لم تكن عوشة بنت حسين لوتاه امرأة إماراتية عادية بل كانت نموذجًا فارقًا في تاريخ نساء دبي، بفضل ما اشتهرت به من ذكاء وإسهامات اجتماعية وثقافية جعلتها واحدة من أبرز النساء في تاريخ دبي والإمارات وقد تم تحويل بيتها إلى متحف وتخصيص جزء من متحف المرأة في دبي للحديث عنها وعن إنجازاتها، في السطور التالية تعرف أكثر على إسهاماتهما وأهم إنجازاتها.
من هي عوشة بنت حسين لوتاه؟
اسمها بالكامل عوشة بنت حسين بن ناصر بن لوتاه هي سيدة ملهمة إماراتية ولدت في عام 1939 وتعد من النساء الرائدات في دبي التي سبقت عصرها في كل شيء، فقد تعلمت القراءة والكتابة وحررت عقلها بإرادتها الحرة.
السيدة عوشة هي والدة نماذج إماراتية بارزة، فابنتها هي الدكتورة رفيعة غباش، أول طبيبة نفسية في الإمارات، ابنها الثاني غانم غباش من رواد الرياضة والثقافة في الإمارات. ابنتها أيضًا الدكتورة موزة غباش من الشخصيات البارزة في المجال الثقافي في الإمارات وهي رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي.
نشأتها وحياتها
عاشت السيدة عوشة بنت حسين بن لوتاه في الفترة بين 1939 و1992، وقد تولت مسؤوليات بيتها وإدارة شؤون أسرتها على أتم وجه، وعملت على تعليم أبنائها وتثقيفهم.
والدها هو الشاعر الشهير حسين بن ناصر بن لوتاه، أما والدتاه فهي علياء ابنة الشاعر محمد بن قطامي. كان والدها معروفًا بتجارة اللؤلؤ ويملك عددًا من السفن، وقد رحلت الأسرة إلى عجمان عام 1912 وتأثرت تجارة دبي بشدة عندما رحلوا إلى عجمان، إلى أن الأسرة عادت من جديد إلى دبي في نهاية الأربعينيات تقريبًا.
تعلمت السيدة عوشة القراءة والكتابة على يد أحد رجال الدين اسمه سيد أحمد الهاشمي،وقد كانت هذه سابقة لم تقم بها أي امرأة أخرى في هذا الوقت، رغم أنه لم يكن المعيب أن تتلقى المرأة العلم على يد الرجال آنذاك.
وظفت السيدة عوشة القراءة لتشكل وعيًا مبكرًا لها، فبعد زواجها عام 1948 من السيدة عبيد بن غانم بن غباش بدأت شراء المجلات والكتب مثل "آخر ساعة"، و"المصور"، و"روز اليوسف"، ومجلة "المجلة"، و"صباح الخير" من أجل أن تعرف أوضاع الشرق الأوسط وتثقف نفسها.
ليس هذا فحسب، بل كانت إذاعة صوت العرب هي رفيقها في يومها تسمع إليه بشكل منتظم يوميًا، وكانت هذه الإذاعة حينها موجهة خلال الاتحاد بين مصر وسوريا والذي استمر لمدة 3 سنوات.
أحبت السيدة عوشة الإذاعة والراديو، وتأثرت بالقضايا العربية والوطنية التي تُثار في برامج ونشرات الإذاعة فتمكنت من تشكيل وعي خاص بها وآراء متعلقة بالقضااي العربية والوطنية، رغم أن دبي حينها كانت معزولة عن العالم لا يربطها بالعالم إلى مذياع فقط.
لم تكتفِ السيدة عوشة أن تتفاعل مع قضايا الأمة العربية بقلبها فقط، بل كانت ترسل رسائل إلى الراديو والتي كان يقرأها الإذاعي الكبير في راديو صوت العرب أحمد سعيد، وقد سبب لها هذا الأمر مشكلة في أسرتها، حيث احتج بعض أفراد أسرتها على سماع اسمها في الإذاعة.
كانت السيدة عوشة أم شمولية مارست دورها ضمن المجتمع الخليجي، وكانت جهودها مع أبنائها بارزة إذ حصل 4 منهم على درجة الدكتوراه، وجعلت بيتها مفتوحًا للأبناء والأحفاد والفقراء كذلك.
أبرز إنجازات عوشة بنت حسين بن لوتاه
كانت السيدة عوشة بنت حسين بن لوتاه امرأة استثنائية سبقت عصرها، فقد كانت من أوائل النساء اللاتي تلقين العلم على يد الرجال، وكانت سابقة في مجتمعها خلال هذا الوقت، كما كانت أول امرأة تكتب وتقرأ في مجتمعها.
أظهرت السيدة عوشة منذ صغرها نبوغًا وقدرة على إدارة الأزمات، وقد أحبها والدها وأخصها بالاهتمام بسبب ذلك. خلال الحرب العالمية الثانية ظهر اللؤلؤ الياباني المزروعة وبجانب منع بريطانيا الاستيراد والتصدير بسبب الحصار على حركة السفن في الخليج وهو ما أثّر بالسلب على تجارة اللؤلؤ في الخليج.
ورغم هذا الكساد إلا أن أسرة عوشة كانت تملك بعض المؤن، لذا منحها والدها مهمة الإشراف على مخازن الأسرة، وذلك عندما كانت تبلغ من العمر 14 عامًا فقط، وقد تمكنت عوشة من إدارة هذه المخازن بشكل رائع وقدمت المساعدات للناس خلال هذه الأزمة.
كانت عوشة كذلك تدير التجارة مع زوجها عبيد، كما كان لها دور وطني وقومي رائع، حيث استقبلت مندوب الزعيم جمال عبد الناصر في منزلها للاطلاع على أوضاع منطقة الخليج التي كانت مستعمرة من قبل الإنجليزية ومعزولة عن الوطن العربي.
رواق عوشة بنت حسين
بسبب دور السيدة عوشة بنت حسين بن لوتاه المجتمعي البارز وما قدمته من دعم وتثقيف ورعاية لأبنائها وأبناء المنزل الذي كانت تديره لسنوات طوال قررت ابنتها، السيدة موزة غباش، أن تفتتح مؤسسة وطنية إماراتية اسمها "رواق عوشة بنت حسين" وهي مؤسسة تهتم بالشؤون الثقافية الوطنية.
أسست السيدة عوشة هذا الرواق بعد وفاة والدتها عوشة عام 1992، وتهدف بهذا الرواق الارتقاء بالحالة الفكرية والاجتماعية للإمارات وبناء مجتمع الإمارات وهوية وثقافته.
أصبح ذا الرواق صرحًا ثقافيًا واجتماعيًا وخيريًا كذلك، ويدعم الرواق العملية التربوية والتعليمية في الإمارات، وفي عام 2017 تم اعتماد هذه المؤسسة كمؤسسة أهلية ذات نفع عام من قبل وزارة تنمية المجتمع.
يقدم الرواق عدة جوائز لفئات مهمة ومتنوعة في المجتمع، وتشمل هذه الجوائز جائزة الأم المثالية، وجائزة الأب المثالي، وجائزة أصحاب الهمم، وجائزة الشباب المبتكرين.
قاعة "امرأة من دبي"
أسست السيدة رفيعة غباش، ابنة عوشة بنت حسين بن لوتاه، متحف المرأة في دبي، وقد خصصت قسمًا خاصًا لوالدتها في هذا المتحف في قاعة اسمها "امرأة من دبي" وذلك في عام 2020.
وقد حضر الافتتاح مستشار صاحب السمو حاكم دبي للشؤون الإنسانية والثقافية المستشار إبراهيم محمد بوملحة، وقد وثقت السيدة رفيعة في هذا المتحف سيرة والدتها.
مشروع للإبداع بيت
في عام 2022 حولت السيدة رفيعة غباش، ابنة عوشة بنت حسين، منزلها إلى متحف تحت عنوان "للإبداع بيت" والذي أصبح مقرًا للفنانين التشكيليين والنحاتين والأعمال الفنية والإبداعية.
وقد هدفت رفيعة من خلال هذا المتحف أن تخلد ذكرى والدتها، والمتحف كائن في منطقة الحمرية في دبي، ومكتوب على مدخله "أمي عوشة منزلك الجميل – الذين بنيته لك- ولكل الذين عاشوا معك، أصيب بحالة حزن حين خرجنا منه، وانقطعنا عنه، لكنه استطاع أن يصمد، وأخص لأصوله كما يخلص البحر".
المنزل يحتوي على 4 قاعات كبيرة و8 غرف في الطابق الأرضي و3 غرف في الطابق العلوي، بالإضافة إلى ملحق يضم 8 غرف. يحوي المتحف حوالي 120 عملاً فنيا يعود لنحو 85 فناناً إماراتياً، حيث تم شراء معظم هذه الأعمال أو إعارتها أو تقديمها كهدايا.
كتاب "امرأة سبقت عصرها"
كتبت الدكتورة رفيعة غباش كتاب بعنوان "امرأة سبقت عصرها" وهو الكتاب الذي يجسد قصة حياة والدتها وأهم إنجازاتها ودورها البارز في تثقيف وتعليم أبنائها.