من طالب نجيب ابن وجهاء مدينة دمياط إلى واحد من أهم علماء العرب، وأول مصري يحصل على دكتوراه العلوم من جامعة لندن، الدكتور علي مصطفى مشرفة قصة عالم نابغة تمكن من الحصول على الدكتوراه وهو دون الثلاثين، ورفع مكانة مصر العلمية.
ولد علي مصطفى مشرفة في الـ11 من يوليو عام 1898 في مدينة دمياط بمصر، وهو الابن الأكبر للتاجر مصطفى مشرفة أحد وجهاء المدينة.
له أربعة أخوة، وهم نفيسة، ومصطفى، وعطية، وحسن، وتلقى تعليمه الأول على يده والدته، وبعدها في مدرسة "أحمد الكتبي".
ظهرت معالم نبوغه في سن مبكرة، فكان دائمًا الأول على مدرسته، كما أنه كان من المتمكنين في علوم الدين، ومن المتأثرين بأفكار "جمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده".
على الرغم من تفوقه الدراسي، إلا أنه ذكر أن حياته كانت تخلوا من المبهجات، فكانت والدته تقول دائمًا إن اللعب مضيعة؛ لهذا تعلم الوقار في سن اللهو، حتى إنه كان يرى أن الجري من أشكال الخروج عن الوقار.
ليس ذلك فحسب، بل إنه تولى مسؤولية إخوته الأصغر منه في سن مبكرة، حيث توفي والده في عام 1910 بعد أن فقد ماله في إحدى مضاربات القطن عام 1907، وخسر كل ماله وأرضه، وحتى منزله.
كانت طفولة علي مصطفى مشرفة صعبة حيث تولى ابن الـ12 عشر مسؤولية أسرته، وانتقلوا معًا إلى القاهرة مع جدتهم لأمهم واستأجروا شقة في حي محي بك بعابدين.
وبعد سفره التحق بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية، وأمضى فيها سنة، ومن ثم انتقل إلى مدرسة السعيدية في القاهرة، ودرس فيها بالمجان لتفوقه الدراسي.
ومنها حصل على الشهادة الثانوية بقسمه الأول –الكفاءة- عام 1912، وبعدها بعامين حصل على القسم الثاني –البكالوريا- وكان ترتيبه على مصر، وكان عمره آنذاك 16 عامًا.
وبسبب تفوقه تمكن من اختيار إلى مدرسة يرغب في الالتحاق بها، فاختار الدراسة في "دار المعلمين العليا" الذي تخرج فيها بتفوق بعد 3 سنوات من دراسته فيها.
وبسبب تفوقه الدراسي وتخرجه الأول على مدرسته قررت وزارة المعارف العمومية أن ترسله في بعثة علمية إلى بريطانيا ليكمل دراسته هناك.
شاهد أيضًا: الخوارزمي أبو الرياضيات ومؤسس علم الجبر
عند سفره للدراسة في الخارج بدأت مرحلة جديدة في حياته وظهرت علامات النبوغ العلمي أكثر وأكثر، فاستطاع أن يكمل دراسته الجامعية جامعة نوتنجهام الإنجليزية في ثلاث سنوات فقط، وحصل منها على البكالوريوس في الرياضيات.
وبسبب نتيجته في الدراسة طلب أساتذته في بريطانيا من وزارة المعارف المصرية أن يتابع مصطفى مشرفة دراسته في جامعة لندن، وقابلت طلبهم بالاستجابة.
وفي عام 1920 التحق بالكلية الملكية لدراسة الدكتوراه وحصل عليها عام 1923 في تخصص فلسفة العلوم، وكان يُشرف عليها حينها العالم الفيزيائي أليسون الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء.
وفي العام التالي تمكن من الحصول على درجة دكتوراه العلوم في جامعة لندن وكان حينها لم يحصل عليها سوى 11 عالمًا فقط، وبطلب من وزارة المعارف عاد مشرفة إلى مصر وعمل مدرسًا للرياضيات في كلية المعلمين العليا.
كما عمل مدرسًا مشاركًا في الرياضيات التطبيقية في جامعة القاهرة في كلية العلوم، وكان حينها دون سن الثلاثين، ولكنه مُنح لقب "الأستاذ" عام 1926 رغم مخالفة قانون الجامع الذي يسن عدم منح لقب الأستاذ لمن هم دون الثلاثين.
- مُنح لقب الباشا في عهد الملك الفاروق، ولكنه رفض هذا اللقب، حيث يرى أنه لا يوجد أفضل من لقب دكتور.
- سُمي مختبر وقاعة محاضرات باسمه في جامعة القاهرة في كلية العلوم، وكل سنة تتولى عائلته منح مكافأة سنوية للطالب الأكثر تميزًا في الرياضيات.
- أنشأت حكومة المملكة المتحدة منحة تعليمية تحت اسمه نيوتن- مشرفة للدكتوراه.
قدم مشرفة العديد من الأبحاث العلمية أثناء دراسته الجامعية ولم يتجاوز حينها سن الـ25، فأول بحثين نُشرا له كان في عام 1922، ونال على إثرهما درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم.
وبعدها بعام قدم مشرفة 7 أبحاث علمية تدور حول تطبيق قواعد ميكانيكا الك على تأثير زيمان، وتأثير شتارك، وحصل بسببها على درجة دكتوراه العلوم.
وفي عام 1932 قد بحث "هل يمكن اعتبار الإشعاع والمادة صورتين لحالة كونية واحدة" وتمكن من إثبات هذه النظرية في بحثه.
بجانب الأبحاث العلمية نشر العديد من المؤلفات والكتب العلمية، وكان له دور كبير تقدم العلم من خلال تلخيص وشرح مبادئ العلوم المعقدة للشخص البسيط.
حيث كان يرى أن العلم هو أساس تقدم أي أمة، فدأب على تأليف الكتب وتلخيصها، وشرح العديد من الألغاز العلمية بلغة بسيطة وواضحة يمكن لأي من غير من المتخصصين فهمها، فألف 12 كتابًا علميًا، ولعل أهمهم:
- كتاب نحن والعلم.
- كتاب الذرة والقنابل الذرية.
- كتاب العلم والحياة.
- كتاب الميكانيا العلمية والنظرية.
- كتاب الهندسة وحساب المثلثات.
- كتاب حساب المثلثات المستوية.
تُرجمت العديد من كتبه إلى اللغات الأجنبية مثل الإنجليزي، والفرنسية، والبولندية والألمانية، كما ترجم بنفسه 10 كتب علمية عن الفلك والرياضيات إلى العربية.
فضلًا عن مساهمته في كتابة موسوعة علمية عربية، فكتب عن التراث العلمي العربي، وكان من أشد المعارضين الطاقة الذرية في الحروب.
أيضًا نشر بمساعدة تلميذه محمد موسى أحمد ملخص لكتاب الخوارزمي وسماه "كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة".
كما قدم العديد من الأوراق العلمية التي نُشرت في المجلات العلمية المختلفة، ومنها المجلة الفلسفية، ومجلة نيتشر، ومجلة وقائع الجمعية الفيزيائية الرياضية، ومجلة وقائع الجمعية الملكية، ونشر ما يزيد عن 25 ورقة بحثية كان معظمها تدو رعلى نظرية النسبية، والعلاقة بين المادة والإشعاع.
والمثير للاهتمام أن مشرفة كان مهتمًا كثيرًا بالعلاقة بين الموسيقى والرياضيات، فكان من المساعدين في إنشاء الجمعية المصرية لمحبي الموسيقى.
شاهد أيضًا: عمر الخيام الفيلسوف والطبيب والشاعر
تاريخ ميلاد علي مصطفى مشرفة في 15 يناير عام 1950 إثر أزمة قلبية، وهناك الكثير من السيناريوهات حول وفاته.
فقيل إنه مات مسمومًا وأن خلف وفاته هو أحد مندوبي الملك فاروق، وأيضًا قيل إن أجهزة الموساد الإسرائيلي كانت خلف وفاته.
ولكن نفى أخوه الدكتور عطية مشرفة كل هذه الأقاويل في كتابه "دكتور علي مصطفى مشرفة: ثروة خسرها العالم" وذكر في كتابه أنه مات على فراشه.
عاش علي مصطفى مشرفة طفولة صعبة وجادة خالية من البهجة والمرح، ولكن كانت لظروف تربيته وطفولته أشد التأثير على نبوغه العلمي في سن مبكر، فأصبح واحدًا من أهم علماء مصر والعرب.