يعد المفكر الإيراني علي شريعتي من أبرز الرموز الفكرية الإسلامية في إيران خلال القرن الـ20، فقد ألهمت أفكاره ورؤيته الثورة الإيرانية التي لم يعشها، وكانت أفكاره سببًا في وفاته ومعاناته لسنوات، فقد قضى معظم سنوات حياته معارضًا للنظام الملكي، تعرف سيرته وأهم أفكاره في هذا المقال.
من هو علي شريعتي؟
هو مفكر إسلامي واجتماعي إيراني بارز ولد في 23 نوفمبر عام 1933 في مدينة مشهد لإيرانية لعائلة متدينة، فقد كان والده واعظًا يملك مركزًا دينيًا.
يعتبر أحد الشخصيات الرائدة في الفكر الإسلامي المعاصر في إيران، وله تأثير كبير على الحركات الثورية والإصلاحية في العالم الإسلامي، وقد انخرط في النشاط السياسي منذ شبابه، وتأثر بالعديد من الحركات الفكرية والسياسية.
ركز شريعتي على الإسلام كمصدر للتحرر والتغيير الاجتماعي، والسياسي، ودعا إلى الجمع بين الإسلام والفكر الثوري من أجل مواجهة الظلم والاستبداد، وقد كان ناقدًا للاستعمار والإمبريالية، وانتقد الأوضاع الاجتماعي والاقتصادية في إيران والعالم الإسلامي.
حاول شريعتي الدمج بين المفاهيم الإسلامية مع الحداثة، وكانت أفكاره جاذبة للعديد من الشباب والمثقفين، وقدم تفسيرًا حديثًا للإسلام تماشى مع القيم الإنسانية، والعدالة الاجتماعي، وقد عمل على توعية الجماهير عبر مؤلفاته ومحاضراته.
وقد لعبت أفكار شريعتي دورًا هامًا في تشكيل الأيدولوجية الثورية في إيران قبل الثورة الإسلامية، وكانت لأفكاره تأثير على جيل الشباب الذين كانوا جزءًا من الثورة الإيرانية.
ورغم وفاته لا يزال يعد شخصية محورية في الفكر الإسلامي الحديث، ولا تزال أفكاره تلهم العديد من الحركات الإصلاحية والثورية الإسلامية حتى يومنا هذا.
تبنيه الفكر الثوري في سن مبكر
ولد المفكر الإيراني علي شريعتي في إحدى قرى مدينة مشهد في عائلة متدينة، فقد كان والده محمد تقي شريعتي رجل دين بارز، وكان له شديد الأثر على فكره وشخصيته.
عاش شريعتي سنوات مراهقته في قراءة كتب التصوف والفلسفة التي شكلت أيدولوجيته وفكره الأولي، وكانت الظروف السياسية في إيران ما جعلته ينتقل إلى عالم السياسة، وخاصة خلال ثورة رئيس الحكومة محمد مصدق في ذلك الوقت.
ويصف شريعتي هذه الفترة قائلًا: "دفعتني ظروف معيشتي إلى أن أشيخ باكرًا خلال طفولتي"، فقد تأثر منذ صغره بالجو الثوري في إيران، ورغم أنه نشأ في عائلة متدينة، إلا أنها كانت بيئة دينية متفتحة لا تقلد الأفكار التقليدية السائدة بطريقة عمياء.
في عام 1953، وعندما تم عزل مصدق بقرار من الشاه، انخرط علي شريعتي في العمل المقاوم والثوري في سن مبكرة، فقد كان مؤيدًا لرئيس الحكومة المخلوع، ومناهضًا للشاه، وقد أثر الانقلاب بشكل كبير في فكره، فقد كان دائمًا ما يذكر في كتب أن معلمه هو الإمام علي بن أبي طالب، وقائده هو محمد مصدق.
شارك شريعتي في المظاهرات المناهضة للشاه، وقد أدت هذه المظاهرات إلى اعتقاله عام 1954، إلا أنها لم تمنعه من مواصلة المعارضة، فقد أصبح أكثر تصميمًا على رأيه، وأكثر مواجهة ومناهضة للحكم الملكي في البلاد.
التحق شريعتي بكلية الآداب، وخلال دراسته الجامعية اعتقل مرة أخرى بتهمة إهانة الشاه، وذلك في عام 1957، وقد كان مشهورًا جدًا في السجن بسبب أفكاره، حتى إن رئيس جهاز المخابرات الإيرانية بحث عنه لكي يهزأ منه أمام الجميع.
مواصلة النضال في الغرب
بعد خروجه من السجن تزوج من زميلته في الجامعة، ثم سافر إلى فرنسا في منحة دراسية، حيث كانت باريس حينها قبلة المثقفين والمفكرين من حول العالم، وهناك كانت فرصته لمناقشة الأيدولوجية، وتعرف على العديد من الشخصيات الفلسفية البارزة.
لم يتوقف ميل علي شريعتي للنضال في الغرب، فقد صُدم من الحرية الغربية، وكان مناهضًا للاستعمار الأوروبي في أفريقيا، وشارك في مظاهرات للتنديد بالاستعمار عام 1962، كما كان مؤيدًا للثورة الجزائرية، وحركات التحرر في العالم لذا اعتقل في فرنسا.
خلال تواجده في باريس بدأت انتفاضة دموية في إيران، وبرز اسمها الخميني فيها كرمز للمعارضة، وقد أيد شريعتي الاتجاه النضالي في إيران، حتى إنه كتب في إحدى الصحف قائلًا: "حانت نهاية النضال السلمي، علينا الرد على طوفان الحديد والنار بلغة البنادق وقوة الحرب".
العودة إلى إيران والتأثير الثوري
بعد إنهاء دراسته في فرنسا عاد علي شريعتي إلى إيران عام 1964، بعد أن حصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، إلا أنه اعتقل فور عودته إلى البلاد من قبل المخابرات الإيرانية؛ بسبب أفكاره المناهضة للحكومة، ووجهت إليه تهمة التحريض ضد الأمن القومي.
مكث شريعتي في السجن لمدة 6 أسابيع، وبعد خروجه لم يتمكن من الالتحاق بالعمل الأكاديمي، فلم تساعده درجة الدكتوراه من السوربون على أن يصبح مدرسًا في الجامعة، لذا أصبح موظفًا في وزارة التعليم الإيرانية.
في عام 1966 تمكن شريعتي في النهاية للتدريس في قسم التاريخ في جامعة مشهد، لتصبح منصة لمقابلة الشباب، وتوعيتهم حول النضال ضد الشاه، وأصبح قدوة للكثير من الشباب في الجامعة، ولمع نجمه بشكل كبير بسبب قدرته على جذب الشباب إليه بسبب خطبه النارية، وأفكاره الثورية.
جذبت محاضراته وخطبه الموجهة للشباب في الجامعة انتباه المخابرات الإيرانية، والتي استدعته أكثر من مرة للتحقيق معه، إلا أنها سمحت بموصلة نشاطه، وهذا ما أثار قلق المعارضة التي اتهمته بأنه يتعاون المخابرات الإيرانية أو "السافاك"، إلا أنه نفى هذه التهمة أكثر من مرة.
كانت المخابرات الإيرانية تحاول ضم علي شريعتي في صفوفها، فقد كانت تكتب في تقاريرها عنه أنه "مفيد جدًا، وسيكون مفيدًا للدولة لو تم إدارته بشكل جيد"، كما وصفته المخابرات بأنه شخص واسع المعرفة، والتضييق عليه لن يكون في صالح الحكومة؛ لأنه سيفقده الإيمان بالنظام والدولة.
إلا أن سياسات الشاه في محاولة جذب علي شريعتي لصفه باءت بالفشل، بل أصبحت محاضرات شريعتي محل اهتمام الجامعات الإيرانية، حيث تلقى عروضًا لإلقاء محاضراته في العديد من الجامعات.
أصبح مركز "حسينية الإرشاد"، الذي يعد من أهم المراكز الثقافية والدينية في إيران، والتي احتضنت العديد من النشطاء السياسيين هناك، مسرحًا للعديد من محاضراته الثورية.
وبسبب نجاح محاضراته، وقدرته على استقطاب الجمهور، منع شريعتي في النهاية من إلقاء المحاضرات، وأصبح مركز حسينية الإرشاد في مواجهة العديد من الجماعات الدينية المتطرفة التي اتهمته "بالضلال".
لم يستمر أمر التوقيف طويلًا، فبعد 7 أشهر فقط عاد شريعتي مجددًا لإلقاء محاضرات في الحسينية، وأصبحت محاضراته أكثر شراسة وقوة، وأكثر مهاجة للشاه وحكومته.
بداية المقاومة المسلحة
في عام 1971، ومع بداية المقاومة المسلحة على الشاه، أصبح الوضع في إيران أكثر خطورة، وتزامن هذا مع خطب علي شريعتي التي ازدادت شدة وحده، وقد كان داعمًا بشدة للمقاومة المسلحة.
وبرز ذلك في العديد من خطاباته، التي كانت سببًا في ازدياد العنف في البلاد، واتجاه الكثير من الناس للعمل المسلح، فقد قال في أحد خطبه: "نحن الآن في مرحلة انتقالية، وقد آن الأوان للتحرك. إن الموت في سبيل قضية شريفة وعادلة لا يؤدي اختفاء القضية، فالصوت الصادق قد يقمع، ولكنه لن يخمد أبدًا".
بسبب خطبه النارية ودعوته للمقاومة المسلحة تم إغلاق مركز الحسينية، واعتقل شريعتي مع والده، وحبس في زنزانة انفرادية لمدة 18 شهرًا، وبعد خروجه من السجن ظل في الإقامة الجبرية، ومنع من مقابلة أي شخص، فعاش وحيدًا بين أفكاره ومؤلفاته.
سبب وفاة علي شريعتي
لم يتمكن علي شريعتي من البقاء في عزلته طويلًا، فقد قرر الهرب من إيران في عام 1975، واستخدم جواز سفر مزور متجهًا إلى أوروبا، ولم تكن وجهته إلى أوروبا معروفة في البداية.
وبعد فترة من هروبه وجد شريعتي مقتولًا في شقته بعد 3 أسابيع فقط من وصوله إليها، وقد ذكر تقرير المستشفى في لندن أن سبب الوفاة هو نوبة قلبية قاتلة، إلا أن مؤيدي الثورة أيدوا فكرة أنه تم اغتيال علي شريعتي من قبل مخابرات الشاه.
قُتل شريعتي بعمر 43 عامًا، وتوفي قبل عامين من قيام الثورة الإيرانية، وهي الثورة التي قامت على أفكاره الثورية.
أين يقع قبر علي شريعتي؟
دفن الدكتور علي شريعتي في مقام السيدة زينب في العاصمة السورية دمشق.
كم عدد مؤلفات على شريعتي؟
ألف عدد شريعتي العديد من الكتب والمؤلفات الثورية، ومنها "طريق معرفة الإسلام"، و"العودة إلى الذات"، و"الحسين وارث آدم"، و"الدعاء"، و"الإسلام والإنسان"، و"التشيع العلوي والتشيع الصوفي".
ألف كذلك كتب "فاطمة هي فاطمة"، و"النباهة والاستحمار"، وهي من أفضل كتب علي شريعتي، وكناب "مسؤولية المثقف"، و"بناء الذات الثورية"، و"التشيع مسؤولية"، و"سيماء محمد"، و"الشهادة"، و"الأمة والإمامة"، و"مسؤولية المرأة"، و"الإنسان والتاريخ"، و"الفريضة الخامسة"، و"دين ضد دين"، و"الإسلام ومدارس الغرب".
من أقوال علي شريعتي في كتبه: "الحرية الفردية أداة تخدير كبرى لإغفال الحرية الاجتماعية، حيث النباهة الاجتماعية القضية ذات الأهمية الكبرى".
ومن أقواله أيضًا: "الاستحمار هو طلسمة الذهن وإلهاؤه عن الدراية الإنسانية والدراية الاجتماعية وإشغاله بحق أو بباطل، مقدس أو غير مقدس".
ومن اقتباسات علي شريعتي في "العودة إلى الذات": "إلهي لا تجعلني مضطرا إلى الترجمة والتقليد، إنني أريد أن أحطم القوالب القديمة التي ورثتها لأستطيع الصمود في وجه قوالب الغرب، وليخرس هؤلاء وأولئك، فأنا وحدي أريد أن أتكلم".
حيث انتقد علي شريعتي الاتجاهات القائلة بأننا أمام خيارين لا ثالث لهما، وهي إما التغريب أو العودة إلى الماضي دون نقد وتمحيص، ورأى أن هناك خيارًا ثالثًا، إلا وهو العودة إلى الروح الإسلامية الخالصة.