جنازته الكثير من الأشخاص من فئات وطوائف ومناطق مختلفة في لبنان لتوديعه.